فلسفة العصور الوسطى

الخصائص العامة للفترة المبكرة من العصور الوسطى

خلال هذه الفترة المبكرة من العصور الوسطى، نجد العديد من الكتاب، عادة ذوي قناعة “أفلاطونية” كبيرة، يتعاملون مع الموضوعات الفلسفية بنحو غير منهجي، ولكنها بعيدة عن التعامل السطحي، الذي لا يميز الفلسفة عن اللاهوت، أو عن “أدب الحكمة” عموما.


وغالبا ما يقومون بتقديم وجهات نظرهم بواسطة الحجج، التي تبلغ حد المناشدة من أجل “رؤية” الكيفية التي تسير بها الأمور (“انظر، ألا ترى؟”).[20] هذه ببساطة ملاحظة عامة، وإن لم تكن كلية، بخصوص هؤلاء المؤلفين، ولا ينبغي اعتبارها قيدا، أو عيبا فلسفيا.


في النهاية، تم تقديم بعض من أهم الفلسفات في العالم، بهذه الطريقة “الرؤيوية”. ضع في اعتبارك دور “الحدس” في ظاهراتية القرن العشرين، على سبيل المثال، ناهيك عن قصيدة بارمينيدس (حيث يتم تقديم الفلسفة بواسطة إلاهات) وقسم كبير من فلسفة أفلاطون، بما في ذلك مجاز الكهف.


هناك استثناءات كثيرة في هذا التعميم. فتعليقات بوثيوس المنطقية، على سبيل المثال، فلسفية بحتة، وهي في معظمها جدلية بنحو أصيل، حتى إن ساد معظمها الغموض، ويصعب على القراء المعاصرين فهمها. على الرغم من أن كتاب إيريوجينا في تقسيم الطبيعة “رؤيوي”، إلا أنه منهجي تماما في بنيته.


وفي عصر أنسيلم، بدأ دور الجدل المنطقي في النمو. بالتأكيد،، فإن التعميم لا ينطبق إطلاقا على أبيلارد.
ومع ذلك، هناك تغيير كبير على وشك أن يحدث. قبل أبيلارد، لم تكن الفلسفة في العصور الوسطى شأنا أكاديميا صرفا. فقد كانت موجهة، في الغالب، إلى القارئ جيد الثقافة، والمهتم بالمواضيع التي تتم مناقشتها.


كتاب بوثيوس “عزاء الفلسفة“، على سبيل المثال، أو تقريبا، أي من كتابات أوغسطين أو أنسيلم، يمكن أن يقرأها، ويفيد منها، أي شخص متعلم. لكن سرعان ما تغير كل هذا. أصبحت الفلسفة مجالا متخصصا بشكل متزايد، يرومه، وموجَّه إلى الذين يعيشون على العمل في المؤسسات التعليمية.


تميزت الفلسفة عن اللاهوت بشكل أكثر وضوحا، وصار كلاهما أكثر منهجية، وصرامة، ودقة. صاحب هذه الفضائل تنامي للمصطلحات التقنية، مما جعل فلسفة العصور الوسطى، في مرحلتها المتأخرة، مرعبة وعصية على القراء غير المتخصصين. على نفس المنوال، تضاءل بسبب هذه التقنية المتزايدة، الإحساس العام بالإلحاح الأخلاقي، الذي يجده المرء على سبيل المثال في اعترافات أوغسطين أو عزاء بوثيوس.


كما هو الحال مع التعميم السابق، لا ينبغي اعتبار هذا خطأ فلسفيا للمؤلفين اللاحقين، إنها ببساطة، طريقة مختلفة لممارسة الفلسفة. كما فهم ديفيد هيوم، هناك نمطان للفلسفة، لكل منهما مزاياه الخاصة (مبحث في الفهم البشري، الفقرة 1). ما نراه في المرور من أوائل العصور الوسطى إلى العصور الوسطى المتأخرة، هو انتقال من احدها إلى الآخر.


المصدر

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى