فلسفة العصور الوسطى

المكونات الرئيسية لـ فلسفة العصور الوسطى

حكمة

إليكم وصفة لإنتاج فلسفة عصور وسطى: اخلط فلسفة وثنية كلاسيكية، خاصة اليونانية، ولكن في نسختها الرومانية، مع الديانة المسيحية الجديدة. تُتبَّل الخلطة بمجموعة متنوعة من النكهات التراثية للفكر اليهودي والإسلامي. تُقلَّب وتُترك على نار هادئة لمدة 1300 عام أو أكثر، حتى تنضج.


تنتج هذه الوصفة مشروبا قويا وسريع التبخر. لأن العديد من ملامح المسيحية، في الواقع، لا تتناسب بشكل جيد مع الآراء الفلسفية الكلاسيكية. إن مفهوم التجسد، وعقيدة الثالوث، مثالان واضحان على ذلك. ولكن حتى قبل أن تكتمل صياغة تلك العقائد، كانت هناك عقبات، بحيث كان أمرا مضنيا على المسيحي المثقف، في القرون الأولى، أن يعرف كيف يموضع الآراء الدينية في إطار التراث الفلسفي الوحيد المتاح.


لنأخذ مثالا واحدا فقط، تأمل في النظريات الفلسفية الوثنية للروح. للوهلة الأولى، يبدو أن الإرث الأفلاطوني[4] سيكون أكثر جاذبية لمسيحي من القرون الأولى. والحقيقة أنه كان كذلك. في المقام الأول، لأن التقليد الأفلاطوني كان مهتما جدا بالتطور الأخلاقي للروح.

مرة أخرى، رأى هذا التقليد أن الهدف الأسمى للإنسان، كنوع من النظر الصوفي، أو الاتحاد مع مثال الخير، أو الواحد، وسيكون من السهل تفسير ذلك على أنه لقاء “وجها لوجه” مع الإله في الحياة الأخرى، التي يصفها القديس بولس في الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس، إصحاح 12-13. والأهم من ذلك كله، ذهبت الأفلاطونية إلى أنه يمكن للروح أن توجد بمعزل عن الجسد بعد الموت. من الواضح أن هذا سيكون مثيرا لاهتمام المسيحيين، الذين يؤمنون بالحياة الآخرة.


من ناحية أخرى، كان هناك جانب آخر، بالغ الأهمية، للمسيحية؛ لم يكن له أي معنى لأي أفلاطوني، وهو عقيدة قيامة الأموات بعد نهاية العالم. سمحت الأفلاطونية بالتناسخ، لذلك لم تكن هناك، بالنسبة للأفلاطونيين، مشكلة نظرية خاصة حول عودة الروح إلى الجسد. لكن بالنسبة للمسيحي، كانت القيامة من الموت أمرا يتطلع إليه؛ فقد كان شيئا جيدا بالنسبة له.


قد يكون ذلك غير مفهوم من وجهة النظر الأفلاطونية، إذ بالنسبة لها “الجسد هو سجن الروح”، وترى أن مهمة الفيلسوف هي “تعلم كيف يموت” ليتحرر من تأثيرات الجسد المشتِتَة والمفسدة. لا، فمن الأفضل بالنسبة للأفلاطوني ألا تكون الروح في الجسد.[5]


لذلك سيجد المسيحي صعوبة في أن يكون أفلاطونيا ملتزما، فيما يتعلق بمسألة الروح. لكن أيضا لا يمكن للمسيحي أن يكون أرسطيا ملتزما. من المعروف أن آراء أرسطو حول خلود الروح غامضة للغاية، وغالبا ما تم تفسير أعماله على أنه ينفيها صراحة. الأمر الأصعب، إذن، هو فهم وجهة النظر القائلة بأن قيامة الموتى، بعد نهاية العالم، أمر يتم توقعه بفرح.[6]


توضح هذه المشكلة نوع الصعوبات التي تنشأ عن “الوصفة” المذكورة أعلاه، لفلسفة قرون وسطى. من الواضح أنه سيكون لدى المثقفين المسيحيين الأوائل، الذين يسعون جاهدين للتوفيق بين دينهم وبين الإرث الفلسفي الوحيد الذي عرفوه، الكثير من العمل للقيام به.

يمكن اعتبار مثل هذه التوترات بمثابة “المحركات” التي قادت الكثير من الفلسفة خلال هذه الفترة. وكاستجابة لها، تم تطوير مفاهيم جديدة، ونظريات جديدة، وتميزات جديدة. وبطبيعة الحال، بمجرد تطويرها، بقيت هذه الأدوات، وما تزال متاحة بالفعل، لاستخدامها في سياقات لا علاقة لها بالعقيدة المسيحية.

سيجد قراء فلسفة العصور الوسطى، الذين استمروا في دراسة جون لوك، على سبيل المثال، صعوبة في تخيل كيف كان من الممكن كتابة مناقشته الشهيرة حول “الهوية الشخصية”، في مقال حول الفهم الإنساني، إن لم تكن بسبب نجاح تمييز العصور الوسطى بين مفهومي “شخص” و “طبيعة” في التعامل مع عقيدتي التجسد والثالوث.


المصدر

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى