فلسفة العصور الوسطى

فلسفة العصور الوسطى – الفترة الكارولنجية

بعد بوثيوس، مع تنامي العالم اليوناني الروماني الكلاسيكي إلى درجة كبيرة، مرَّت الفلسفة ـ وإلى حد ما الثقافة بشكل عام ـ بفترة من الركود النسبي، استمرت إلى ما بعد عام 1000 ميلادي. كان هناك نقطة واحدة مضيئة، وقصيرة العمر، في بلاط شارلمان، أواخر القرن الثامن وأوائل القرن التاسع (768-814) وخلفائه، أو ما يُسمى بالفترة “الكارولينجية”.


كانت الشخصية الفلسفية الرئيسية في هذه الفترة هي جون سكوتوس الإريوجيني John Scottus Eriugena [16] (ولد حوالي 800 ـ توفي حوالي 877)، وهو راهب ايرلندي، عاش في بلاط تشارلز الأصلع، حوالي عام 850 (انظر مدخل: John Scottus Eriugena). من الغريب أن المعرفة باليونانية لم تكن قد ماتت تماما في إيرلندا، حتى في هذا التاريخ المتأخر، وقد جلب إريوجينا معه معرفة باللغة اليونانية.


وفي البلاط الكارولينجي، ترجم إريوجينا العديد من الأعمال اليونانية إلى اللاتينية، بما في ذلك الكتابات المهمة جدا لديونيسيوس الزائف الأرجيوباتي Pseudo-Dionysius the Areopagite (المزيد عنه تجده لاحقا)، وأحد أعمال مكسيموس المعترف (المعروف أيضا باسم ماكسيموس القسطنطيني، حوالي 580-662)، وعملا لجريجوريوس النيصي (توفي عام 385) في خلق الإنسان (De hominis opificio = ). وصنَّف إريوجينا أيضا العديد من الأعمال الأخرى الخاصة به.


من المؤكد أن كتابات ديونيسيوس الزائف، من بين أعماله وترجماته، هي الأكثر أهمية وتأثيرا (انظر مدخل: Dionysius the Areopagite).[17] إن الهوية الحقيقية للرجل الذي نطلق عليه اسم ديونيسيوس الزائف “غير معروفة، لكن، من المرجح، أنه عاش في أواخر القرن الخامس، في مكان ما، في الشرق الأدنى، الناطق باليونانية، وكان متأثرا جدا ببركليس، المنتمي إلى الأفلاطونية المحدثة.


أيا من كان، فقد ادعى أنه ديونيسيوس، الذي قيل أنه من زمرة فلاسفة أريوباجوس في أثينا، عندما ذهب إليها القديس بولس للتبشير (أعمال الرسل 17: 19-34). ضحك معظم الجمهور، في تلك المناسبة، على بولس وعقائده غير المألوفة.


لكن بعضهم انضم إليه وأصبح مؤمنا، ومن بينهم ديونيسيوس الأريوباجي، وامرأة تدعى داماريس، وآخرون معهم. (أعمال الرسل 17:34).
اختفى داماريس و “الآخرون” دون أن يتركوا أثرا، لكن كاتبنا المجهول الأخير يتظاهر بأنه ديونيسيوس المذكور في هذا المقطع.


تتكون الكتابات الديونيسية الزائفة من أربع أطروحات، وسلسلة من عشرة رسائل. أهمها من الناحية الفلسفية: أطروحتان عن الأسماء الإلهية، وعن اللاهوت الصوفي. من خلالهما، تعرَّف الغرب اللاتيني على ما يسمى أحيانا “تصوف الظلام”، وهو تقليد تراثي يفسر التجربة الصوفية لكن ليس من منظور “رؤية فكرية” (قارن قصة أفلاطون المجازية عن الكهف، حيث يوصف مثال الخير بأنه الشمس المبهرة)، ولكن من حيث الإرادة لا العقل، والظلمة لا النور. (قارن التعابير الصوفية اللاحقة مثل: “الليلة المظلمة للروح”، و”سحابة الجهل”).


من خلال تلكما الرسالتين أيضا، وبشكل أساسي، حصلت فلسفة العصور الوسطى على وجهة نظر، المألوفة ما زالت، مفادها: أن هناك ثلاث طرق للتحدث عن الله، من خلال محاولة قول ما هو عليه (بواسطة العبارات الإيجابية عنه the via affirmativa)، أو، بدلا من ذلك، بذكر ما هو ليس عليه) بواسطة العبارات النافية via negativa)، أو بطريقة “مجمعة”؛ تتحدث عن الله بتصريحات إيجابية، ولكن مع الإشارة إلى الامتياز الفائق (بواسطة بيان الرفعة، “الله أكثر من خير، أكثر من حكيم”).


من بين كتابات الأريوجيني الخاصة، فمن المؤكد أن أهم كتابين هما: في تقسيم الطبيعة (=De Divisione naturae أو، تحت عنوان يوناني، Periphyseon) والآخر: في القضاء والقدر (=De praedestinatione). وتأثر العملين شديد بنصوص الأفلاطونية المحدثة، التي كان الإريوجيني يترجمها. تم إدانة كلا العملين، أدين كتابه “عن القدر” بعد وقت قصير من كتابته.


أما كتابه عن تقسيم الطبيعة، فهو عمل منظم كبير في أربعة كتب، يقدم رؤية للواقع، في عبارات أفلاطونية محدثة قوية. إن عدم الإلمام بهذا النوع من التفكير في العالم المسيحي الغربي، والذي تأثر بشدة بأوغسطين، ساهم بلا شك في وصمه لاحقا بكونه مهرطقا.


المصدر

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى