اقتباسات

شهادات المستشرقين حول إسهامات العرب العلمية في النهضة الأوروبية الحديثة

 

مما اعترف به المنصفون من المستشرقين؛ أن الحضارة الإسلامية كانت هي صاحبة الفضل في إرساء حجر الأساس للحضارة الأوروبية الحديثة.

يقول “توماس أرنولد”: “كانت العلوم الإسلامية وهي في أوج عظمتها تضيء كما يضيء القمر فتُبدد غياهب الظلام الذي كان يلف أوربا في القرون الوسطى”.


ويقول “جورج سارتون” في كتابه “مقدمة في تاريخ العلم”: “إنّ الجانب الأكبر من مهام الفكر الإنساني اضطلع به المسلمون؛ فـ”المسعودي” أعظم الجغرافيين، و”الطبري” أعظم المؤرخين”.


كذلك يُبدي “تومبسون” إعجابه بالعلوم الإسلامية فيقول: “إن انتعاش العلم في العالم الغربي نشأ بسبب تأثر شعوب غربيِّ أوربا بالمعرفة العلمية العربية، وبسبب الترجمة السريعة لمؤلفات المسلمين في حقل العلوم ونقلها من العربية إلى اللاتينية لغة التعليم الدولية آنذاك”. ويقول في مكان آخر: “إن ولادة العلم في الغرب ربما كان أمجد قسم وأعظم إنجاز في تاريخ المكتبات الإسلامية”.


هذا وقد أبدى الباحث اليهو.دي “فرانز روزانتال” إعجابه الشديد ودهشته البالغة لسموّ الحضارة الإسلامية وسرعة تشكلها، فيقول: “إن ترعرع هذه الحضارة هو موضوع مثير ومن أكثر الموضوعات استحقاقًا للتأمل والدراسة في التاريخ، ذلك أن السرعة المذهلة التي تم بها تشكل وتكوّن هذه الحضارة أمر يستحق التأمل العميق، وهي ظاهرة عجيبة جدًّا في تاريخ نشوء وتطور الحضارة، وهي تثير دومًا وأبدًا أعظم أنواع الإعجاب في نفوس الدارسين. ويمكن تسميتها بالحضارة المعجزة، لأنها تأسست وتشكلت وأخذت شكلها النهائي بشكل سريع جدًّا ووقت قصير جداً، بحيث يمكن القول إنها اكتملت وبلغت ذروتها حتى قبل أن تبدأ”.


وقد أشاد أحد الباحثين وهو “روبرت بريفولت” بالحضارة الإسلامية فقال: “إن القوة التي غيرت وضع العالم المادي كانت من نتاج الصلة الوثيقة بين الفلَكيين والكيميائيين والمدارس الطبية، وكانت هذه الصلة أثرًا من آثار البلاد الإسلامية والحضارة العربية، إن معظم النشاط الأوربي في مجال العلوم الطبيعية إلى القرن الخامس عشر الميلادي كان مستفادًا من علوم العرب ومعارفهم، وإني قد فصلت الكلام في الدور الذي لعبته العربية في اليقظة الأوربية، لأن الكذب والافتراء كانا قد كثرا في العصر الحاضر، وكان التفصيل لا بد منه للقضاء عليهما”.


ويقول المستشرق “أدم متز” في كتابه “الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري”: “لا يعرف التاريخ أمة اهتمت باقتناء الكتب والاعتزاز بها كما فعل المسلمون في عصور نهضتهم وازدهارهم، فقد كان في كل بيت مكتبة”.


ويقول “رينيه جيبون”: “لم يدرك كثير من الغربيين قيمة ما اقتبسوه من الثقافة الإسلامية، ولا فقهوا حقيقة ما أخذوه من الحضارة العربية في القرون الماضية”.


ويذكر “هينولد” أن ما قام على التجربة والترصد هو أرفع درجة في العلوم، وأن المسلمين ارتقوا في علومهم إلى هذه الدرجة التي كان يجهلها القدماء. فقد قام منهاج المسلمين على التجربة والترصد وكانوا أول من أدرك أهمية المنهاج في العالم، وظلّوا عاملين به وحدهم زمنًا طويلاً.


ويقول “دُولنبر” في كتاب “تاريخ الفلك”: “لقد منَح اعتمادُ العرب على التجربة مؤلفاتِهم دقة وإبداعاً، ولم يبتعد العرب عن الإبداع إلا في الفلسفة التي كان يتعذر قيامها على التجربة”. ويستطرد قائلاً: “ومن مباحثنا في أعمال العرب العلمية أنهم أنجزوا في ثلاثة قرون أو أربعة قرون من الاكتشافات ما يزيد على ما حققه الأغارقة في زمن أطول من ذلك كثيرًا، وكان تراث اليونان قد انتقل إلى البيزنطيين الذين عادوا لا يستفيدون منه زمنا طويلا، ولما آل إلى العرب حوّلوه إلى غير ما كان عليه، فتلقّاه ورثتهم (يقصد الأوروبيين حديثاً) وحوّلوه مخلوقاً آخر”.


يقول “مسيو ليبري”: “لو لم يظهر المسلمون على مسرح التاريخ لتأخرت نَهضة أوروبا الحديثة عدة قرون”.

ولقد أشار أيضاً إلى هذا المعنى المؤرخُ الفرنسيُّ الشهير “سديو” في تاريخه الكبير، الذي ألفه في عشرين سنة، بحثًا عن تاريخ المسلمين، وعظيم حضارتهم، ونتاجهم العلمي الهائل، فقال: “لقد استطاع المسلمون أن ينشروا العلوم والمعارف والرقيَّ والتمدُّن في المشرق والمغرب، حين كان الأوروبيون إذ ذاك في ظلمات جهل القرون الوسطى…”.

إلى أن يقول: “ولقد كان العرب والمسلمون -بما قاموا به من ابتكارات علمية- ممن أرْسَوا أركان الحضارة والمعارف، ناهيك عما لهم من إنتاج، وجهود علمية، في ميادين علوم الطب، والفلك، والتاريخ الطبيعي والكيمياء والصيدَلَة وعلوم النبات والاقتصاد الزراعي وغير ذلك من أنواع العلوم التي ورِثناها نحن الأوروبيين عنهم، وبحقٍّ كانوا هم معلمينا والأساتذة لنا”.


ويذكر العلامة “سديو” أيضا: “أن المسلمين سبقوا كيبلر وكوبرنيك في اكتشاف حركات الكواكب السيارة على شكل بَيضِي وفي دوَران الأرض، وفي كتبهم من النصوص ما تعتقد به أن نفوسهم حدثتهم ببعض اكتشافات العلم الحديث المهمة”.

هذا، ولم ينسَ فضلاء علماء الغرب أن يعترفوا بهذه الحقيقة، ونستقي من كتاب “حضارة العرب” لـ”غوستاف لوبون” حيث يقول: “وكلما أمعنا في دراسة حضارة العرب والمسلمين وكتبهم العلمية واختراعاتهم وفنونهم ظهرت لنا حقائق جديدة وأفاق واسعة، ولسرعان ما رأيتَهم أصحاب الفضل في معرفة القرون الوسطى لعلوم الأقدمين، وإن جامعات الغرب لم تعرف لها مدة خمسة قرون موردًا علميًّا سوى مؤلفاتهم، وإنهم هم الذين مدّنُوا أوروبا مادة وعقلاً وأخلاقا، وإن التاريخ لم يعرف أمة أنتجت ما أنتجوه في وقت قصير، وأنه لم يَفُقْهم قوم في الإبداع الفني”.


ويستطرد قائلاً: “ولم يقتصر فضل العرب والمسلمين في ميدان الحضارة على أنفسهم؛ فقد كان لهم الأثر البالغ في الشرق والغرب، فهُما مدينان لهم في تمدّنِهم، وإن هذا التأثير خاص بهم وحدهم؛ فهم الذين هذّبوا بتأثيرهم الخُلُقي البرابرة، وفتحوا لأوروبا ما كانت تجهله من عالَم المعارف العلمية والأدبية، فكانوا مُمدِّنين لنا وأئمة لنا ستة قرون، فقد ظلّت ترجمات كتب العرب ولا سيما الكتب العلمية مصدرًا وحيدًا للتدريس في جامعات أوروبا خمسة أو ستة قرون. فعَلى العالم أن يعترف للعرب والمسلمين بجميل صنعهم في إنقاذ تلك الكنوز الثمينة”.


ذكر الرئيس البرتغالي “جورج سمبايو” عام ١٩٩٧م في حفل في مدينة “لشبونة” .. عن مدى التأثر الذي تعرضت له بلاده -البرتغال- من الحضارة العربية الإسلامية في العهد الأندلسي !!
وقال عن ذلك: (( نحن مدينون للتراث العربي الغنيّ جداً بما كان له من تأثير في لغتنا وفي أسماء الأماكن وفي الأعراف والعادات الإجتماعية وفي العمارة، وفي الفنون والأدب والمخيّلة الشعبية، وفي فن الطبخ، وفي الزراعة والتجارة .. ! ))
ويكمل قائلاً: (( وهذا أمرٌ نعتز به اليوم بوعي جديد اكتسبناه بالتغلب على كثير من المخاوف والحذر والأحكام المسبقة، وعدم الفهم الذي امتد مئات من السنين !! ))
وذكر الرئيس البرتغالي في كلامه أن من أهم اسباب انحطاط الشعوب في الجزيرة الأيبيرية كان بسبب إجلاء العرب والمسلمين من الأندلس !!
واعتذر أيضاً في خطبته عن جرائم أجداده بحق العرب والمسلمين في محاكم التفتيش المروّعه


المستشرق البريطاني البارز، “وليام مونتغمري واط” في كتابه المهم “تأثير الإسلام في أوروبا العصور الوسطى” إن “الكتّاب المسحيين في القرون الوسطى قد اختلقوا صورة للإسلام حطت من شأنه في مجالات عديدة، ولكن بفضل جهود العلماء خلال القرن الماضي أصبحت هناك صورة أكثر موضوعية في أذهان الغربيين”.

وأضاف: “نحن الأوروبيين نجهل الفضل الذي تدين به ثقافتنا للإسلام، وفي بعض الأحيان، نستخف بمدى التأثير الإسلامي في تراثنا وأهميته، وفي أحيان أخرى نتجاهله كليًا، ولبناء علاقات جيدة مع العرب والمسلمين علينا الاعتراف بهذا الفضل كاملًا، فإنكاره ليس إلا كبرياء زائفًا”.

وكانت الفتوحات الإسلامية في أوروبا الخطوة الأولى نحو بناء منظومة حضارية جديدة في بلاد كل ما فيها خام جديد صالح للبداية والبناء والعمران، فقد مثّل العرب إمبراطورية كانت تنتقل صعودًا بمستوى أعلى من الثقافة والحضارة على مدى القرنيين التاليين في المنطقة الممتدة من المحيط الأطلسي إلى أفغانستان.


في الوقت الذي يرى فيه الكاتب “مونتغمري” أن تاريخ الغزو الألماني والسلافي والمجري والإسكندنافي لأوروبا كان غزوًا بربريًا لم يحمل معه ما جاء به المسلمون، حيث يوجد اختلاف جوهري؛ إذ ينتمي (الغزاة) الآخرون إلى مجتمعات ذات أساس قبلي لم تعرف الحضارة أو التطور المرتبطين بالتطور المدني”.


ويعد كتاب “نزهة المشتاق في اختراق الآفاق” الذي كتبه محمد الإدريسي (مؤسس علم الجغرافيا وأحد أهم الجغرافيين في التاريخ الإنساني) للملك روجر الثاني ملك صقلية من أعظم المخطوطات الجغرافية في العصور الوسطى على الإطلاق لما له من أهمية في ذلك الزمان.


ومما قاله المستشرق الفرنسي “غوستاف لوبون” في كتابه الشهير حضارة العرب: “ظلَّت ترجمات كتب العرب، ولا سيما الكتب العلمية، مصدرًا وحيدًا تقريبًا للتدريس في جامعات أوروبا خمسة قرون أو ستة قرون، ويمكننا القول إن تأثير العرب في بعض العلوم كعلم الطب مثلاً دام إلى أيامنا، فقد شُرِحتْ كتب ابن سينا في جامعة (مونبلييه) في أواخر القرن الماضي، وبلغ تأثير العرب في جامعات أوروبا من الاتساع ما شمل منه بعض المعارف؛ كالفلسفة مثلاً، فكان ابن رشد الحجَّةَ البالغة في الفلسفة في جامعاتنا منذ أوائل القرن الثالث عشر من الميلاد”


ولقد استطاع محمد بن موسى الخوارزمي أن يخلد اسمه في التاريخ بتألفيه لكتابين هامين في الرياضيات، حمل الأول منهما حساب الجبر والمقابلة، يضم مجموعة ممتعة من المشاكل الرياضية، وحين تُرجِم هذا الكتاب إلى اللاتينية في العصور الوسطى، حمل معه اسمه العربي، لتصبح كلمة الجبر (Algebra) كلمةً عالمية تستخدم حتى اليوم.

أمّا كتابه الثاني فكان كتابًا تعليميًا، صغير الحجم في علم الحساب، ونُقل إلى اللغة الإسبانية، ثم تُرجم إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر، وقد حُمِل الكتاب المترجَم إلى الأراضي الألمانية، وترجع أول نسخة منه إلى عام 1143م، وهي مكتوبة بخط اليد، وموجودة في مكتبة البلاط في فيينا، ووُجدت النسخةُ الثانية منه في دير سالم وهي محفوظة الآن بهايدلبرغ غرب ألمانيا، ولم يلبثِ الألمان أنْ جعلوا من الخوارزمي شيئًا يسهل عليهم نطقه، فأسموه (Algorizmus )، ونظموا الأشعار باللاتينية تعليقًا على نظرياته.


لقد عاشت أوروبا قرونًا عديدة تُدرس في جامعاتها الكتب العربية المترجَمَة في كافَّة حقول المعرفة، حتى أصبحت اللغةُ العربية ومعرفتُها هي الشرطَ الأساسيَّ للمثقف الأوروبي (كحال المثقف العربي مع الإنجليزية اليوم)، حتى إن طلبة جامعة أكسفورد (البريطانية) لإتقانِهم اللغة العربية كانوا يتهكَّمون أحيانًا على أستاذهم “روجر بيكون” إذا أخطأ في ترجمة النصوص العربية إلى لغتهم، وذكروا أن العلم كان قد انتشر في العالم وفي أوروبا باللغة العربية؛ مما أدى إلى تسرُّب كثير من مفرداتها في اللغات الأوروبية.


  • المصادر :

فيليب حتّي، تاريخ العرب، ترجمة محمد مبروك نافع، الطبعة المنقحة (بيروت، دار عالم الأدب، 2004)، الجزء الثاني، الصفحة 626.

وليام مونتغمري واط، تأثير الإسلام في أوروبا العصور الوسطى، ترجمة سارة إبراهيم الذيب، الطبعة الأولى (بيروت، جسور للترجمة والنشر، 2006)، الصفحة 13

محمد فاروق أحمد الإمام، معابر الحضارة الإسلامية إلى أوروبا، الطبعة الأولى (عمان، دار المأمون للنشر والتوزيع، 2008)، الصفحة 32.

Shaikh M. Ghazanfar. Medieval Islamic economic thought: filling the “great gap” in European economics. Psychology Press .P:126.

غوستاف لوبون، حضارة العرب، ترجمة عادل زعيتر، الطبعة الثانية (القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1956) ص569.

زيغريد هونكه، شمس العرب تستطع على الغرب، ترجمة فاروق بيضون وكمال الدسوقي، الطبعة الرابعة (بيروت، دار صادر للنشر، 1980) ص75.

تاريخ العرب، ج 2، ص627.

تأثير الإسلام في أوروبا العصور الوسطى، ص 32.

“فضل الأندلس على ثقافة الغرب” خوان ڤيرنيت. ص٢٣ على هامش المترجم نهاد رضا.

 

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى