تقبيل يد الملوك عند العرب: بين الرفض والقبول
يُعدّ تقبيل اليد أحد مظاهر الاحترام والتقدير في العديد من الثقافات، لكنه كان موضع جدل كبير في التاريخ العربي والإسلامي، خاصة عند الخلفاء والملوك. وبينما رأى البعض فيه رمزا للولاء والتقدير، اعتبره آخرون علامة على الذل والخضوع.
وقد وثّقت كتب التاريخ مواقف مختلفة للخلفاء المسلمين تجاه هذه العادة، وهو ما نراه جليا في كتاب “العقد الفريد“ لابن عبد ربه الأندلسي.
- مواقف الخلفاء من تقبيل اليد
🔹 المأمون العباسي (ت 218هـ)
كان الخليفة العباسي المأمون من أشدّ الرافضين لتقبيل اليد، فقد ورد في كتب التاريخ أن أحد الرجال استأذنه في تقبيل يده، فردّ عليه قائلا:
📜 “إنَّ قُبلة اليد من المسلم ذلَّة، ومن الذميِّ خديعة، ولا حاجةَ بك أن تُذل، ولا حاجة بنا أن نُخدع”.
يشير هذا القول إلى أن تقبيل اليد، في نظر المأمون، ينافي كرامة الإنسان، سواء أكان مسلما أم غير مسلم، لأنه يمثل الاستسلام والخضوع.
🔹 هشام بن عبد الملك (ت 125هـ)
ورد عن الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك أنه استنكر بشدة تقبيل اليد، إذ عندما قام أحد الرجال بتقبيل يده، قال له:
📜 “أوفّ لك، ما قبّلت العرب الأيدي إلا هلوعا، ولا قبلتها العجم إلا خضوعا”.
كان هشام يرى أن العرب لا يُقبّلون الأيدي إلا عند الخوف والجزع، بينما العجم يفعلون ذلك تعبيرا عن الخضوع للحاكم، وهو ما رفضه باعتباره مخالفا لقيم العزة والكرامة التي اشتهر بها العرب.
- تقبيل اليد في السياق الثقافي والتاريخي
رغم مواقف بعض الخلفاء الرافضة لهذه العادة، إلا أن تقبيل اليد ظلّ شائعا في بعض الثقافات العربية والإسلامية، حيث اعتُبر أحيانا دليلا على الاحترام تجاه العلماء والشيوخ وكبار السن. إلا أن رفض بعض الخلفاء له يعكس تمسك العرب بمفهوم العزة والكرامة، ونفورهم من أي تصرف قد يُفسَّر على أنه استسلام أو ضعف.
- “العقد الفريد” لابن عبد ربه الأندلسي
يُعد كتاب “العقد الفريد“ من أشهر الموسوعات الأدبية في التراث العربي، ألفه أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي (ت 328هـ)، وهو موسوعي الطابع، يجمع بين التاريخ، الأدب، الشعر، والأخبار.
🔹 مميزات الكتاب:
يُوثّق أخبار العرب والمسلمين، خاصة قصص الخلفاء والحكماء.
يحتوي على أمثال وحكم تعكس القيم الثقافية السائدة.
يُعتبر مرجعا هاما لفهم العادات والتقاليد في العصور الإسلامية.
وقد وردت قصة رفض المأمون وهشام بن عبد الملك لتقبيل اليد في هذا الكتاب، مما يعكس مدى اهتمام المؤلف برصد العادات والسلوكيات الاجتماعية وتأثيرها على المجتمع العربي.