فكر وفلسفة

“حسن حنفي” وداعًا .. ما بين تجديد التراث وتحقيق النهضة

فريد الزاهي - سليمان بختي

  • عن مفارقات مشروع فكري طموح

يرحل المتخصصون العرب التنويريون في الإسلام تباعًا، تاركين وراءهم كثيرًا من الأجوبة، والأكثر من الأسئلة المعلقة. فلقد سعى محمد عابد الجابري عقودًا طويلة لأن يُرسي أسس العقل العربي انطلاقًا من ابن رشد بالأساس، راميًا بالتصوف في عرفان لاعقلاني لا يتماشى لديه مع عقلانية محجوزة في الحداثة.

وقبله، رحل محمد أركون، بعد أن حرر دراسة التراث من الأيديولوجيا، مانحًا الفكر العربي والإسلامي موقعًا في الدراسات المعاصرة المستوحية للبنيوية والقائمة على المقاربة الشمولية…

إنهم يرحلون في وقت يبدو أن الأولوية فيه لم تعد لدراسة هذا التراث، وإنما تحليل تحولاته الحاضرة التي تتخذ يومًا بعد يوم أبعادًا سياسية، وتتسربل برهانات عالمية.


  • إقامة معرفية بالمغرب

كنت طالبًا لحسن حنفي في كلية فاس في بداية الثمانينيات. كان الرجل يدرسنا الفلسفة الظاهراتية (الفينومينولوجيا) بطلاقة غير معهودة، مدهشًا إيانا بفرنسيته وألمانيته ومدى امتلاكه للمفاهيم الفلسفية. كنا نحس أنفسنا أمام فيلسوف أستاذ، يزج بنا بمعرفة عميقة في قلب هوسرل، وهايدغر، اللذين لم نكن نعرف منهما حينها إلا الاسم.

كان الأساتذة المصريون في تلك الفترة كُثرًا في شعبة الفلسفة، وكان أغلبهم لا يروون عطشنا الفكري مقارنة مع دروس حسن حنفي التي كانت تمتاز بالجدة والعمق الفلسفي والطرافة الفكرية. كانت دروسه فاتحة لي في سنة الإجازة، لأني كنت أحضر بحث الإجازة (البكالوريوس) عن فكر عبد الكبير الخطيبي.

لم يكن الإمساك بموضوعي البحثي ممكنًا من غير تمكن من فلسفة جاك دريدا، وهايدغر (التي تشكل مرجعًا فكريًا لمشروع الخطيبي الفكري)، وهو ما كانت دروس حنفي تساعدني في حل معضلاته.

وحين اطّلعت، وأنا طالب في السوربون، على بحثه للدكتوراة، وقرأته في المكتبة هناك، وقفت على مشروع فكري طموح ذكرني بشكل واضح بمشروع هنري كوربان، ومحمد إقبال.


شهادات طلابه في وسائل التواصل الاجتماعي، في المغرب على الأقل، تشيد إشادة وافرة بعلمه وكرمه المعرفي، وتمكنه من اللغات. فقد كانت القاعة التي تحتضن محاضراته تغص بالطلبة، حتى إن الواحد منا لا يجد لنفسه مكانًا فيها. وكان العَلاّمة لا يجد حرجًا في مناقشة الطلبة في كل شيء، حتى لو احتدت نبرتهم.

ولهذا قال عنهم في مذكراته إنه يعد الطلبة المغاربة من أجود طلبته. ولسوء حظنا هنا في المغرب، لم تجدّد جامعة فاس عقد حسن حنفي، حارمة الرجل من محبته للمغرب، والطلبة من دروسه الثرّة، وعلمه الوفير.

وبما أن الفيلسوف كان رجل حوار، وأن حس النقد والسجال لديه جزء من مسيره الفكري، فإن هذا المقام سوف يأخذ لديه طابعًا مغايرًا، في المحاورة الشهيرة في التسعينيات التي أطلقتها مجلة “اليوم السابع” في باريس بين حسن حنفي، ومحمد عابد الجابري، وقتًا قليلًا بعد أن أطلق حنفي دعوته ليسار إسلامي يكون بديلًا للتوجهات الماركسية والاشتراكية والإسلامية التقليدية، من سلفية وإخوان.


  • حنفي والجابري وقضايا الإسلام والعقل
محمد عابد الجابري وحسن حنفي 

حين كنا نتابع هذا الحوار في تلك الفترة، كانت الثقافة المغربية قد بدأت تأخذ موقعها في المشرق. فقد أصدر بول شاوول عام 1979 كتابه التعريفي بالثقافة المغربية، وكانت كتابات محمد شكري، ومحمد برادة، وغيرهما، تصدر في دار الآداب، وعن اتحاد الكتاب العرب في دمشق، وكتابات محمد عزيز الحبابي، وعلال الفاسي، صارت كلاسيكية.

كما ساهمت ترجمة محمد عيتاني لعبد الله لعروي بالتعريف بفكره، وترجمات المغاربة للخطيبي كشفت عن مفكر من نوع جديد في بلاد المغرب الأقصى. والحقيقة أن هذا الحوار المتنوع والغني والشيق قد أفصح عن مشروعين بالغيْ الاختلاف.

وأبدى أن قوة حنفي في ثقافته الفلسفية واختياراته الفكرية، فيما أن قوة الجابري في طرائق تأويله للإسلام والفكر الإسلامي. كما أن لغة “السجال” بين الرجلين متباينة. فالطابع الوصفي والتحليلي لدى حنفي كان الغالب، فيما أن الطابع الاستكشافي والتأويلي لدى الجابري كان أفصح وأبلغ. لقد كان ذلك الحوار إعلانًا عن ندّية الثقافتين، وهدمًا ضمنيًا لثنائية المشرق والمغرب.

 

حين يقرأ الواحد منا مؤلفات حسن حنفي العديدة، ويتابع مسيره الفكري، يجد نفسه أمام شخصية انتقلت من الإسلام الإخواني في البداية لتسعى إلى أن تجد لها موقفًا فكريًا يزاوج بين الإسلام والعقل، وبين التقليد والتجديد، قبل أن يعلن عن يسار إسلامي لم يكتب له أن يأخذ موقعه في الخارطة السياسية العربية، وإن كان المفكر يرى بعضًا من عناصره في بعض الحركات السياسية الحالية التي نعدها نحن حركات إسلامية.

توفي الرجل بعد أن سعى إلى التوفيق بين العقل والإسلام، ورأى أن الاستغراب غير كفيل برسم معالم التحرر من كل ما يعوق نهضة عربية جديدة. وهو في ذلك استمرار مغاير لفكر عصر النهضة، بحيث لا يني يحيلنا إلى الأفغاني، ومحمد عبده، وغيرهما.


إنه هنا يذكرنا بشخصيتين أساسيتين يعرفهما جيدًا، بالرغم من أنه لا يحيل إليهما إلا نادرًا: محمد عزيز الحبابي في المغرب (الذي ظل مشروعه مهمشًا بالرغم من أهميته الكبرى)، ومشروع محمد إقبال في الهند وباكستان، الذي حظي بالانتشار والذيوع بشكل لا يضاهى.

 

يرى حنفي أن الحوار الفكري يكون مقدمة للحوار السياسي، في حين تبين تجربة الجابري أن السياسة في حياته (هو الذي كان فاعلًا سياسيًا في حزب يساري اشتراكي قوي في المغرب) خلفية فقط للموقف الفكري.

لقد تبددت أوهام الرجلين معًا في هذا المضمار، فاكتفى الأول بالحلم بمشروع سياسي فعلي لفكره، فيما اعتنق الثاني فكره ومشروعه. كان حنفي مدافعًا عن إسلام مستنير تواجهه الأصولية الإسلامية بعنف لأنه يشتغل في مجالها.

وكان يحاول التجديد سياسيًا بفكره ذاك. أما الجابري فكان يدعو إلى البحث عن المشترك، وخلق “كتلة” سياسية فكرية لمواجهة مصائر الأمة العربية، وهو الطرح الذي كان يتبناه أيضًا سياسيًا الحزب الذي كان ينتمي إليه. من ثم فقومية حنفي قومية إسلامية، بل إنه كان واعيًا أن فكره يجد صدى في البلاد الآسيوية الإسلامية أكبر منه في البلاد العربية.

يرى حنفي أن الإسلام علماني، ولا حاجة لاستنبات العلمانية الغربية. فالاكتفاء هو المنطق الذي يتبناه. بيد أن الجابري ينطلق من موقف حداثي يرى أن الإسلام ليس كنيسة حتى يُفصل عن الدولة. وأن المشكل السياسي والفكري يتمثل في الدفاع عن إسلام حضاري يتغلف بغلاف العقلانية والديمقراطية، ويجعل أمور الدولة للسياسة وللفعل السياسي وللاجتهاد الراهن.

هنا بالضبط يبدأ الخلاف والاختلاف في المنهج والمسعى: إعادة النظر في الإسلام من الداخل، والاشتغال فيه وعليه في شموليته، ونقد العقل العربي من وجهة نظر عقلانية حداثية. لكن هذا لا يعني في أي حال أن ننفي الحداثة عن فكر حنفي. فكلا الرجلين توفيقي بشكل من الأشكال، وداعية للتوافق بين الحداثة والأصالة، انطلاقًا من اشتغال وتأويل اكتفائي، أو وفاقي.

تظل نظرة حنفي تاريخية، وكأنه يرغب في ضخ الحرية والمساواة والعدالة بحقنة تفعل فيها من الداخل، لأن العرب في نظره ضحايا مركزية أوروبية يلزم رفضها، لا تفكيكها. أما الجابري فإنه يبدو كمن يفتح جسد التاريخ والتراث ليعيد تصنيفه من جديد، كي يتم الأخذ فقط بما له فاعلية تاريخية راهنة تستطيع التعايش مع مقولات الحداثة. فالحداثة هي الطريق الأوحد إلى الوجود الراهن.

تطرح العلاقة بين فكر حسن حنفي وفكر محمد الجابري ليس فقط العلاقة بين التراث والتجديد، وإنما أيضًا بين التنوير والعقلنة. فالمفكر المصري كان يبتغي في مشروعه التأثير في التاريخ والواقع بحركة مزدوجة تتمثل في منح الفكر صفة سياسية بعيدة أو قريبة، لهذا لم يترك لنا مشروعًا محدد المعالم، لأنه انزلق من موقع الباحث المفكر إلى موقع الباحث المبشر.

أما مشروع الجابري فبناه بناء معماريًا منذ كتابه الأول “نحن والتراث”، مبعدًا عنه كل فعل سياسي مباشر، حتى وهو لا يخلو من ذلك.

 

توفي حسن حنفي وفي نفسه شيء من حتى. فالرجل لم يحظ بما حظي به الجابري، ومحمد أركون، وغيره من مفكري الإسلام. توفي وهو يحلم بالكتابة عن فلاسفة كثيرين عرفهم، أو كانت لهم في نفسه منزلة كبرى. توفي وهو ينوي إنجاز تفسير جديد للقرآن قد يكون خاتمة عشقه لهذا الدين الذي بدأ بتفسيره وتأويله منذ دراساته في السوربون، وقدّم فيه منظورًا جديدًا ومبتكرًا للحياة والوجود.

وتوفي محمد عابد الجابري وقد استكمل مشروعه في نقد العقل العربي، وإرساء بنياته المعرفية الكبرى، وحقق حلمه بإنجاز تفسيره للقرآن. هنا يلتقي الرجلان في مآلهما. فمهما اختلفت طرائقهما وسبلهما في التفكير والنقد ومقاربة الإرث الإسلامي، فإن تأويلهما يؤول للمصدر وينطلق منه.

لقد بدأ الرجلان بالفلسفة، وانتهيا إلى الفقه. أليس هذا المآل هو ما اعتمده حسن حنفي دومًا، وكان واعيًا به بشكل كبير، من أن الفكر العربي يشتغل في تربة تاريخها لا يزال حاضرًا وفاعلًا فيها بحيث لا يمكن لأي فكر إلا أن يتنفس هذه الاستمرارية؟


  • ما بين تجديد التراث وتحقيق النهضة

    سليمان بختي


غياب الدكتور حسن حنفي (1935 ـ 2021) يلقي بظلاله وثقله على كل الذين عرفوه وزاملوه وصادقوه وشعروا بقيمته ولمسوا جذوة العطاء التي لا تخبو داخله. قضيته كانت تجديد التراث، وتحقيق مشروع النهضة لبلادنا، وإخضاع الغرب للدراسة من منظور الذات. إنه شخصية مثيرة للجدل، وأحد المفكرين العرب، وأشهر أساتذة الفلسفة في مصر، والمحرك لكثير من المبادرات واللقاءات الفكرية التي تدبرها من خلال الجمعية الفلسفية.

عرفته عن قرب من خلال المشاركة في عدة مؤتمرات في تطوان وفاس (المغرب)، وفي مكتبة الإسكندرية (مصر)، وفي ضهور الشوير (لبنان)، في مئوية أنطون سعادة (2004). وأيضًا بالمشاركة في كتاب جماعي عن المفكر الراحل هشام شرابي (طبع في مصر). وكانت لنا على هامش المؤتمر جلسات طيبة وذكريات.

فقد روى لنا غير مرة أن السلطة استدعته للتحقيق حول بعض آرائه، وسأله المدعي العام: “إنت بتعلّم إيه في الجامعة؟” فأجاب: “أنا بعلّم أولادنا إزاي يفكروا”. فقال له المدعي العام: “أنا عايزك تعلمهم فكروني إزاي هو انا نسيتك”. بعد هذا التحقيق، تم نقله إلى وزارة الزراعة، وأبعد عن الجامعة التي أحب لفترة. وذكر أنه رأى على الملف اسمه وقد كتب تحته: “إخواني شيوعي”. أضحكه ذلك كثيرًا، وقال في سره: “يساري إسلامي تبقى أرحم”.

اتهم حسن حنفي بالتطاول على الفكر الإسلامي، وبالكفر والإلحاد، وتعرض لتهديدات عدة، ووصفت كتبه بأنها “كتب الملاحدة”. في عام 2009، اتهمته جبهة علماء الأزهر بالإلحاد، بعد دفاعه عن الجائزة التي حصل عليها سيد القمني.

وفي عام 2013، رفض مجمع البحوث الإسلامية بعض كتبه لتطاوله على الإسلام وإنكار وجود الله. كل ذلك دفع بوزارة الداخلية إلى تخصيص مرافقة أمنية له، وكان دائمًا يتأفف ويتبرم من هذه المرافقة الملتبسة.

لا أزال أذكر عندما هاتفني من القاهرة في تموز/ يوليو2006 (فترة العدوان الإسرائيلي على لبنان) وليختم كلامه: “بتهببوا إيه… في لبنان”. حاول حسن حنفي في فترة الحرب الأهلية الجزائرية أن يفتح الحوار، وقام بنشر أكثر من عشرة مقالات في الصحافة الجزائرية، وآلمه جدًا أنها لم تلق الصدى المطلوب.

يرى حنفي أن القرون السبعة الأولى في التاريخ الإسلامي بمثابة العصر الذهبي للفكر والحضارة الإسلامية، وأن القرون السبعة التالية هي عصر انحطاط للفكر والحضارة الإسلامية، لا يزال مستمرًا. ومن أجل الانعتاق من الانحطاط، لا بد من حركة إسلامية تصحيحية معاصرة تستمد أسسها من تراث العصر الذهبي.

 

ولد حسن حنفي في القاهرة عام 1935، ونال الليسانس في الآداب، قسم الفلسفة عام 1956. حصل على الدكتوراة في الفلسفة من جامعة السوربون عام 1965، في موضوع “تأويل الظاهرات”، وعاد وترجم الأطروحة إلى العربية بعنوان “ظاهريات التأويل”.

عمل في جامعة سيدي محمد بن عبد الله في فاس (المغرب) (1982 ـ 1984)، وجامعة طوكيو (1984 ـ 1987)، وكان مستشارًا لبرامج البحث العلمي في جامعة الأمم المتحدة في طوكيو، وأستاذًا زائرًا في جامعة فيلادلفيا.

كما ترأس قسم الفلسفة في كلية الآداب في جامعة القاهرة. أشهر تلاميذه في مصر الدكتور نصر حامد أبو زيد (1943 ـ 2010)، والدكتور علي مبروك (1960 ـ 2016)، وكريم الصياد (1981). ترك حنفي العديد من المؤلفات الفكرية في مسيرة عطاء فكرية أصيلة، نذكر منها: “التراث والتجديد”، و”من النقل إلى الإبداع”، و”الهوية”، و”حوار الأجيال”، و”عرب هذا الزمان”، و”حوار المشرق والمغرب”، و”الواقع العربي الراهن”، و”حصار الزمن”، و”من النص إلى الواقع”، و”فيشته فيلسوف المقاومة”، و”موسوعة الحضارة العربية”، و”في فكرنا المعاصر”، و”الدين والثورة في مصر”، و”من الفناء إلى البقاء”، و”من العقيدة إلى الثورة”، و”من النقل إلى العقل”، و”برغسون فيلسوف الحياة”، و”نماذج من الفلسفة المسيحية في العصر الوسيط”، و”اليسار الإسلامي”، و”هموم الفكر والوطن”، و”دراسات فلسفية”، و”اليمين واليسار في الفكر الديني”، و”مقدمة في علم الاستغراب”، و”ذكريات، سيرة ذاتية” 2018.

كتب في مذكراته أنه انتمى إلى الإخوان المسلمين وهو في المرحلة الثانوية، ولكن عندما وصلوا إلى الحكم انتقد حنفي تجربة حكم الإخوان، وعدها تجربة فاشلة لسببين: 1ـ لعدم معرفتهم بأصول الحكم. 2ـ لفشلهم في المشاركة مع الآخرين. ولكن القضية التي ملكته كانت قضية تجديد التراث، ففي رأيه هي قضية موقف من التراث القديم، وموقف من التراث الغربي، وموقف من الواقع.

وبحسبه، فإن جوهر هذه المواقف تخلص العرب من تقليد القدماء، والتبعية للغرب، والعزلة عن الواقع. وسعى حنفي بكل ما أوتي من جهد وقوة إلى التوفيق بين التراث والتجديد، ولكن أخذ عليه بعضهم التوفيقية في دراساته التراثية إلى حد التلفيق والتخليط. كانت تهمه الهوية، ولبث يردد أن الهوية ليست موضوعًا ثابتًا، أو حقيقة واقعة، بل إمكانات حركية تتفاعل مع الحرية.

وكان يرى أن “التراث ابن عصره”، وأن “العلمانية هي روح الإسلام”، وأن “التجديد ينشأ من الثقافة الشعبية للناس”. وكتب غير مرة بجرأة “لسنا أمام علم مقدس، بل أمام نتاج تاريخي صب كل عصر ثقافته وتصوره فيه… علينا أن نقرأ العقيدة من واقع مجتمعنا، فيتحول علم أصول الدين من الحجة النقلية إلى التحليل الواقعي، ثم يصب في التحليل الاجتماعي للأمة”. كان حسن حنفي منهمكًا دائمًا في كتاب يعمل عليه، وكتاب يفكر فيه، وكتاب يبحث عنه، وكتاب يدفعه إلى الطباعة.

كان يعمل بطاقة حيوية لا تنضب. وهو يسهر كثيرًا، وكان في المؤتمرات التي يشارك فيها آخر من يأوي إلى غرفة النوم. يبتسم وهو يقول: “وما أوتيت من النوم إلا قليلًا”.

ولكنه كان يرتاح حين يغمض عينيه بعد تعب. همه كان التوصل إلى صيغة عملية ممكنة لانتشال الواقع العربي من وهدته. وكانت همته تتسع لقضايا مجتمعه وآمال أمته، وكيف لهذا المجتمع أن يتغير ويتقدم ويتجاوز.

حاز حسن حنفي جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية 2009، وجائزة النيل فرع العلوم الاجتماعية 2015، وجائزة المفكر الحر في بولندا. ترك حسن حنفي كتبه ومؤلفاته في جامعة القاهرة تراثًا يتجدد لأجيال.

وكان مؤثرًا أن يطوف جثمانه في جامعة القاهرة (التي أحب، والتي كان يقتطع من وقته وراحته ليؤمن لها المراجع) قبل الوداع الأخير، وداع الرائد المتنور الإصلاحي، والأستاذ القدير، والإنسان الطيب الدمث، والوجه الذي لا ينسى من وجوه مصر الفكر والثقافة والأمل.


المصدر

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى