الفلسفة الإسلامية - خلاصات مُركزة جدا

الفلسفة الإسلامية في العصر الحديث .. إقبال والجابري نموذجا

بعد انقضاء العصر الذهبي للإمبراطورية الإسلامية، ساد نوع من الخمول في الحركة الفكرية والفلسفية. سادت في المناطق الإسلامية بين معظم الأوساط الدينية فلسفات أكثر ارتباطا بفلسفة الإشراق (السهروردي ومحي الدين بن عربي)، وحكمة الماللهن (الملا صدرا) التي كانت تشكل الثقافة والعلم للطرق الصوفية التعبدية التي انتشرت بين سائر الناس. ولهذا الحكيم والفيلسوف مدرسة فلسفية وحكمية قائمة بذاتها هي؛ مدرسة الحكمة الماللهة، ومن أهم مميزات هذه المدرسة؛ أنها وفقت بين القرآن والعرفان والبرهان.


لكن عودة الاتصال بالغرب بعد بدء الحملات العسكرية الأوروبية على البلدان الإسلامية، أعاد من جديد ضرورة التفكير الفلسفي وطرح مفهوم النهضة بين مفكرين كانوا يحاولون الإجابة عن سؤال سبب التخلف.


سؤال التخلف سيسيطر على الساحة الفكرية وسيطرحه بداية بعض رجال الدين مثل : جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، ورشيد رضا، وشكيب أرسلان، ورفاعة الطهطاوي، إضافة لمفكرين أكثر علمانية أهمهم : شبلي شميل، ساطع الحصري.

وسيبقى هذا السؤال مطروحا بسبب فشل المحاولات القائمة على القومية العربية أو القوميات الدينية بعد الاستقلال، في تجربة تحديث البلدان العربية والإسلامية. كما سيبقى السؤال مطروحا بأساليب مختلفة. فمثلا سيؤلف أبو الحسن الندوي كتاب: “ماذا خسر العالم بتخلف المسلمين” ؟.


لكن كل هذه المحاولات يمكن أن نقول أنها كانت تندرج في إطار الفكر عامة والفكر السياسي خاصة أكثر منها محاولات فلسفية عميقة، فأسئلة مثل : ما معنى الوجود وما ماهيته ؟ من النادر أن تبحث فيما تعاني أمة ما من مشكلة وجود حقيقة ومشكلة إثبات ذات.


ربما تكون إحدى المحاولات الفلسفية النادرة لمسلم في العصور الحديثة، هي تجربة الشاعر المفكر محمد إقبال؛ الذي صاغ معظم فكره تقريبا بشكل قصائد باللغتين الفارسية و الأردية. إضافة لبعض محاضرات في الفكر السياسي الإسلامي، وكتابا فريدا من نوعه يدعى “تجديد الفكر الإسلامي”.


  • محاولات إعادة قراءة التراث

عربياً، منذ منتصف الثمانينات وطوال عقد التسعينات ستشهد الساحة الثقافية محاولات جديدة لحل سؤال النهضة المطروح دائماً وأبداً، وستأخذ هذه المرة شكلاً فلسفياً أكثر عن طريق محاولة إعادة قراءة التراث الإسلامي بغية إيجاد حلول للسؤال العصي عن الحل. قد رأى البعض في هذه المحاولات تجارب لإعطاء الفكر العلماني الغربي جذوراً تراثية إسلامية، وبالتالي؛ إعطاء الفكر الغربي نوعاً من المشروعية في الساحة الثقافية الإسلامية، وقد يراه آخرون محاولة لاستجداء حلول حقيقية وليس مجرد تلفيق وذلك من روح الأمة نفسها بحيث تكون النهضة متابعة لتجربتها الحضارية.


إحدى أهم وأوائل هذه التجارب ستكون مشروع عابد الجابري الذي بدأ من أواخر السبعينات في كتاب “نحن والتراث” لكنه سيتكامل في مشروع نقد العقل العربي الذي تألف من أربعة أجزاء: تكوين العقل العربي، بنية العقل العربي، العقل السياسي العربي، وأخيراً العقل الأخلاقي العربي. بالمجمل.

سيحاول الجابري أن يعيد تفكيك وتركيب التراث الإسلامي ليعين محددات العقل العربي : في الجزء الأول سيدرس ظروف تشكيل العقل العربي والأنظمة الفكرية التي تشكله، ثم يتابع في الجزء الثاني ليتابع دراسة النظمة الفكرية الثلاث التي حددها في الجزء الأول: البيان والعرفان والبرهان وسيستمر الجابري في تحليل البنى والإشكاليات في هذه الأنظمة المعرفية وصداماتها الفكرية والسياسية متحيزاً دوماً للنظام البرهاني (وهو بشكل أساسي الفكر الفلسفي اليوناني تحديداً الأرسطي) معتبراً ابن رشد الأبرز في تقديم المشروع البرهاني في الحضارة العربية، لكن هذا المشروع البرهاني لم يكتب له النجاح في الأرض الإسلامية لكنه سيتابع تقدمه في الغرب الذين سيتقبلون فكر ابن رشد وهو فكر أرسطي أصيل.


الأهمية الأساسية لمشروع الجابري تكمن في كونه أشعل شرارة  الساحة الفكرية والنقدية في قراءة التراث الفلسفي الإسلامي، وسيتعرض الجابري لردود من كافة الاتجاهات، فالاتجاهات العلمانية سيعتبرون أن الجابري بدأ يميل نحو الإسلامية، في حين سترد عليه محاولات أخرى بأنه بتبجيله لابن رشد يحاول فقط أن يثبت النظام الأرسطي أي الفكر الغربي.


نقد نقد العقل العربي سيكتبه جورج طرابيشي في دمشق، لكن في المغرب موطن الجابري سيرد عليه طه عبد الرحمن الذي يعتقد أن ابن رشد لم يكن سوى مقلدا لأرسطو وشارحا جيدا لأفكاره وليس له في الإبداع نصيب. محاول طه عبد الرحمن الأساسية ستكون في كتابه تجديد المنهج في قراءة التراث.


ظهرت أيضاً دراسة للمرزوقي، الفيلسوف التونسي، بعنوان إصلاح العقل في الفلسفة العربية وكتاب تجليات الفلسفة العربية: منطق تاريخها من خلال منزلة الكلي : المرزوقي يحاول رسم نموذج يوضح به حركيات الفكر في ظل الثقافة الإسلامية وكيف أثرت على الفكر اليوناني والفلسفة اليونانية.


يعتبر المرزوقي أهم ما تم إنجازه في إطار الثقافة العربية الإسلامية هو تحرير مفهوم الكلي من إطار الواقعية إلى إطار الاسمية. وهذا هو ما ساعد لا حقا على تطوير العلوم والمعارف من رياضيات وفلك وميكانيك.


فواقعية الكلي في إطار الفلسفة الأفلاطونية أو الأرسطية تجعل نتائج الفلسفة حقائق واقعية لا شك فيها وبالتالي الفلسفة كانت جامدة غير قابلة للتطوير. لكن تمازج تجربة تعقيل العلوم النقلية أي وضعها في إطار قوانين، وتجربة تنقيل العلوم الفلسفية الفكرية اليونانية وترجمتها قد فكك تدريجيا فكرة واقعية الكلي النظرية والعملية: هذا التفكيك سيتم بداية عن طريق نقد سيقوم به الغزالي وابن سينا، لكن تدشين الاسمية سيتم على يدي ابن تيمية وابن خلدون.


هذه الأفكار سترسم صورة مغايرة تماما عن نموذج الجابري الذي يدين الغزالي وابن سينا معتبرا إياهم من أنصار وناشري المنج العرفاني (العقل المستقيل)، كما سيعيد طرح شخصية ابن تيمية كلاعب أساسي في الساحة الفلسفية وهو كثيرا ما كان يعتبر مجرد فقيه حنبلي سلفي.

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى