ابن رشد .. الحد بين الفلسفة وعلم الكلام
من المفارقات التأريخية حول ابن رشد (1126 – 1198)، هو اختلاف وجهات النظر حوله بين المسلمين المعاصرين له، وبين وجهة نظر الغرب له. فقد اعتبره الغرب من أهم الفلاسفة المسلمين على الإطلاق. حيث ترجمت أعماله إلى اللاتينية العبرية، وأثرت أفكاره بشكل واضح على كتابات الفلاسفة المسيحيين اليهود ومنهم بالتحديد؛ توماس أكويناس (1225 – 1274). وألبرت الكبير (1206 – 1280). وموسى بن ميمون (1135 – 1204). وإرنست رينان (1823 – 1892). بينما لم يلق ابن رشد نفس الاهتمام من المعاصرين له، حيث فضل الفيلسوفان المعاصران له، يحيى السهروردي ومؤيد الدين العربي إتباع منهج ابن سينا بدلا من منهج ابن رشد.
كان ابن رشد متعمقا في الشريعة الإسلامية بحكم منصبه كقاضٍ لإشبيلية، وحاول التقريب بين فلسفة أرسطو والعقيدة الإسلامية، حيث كان ابن رشد مقتنعا أنه لايوجد تناقض على الإطلاق بين الدين والفلسفة، وإن كلاهما يبحثان عن نفس الحقيقة، ولكن بأسلوبين مختلفين.
وقام بالرد على كتاب “تهافت الفلاسفة” للغزالي في كتابه المشهور “تهافت التهافت” وأصر على عكس الغزالي؛ على قدرة الفلسفة بإيصال الإنسان إلى اليقين الذي لايقبل الجدل حول ماهية الله.
شدد ابن رشد على نقطة في غاية من الأهمية كانت غائبة عن بال من سبقوه، وهي أن الفلسفة وعلم الكلام الصوفية الباطنية وغيرها من التيارات الفكرية تشكل خطرا على الأشخاص الذين ليس لهم القدرة على التفكير الفلسفي ، وان الشخص غير المتعمق أو الذي يأخذ بقشرة الفكرة سوف يتعرض إلى صراعات نفسية وفكرية تؤدي به إلى الشك والتشتت بدلا من اليقين والتنور.
في محاولة من ابن رشد لتضييق الفجوة بين الدين والفلسفة طرح ابن رشد فكرته حول أفضل وسيلة لتفسير الدين والخالق من وجهة نظر فلسفية فقال إن على الفيلسوف القبول ببعض الأفكار الدينية لكي يصبح فعالا في الوصول إلى طبيعة الخالق ومن هذه الأفكار:
وجود الله
وحدانية الله
كون الله ليس كمثله شيء
عدالة الله
الحياة بعد الموت
خلق الله للكون
قام ابن رشد بتوضيح فكرته أكثر قائلا ان القرآن على سبيل المثال قد ذكر ان الله قد خلق الكون ولكنه لم يوضح كيف تم هذا الخلق ومتى تم هذا الخلق وبهذا فإن القرآن قد فتح الباب على مصراعيه للفيلسوف بان يستعمل العقل المنطق للتعمق في هذه النقطة وبهذا اعتبر ابن رشد التحليل الفلسفي لأمور الدين قمة التدين وليس منافيا لمفهوم الدين.