سردياتي: مشروعا لسرديات عربية
استعرت هذا العنوان (My Narratology ) من حوارات أجرتها مجلة «DIEGESIS» مع باحثين في السرديات، طرحت عليهم بعض الأسئلة المتعلقة بمشروعهم السردياتي. وقد سبق لي أن كتبت عن تصوري للسرديات في بعض كتبي (2012). لكن ما نشرته من مقالات في «القدس العربي» خاصة المتعلقة بالسرديات الكلاسيكية وما بعدها، أثارت تعليقات كثيرة.
وهي تتعلق برأيي في منجزات السرديات العربية؟ لم أكن قادرا على الإجابة على هذا السؤال لعدم اطلاعي على كل ما ينشر، أو لعدم اقتناعي بما يكتب في هذا النطاق لأسباب إبستيمولوجية، لذلك ارتأيت أن أقدم تصوري للسرديات للقارئ الذي لم يسبق له الاطلاع عليها، أو لم تتح له فرصة قراءة بعض كتبي، متمنيا إقدام من له مساهمات في السرديات أن يكتب تجربته، لكي تكتمل الصورة، ونفتح مجالات جديدة للتفكير في السرد العربي.
اكتفيت بتقديم شذرات من مقدمات كتبي التي يمكن في حال قراءتها، حسب زمن صدورها، تسجيل تاريخ للسرديات، كما فكرت فيها ومارستها، أملا في فتح حوار جاد حول واقع السرديات العربية، ومستقبلها.
أولا: القراءة التجربة (1985): «تروم هذه القراءة أن تكون جديدة على مستويين:
1 ـ البحث في مكونات الخطاب الروائي البنيوية، وهذه القضية ما يزال نقد الرواية في بلادنا، والوطن العربي لا يعيرها كبير اهتمام، رغم بعض المحاولات القليلة.
2 ـ استعمال أدوات ومفاهيم جديدة تمتح بالأخص من السرديات التي يعمل الباحثون في البويطيقا على بلورتها وتدقيقها لتصبح اتجاها متميزا في تحليل الخطاب السردي. وهذه القراءة وهي تمتح من السرديات تسعى إلى الاستفادة من أهم إنجازاتها من منظور نقدي لا يكمن هاجسه في إسقاط معطياتها على المتن العربي.
ونسجل كون هذا هو شكل التعاطي السائد عندنا، ومختلف الاتجاهات الجديدة في تحليل الخطاب، لكن هاجسه يكمن في محاولة الإمساك بروح الصرامة والبحث الذي تنتهجه، من أجل الإسهام في بلورة سرديات تتأسس على قاعدة الحوار مع/ والانفتاح على ما تتم مراكمته من إنجازات في تحليل المتن الغربي، وعلى قاعدة ما يمكن الإسهام في إضافته وإنضاجه، من خلال قراءة إنتاجية للمتن العربي، تنطلق من السؤال والسؤال النقدي».
يمكن لكل اختصاص من هذه الاختصاصات السردية الخاصة أن يتبلور عندما تتوفر له الشروط الملائمة، التي يتيحها لها الاختصاص الخاص الآخر الذي يتطلبه ويستلزمه.
ثانيا: أ ـ تحليل الخطاب الروائي (1989): «منذ الشكلانيين الروس إلى الآن حققت نظريات السرد تطورا هائلا. تتعدد المقاربات والاتجاهات، ولكل منها جذوره المعرفية وخلفيته ومراميه. ما هو الموقف الذي يجب اتخاذه منها، ونحن نحاول الاستفادة منها أو استلهامها؟ نسلك في تحليلنا هذا مسلكا واحدا.
ننطلق من السرديات البنيوية كما تتجسد من خلال الاتجاه البويطيقي الذي يعمل الباحثون على تطويره وبلورته بشكل دائم ومستمر. وعبر تتبعنا للعديد من وجهات النظر داخل الاتجاه نفسه، حاولنا تكوين تصور متكامل نسير فيه مزاوجين بين عمل البويطيقي، وهو يبحث عن الكليات التجريدية، والناقد وهو يدقق كلياته ويبلورها من خلال تجربة محددة».
ثالثا: ب ـ انفتاح النص الروائي (1989): (أي قبل ظهور مصطلح «ما بعد السرديات» 1991):
«نعتبر هذا الكتاب «انفتاح النص الروائي: النص والسياق» امتدادا وتوسيعا لـ»تحليل الخطاب الروائي» ولذلك فهو يندرج ضمن ما نسميه «السوسيو سرديات» كتخصص يسعى إلى توسيع السرديات البنيوية.
وهذا العمل قام به العديد من الباحثين، لكن ليس بالشكل الذي نمارسه هنا. لقد تعاملنا مع الاتجاهات التوسيعية بكثير من المرونة، ووجدنا في «سوسيولوجا النص الأدبي» كما سعى بيير زيما إلى بلورتها، بعضا من الهواجس والتساؤلات التي تطرح بصدد النص في علاقته بالقارئ، وبالسياق الثقافي والاجتماعي الذي ظهر فيه».
رابعا: الكلام والخبر: مقدمة للسرد العربي (1997): (وهي السنة التي ظهر فيها مصطلح «السرديات ما بعد الكلاسيكية):
انطلاقا من تمييزي بين الخطاب والنص، بينت أن هذا التمييز: «يملي على السرديات أن تستجيب لمختلف القضايا التي يقدمها لها النص في مختلف مستوياته، وتباين أبعاده، وتتمثل هذه الاستجابة في العمل على بلورة سرديات فرعية، ويؤدي هذا الأمر إلى تحقيق حاجتين أساسيتين بالنسبة إلى السرديات: تتجسد أولاهما في عدم حصر السرديات في مجال التحليل التقني للسرد.
وتبرز ثانيتهما في انفتاح السرديات على علوم اجتماعية وإنسانية تتيح لها إمكانيات مهمة للتجدد والتطور. ومن خلال تفاعل السرديات النوعية والتاريخية، يمكن أن نتحدث عن السرديات المقارنة. ويمكن لكل اختصاص من هذه الاختصاصات السردية الخاصة أن يتبلور عندما تتوفر له الشروط الملائمة، التي يتيحها لها الاختصاص الخاص الآخر الذي يتطلبه ويستلزمه.
أما السرديات العامة، فترتبط بالنص من حيث أبعاده ودلالاته المتعددة، ما يجعلنا أمام إمكانية الحديث عن «سرديات التفاعل النصي» و»سرديات التلقي» وأمام تحصيل اختصاصات جديدة عامة، مثل «السرديات الاجتماعية» أو «النفسية» أو «الأنثروبولوجية».
ويمكن للقارئ متابعة هذا في كل كتبي اللاحقة، «قال الراوي» (1997) الذي طرحت فيه «سرديات القصة» وحول النص المترابط «السرديات الرقمية» (2005) والسرد العربي القديم (2012 ـ 2022) الذي عالجته من زاوية «سرديات الأنواع».