ترجمة

حركة الترجمة في العصر العباسي

نشطت في أيام خلافة أبي جعفر المنصور الترجمةُ من اليونانية والفارسية إلى العربية، وبلغت حركة الترجمة مرحلةً متطورة في عهد هارون الرشيد وابنه المأمون، حيث أسس الأول في عام 857 ميلادي، دارَ الحكمة في بغداد، وعيّن عليها يحيى بن ماسوَيه، من أجل تطوير حركة الترجمة.

وبعد وفاة بن ماسويه عيّن الخليفة المأمون تلميذَه حنين بن إسحاق رئيسًا لدار الحكمة، وكان أبرز المترجمين للمؤلفات اليونانية إلى السريانية والعربية. ومن تلامذته الذين ساعدوه في كتاباته وترجماته ابنه إسحاق، وابن أخته حبيش بن الأعسم، وإصطفن بن بسيل، ويحيى بن هارون، وكان يراجع ترجماتهم ليصحح أخطاءها.

ومن الأسماء التي نبغت في الترجمة في القرن التاسع والقرن العاشر الميلادي: يحيى بن البطريق، الذي كان يلقّب ويعرف أيضًا بـيوحنا الترجمان، وعبدالمسيح بن عبدالله بن ناعمة الحمصي، وقسطا بن لوقا، وأبو بشر متى بن يونس القنائي، ويحيى بن عدي.

لعب هؤلاء المترجمون دورًا عظيمًا في توطين الفلسفة والعلوم اليونانية القديمة، ولم تكن هذه العملية سهلة كما قد يبدو للناس العاديين، الذين لا يعرفون صعوبات ترجمة العلوم من لغة إلى أخرى، حيث تتطلب معرفةً عميقة بالموضوعات العلمية المترجمة، وامتلاك قدرات لغوية خلّاقة.

على سبيل المثال، لم يكن العرب قبل ترجمة أعمال أرسطو إلى العربية يعرفون كلمة «مقولة»؛ لأنّ المترجمين العرب أوجدوا هذه الكلمة مقابل الكلمة اليونانية «كاتيجوريا» (κατηγορία)، مع أنّ المعنى الحرفي لهذه الكلمة هو: (عبارة، اتهام، علامة أو سمة).

وكذلك، أحدث المترجمون العرب كلمة «منطق»، التي لم تكن معروفة للعرب قبل حركة الترجمة من اليونانية إلى العربية، مقابل الكلمة اليونانية «لوجيكي» (λογική)، المشتقة من الكلمة اليونانية «لوجوس» (λόγος)، وتعني: (علم، نظرية).

وجعلوا كلمة «ماهية»، التي شكلوها من دمج الكلمتين (ما هو) في كلمة واحدة، مقابلًا للكلمتين اليونانيتين «أُسيا، أبوستاسيس» (οὐσία, ὑπόστᾰσις;)، وهذه الطريقة في الترجمة في غاية الإبداع، حيث يركب المترجم من كلمات اللغة التي ينقل إليها كلمةً جديدة تمامًا.

كما لجأ المترجمون العرب أحيانًا إلى التعريب، على سبيل المثال: عربوا الكلمة اليونانية (μελαγχολία) بكلمة «ملنخوليا»، والكلمة اليونانية «كولون» (κόλον) عربوها بكلمة «قولون»، والكلمة اليونانية «جيوجرافيا» (γεωγραφία) عربوها بكلمة «جغرافيا».

مقتطف من دراسة للدكتور إحسان شاهر، تحت عنوان: توطين العلم وإشكالات اللغة.

د. إحسان شاهر

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى