فكر وفلسفةمصطلحية ومعجمية

الخيمياء .. والفلسفة الطبيعية

كانت الخيمياء فرعًا قديمًا للفلسفة الطبيعية، وتقليدًا فلسفيًا وأحد العلوم المبتدئة القديمة، كانت الخيمياء تمارس في أوروبا وأفريقيا وآسيا، ونشأت في مصر الرومانية في القرون الأولى.


حاول الخيميائيون تنقية وإنضاج بعض المواد والوصول بها إلى الكمال. كانت الأهداف المشتركة تشمل «الكريسوبويا»، وهو تحويل «الفلزات الوضيعة» (مثل الرصاص) إلى «فلزات نبيلة» (وخاصة الذهب)؛ ابتكار إكسير الحياة؛ خلق علاج شامل قادر على علاج أي مرض.


وإنتاج “alkahest”، وهي مادة قادرة على إذابة أي مادة أخرى. كان يعتقد أن كمال الجسم البشري والروح ينتج عن الـ”Magnum opus”، وفي التقاليد الهلنستية والباطنية الغربية، ينتج بتحقيق الغنوسيس (الغنوص). في أوروبا، كانت فكرة ابتكار حجر الفلاسفة مرتبطة بشكل ما بجميع هذه الأهداف.


في أوروبا، بعد النهضة في القرن الثاني عشر والتي ساهمت فيها ترجمة الأعمال العلمية الإسلامية في العصور الوسطى وإعادة اكتشاف الفلسفة الأرسطية، لعب الخيميائيون دورًا مهمًا في العلوم الحديثة المبكرة (لا سيما الكيمياء والطب).


طور الخيميائيون الإسلاميون والأوروبيون هيكلًا لتقنيات المختبرات والنظريات والمصطلحات والطرق التجريبية الأساسية، وبعضها لا يزال قيد الاستخدام حتى اليوم. ومع ذلك، واصلوا الإيمان بالمعتقد الذي يرجع إلى العصور القديمة (أربعة عناصر) واعتمدوا على استخدام الرمزية الخفية في أعمالهم. واسترشدت أعمالهم بالمبادئ الهرمسية المتعلقة بالسحر والأساطير والدين.


تنقسم المناقشات الحديثة حول الخيمياء إلى دراسة تطبيقاتها العملية الظاهرية وجوانبها الباطنية الروحية، على الرغم من أن بعض العلماء مثل هولميارد وفون فرانز يرون أنه ينبغي أن تعتبر تلك الأقسام مكملة لبعضها البعض. تتم دراسة القسم الأول من قبل مؤرخي العلوم الطبيعية الذين يدرسون هذا الموضوع من حيث الكيمياء المبكرة والطب والشعوذة، والسياقات الفلسفية والدينية التي حدثت فيها.


يهتم مؤرخو التعاليم الباطنية وعلماء النفس وبعض الفلاسفة والروحانيين بالقسم الآخر. كان للموضوع أيضًا تأثير مستمر على الأدب والفنون. على الرغم من هذا الانقسام، الذي تعتقد فون فرانز أنه كان موجودا منذ نشوء التقاليد الغربية من مزيج من الفلسفة اليونانية التي كانت مختلطة مع تكنولوجيا مصر القديمة وبلاد ما بين النهرين، أكدت العديد من المصادر على تكامل المقاربات الباطنية والظاهرية للخيمياء منذ القرن الأول الميلادي.


على الرغم من أن الخيمياء مرتبطة لدى العامة بالسحر، إلا أن المؤرخ لورانس م. برينسيبي يقول إن الأبحاث التاريخية الحديثة كشفت أن الخيمياء التي تعود للقرون الوسطى والعصور الحديثة المبكرة قد احتضنت مجموعة أكثر تنوعًا من الأفكار والأهداف والتقنيات والممارسات:


ربما يكون معظم القراء على دراية بالعديد من الادعاءات الشائعة حول الخيمياء – على سبيل المثال… أنها أقرب إلى السحر، أو أن ممارستها سواء في ذلك الوقت أو الآن هي مضللة.

هذه الأفكار عن الخيمياء لم تظهر سوى خلال القرن الثامن عشر أو بعده. على الرغم من أن تلك الأفكار قد تحتمل بعض الصحة ضمن سياق ضيق، إلا أن أياً منها لا يمثل وصفًا دقيقًا للخيمياء بشكل عام.”


  • أصل كلمة خيمياء

اختلف مؤرخو العلم حول أصل كلمة كيمياء، فمنهم من ردها إلى الكلمة اليونانية “(chumeia (χυμεία” التي تفيد السبك والصهر، ومنهم من أعادها إلى كلمتي «كمت kemt» و«شم chem» المصريتين ومعناهما الأرض السوداء (وذلك لارتباط علم الكيمياء قديماً بالسحر، مما ربط اسمها بالأسود -العلم الأسود).


ومنهم من أرجعها إلى أصل عربي من الفعل كمى / يكمي (أي أخفى وستر)، وذلك لأن علم الكيمياء وقتها كان يحاط بالأسرار، فالمشتغل بهذا العلم لا يعلن عن سر مهنته. يقول الخوارزمي في كتابه مفاتيح العلوم:


«اسم هذه الصناعة، الكيمياء، وهو عربي، واشتقاقه من، كمي يكمى، إذا ستر وأخفى، ويقال، كمى الشهادة يكميها، إذا كتمها.»


لقد تأثرت الخيمياء العربية بالخيمياء اليونانية، وخاصة بكتب دوسيوس وبلنياس الطولوني الذي وضع كتاب «سر الخليقة». غير أن علوم اليونان في هذا المجال لم تكن ذات قيمة كبيرة لأنهم اكتفوا بالفرضيات والتحليلات الفلسفية.


  • نبذة تاريخية

وفق السياق التاريخي، فإن الخيمياء هي السعي وراء تحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب قيم.

وترجع أصول الخيمياء الغربية إلى مصر القديمة.فبردية ليدين إكس وبردية ستوكهولم إذا وضعتا مع البرديات الإغريقية السحرية يُكونون كتاب الخيمياء الأول.نظــَّــرَ الخيميائيون الإغريقُ والهنودُ أن العناصر البدائية أربعة (بدلا من ال117 عنصرا التي نعرفها اليوم. واستعارة قريبة من ذلك مثال أحوال المادة).


اعتبرَ هؤلاء الخيميائيون أن العناصر الأساسية هي: الأرض والنار والماء والهواء. وفي سعيهم لإثبات نظريتهم أقدم الفلاسفة الإغريق على حرق خشبة، باعتبار أن الخشبة تمثل الأرض وأن اللهب الذي يحرقها هو النار، وأن الدخان الذي يرسله الاحتراقُ هو الهواء بينما السخام الباقي في الأسفل هو الماء الغالي.


وبسبب هذا فإن الإيمان بأن هذه العناصر الأربعة هي أصل كل شيء بدأ في الانتشار سريعا، ولم يُستبدل إلا مع نظرية جابر بن حيان في القرون الوسطى بأن العناصر سبعة، والتي استعيض عنها في بداية العصر الحديث بالنظرية الحديثة للعناصر الكيميائية.


تحوي الخيمياء العديد من التقاليد الفلسفية التي انتشرت على مدى 4 آلاف عام في ثلاثة قارات. وميلُ هذه التقاليد بشكل ٍعام إلى استخدام اللغة المشفرة والرمزية، يجعل تتبع آثارها المتبادلة وعلاقاتها الوراثية أمرا صعبا.


بدأت الخيمياء في الاتضاح في القرن الثامن مع أعمال الخيميائي المسلم جابر بن حيان (المعروف لدى أوروبا بالجبر)، والذي قدم تناولا منهجيا واختباريا للبحث العلمي داخل المعمل، بخلاف الخيميائين الإغريقيين والمصريين القدامى الذين غالبا ما اتسمت أعمالهم بالرمزية.


بعض الخيميائين الآخرين: وي بويانغ في الخيمياء الصينية – خالد والرازي في الخيمياء الإسلامية – ناجاروجنا في الخيمياء الهندية – ألبيرتيس ماجناس وشبيه الجبر في الألكيميا الأوروبية – والمؤلف المجهول لكتاب «ميوتاس ليبر» الذي نشر في فرنسا في أواخر القرن السابع عشر، والذي كان كتابا بلا كلمات ادعى كونه دليلا لصناعة حجر الفلاسفة من خلال مسلسل 15 رمزا وصورة.


كان يُنظرُ إلى حجر ٍالفلاسفة على أنه جسمٌ يضاعف قدرة الشخص في الخيمياء، ويحققُ الخلودَ والشباب الدائم لمستخدمه، ما عدا إن سقط ضحية ً للحرق أو الغرق. فقد كان المعتقدُ السائدُ أن النار والماء هما العنصران الأهم في صناعة حجر الفلاسفة.


ثمة فرق ٌ بين الخيميائين الصينييين والأوروبيين.فقد حاول الأوروبيون تحويل الرصاص إلى ذهب، ومهما بلغت معهم سمية العنصر أو عقم المحاولة، ظلوا يحاولون حتى قرار الحظر الملكي لاحقا في ذلك القرن. ولكن الصينيون لم يهتموا بحجر الفيلسوف أو تحويل الرصاص إلى ذهب، وإنما ركزوا على الطب من أجل تحقيق الصالح العام.


وخلال عصر التنوير، استخدمت هذه المواد كإكسير شافٍ للأمراض، حتى استخدمت كدواء اختبار. أدت معظم التجارب عموما إلى الوفاة، ولكن مشروبات الإكسير الأكثر استقراراً خدمت أغراضاً كبيرة. على الجانب الآخر، اهتم الخيميائيون الإسلاميون بالخيمياء لأسباب شتى، سواء كان تحويل المعادن أو إنشاء الحياة الاصطناعية أو لاستخدامات عملية مثل الطب الإسلامي والصناعات الكيماوية.


عـُـرفت الكيمياء القديمة بفن السباجيريك. وتأتي كلمة «سباجيريك» نتيجة ًلضم كلمتين إغريقيتين تفيدان معني الفصل والوصل. ربما يكون باراقيلساس هو أول من اختار هذه اللفظة، والتي يتشابه معناها مع إحدى الإملاءات اللاتينية في الكيمياء: SOLVE ET COAGULA والتي تعني: قم بالفصل ثم الوصل (أو قم بالإذابة ثم التخثير).


أشهرُ الأهداف التي عرفناها عن عمل الخيميائيين: 1. تحويلُ مختلفِ المعادنِ إلى ذهب (المعروف بعلم الكريسوبويا) أو فضة (و هو علم الخيمياء النباتية أو السباجيريك، وهو أقل شهرة من العلم الأول). 2. تخليق ال«باناكيا» أو إكسير الحياة، والذي اُدعيت قدرته على منح الحياة الأبدية الخالية من الأمراض. 3. اختراع المادة المذيبة الشاملة.


لم تكن هذه الأهداف الوحيدة لعلم الخيمياء، ولكنها أهدافٌ نالت قدراً أكبر من التوثيق والشهرة. ترى بعضُ المدارس السحرية أن تحويل الرصاص إلى ذهب هو قياسٌ تمثيلي لتحويل الهيئة المادية (ككوكب زحل المُمَثل بالرصاص) إلى الطاقة الشمسية (المُمَثلةِ في الذهب)، وأن الهدف من هذا التحويل هو تحقيق الخلود. ويوصف هذا المفهوم بالخيمياء الداخلية.


استثمر الخيميائيون العرب والأوربيون بدءا من العصور الوسطى الكثير من الجهد في البحث عن حجر الفلاسفة، وهي مادة أسطورية اعتقدوا أنها عنصرٌ أساسي لتحقيق أحد الهدفين أو كليهما. لقد نال الخيميائيون قدراً متناوباً من الاضطهاد والدعم خلال القرون.


فعلى سبيل المثال، أصدر البابا يوحنا الثاني والعشرون مرسوماً ضد التزييف الخيميائي في عام 1317، ولذا قام السيستركيون بحظر ممارسة الخيمياء بين أعضائهم. وفي عام 1403 قام هنري الرابع ملك إنجلترا بحظر ممارسة الخيمياء، وفي أواخر ذلك القرن قام بيرس (الرجل الحارث) وشوسر برسم صور مسيئة تظهر الخيميائيين كلصوص وكذابين.


على النقيض من ذلك، فإن رودولف الثاني في أواخر القرن السادس عشر، وهو إمبراطور روماني مقدس، كان يرعى عدداً من الكيميائيين لدى عملهم في بلاطه الكائن في براغ.


يفترض بعض الناس أن الخيميائيين قدموا مساهمات فائقة للصناعات «الكيميائية» الحديثة مثل تكرير العناصر الخام، وصناعة المعادن، وإنتاج البارود والحبر والأصباغ والدهانات ومواد التجميل، ودباغة الجلود، والخزف، وصناعة الزجاج، وإعداد المستخلصات والمشروبات الروحية، وما إلى ذلك.


ويبدو أن إعداد ما يسمى «أكوا فايتا» (أو مياه الحياة) كان «تجربة» ذات شعبية ٍبين الخيميائيين الأوروبيين. ولكن في الواقع، على الرغم من مساهمة الخيميائيين في تقديم التقطير لغرب أوروبا، فإن الخيميائين لم يقدموا الكثير لأي صناعة معروفة.


فعلى سبيل المثال، كان عمال الذهب قد أجادوا معرفة جودة المشغولات الذهبية لفترة طويلة قبل وجود الخيميائيين. كما اعتمد تقدم التكنولوجيا الصناعية على عمل الحرفيين أنفسهم في هذه الصناعات أكثر مما ناله من مساعدة الخيميائين.


يسجل التاريخ أن العديد من الخيميائين المتقدمين (كزوسيموس بانوبوليس) نظروا إلى الخيمياء باعتبارها تجربة ًروحية، وأن النواحي الميتافيزيقية في الخيمياء تم اعتبارها الأساس الحقيقي لهذا الفن. أيضا، تم اعتبار الحديث ِعن المواد الكيميائية العضوية وغير العضوية والهيئات المادية وعمليات المواد الجزيئية، مجرد استعارات ٍ للحديث عن المدخلات والهيئات الروحية التي تؤدي في نهاية المطاف إلى الحديث عن التحولات.


وبهذا الأصل في الحسبان، فإن المعاني الحرفية للصيغ والمعادلات الخيميائية كانت عمياء ظاهراً، تخبيء وراءها فلسفة روحية باطنة تخالف كنيسة القرون الوسطى المسيحية. ولذلك كان من الضروري إخفاؤها لعدم التعرض لمحاكم التفتيش بتهمة الهرطقة.


وهكذا فإن مفهوم تحويل المعادن إلى ذهب ومفهوم الباناكيا العالمية مفهومان يرمزان إلى التحول من حالة ناقصة مريضة وقابلة للفساد والزوال إلى حالة كاملة صحيحة خالدة وغير قابلة للفساد. ولذا مثــَّـل حجرُ الفيلسوف المفتاح السحري لتحقيق هذا التحول.


وبتطبيق هذا على الخيميائي نفسه، فإن هذا الهدفَ المزدوج يرمز إلى التحول من الجهل إلى التطور والتنوير، بينما يمثـِـلُ الحجرُ الحقيقة أو الطاقة الروحية الخفية التي من شأنها أن تؤدي إلى هذا الهدف. ونحن نجد أن الرموز الخيميائية والرسوم التوضيحية والصور النصية الخفية في النصوص التي كتبها الخيميائيون المتأخرون (بصياغة تتفق مع الرأي المسبق)


تحتوي على طبقات متعددة من المعاني والمجازات والإشارات إلى أعمال ٍ أخرى لا تقل في ألغازها، ويجب أن «تفك شفرتها» بمشقة لاكتشاف معانيها الحقيقية. ويوضح باراقيلساس بجلاء في كتابه «التعليم الخيميائي»، أن استخدامه لأسماء المعادن مجرد استخدام رمزي:


سؤال: عندما يتحدث الفلاسفة عن الذهب والفضة التي يستخرجون منها المادة، هل يفترض أن نظنهم يتحدثون عن الذهب والفضة المألوفين؟ جواب: على الإطلاق. فالفضة والذهب المألوفان ميتان، أما فضة الفلاسفة وذهبهم فملأوان بالحياة.

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى