الذكاء الاصطناعي وتحديات النزاهة في التعليم والتوظيفتربية وتعليم

الغش بالذكاء الاصطناعي في امتحانات الباكالوريا: دليل تقني مركز

في عصر التحول الرقمي المتسارع، لم تَعُدْ امتحانات الباكالوريا بمنأى عن التحديات التقنية، وعلى رأسها ظاهرة الغش الإلكتروني. إذ يتفنن بعض التلاميذ في استغلال التكنولوجيا بوسائل متقدمة كالساعات الذكية، السماعات الخفية، والهواتف المصغرة، بل حتى الذكاء الاصطناعي التوليدي.

ولأن هذه الظاهرة تهدد مبدأ تكافؤ الفرص ومصداقية الشهادات، بات من الضروري اعتماد أدوات مضادة تعتمد هي الأخرى على الذكاء الاصطناعي، في إطار صراع رقمي تقني حاسم.

  • الغش في زمن الذكاء الاصطناعي — واقع جديد

لم يَعُد الغش مقتصرا على التواطؤ بين التلميذ والمراقب أو تمرير ورقة صغيرة؛ بل أصبح سلوكا ممنهجا يستخدم تطبيقات الذكاء الاصطناعي لترجمة النصوص الفورية، توليد إجابات فورية عبر منصات مثل ChatGPT، أو حتى استخدام نظارات مزودة بكاميرات خفية مرتبطة بشبكات خاصة. هذا الواقع يستدعي إعادة هيكلة آليات الرقابة، وتطوير بنيات تحتية رقمية ذكية.

  • الذكاء الاصطناعي كوسيلة لمكافحة الغش

تُوظَّف تقنيات الذكاء الاصطناعي اليوم في مجالات متعددة للكشف عن الأنماط المشبوهة واتخاذ قرارات فورية. ويمكن تسخيرها في امتحانات الباكالوريا عبر المجالات التالية:

1. الرؤية الحاسوبية (Computer Vision)

باستخدام كاميرات مراقبة ذكية تعتمد على خوارزميات التعرف على السلوك البشري (Pose Estimation وAction Recognition)، يمكن كشف حركات اليدين غير الطبيعية، أو تبادل نظرات متكررة بين الممتحنين. كما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحدد أنماط التشتت، والنظر المتكرر نحو مناطق غير مألوفة، مما يشير إلى احتمال وجود جهاز غش مخفي.

2. تحليل الصوت (Audio Forensics)

يمكن استخدام ميكروفونات ذكية عالية الحساسية مدمجة بخوارزميات الكشف عن الكلام أو الأصوات الهمسية، مع نماذج الذكاء الاصطناعي التي تتعرف على الأصوات البشرية وتحللها للكشف عن أي محادثات غير مصرّح بها أثناء الامتحان.

3. كشف الغش الرقمي عبر الشبكات اللاسلكية

توفر بعض الأجهزة تقنيات لكشف إشارات البلوتوث أو الواي فاي غير المصرح بها في قاعات الامتحانات، ويمكن توسيعها باستخدام نظم ذكاء اصطناعي تكتشف الأجهزة النشطة، وتقارنها بقاعدة بيانات معدة سلفا للمعدات المسموح بها.

4. خوارزميات تحليل الأنماط السلوكية

عبر تتبع حركة العين (Eye Tracking) أو الإيماءات المتكررة، يمكن تدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي على تمييز السلوك الطبيعي عن السلوك المشبوه داخل قاعات الامتحان.

  • إطار عملي لتطبيق الذكاء الاصطناعي في الامتحانات

1. البنية التحتية التقنية

ينبغي تجهيز قاعات الامتحانات بكاميرات بدقة عالية مزودة بوحدات معالجة على الحافة (Edge AI) لتجنب إرسال البيانات إلى السحابة، ما يضمن حماية الخصوصية وتقليل التأخير الزمني.

2. تدريب نماذج محلية للذكاء الاصطناعي

يُفضل تدريب النماذج على بيانات محلية (من بيئة المدرسة أو الدولة) لضمان ملاءمة النموذج للسلوكيات الثقافية المحلية، وتفادي التحيزات.

3. التكامل مع نظم الأمن التربوي

ينبغي أن تتكامل نظم كشف الغش الذكية مع منصات الامتحانات الوطنية وقواعد البيانات التربوية لتحسين سرعة الاستجابة وربط الحوادث إلكترونيا.

4. الحوكمة الأخلاقية للذكاء الاصطناعي

يجب وضع مدونة سلوك واضحة تحدد حدود استخدام الذكاء الاصطناعي، وتضمن عدم انتهاك حقوق الطلاب أو التسبب في وصم جماعي غير مبرر.

التحديات والقيود التقنية والأخلاقية

رغم الإمكانات الكبيرة، فإن تطبيق هذه التكنولوجيا يواجه عدة تحديات:

  • الخصوصية: رصد الطلاب بالكاميرات والميكروفونات قد يُثير جدلا أخلاقيا، ويستلزم موافقات قانونية وأسرية.
  • التحايل على الذكاء الاصطناعي: كما تُطوَّر أدوات للمراقبة، تُطوَّر أخرى للتحايل عليها مثل تقنيات إخفاء الوجه أو إبطاء الحركات لتجنب الكشف.
  • التمويل والتكلفة: اعتماد منظومات ذكية يتطلب استثمارا في المعدات، التكوين، والصيانة، وهو ما قد يكون عائقا أمام الدول ذات الموارد المحدودة.

توصيات استراتيجية

  • تطوير شراكات بين وزارات التربية ومراكز الذكاء الاصطناعي المحلية.
  • اعتماد نظم اختبارية في عدد محدود من المراكز قبل التعميم.
  • إشراك المجتمع المدني في صياغة سياسات أخلاقية لاستخدام المراقبة الذكية.
  • تدريب المعلمين والمراقبين على تقنيات الذكاء الاصطناعي لضمان الاستخدام الفعّال والمبني على فهم.

خلاصة

أصبح الذكاء الاصطناعي حليفا لا غنى عنه في سبيل ضمان نزاهة امتحانات الباكالوريا، شريطة أن يُوظف بحكمة، ضمن منظومة متكاملة توازن بين التقنية والخصوصية، وبين الرقابة والحقوق. فالغش ليس مجرد سلوك فردي، بل تحدٍ اجتماعي وتربوي وتقني يتطلب حلولا متعددة الأبعاد.

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى