“الامتحانات” في مهبّ الرقمنة وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي
هشاشة البنية الرقمية في المؤسسات التعليمية العربية
في العقود الماضية، مثّلت الامتحانات آلية مركزية في تقويم أداء الطلبة، وكانت تدار داخل قاعات مغلقة بإشراف بشري مباشر. لكن مع التحول الرقمي المتسارع والاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي، دخلت نظم التقييم في مرحلة جديدة لم تخلُ من المخاطر، أبرزها تسرب الامتحانات قبل موعدها.
ورغم ما توفره التكنولوجيا من فرص لتطوير التعليم، فإنها أيضا فتحت نوافذ للغش المتقن، خاصة في سياقات تعليمية عربية تعاني من ضعف في الرقابة التقنية، وبُطء في تحديث السياسات، واعتماد مفرط على أدوات بدائية لا تتناسب مع تعقيدات الواقع الرقمي.
1- من التسريب التقليدي إلى التسريب الرقمي
لقد تغيّر شكل تسرب الامتحانات من حيث الوسائط والفاعلين والآليات. ففي السابق، كان التسريب يحدث غالبا عبر تصوير ورقي أو نقل شفهي مباشر. أما اليوم، فالتسريب يتم عبر تطبيقات رقمية، وتحليلات مبرمجة، وحتى عبر الذكاء الاصطناعي نفسه.
1.1 تطور الوسائط:
- من الورق إلى ملفات PDF مشفرة يمكن تفكيكها بسهولة.
- من النقل اليدوي إلى إرسال الأسئلة في لحظة عبر WhatsApp، Telegram، أو Google Drive.
- من الحفظ في الذاكرة البشرية إلى الحفظ السحابي حيث تتنقل الأسئلة بين السرفرات دون تعقب.
2.2 الفاعلون الجدد:
- لم يعد التسريب محصورا في موظف داخلي أو أستاذ غير نزيه، بل دخلت أطراف أخرى مثل:
- طلاب متمكنون تقنيا.
- مجموعات غش منسقة على الشبكات الاجتماعية.
- أدوات هندسة عكسية وبرمجيات قراءة الشاشة والتحكم عن بعد.
2- الذكاء الاصطناعي كأداة جديدة للغش
الذكاء الاصطناعي ليس فقط تقنية تعليمية، بل أيضا أداة تُوظّف في عمليات غير مشروعة، منها تسريب أو فك تشفير الامتحانات. وتُظهر أمثلة عديدة كيف يمكن استخدام أدوات AI في استخراج أو إعادة توليد أسئلة الامتحانات.
- أدوات قراءة الشاشة (Screen Readers) + OCR:
تُستخدم لاستخلاص نصوص الأسئلة من واجهات مغلقة داخل المتصفحات الآمنة مثل Safe Exam Browser.
- روبوتات المحادثة (AI Chatbots):
مثل ChatGPT، يمكنها إعادة صياغة الأسئلة التي تُسرّب إليها وتقديم أجوبة فورية، مما يسهل تداولها بشكل ذكي لا يُكشف بسهولة.
- الذكاء الاصطناعي التحليلي:
يمكن برمجة أدوات AI لفهم نمط امتحانات مؤسسة معينة (مثلا من خلال الأرشيفات السابقة)، وبالتالي توقع الأسئلة المستقبلية بنسبة عالية، مما يفتح الباب لتسريب “تنبؤي” وليس فقط تقني.
3- هشاشة البنية التحتية الرقمية في المؤسسات التعليمية العربية
رغم التحول الرقمي الاسمي الذي شهدته العديد من الجامعات العربية، فإن الواقع يشير إلى هشاشة كبيرة في البنية الأمنية والتقنية المستخدمة لحماية الامتحانات. ويمكن رصد أبرز مواطن الضعف كما يلي:
- غياب نظم تشفير متقدمة:
تعتمد بعض الجامعات على إرسال الامتحانات عبر البريد الإلكتروني العام، دون استخدام توقيعات رقمية أو تشفير متعدد الطبقات، مما يجعلها عرضة للاختراق أو النسخ.
- ضعف منصات التعليم الإلكتروني:
في حالات كثيرة، تكون المنصات المستخدمة إما تجريبية أو مبنية محليا دون اختبارات أمنية كافية، ما يجعلها سهلة الاختراق عبر بروتوكولات بسيطة أو كلمات مرور ضعيفة.
- نقص الكفاءات التقنية في إدارة الامتحانات الرقمية:
تفتقر كثير من المؤسسات إلى كوادر تقنية متخصصة في تأمين نظم التقييم، بل يُعهد بالمسألة إلى موظفين إداريين تقليديين.
- سياسات غير محدثة تجاه الذكاء الاصطناعي:
لا تزال اللوائح الأكاديمية في كثير من الجامعات لا تتضمن بنودا واضحة حول الاستخدام غير المشروع للذكاء الاصطناعي، مما يفتح الباب أمام ممارسات رمادية.
- 4- انعكاسات تسرب الامتحانات على مصداقية التعليم العالي
تسرب الامتحانات لا يؤثر فقط على الطلبة أو درجاتهم، بل له انعكاسات هيكلية تمسّ مصداقية المؤسسة التعليمية كلها:
- فقدان الثقة في شهادات التخرج: عندما تنتشر أخبار التسريب، يتراجع اعتماد سوق العمل على خريجي المؤسسة.
- انخفاض التصنيف الجامعي: تسريب متكرر للامتحانات يُعتبر مؤشرا سلبيا في مؤشرات التصنيف العالمية.
- إرباك السياسات التعليمية: يؤدي إلى قرارات طارئة (إلغاء نتائج، إعادة اختبارات) مما يؤثر على الاستقرار الأكاديمي.
5- من التساهل إلى الوقاية – ما الذي يجب أن يتغيّر؟
إن معالجة هذه الظاهرة لا تتطلب فقط حلولا تقنية، بل تتطلب إعادة هيكلة شاملة لثقافة تأمين الامتحانات والتقييم.
- تطوير سياسات شاملة للأمن الرقمي الأكاديمي:
يجب أن تشمل آليات التشفير، وإدارة الحقوق الرقمية، والتحقق الثنائي، واستخدام blockchain في بعض الحالات لحماية محتوى الامتحانات.
- الاستثمار في أنظمة اختبارات مؤمنة (Proctoring & Secure Browsers):
مثل Safe Exam Browser، Respondus، أو حلول مراقبة تعتمد الذكاء الاصطناعي، بشرط تدريب الطلبة والموظفين على استخدامها بشكل فعال.
- إدماج الذكاء الاصطناعي في الرقابة لا في الاختراق:
يمكن للجامعات استخدام AI لتحليل أنماط الغش، وكشف الإجابات المتكررة أو السلوكيات غير العادية خلال الامتحانات الرقمية.
- التحسيس التربوي والأخلاقي:
تدريب الطلبة ليس فقط على الامتناع عن الغش، بل على فهم خطورته على مستقبلهم الأكاديمي وسوق العمل.
- خلاصة:
إن التطور الرقمي والذكاء الاصطناعي ليسا هما المشكلة، بل يكمن الخطر في أن تُستخدم هذه الأدوات ضمن بيئات تعليمية تفتقر إلى الرؤية والسياسات والموارد التقنية. فكما أن التكنولوجيا يمكن أن تُستخدم للغش، يمكن أن تكون أيضا حائط الصد الأول لحماية النزاهة الأكاديمية. والتحدي اليوم أمام الجامعات العربية ليس فقط في اقتناء أدوات جديدة، بل في إعادة تعريف فلسفة التقييم الأكاديمي ضمن بيئة رقمية مؤمنة وشاملة.
مراجع:
-
Dawson, Phillip. Defending Assessment Security in a Digital World. New York: Routledge, 2020.
- Lancaster, Thomas, and Robert Clarke. “Contract Cheating and the Rise of the Digital Ghost Writer.” Journal of Academic Ethics 19, no. 4 (2021): 345–359.
- Eaton, Sarah Elaine, Grace J. Curtis, Breanne M. Stoesz, Jason Clare, Kyle Rundle, and Jesse Seeland, eds. Contract Cheating in Higher Education: Global Perspectives on Theory, Practice, and Policy. Cham: Palgrave Macmillan, 2022.
https://link.springer.com/book/10.1007/978-3-031-12680-2 - International Journal for Educational Integrity. “Latest Articles on AI and Academic Integrity.” SpringerOpen.
- Turnitin. “AI Writing and Academic Integrity: Resources and Insights.” Turnitin Resources. Accessed May 3, 2025.
https://www.turnitin.com/resources -
International Center for Academic Integrity. “Publications and White Papers.” ICAI. Accessed May 3, 2025.
https://www.academicintegrity.org/resources/