صعوبة التعلم وظاهرة الفشل الدراسي -1-
“إذا كان الرفع من مستوى التكوين وتطوير جودة النسق التربوي هو الهدف الأساس للدول، فإن ازدهار الرأسمال البشري؛ رهين بتنمية القدرات على اكتساب معارف ومهارات تمكنهم من الاستمرار في التعلم مدى الحياة.”
كيرش 2002.
- تقديــم
تمس ظاهرة الفشل الدراسي كل المستويات التعليمية، غير أنه من الملاحظ أنها تسجل نسبا عالية في المرحلة الابتدائية. يمكن إرجاع هذه الظاهرة عموما إلى بعدين أساسيين نجملهما كالآتي:
– بعد ذاتي مرده التلميذ و مؤهلاته النفسية و الفكرية.
– بعد موضوعي يرتبط بالمحيط بما في ذلك الأسرة و المدرسة.
يتفاعل هذان البعدان معا في تحديد مستوى الأداء المدرسي، و ما يحكمه من أشكال التفاوت التي يمكن ملاحظتها في هذا الصدد و من صعوبات في التعلم التي يواجهها التلميذ، خاصة في المرحلة الابتدائية التي تعد المرحلة الأساس في العملية التعليمية ككل.
من هذه الصعوبات نذكر بالأساس صعوبة القراءة و الكتابة التي تأخذ تمظهرات متعددة منها الخلط المرئي بين الكلمات المتقاربة من حيث الشكل الإملائي، و الخلط السمعي بين الكلمات المتقاربة من حيث المخارج و الخلط في استعمال الكلمات المتواترة و غيرها من الصعوبات المرتبطة بالأداء المدرسي.
هذه الورقة هي محاولة لملامسة هذه الصعوبات، و ذلك انطلاقا من النقاش الدائر حول هذا الموضوع، الذي سنحاول فيه استحضار مختلف الفرضيات التي صيغت بهذا الخصوص مبتغانا من وراء ذلك الوقوف عند مجمل الحلول التي صيغت لتجاوز هذه الصعوبات التي نعتبرها السبب المباشر للفشل الدراسي.
تخطى إشكال صعوبات التعلم مجال علوم التربية لتتم مقاربته في حقول معرفية مختلفة و متعددة، منها علم النفس و علم الاجتماع و العلوم المعرفية و الطب و غيرها. مرد ذلك تعدد أسباب هذه الصعوبات التي ترتبط بمعطيات اجتماعية و نفسية و جينية و عصبية، و هي كلها معطيات تؤثر سلبا على النمو المعرفي للتلاميذ، لأنها تعيق عملية اكتسابهم للمهارات الضرورية للتعلم.
في هذا السياق يلاحظ أن التلاميذ الذين لديهم صعوبات في التعلم يعانون عادة من قصور في التنظيم الذاتي، إذ يتصفون بكفاءة معرفية متدنية تجعلهم عاجزين عن تنظيم تعلمهم بكيفية ذاتية، حيث يفشلون في معالجة المعلومات بطريقة موجهة بأهداف محددة كما يفشلون في اتخاذ استراتيجيات مناسبة لإنجاز هذه الأهداف.
يلاحظ أيضا غياب الحافز لدى هؤلاء التلاميذ، و هذا المعطى يجعل من الفشل المدرسي نتيجة حتمية خاصة و أن البحوث النفسية قد أثبتت أن حضور أو غياب الحافز يؤثر إما سلبا أو إيجابا على مستويات الأداء في مختلف المجالات، لذلك من المهم الكشف عن هذه الصعوبات مبكرا كي يتم تجاوز سلبياتها العديدة.
- 1 – قدرات التعلم و مكوناته
يشير بيرودو (2005) إلى أنه من المألوف أن يواجه التلميذ صعوبات في التعلم . يمكن عد هذه الصعوبات مؤشرا على المجهود المبذول في عملية اكتساب المعارف، و يمكن ربطها بأسباب مختلفة تغذيها أبعاد متعددة فردية و اجتماعية و معرفية و عاطفية . غير أنه عموما يتم اختزالها في مصدرين أساسيين:
– مصدر فردي حيث ترتبط الصعوبة بالتلميذ و شبكة العلاقات المعقدة بين نمو فكره و المعارف التي يتوجب عليه اكتسابها.
– مصدر اجتماعي يضع التلميذ في علاقته بمحيطه، انطلاقا من بعدين: بعد ماكرواجتماعي (الأسرة – الثقافة) بعد ميكرواجتماعي (العلاقة مع التلاميذ و المعلم في سياق التعلم).
يظهر هذان النمطان من الصعوبة في التعلم حين يجابه التلميذ بمهمة البحث أو الاكتشاف. يؤكد بيرودو(2005) على أن ما يهم في هذا الإطار ليس هو النتيجة التي يصل إليها و إنما مجموع الإجراءات التي يفعلها للوصول إلى النتيجة. لتقديم صورة تقريبية عن هذه الإجراءات نقتبس من بيرودو(2005) المسألة الحسابية التالية:
“اشترى علي ثلاث حلويات بأربعة دراهم و خمس زجاجات بدرهمين و نصف لكل منهما. إنه يتوفر على عشرين درهما،هل يستطيع شراء كل حاجياته؟
و ذلك لكي نقدم صورة تقريبية عن المكونات التي من الضروري أن يفعلها التلميذ لحل هذه المسألة البسيطة، و التي يمكن حصرها فيما يلي:
– المكون الديداكتي: و هو يقتضي التعرف على بنية المسألة. هنا يتعلق الأمر ببنية الضرب و بنية التجميع، كما يتعلق الأمر أيضا بالتمييز بين الأعداد و الأشياء و الأثمنة و كذا التحكم في التقنيات العددية.
– المكون المنطقي: و هو يخص بنيات القسم ( تكامل – تداخل..) و بنيات العلاقات (التتالي) و الرابط:سبب – نتيجة (إذا…فإذن). تتمثل وظيفة هذه البنيات في تجميع العلاقات المنطقية التي ينبغي تفعيلها بما يقتضيه ذلك من التعرف و الترتيب و التصنيف و الموازاة و المقارنة و الاستنتاج.
– المكون المعرفي: أي القدرة على تحليل المعلومة ، و ما بقتصيه ذلك من توقع النشاط و اختيار المعطيات المفيدة و تخطيط مختلف لحظات النشاط و استعمال الذاكرة الطويلة الأمد و تفعيل الانتباه و مراقبة صحة النتائج المحصل عليها.
– المكون اللغوي: يرتبط بعملية الفهم في مختلف تجلياتها : فهم السؤال المطروح و فهم المفردات الخاصة المستعملة.
– المكون الاجتماعي: و هو المؤشر على الوضع في حد ذاته و على مدى قربه من الواقع المعيش للتلميذ . أي هل هو معتاد على التسوق أم لا؟ الامر كله يرتبط هنا بالقدرة على التبادل و المواجهة و التعليل و غير ذلك.
لذا من الطبيعي كما تشير إلى ذلك بارت (2001) أن يخطئ التلميذ إذا طلبنا منه أن يحل مسألة محددة يقتضي حلها تعلم مفاهيم مجردة لا علاقة لها بحياته الحقيقية، ما لم نعلمه التعرف على طبيعة المهمة و قواعد اللعبة.
إذن نستنتج أن عملية حسابية بسيطة استدعت تفعيل مكونات متعددة و متداخلة لحلها.
هذا يوضح لنا جانبا من الإجراءات المعقدة التي تقتضيها عملية التعلم . إن التلميذ لا يقف عند مستوى تفعيل القدرات المعرفية الأساس، بل يفعل أيضا و بالقدر نفسه ما سماه مونطنيي (1996) بالقدرات الركائز التي تحيل على الانتباه المرئي المستمر و الميل إلى التفاعل و السلوكات الانضمامية و التنظيم المبنين للحركات و السلوكات المحاكية (ريشن و لهمان 2001)،
و هذا يدل على أن تطور التلميذ محكوم بعوامل خارجية متعددة مرتبطة بالمحيط الأسري و الاجتماعي، كما هو محكوم أيضا بعوامل ذاتية تتدخل في تحديد درجة تفاعل التلميذ مع محيطه بشكل عام.
- 2- صعوبات التعلم
- 2 – 1 – إشكال التحديد
لن نتحدث في هذه الورقة عن صعوبات التعلم المرتبطة بالمصدر الاجتماعي، و إنما سنتحدث عن صعوبات التعلم المرتبطة بالمصدر الذاتي. نخص منها بالأساس تلك التي لها علاقة بتدني مستوى الإنجاز و التي يمكن إرجاعها إلى مجموعة من العوامل التي تمنع اكتساب المعرفة، أي بعبارة أخرى تكون حاجزا أمام عملية اكتساب المهارات الدراسية التي من بينها القراءة و الكتابة و الإملاء و الحساب و خاصة في المرحلة الابتدائية و قد تستمر إلى ما بعد ذلك. يشار إلى هذه الصعوبات أيضا باصطلاح اضطرابات التعلم التي يقدم لها روتر (1989 : 500) التعريف التالي:
“اضطرابات تطور التعلم هي جملة من صعوبات التعلم التي لا يمكن إرجاعها لا إلى تأخر عقلي و لا إعاقة جسمية و لا إلى شروط محيطية غير ملائمة . هذه الصعوبات غير متوقعة بالنظر إلى الجوانب الأخرى من التطور و [و هي] تظهر في وقت مبكر و تتداخل مع التطور العادي و غالبا ما تستمر إلى سن النضج”.
شكل هذا التعريف الأساس لجل التعريفات التي قدمت. و هو يتضمن معيارين أساسيين و محددين للصعوبات الخاصة بالتعلم هما:
– معيار التنافر بين الصعوبات و المهارات التي تلاحظ عند التلميذ في المجالات المعرفية الأخرى.
– معيار الاستثناء، فهذه الصعوبات لا تنتج عن تأخر عام و لا عن إعاقة و هي غير مرتبطة بمحيط غير ملائم، كما أنها لا ترجع إلى اضطراب ذهني، إذ التلاميذ الذين يعانون من هذه الصعوبات الناتجة عن اضطرابات في اللغة المنطوقة و المكتوبة يتمتعون بذكاء عادي أو فوق عادي، غير أن لديهم مشكل “تقني” أي مشكل معرفي تنجم عنه صعوبات في اكتساب استراتيجيات التعلم،
و بالتالي الحرمان من التكيف مع المحيط المدرسي و الاجتماعي. تفسر هذه الصعوبات عموما باضطرابات في العمليات الذهنية (الانتباه،التركيز، الذاكرة، الإدراك)، و هي على العموم ترتبط بالتأخر في التنظيم المعرفي للفكر .
مرد هذا التأخر خلل في إجراء اكتساب المعارف، فيكون الحاصل صعوبة عامة في التحصيل الدراسي. إلا أنه مع تقدم البحث في هذا المجال سيدرج بعض الباحثين عوامل بيوعصبية (كالابوردا 1999) ، كما سيدرج باحثون آخرون عوامل وراثية (ليتنن و آخرون2004) .
الجدير بالذكر أن نسبة هامة من المتعلمين على المستوى العالمي يعانون من هذه الصعوبات التي تؤدي حتما إلى الفشل المدرسي . ففي أمريكا على سبيل المثال سجل ما بين سنتي 1977 – 1978 ما مجموعه 800.000 طفل يعانون من صعوبات في التعلم و مابين 1993 – 1994سجل 2،4 مليون من أعمار مختلفة. أما في أوروبا، فإن الفشل الدراسي الناتج عن صعوبات التعلم يسجل ما بين 16 إلى 24 في المئة من التلاميذ
– حسب إشارة فيفر دوري و تورز 1999) – أما في البلدان العربية فقد أشار محمد الدريج (2009) إلى أن نسبة التلاميذ الذين يواجهون صعوبات في التعلم تفوق النسب الموجودة في البلدان الأخرى، لذلك نرى أن المدخل الأساسي للوقوف عند ظاهرة الفشل المدرسي يتمثل في تحديد هذه الأنماط من الصعوبات و ايجاد سبل ملائمة، و هي مهمة ليست باليسيرة خاصة أن دراسة صعوبات التعلم حقل جديد يعود حسب بروني ( 1999) إلى أربعين سنة فقط .
و قد ظهر الاهتمام بهذه الظاهرة بفعل تقدم العلوم المعرفية و العصبية و النفسية وتطور المعارف حول نمو الطفل في السنوات الأخيرة ،و من النتائج الإيجابية لهذا التقدم التمكن من تحديد الاضطرابات الخاصة باللغة و التي يلاحظ أنها تأخذ أشكالا متعددة تختلف باختلاف المجال أو الاستراتيجية التي تؤثر فيها.
- 1 – 2 – وسائط الكشف
تتفق الأدبيات على ربط صعوبات التعلم بملاحظة وجود تأخر مدرسي يحدد في سنة أو سنتين في هذا الإطار يلاحظ أن هذه الأدبيات تنطلق من التصور الذي صاغه كيرك الذي يعد أول من اقترح تعريفا لصعوبات التعلم في بداية الستينات، و الذي يقوم على الموازنة بين الفرق بين المردودية المدرسية المحققة للتلميذ و المردودية المنتظرة و هو ما نلاحطه مثلا عند هولانجسيد (1997) الذي حاول استخلاص الوسائط الأساسية، التي يتم التركيز عليها في تحديد صعوبة التعلم. إذ نجده في هذا الإطار يحصر خمس معايير أساسية هي:
– تفاوت بين ما ينتظر و النتائج المحصل عليها.
– صعوبات في الواجبات أو الدراسة.
– النزوع إلى عدم الاطراد في التعلم.
– خلل في النسق العصبي المركزي.
– مشاكل في التعلم ، التي لا ترتبط بتخلف ذهني أو اضطرابات عاطفية أو عجز صحي أو إجحاف في المحيط أو إعاقة جسمية.
تتعالق هذه المعايير مع الوسائط التي أوردها كافال و فورنيس (1985) و هي كالتالي:
– ارتباط الصعوبات بالنموذج الطبي.
– إرجاعها إلى خلل عصبي.
– ربطها باضطراب في الإجراءات النفسية.
– ربطها بالفشل المدرسي.
و قد وضع الباحثون وسائط أخرى دالة على التلميذ الذي يعاني من صعوبات التعلم منها:
– مردودية مدرسية متفاوتة.
– عدم التنظيم في التعليل والعمل الكتابي و الأفعال.
– صعوبة فهم المقروء و ضبط الأحداث الهامة.
– عدم الانتباه و فقدان التركيز.
– التركيز الشديد على مهمة محددة و تكرارها مرارا.
– اضطرابات الذاكرة و صعوبة في تذكر التعليمات.
– فقدان التنسيق.
– فقدان المهارة الحركية.
– الصعوبة في خلق علاقات مع الآخرين.
– انعدام الثقة.
– عادات في الدراسة غير منتجة.
تتداخل هذه الوساءط مع ما أوردته وزارة التربية البريطانية (1996) في إطار التركيز على التشخيص المبكر للمجالات التي تقتضي التدخل ،و هي:
– الانتباه أو مدة التركيز على إنجاز التمرين .
– تحليل اللغة.
– الذاكرة
– مناهج العمل.
– التمكن من اللغة المكتوبة.
– القراءة.
– حل المشاكل أو المهارات الثقافية العليا.
– المهارات الاجتماعية.
علاوة على هذه المؤشرات يلاحظ كواكو و بوتيي (2004) أن التلميذ الذي يعاني من صعوبات التعلم، لا يبحث عن استيعاب معنى الواجبات المدرسية التي تتيح له التعلم لهذا يجد صعوبة في نقل معارفه من مجال إلى آخر أو على العكس يعمم أكثر من اللازم الإجراءات التي يضبطها و يطبقها على كل الأوضاع بدون تحليل مسبق،
و يؤكدان في هذا الإطار على أن التلميذ، لكي يتمكن من حل مشكل ما لابد أن يربطه بالمشاكل التي درسها قبلا و لابد له من أن يتمكن من إدارة المعارف و الأنشطة و نقلها من موضوع مدرسي إلى آخر ، و هذا يتطلب منه أن يكون قد أسس مسبقا عالم الموضوعات المدرسية باعتباره عالما ينبغي أن يمارس عليه أنشطة فكرية و عملا خاصا و هو ما يسمى بattitude de secondarisation التي يجد بعض التلاميذ صعوبات فيها.
إذا كانت صعوبات التعلم معروفة لدى المتخصصين، فهي للأسف مجهولة لدى قسم كبير من المدرسين. إن هذا في حد ذاته مشكل كبير، لأنه يرتبط بالصحة العامة من جهة و من جهة أخرى له انعكاساته السلبية على مستوى التمدرس، بل أكثر من ذلك على مستوى الاندماج الاجتماعي (فيفر دوري و تورز1999).