منهجية البحث العلمي في العلوم الإنسانية: تدريبات علمية
يدور موضوع كتاب منهجية البحث في العلوم الإنسانية: تدريبات علمية لمؤلفه موريس أنجرس؛ حول منهجية البحث العلمي. هذا الكتاب متداول عند العديد من الطلبة والباحثين لثرائه المعرفي والعلمي، إلا أن الجديد يتمثل في ترجمته إلى اللغة العربية في زي جديد وطبعة جزائرية حديثة. قام بالترجمة جملة من الأساتذة المختصين الجزائريين.
يضم الكتاب 477 صفحة، عند تصفحها يجد القارئ نفسه أمام ستة أقسام و إثني عشر فصلا مقسمة مثنى مثنى، تحوي في طياتها زخما علميا ثريا بأسلوب بسيط وسهل للفهم والاستيعاب، في نفس الوقت معبر بأمثلة واقعية متسلسلة تحفز على التمحيص والتمعن.
المغامرة العلمية؛ هي أول قسم جمع فصلين اثنين، الأول يلخص مكونات الروح العلمية من الملاحظة إلى الموضوعية مرورا بالمساءلة، الاستدلال، المنهج، والتفتح الذهني. العناصر المذكورة تعد أساسية لكي يتسم أي بحث بصفة العلمية.
أما الفصل الثاني فيؤسس لخصائص العلم من أنواع المعارف إلى مصادر المعرفة العلمية، ثم لغة العلم، أهدافه، و خصائص العلوم الطبيعية والإنسانية.
القسم الثاني؛ يشرح الطريقة العلمية في العلوم الإنسانية من خلال فصلين يعالجان مقاييس تمييز البحث، حلقته، أخلاق الباحث، المنهج و المناهج، تقنيات البحث ومقاييس تصنيفها، ثم التقسيم العلمي.
المرحلة الأولى من البحث: تحديد المشكلة، الفصل الخامس منها ينير للقارئ طريقه في كيفية اختيار الموضوع، استعراض الأدبيات، تدقيق الإشكالية بعد نقد الوثائق وانتقائها. أما الفصل السادس فيُعرف بالفرضية خصائصها، حدودها، وأشكالها.
كما يستعرض التحليل المفهومي بمختلف أبعاده، تليها طرق المراقبة الداخلية والخارجية، ثم يوضح في الأخير الإطار المرجعي الذي يشكل مجتمع البحث الذي سيكون محل الدراسة وخصائصه.
يجد القارئ باحثا كان أم طالبا ضالته من خلال القسم الرابع في البناء التقني للدراسة من حيث تقنيات البحث حيث بدأ بالملاحظة، المقابلة، الاستمارة أو سبر الآراء، التجريب، تحليل المحتوى، وكيفية تحليل المعطيات الإحصائية وهذا حسب الطريقة التي سيعتمدها الباحث في دراسته.
الفصل الثامن مكمل لسابقه، يضم أدوات الجمع التي يبين من خلالها كيفية بناء إطار الملاحظة أو بناء وثيقة الأسئلة، إضافة إلى كيفية بناء المخطط التجريبي وكذا فئات تحليل المضمون.
يضم القسم الخامس المرحلة الثالثة من البحث التي تعتني بكيفية جمع المعطيات، انطلاقا من انتقاء عناصر مجتمع البحث ثم كيفية استعمالها وتوظيفها. أما القسم السادس يأخذ القارئ إلى المرحلة الرابعة والأخيرة للبحث، التي تعتمد على المخطط، الأسلوب، الموضوعية، البساطة، الوضوح، الدقة، والتصور العام…الخ، وبذلك يكون الباحث قد ألمّ ولو بقليل بمجرى ومرسى منهجية البحث العلمي في العلوم الإنسانية.
بعد العرض المختصر للكتاب والتعريف بأقسامه، ارتأينا أن نختار القسم الثالث بفصليه للتفصيل فيهما، وذلك لاحتوائهما على الطرح وكذلك العملياتية. ميزة هذا الانتقاء ترجع إلى أن اختيار موضوع البحث وتحديد إشكاليته يعدان عنصرين أساسيين ومهمين لنجاح أي مشروع علمي، خاصة ضمن حقل العلوم الإنسانية.
تعدّ الفائدة المتوخاة من دراسة أي موضوع الركيزة الأساسية، التي تمد الباحث بالديناميكية والطاقة الضروريتين لأي بحث. ويمكن إيقاظ هذه الفائدة بمختلف مصادر الإلهام كالتجارب المعيشة، رغبة الباحث في أن يكون بحثه مفيدا، ملاحظة المحيط، تبادل الأفكار، والبحوث السابقة.
كل هذه العناصر يمكنها أن تجعل الباحث متحمسا لمشروعه العلمي. إلا أن الحماس لوحده لا يكفي لاختيار الموضوع، الذي يجب أن يخضع إلى مدى إمكانية إنجازه على أرض الواقع، لذلك يجب أخذ الوقت والموارد المادية محمل الجد وتفحصهما جيدا إضافة إلى توفير المعلومات الضرورية لبناء الموضوع من مصادر موثوقة.
زيادة على الدراية الكافية بمدى تعقد موضوع الدراسة. حسب أنجرس يتم اختيار الموضوع انطلاقا من فوائده أولا وعلى أساس إمكانية إنجازه ثانيا وذلك حسب الشروط والصعوبات المحددة.
لإثراء الدراسة يجب الإطلاع على الأدبيات مع جمع الوثائق وانتقائها ثم تقييم نوعيتها بالاستعانة بالمنهج التاريخي. يرى الكاتب أن تدقيق موضوع البحث يتم بطرح أربعة أسئلة رئيسية، أولها: لماذا نهتم بهذا الموضوع؟ وهذا من أجل ضبط أهمية الدراسة والأسباب التي دفعت الباحث إلى اختيارها.
ثانيها: ما الذي نطمح لبلوغه؟ أو ما الهدف المرجو من وراء هذا البحث؟ ثالثها هو: ماذا نعرف لحد الآن؟ هذا السؤال يؤدي بنا إلى حوصلة وتلخيص المعارف المكتسبة حول الموضوع وذلك من خلال استعراض الأدبيات.
الإسهامات النظرية مهمة جدا لتدقيق مشكلة البحث، حيث تقترح الاستنباطات المستمدة من الافتراضات المجردة للنظرية ميدانا خصبا للكشف عن نوع العلاقة التي تحكم الظاهرة أو الظواهر التي تم اختيارها للدراسة. و أخيرا: أي سؤال بحث سنطرح؟
عمليا كيف نجيب على التساؤل المطروح؟ أو بمعنى آخر كيف ننتقل من الجانب المجرد إلى الجانب الملموس للبحث. تتمثل الخطوة الأولى للعملياتية بإجابة مقترحة في شكل تنبؤ أو ما يصطلح عليه بالفرضية.
حدود هذه الإجابة يجب أن تكون واضحة، دقيقة، وحيادية تعكس الواقع. الفصل السادس يبين صياغة الفرضية بكيفيات مختلفة: الفرضية أحادية المتغير، الفرضية ثنائية المتغير، الفرضية متعددة المتغيرات. في حالة ما إذا لم نستطع التنبؤ تستبدل الفرضية بالهدف الذي ينحصر في الإحاطة بسؤال البحث فقط دون تقديم افتراضات قابلة للتعديل.
يضيف موريس أنجرس أن الحدود الأساسية للفرضية أو لهدف البحث هي عبارة عن مفاهيم ينبغي تحديدها لمعرفة مداها، وبذلك يعد التحليل المفهومي سيرورة تدريجية لتجسيد ما نريد ملاحظته في الواقع.
هناك مفاهيم تستمد من النظريات العلمية يتم الحصول عليها بواسطة المنهج الاستنباطي، كما توجد المفاهيم العلمية المنعزلة خاصة بتلك المفاهيم الناشئة عن ملاحظة الواقع والتي يتم الحصول عليها بواسطة المنهج الإستقرائي.
تجسيد المفهوم يتطلب تفكيكه إلى أبعاد مختلفة، تترجم هذه الأبعاد إلى سلوكات أو ظواهر ملاحظة تعرف بما يصطلح عليه بالمؤشرات، وكلما كان عدد المؤشرات كبيرا كانت صلاحية البعد كبيرة، لكن كيف نبني هذه المؤشرات؟ الجواب عن هذا السؤال هو بدوره يصاغ في سؤال: ما هي العلامات الملاحظة في الواقع والتي من خلالها يمكن تحديد هذا البعد؟ تبين المؤشرات التجسيد الناجح للفرضية .
لأنها تمثل الجانب المرئي للبناءات المجردة ومعها تأخذ العملياتية الوجهة الملموسة والحاسمة. قد تنتمي المؤشرات لأنواع مختلفة وهذا حسب طبيعة المتغير (المتغير مرتبط بالمفهوم)، إن كان كميا فهناك جملة من العمليات الحسابية يتم القيام بها. أما إن كان كيفيا فالوصف هو سيد الموقف. تجمع المؤشرات ضمن الدليل الذي يعتبر قياسا كميا مركبا.
بعد تصميم الإطار المفهومي والعملي، يستلزم اختبار الصحة الداخلية والصحة الخارجية للتحليل المفهومي ضمن علاقته بالفرضية أو هدف البحث. فيما يخص الصحة الداخلية يجب التأكد من عدم ترك أي شيء للصدفة،
وكذا تحديد المفهوم تحديدا دقيقا وواضحا. أما الصحة الخارجية فتتعلق باختبار العلاقات بين عناصر الدراسة، انطلاقا من صياغة الفرضية بطريقة واضحة، وصولا إلى المؤشرات و مدى عكسها لحدود الفرضية أو حدود الهدف.
نقرأ في الكتاب أن مراقبات الصحة الداخلية و الخارجية مهمة لما تحويه من مراجعات نقدية للتحليل المفهومي، وتوضيح كل المفردات والمصطلحات المستعملة بدقة متناهية، إضافة إلى أنها تسمح بالتأكد من بقاء المفاهيم والمؤشرات أو المتغيرات دائما في فلك نفس المعنى.
في الأخير؛ يبيّن الكاتب أن الإطار المرجعي يعد بمثابة المنظم والحيز الذي يساعد على ضبط مشروع البحث بتحديد الفارق بين ما يرغب الباحث في تحقيقه وما عليه إنجازه فعلا وذلك من خلال معرفة مجتمع البحث الذي سيكون محل الدراسة وتحديد خصائصه.
إضافة إلى تحديد الفترة المطلوب ملاحظتها. أما عنصري الوقت والموارد المادية المتوفرة لا يجب على الباحث أن يغفلهما لما لهما من أهمية كبيرة لضبط حدود البحث.
شكراً لكم
سلام عليكم….اريد نسخة من كتاب موريس انجرس كيف اقتنيه