تقديم لِكتاب “التفاعل الفني والأدبي في الشعر الرقمي”؛ د. محمد الداهي
يأتي الكتاب المشترك ” التفاعل الأدبي في الشعر الرقمي قصيدة “شجر االبوغاز” نموذجا” لعايدة نصر الله وإيمان يونس (المعهد الأكاديمي العربي للتربية) تتويجا لجهود علمية متواصلة سعيا إلى مواكبة مستحدثات الأدب الرقمي وتوطينه عربيا. وقد استعانت الباحثتان بعدة مفاهيمية مناسبة لتحليل قصيدة رقمية للشاعر المغربي منعم الأزرق، تتوافر فيها بعض السمات والخاصيات المنشودة، ومساءلة الواقع الرقمي العربي الذي يتسم عموما بالتأخر التاريخي.
يأتي الكتاب المشترك ” التفاعل الأدبي في الشعر الرقمي قصيدة “شجر االبوغاز” نموذجا” لعايدة نصر الله وإيمان يونس(المعهد الأكاديمي العربي للتربية، 2015) تتويجا لجهود علمية متواصلة سعيا إلى مواكبة مستحدثات الأدب الرقمي وتوطينه عربيا. وقد استعانت الباحثتان بعدة مفاهيمية مناسبة لتحليل قصيدة رقمية للشاعر المغربي منعم الأزرق، تتوافر فيها بعض السمات والخاصيات المنشودة، ومساءلة الواقع الرقمي العربي الذي يتسم عموما بالتأخر التاريخي.
ورغم ما بذل من جهود مازال العالم العربي يعاني من الفجوة الرقمية، ويكابد تطلعا إلى الولوج إلى ” مجتمع المعرفة”. فعلاوة على تصنيفه ضمن الدول الأكثر فقرا وتخلفا مقارنة مع الدول الأكثر غنى وازدهارا فهو يدرج ضمن الدول الأكثر فقرا بسبب المصاعب التي يقاسيها في الولوج إلى المعرفة والاستفادة منها في مشاريعه التنموية والمستدامة. ومرد ذلك إلى اعتبارات كثيرة يأتي في مقدمتها: تأخر البنيات التحتية، وانحسار القدرات الشرائية والتنافسية، وتعثر البرامج التعليمية والثقافية، وعدم تأهيل الموارد البشرية بالمهارات والمؤهلات المناسبة.
وفي هذا السياق، هناك من يشكك في وجود أدب رقمي عربي مقارنة مع ما يتراكم ويتحقق في الدول الغربية والدول النامية على نحو البرازيل والهند والصين. فهل يكفي تكديس الانترنيت بالإنتاجيات كيف ما اتفق أم أن الأمر يحتاج إلى تفكير مسبق وتصور محكم لتقديم التراكمات المعرفية بطريقة مهنية. وهذا ما يحتم على الإنسان العربي، فضلا عن تحسين مؤهلاته المعرفية، أن يطور مهاراته الرقمية حتى يتمكن من تقديم رصيده الثقافي بالمواصفات التقنية والمعايير المنشودة.
الأدب، في جوهره، نشاط للتشفير. اعتمد منذ زمن طويل على التشفير اللغوي، لكن بدأ تدريجيا ينفتح على أشكال أخرى من التشفير غير اللغوي. ومن ضمنها أساسا التشفير الرقمي الذي يقوم على خاصيات نذكر منها:
أ- التشعب النصي: وهي كتل من المعلومات النصية (العقد) المترابطة فيما بينها بواسطة روابط.
ب- وسائط متشعبة (Hypérmédia): وهو تشعب يدخل وسائط سمعية بصرية متطورة إلى النص.
ج- التفاعلية: تبين قدرة البرامج على إثارة النشاط الجسدي والذهني للقارئ والاستجابة لطلباته وحاجاته. ويضطر القارئ إلى الاستعانة بجملة من الرموز والدلائل للتفاعل إيجابا مع المعطيات الرقمية وتحقيق أهدافه المرجوة.
د- الإدماج: يدمج التشفير الرقمي وسائط مختلفة على الشاشة، ويخلق علائق وتفاعلات فيما بينها مستثمرا ما تتميز به من سمات خاصة. لا توجد أية علاقة فيزيائية بين حجم الصوت واللون. لكن يمكن لخاصية وسيط ( حجم اللون) أن تفرض قيمة خاصية وسيط آخر ( لون الشيء). وتتولد وسائط جديدة عن تبادل المعطيات الرقمية. ويمكن أن تحول معطيات من وسيط إلى آخر.
ولقد أسهمت الاختراعات في تولد أشكال جديدة للشعر. بفضل المطبعة ظهر الشعر المكتوب أو المرقون. وصاحب آلة التسجيل ظهور القصيدة المسموعة. ومع آلة التصوير والنسخ برزت القصيدة البصرية. وكان من نتائج تطور وسائط الاتصال ظهور قصيدة الفيديو(vidéopéosie) ثم القصيدة المتحركة([1]) التي يعتمد فيها على برامج التنشيط ( من نوع جيف أنيمي) لتوزيع الشذرات الشعرية في أشكال هندسية متنوعة مصحوبة بتنويعات صوتية وموسيقية وألوان أو ومضات متناسقة.
ومع ذلك ظلت القصيدة العربية في منأى عن هذه التحولات التكنولوجية السريعة لأسباب كثيرة نجملها فيما يأتي:
1- تكتسح القصيدة الورقية المقررات الدراسية والجامعية، والملتقيات الثقافية، والمواقع والمدونات الالكترونية، والمسابقات الشعرية والفنية.
2- لا يتوفر معظم الشعراء العرب على مؤهلات تقنية لترويج قصائهم بالنظام الرقمي. وفي المضمار نفسه لا يستعنون بتقنيين حرصا على تحقيق هذه الوثبة النوعية والحضارية في مسارهم الإبداعي.
3- يفتقر القارئ العربي للمؤهلات التي يمكن أن تسعفه على قراءة الشعر الرقمي، وتفكيك شفراته المختلفة واستيعابها، أكانت لغوية أم غير لغوية. وهو ما جعله لا يرتقي إلى مستوى القارئ/ العامل lec-acteur الذي يؤدي دورين متكاملين في الآن نفسه (القراءة والعمل). وبمقتضى هذا الوضع أصبح يضطلع بالمهمات الآتية:
- – يتدخل في الشكل الظاهري والخفي.
- – يعدل عناصر الظاهرة “العابرة المعاينة”.
- يقوم بنشاط معرفي وجسدي لبناء المعنى، والمشاركة في إعادة صياغته
4- لم تتبلور بعد إرادة جماعية ( جمعوية، جامعية، حكومية) لصياغة مشاريع وتمويلها قصد النهوض بالقصيدة العربية على المستوى الرقمي.
ومن إيجابيات عمل المؤلفتين أنه يرمي بعضاه في بركة آسنة. فهو محاولة جريئة وجادة لتحليل واقع الشعر الرقمي العربي بجهاز مفاهيمي ملائم، ولفت الانتباه إلى عمق الفجوة الرقمية التي تفصل بين العالمين العربي والغربي.
بالجملة، فإن مسعاه نبيل، وطموحه مشروع، وجهده محمود. وكل ما نتمناه هو أن يجد التلقي الذي يليق به ويسعفه على إصابة أهدافه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] – مما يميز الشعر المتحرك عن قصيدة الفيديو نذكر أساسا، أن الشعرالرقمي المتحرك ليس أدب الشاشة فحسب وإنما يستعمل خاصيات الوسيط الإعلامي. ولما يحول إلى شريط فيديو يفقد خاصياته الخوارزمية وخاصة التفاعلية والبرمجة.