البحث العلميالحقوق والقانون العامالذكاء الاصطناعي وتحديات النزاهة في التعليم والتوظيفتربية وتعليم

الغش الإلكتروني: نحو بناء منظومة كشف رقمية وقانونية صارمة

يشهد العالم الأكاديمي والمجتمعي تحولات جذرية بفعل التطورات المتسارعة في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. وبينما يسهم الذكاء الاصطناعي في تحسين العمليات التعليمية والتدريبية، أوجد في المقابل فرصا غير مسبوقة لممارسات الغش المتطورة، خصوصا في الامتحانات الوظيفية التي تعتمدها المؤسسات لتقييم الكفاءات البشرية.

وبات لزاما على الجامعات أن تتجاوز الحلول التقليدية، عبر بناء بنية تحتية رقمية وقانونية ذكية قادرة على التصدي لهذا النوع من الغش ومواجهته بفعالية علمية وقانونية محكمة.

  • الغش بالذكاء الاصطناعي: طبيعة الظاهرة وحدود التحدي

ظهر الغش باستخدام الذكاء الاصطناعي في الامتحانات عبر مظاهر متعددة:

  • توليد الإجابات النصية أو البرمجية عبر نماذج لغوية ضخمة مثل ChatGPT وClaude.
  • التحايل على أنظمة المراقبة باستخدام تقنيات تمويه الفيديو أو أدوات تكنولوجية دقيقة مثل النظارات الذكية والسماعات المخفية.
  • استخدام البرمجيات المساعدة في الإجابة الآلية دون إشراف بشري مباشر.

وتشير مراجعة علمية حديثة إلى أن 45٪ من حوادث الغش المرصودة رقميا في بعض الجامعات الأميركية كان الذكاء الاصطناعي طرفا فيها. (مصدر: ScienceDirect)

البنية الرقمية المقترحة للكشف عن الغش بالذكاء الاصطناعي

لا يكفي الاعتماد على أنظمة مراقبة تقليدية، بل لا بد من دمج تقنيات ذكاء اصطناعي مضادة، قادرة على رصد مؤشرات الغش المحتمل من خلال:

  • 1. أدوات الكشف الذكي عن النصوص المُولدة

تستطيع خوارزميات تحليل النصوص مثل GPTZero و Turnitin AI Detection التمييز بين النصوص البشرية والمُنتجة آليا عبر السمات اللغوية والإحصائية للنصوص. وتعد هذه الأدوات خط الدفاع الأول لتحديد حالات الغش الكتابي خلال الامتحانات الإلكترونية أو الورقية. (مصدر: arXiv)

  • 2. بناء قواعد بيانات لبصمات الأداء الفردي

تعتمد هذه الاستراتيجية على تحليل أنماط الكتابة الشخصية للطلاب خلال فترات الدراسة المختلفة (أسلوب الجمل، سرعة الكتابة، الأخطاء النمطية). وعند التحقق من نصوص الامتحان، تتم مقارنة هذه البصمة الرقمية بالمنتج الحالي للكشف عن أي تغير مفاجئ يشير إلى تدخل ذكاء اصطناعي.

وتؤكد دراسة بحثية نُشرت في ResearchGate أن تحليلات “بصمة الأسلوب” أصبحت أداة واعدة في كشف الغش التكنولوجي. (مصدر: ResearchGate)

الإطار القانوني: ضرورة موازية للبنية الرقمية

لا يمكن لأي بنية رقمية أن تحقق فاعليتها دون إطار قانوني متين ومحدث. ويشمل ذلك:

  • أ. تشريع مواد جديدة للغش الرقمي

على الجامعات تعديل لوائحها الأكاديمية لإدراج الغش المدعوم بالذكاء الاصطناعي كجريمة مستقلة، مع تصنيف درجاته وفقا لخطورة الانتهاك.

  • ب. آليات الإقرار المسبق

فرض توقيع الطلاب على إقرارات قانونية تلزمهم بعدم استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي دون ترخيص، مع تحميلهم المسؤولية الكاملة في حالة المخالفة.

  • ج. نظام الإثبات الرقمي

قبول الأدلة الإلكترونية مثل سجلات أنظمة الامتحان، تحليلات النصوص، وتحليلات الحركات السلوكية كأدلة قضائية معترف بها ضمن المحاكم التأديبية الجامعية. (مصدر داعم: SpringerLink)

التعاون المؤسسي والدولي: نحو درع وقائي عالمي

يمثل الغش بالذكاء الاصطناعي تحديا عابرا للحدود، مما يستدعي تعاونا دوليا واسع النطاق يشمل:

  • بناء قواعد بيانات موحدة لحالات الغش المشبوه.
  • مشاركة الخبرات وأدوات الكشف بين الجامعات والمؤسسات المهنية.
  • الاشتراك في المبادرات الدولية المعنية بنزاهة التعليم مثل ICAI ومبادرة Etico التابعة لليونسكو.
    (Etico – IIEP UNESCO)

خلاصة:

إن بناء بنية رقمية وقانونية متكاملة لمواجهة الغش بالذكاء الاصطناعي لم يعد ترفا بل أصبح ضرورة أكاديمية وأخلاقية لضمان نزاهة التقييمات الوظيفية. ومع تزايد تطور أدوات الذكاء الاصطناعي، فإن مستقبل التعليم يعتمد على مدى قدرة المؤسسات الأكاديمية على الاستثمار في الكشف المبكر، وإعداد تشريعات رادعة، وتعزيز التعاون العالمي لتحقيق العدالة الأكاديمية المستدامة.

قائمة المراجع:

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى