الدراسات الثقافيةسردياتنقد

“جيمسون” ونقد “ما بعد الحداثة”

مقالة جيمسون «ما بعد الحداثة، أو، المنطق الثقافي للرأسمالية المتأخرة» والتي كان قد نشرها بدايةً في جريدة New Left Review عام 1984م، خلال توليه منصب أستاذ الأدب وتاريخ الوعي في جامعة كاليفورنيا، سانتا كروز.


هذه المقالة المثيرة للجدل، التي ستوَسّع فيما بعد لتغدو كتاباً، كانت جزءاً من سلسلة من التحليلات حول ما بعد الحداثة اعتماداً على الرؤية الجدلية التي كان جيمسون قد طورها في أعماله المبكرة بشكل سردي/قصصي.


أظهر جيمسون، هنا، مذهب الشك الما بعد حداثي وهو ينحو باتجاه «ماوراء السرد» metanarrative) كـ«صيغة للتجربة» تنشأ من شروط العمل (Labor) العقلاني المفروضة من قبل الأسلوب الرأسمالي الأخير للإنتاج.


ادعى مفكرو ما بعد الحداثة أن التمييز المعقّد بين «عوالم» أو مجالات الحياة (كالسياسة، الاجتماع، الثقافة، التجارة.. الخ) وبين المراتب والوظائف المميَّزة بدقة داخل كل مجال منها كان قد تم تجاوزه عن طريق أزمة المذهب التأسيسي ونسبية الادعاءات القويمة المقبلة.


جادل جيمسون ضد هذه الرؤية بأن تلك الظاهرة كانت أو كان بإمكانها أن تُفهم بنجاح ضمن الإطار الحداثي؛ الإخفاق الما بعد حداثي في إنجاز هذا الفهم تضمن تشويهاً حاداً في عملية التحسين الديالكتي للفكر.


من وجهة نظره، فإن الدمج الما بعد حداثي لكامل المقالة ضمن التماثل المتكامل كان نتيجة استعمار المجال الثقافي الذي كان محتفَظاً به –كاستقلال ذاتي جزئي على الأقل خلال عصر الحداثة السابق- عن طريق رأسمالية متحدة تنظيمياً في الوقت الحالي.


تبعاً لتحليلات أدورنو وهوركهايمر في صناعة الثقافة، ناقش جيمسون هذه الظاهرة في محاورته النقدية للعمارة، الصناعة السينمائية، السرد/القَصَصْ، والفنون البصرية، إضافة إلى عمله الفلسفي الصارم.


حاول جيمسون من خلال تحليله لما بعد الحداثة أن يظهرها ذات أرضية تاريخية؛ لذا فقد رفض بوضوح أي معارضة أخلاقية لما بعد الحداثة postmodernity كظاهرة ثقافية، وتابع إصراره على النقد الذاتي الهيجيلي.


إخفاقه في رفض ما بعد الحداثة postmodernism منذ البداية كان، على أية حال، قد اعتُبر من قبل الكثيرين مصادقةً ضمنية على الرؤى الما بعد حداثية.


لقد بدد عمل جيمسون مؤخراً كل محاولة لفهم أنه مؤيد للفكر ما بعد الحديث. عاد مرةً أخرى إلى أدورنو للبحث عن الإطار النظري المعاصر للمنطق الماركسي حيث أكمل نقده لما بعد الحداثة بمادة إضافية تظهر في سجل الحالات casebook الذي جمّعه دوغلاس كيلزDouglas Kellner في العام 1989م بعنوان «ما بعد الحداثة/جيمسون، نقد Postmodernism/Jameson, Critique»،


ثم الترجمة المطولة لمقالة 1984م نشرت بشكل كتاب حمل عنوان «ما بعد الحداثة، أو، المنطق الثقافي للرأسمالية المتأخرة» في العام 1991م وقد حاز عنه جائزة «المجمع اللغوي المعاصر».


خلال التسعينات طوّر جيمسون هذا الخط الفكري من خلال «بذور الوقت Seeds of Time» في العام 1994م عبر محاضرته في مكتبة ويليك، جامعة كاليفورنيا،


وأيضاً من خلال «بريشت والمنهج Brecht and Method» في العام 1998م الذي كان تحليلاً للبيئة السياسية والاجتماعية المحيطة بحقبة بريشت السياسية.


معظم عمل جيمسون الحالي موزع بين «حفريات المستقبل Archaeologies of the Future» الذي هو دراسة في اليوتوبيا والخيال العملي أصدرت في جامعة موناش، مالبورن/أستراليا في ديسمبر 2005م؛ و«الأوراق الحداثية (2007) The Modernist Papers»


وهو مجموعة من المقالات التي انتُظِرت طويلاً حول الحداثة؛ و«تكافؤات الديالكتيك Valences of Dialectic» (على وشك الإصدار) والذي سيحتوي إجابات نقدية على سلافوي جيجك Slavoj Zizek وجيل دولوز Gilles Deleuze وآخرين.


الدراسة الإيطالية الأولى عن أعمال جيمسون كتبها ماركو غاتّو Marco Gatto ونشرت في عام 2008م بعنوان «فريدريك جيمسون. الماركسية المحدثة، الديالكتيك ونظرية الأدب Fredric Jameson. Neomarxismo, dialettica e teoria della letteratura».

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

‫3 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى