“مهدي عامل”: نحو تأسيس عقل علمي في بيئة عربية طائفية
يُعدّ مهدي عامل، وهو (حسن عبد الله حمدان)، أحد أبرز المفكرين العرب الماركسيين في القرن العشرين، ليس فقط من حيث الإنتاج الفلسفي والنظري، بل من حيث الممارسة السياسية اليومية والتزامه بقضايا التحرر الوطني والاجتماعي.
جمع بين الفكر والعمل، وبين النقد الأكاديمي والارتباط الميداني، ليقدم مشروعا فكريا طموحا لتأسيس علم للواقع العربي في ضوء قوانين الماركسية العلمية، وذلك من خلال تفكيك الأنساق الطائفية، والاستعمارية، والبرجوازية السائدة في البنى الفكرية والسياسية للمجتمعات العربية.
- النشأة والمسار الأكاديمي
ولد مهدي عامل في بيروت عام 1936، من بلدة حاروف في جنوب لبنان. تلقى تعليمه الثانوي في مدرسة المقاصد الإسلامية، ثم سافر إلى فرنسا عام 1956 حيث نال من جامعة ليون شهادتي الإجازة والدكتوراه في الفلسفة.
هذا التكوين الفلسفي الغربي، المرتكز على التراث العقلاني الأوروبي، أعدّه لاحقا لبناء مشروعه في نقد الفكر العربي الطائفي والتابع.
انتسب إلى الحزب الشيوعي اللبناني عام 1960، واشتغل في الجزائر لأربع سنوات أستاذا ومثقفا، قبل أن يعود إلى لبنان عام 1968 ليبدأ إنتاجه الفكري باللغة العربية، مدشنا مرحلة تأسيس المفكر ـ لا فقط المناضل.
- المشروع الفكري: نحو عقل عربي علمي
انطلق مهدي عامل من فرضية مركزية: أن الفكر العربي ما زال خاضعا لأنساق لا عقلانية وطائفية وبرجوازية تحول دون تشكّل فكر علمي حقيقي. وفي هذا السياق، كتب مقالاته الأولى تحت اسم مهدي عامل، وهو اسم مستعار اختاره ليكون رمزا لنمط جديد من التفكير العربي: فكر علمي مادي، ماركسي، نقدي، عربي اللسان، كوني المرجع.
المفاهيم الأساسية في مشروعه:
- تمييز كونية القوانين الماركسية داخل الواقع العربي
- نقد الفكر الطائفي بوصفه أداة للهيمنة وإعادة إنتاج النظام السياسي
- نقد الأيديولوجيا البرجوازية وعلاقتها بالتبعية والتجزئة
- إنتاج أدوات معرفية جديدة لتفسير وتحليل مجتمعاتنا
أبرز مؤلفاته وتحولاته الفكرية
1. مقدمات نظرية لدراسة أثر الفكر الاشتراكي (1972-1976)
هذا العمل التأسيسي يُعدّ من أبرز محاولات مواءمة الماركسية مع خصوصيات الواقع الكولونيالي العربي. قسّمه إلى جزأين: الأول حول التناقض، والثاني عن نمط الإنتاج الكولونيالي. حاول فيهما إنتاج تصور نظري يشرح آليات الاستعمار والتبعية ضمن المنهج الماركسي، دون إسقاط قوالب جاهزة.
2. أزمة الحضارة العربية أم أزمة البرجوازيات العربية؟ (1973)
هنا ينتقد مهدي عامل الأطروحات الإصلاحية الثقافية النخبوية، مؤكدا أن ما يبدو “أزمة حضارية” ما هو إلا أزمة طبقية تعكس عجز البرجوازيات العربية عن قيادة مشروع تنموي تحرري.
3. النظرية في الممارسة السياسية (1979)
عمل جدلي يحلل أسباب الحرب الأهلية اللبنانية من منظور الصراع الطبقي والأدوار التي تلعبها الطائفية كأيديولوجيا سياسية.
4. مدخل إلى نقض الفكر الطائفي (1980)
كتاب جوهري في مشروعه، يقدم فيه تحليلا عميقا للبنية الطائفية في لبنان، ويبيّن كيف تُنتج الأيديولوجيا الطائفية وعلاقات الانتماء من خلال الخطاب البرجوازي اللبناني، الذي يستخدم القضية الفلسطينية لتبرير سياسات الانقسام الطائفي.
5. في الدولة الطائفية (1986)
استكمل فيه تفكيك البنية الطائفية للدولة اللبنانية، كاشفا كيف تتحول الطائفة إلى غطاء للصراع الطبقي الحقيقي، وكيف تعيد الدولة إنتاج نظامها السياسي من خلال الانتماء الطائفي لا الوطني.
6. نقد الفكر اليومي (1987)
آخر أعماله غير المكتملة، أراد فيه أن يفكك الخطاب اليومي السائد في الإعلام والصحافة، ويتعقب التحريف الأيديولوجي للفكر الذي يمرر الهيمنة الطبقية من خلال اللغة والعادات الفكرية اليومية.
- الفلسفة والنضال: من النظرية إلى الشارع
لم يكن مهدي عامل منظرا معزولا في برجه الأكاديمي، بل نزل إلى الساحات، يحاضر ويشرح ويشارك في النقاشات العامة. عُرف بين الناس باسم “الرفيق طارق”، وتحوّلت الجامعات والمدارس إلى فضاء مفتوح للفكر المقاوم. وعندما اجتاحت إسرائيل بيروت عام 1982، بقي صامدا فيها وكتب مقاله الشهير: “لست مهزوما ما دمت تقاوم”.
- الاغتيال والرمزية
في 18 أيار 1987، اغتيل مهدي عامل في وضح النهار، وهو في طريقه إلى الجامعة اللبنانية، برصاص الفكر الظلامي المعادي للتنوير. لم يكن مجرد اغتيال جسدي، بل محاولة لاغتيال مشروع فكري حرّ.
استشهاده شكّل لحظة فاصلة، حيث تحوّل إلى رمز لحرية الفكر والبحث العلمي، واعتمدت العديد من الهيئات الثقافية يوم 19 أيار يوما للانتصار للكلمة الحرة.
ما بعد الاغتيال
تم جمع عدد من مقالاته بعد وفاته في كتب مثل:
- في قضايا التربية والسياسة التعليمية (1991)
- فضاء النون (ديوان شعري)
- هل القلب للشرق والعقل للغرب؟ ماركس في استشراق إدوارد سعيد
مهدي عامل والفكر العربي: إرث مفتوح
شكلت أعمال مهدي عامل محاولة جادة لتأسيس فكر ماركسي عربي لا يستورد، بل ينتج. وفي عالم عربي ما يزال غارقا في الأزمات البنيوية، تعود كتاباته لتُقرأ من جديد، لا لأنها تراث، بل لأنها مشروع معرفي نقدي حيّ يعيد التفكير في الأسئلة المركزية:
- كيف ننتج فكرا علميا في واقع مشروط بالاستعمار والطائفية؟
- كيف نحرر السياسة من الانتماء الطائفي؟
- وكيف نحوّل المعرفة إلى قوة اجتماعية تحررية؟
مؤلفات مهدي عامل:
- مقدمات نظرية لدراسة أثر الفكر الاشتراكي في حركة التحرر الوطني
- تحليل للتناقضات في المجتمعات الكولونيالية ونمط الإنتاج الاستعماري.
- الناشر: دار الفارابي، بيروت.
- الطبعة السابعة، 1990.
- متاح عبر: دار الفارابي
- أزمة الحضارة العربية أم أزمة البورجوازيات العربية
- نقد للتيارات الفكرية العربية وتحليل لأزمة التطور الحضاري.
- الناشر: دار الفارابي، بيروت.
- الطبعة الثامنة، 2013.
- متاح عبر: دار الفارابي
- في الدولة الطائفية
- تحليل نقدي لطبيعة النظام السياسي الطائفي في لبنان.
- الناشر: دار الفارابي، بيروت.
- الطبعة الثالثة، 2003.
- متاح عبر: دار الفارابي
- نقد الفكر اليومي
- نقد للفكر السائد وتحليل لتوجهاته الفكرية والسياسية.
- الناشر: دار الفارابي، بيروت.
- الطبعة الرابعة، 2011.
- متاح عبر: دار الفارابي
مصادر رقمية إضافية
- أرشيف مهدي عامل – أرشيف الماركسيين
- يضم مجموعة من أعماله ومقالاته.
- متاح عبر: (marxists.org)
دراسات نقدية وتحليلية حول فكر مهدي عامل
- “مهدي عامل: جرامشي العرب”
مقالة تحليلية تستعرض فكر مهدي عامل في مجالات الاستعمار والطائفية والهيمنة.
المصدر: موقع إضاءات.
متاح عبر: إضاءات - “أنتج أدوات معرفية جديدة في الفكر الماركسي: عودة إلى مهدي عامل”
مقالة تستعرض مساهمات مهدي عامل في تطوير الفكر الماركسي وتحليله للدولة الطائفية.
المصدر: جريدة الأخبار اللبنانية.
متاح عبر: الأخبار - “حدود ومحدودية السجال الإيديولوجي: قراءة في ‘نقد الفكر اليومي’ لمهدي عامل”
تحليل نقدي لكتاب “نقد الفكر اليومي” لمهدي عامل، يسلط الضوء على منهجيته النقدية.
المصدر: مجلة حكمة.
متاح عبر: حكمة
أرشيف مهدي عامل الرقمي
- مجموعة أوراق مهدي عامل – المعهد الدولي للتاريخ الاجتماعي (IISH)
تتضمن هذه المجموعة الرقمية أوراقا شخصية، مخطوطات، مواد تعليمية، وصور فوتوغرافية.
تم التبرع بها من قبل عائلة حسن حمدان في عام 2022.
متاحة عبر: IISH Archive