منبرُنا

عن الحج

علمونا بالابتدائية وقبلها (قبل المدرسة ولكن ليس برياض الأطفال إذ لم أدخلها ولم تكن منتشرة انتشارها اليوم) أركان الإسلام. وكنت في أواسط الابتدائية أتساءل لماذا ركن الحج لمن استطاع إليه سبيلا؟ أفهمنا الأمر معلمونا. ولم يكن الحج مكلفا كما في هذه الأيام العجاف.


وصرتُ كلما سمعت بارتفاع تكاليف الحج ورسومه ومتطلباته أحمد الله حمدا كثيراً مباركاً فيه. وترسّخ بذهني لطف الله ورسوله صلى الله عليه وسلّم بالعباد. ولنتخيّل الأمر لو كان الحج إجباريا دون تلك العبارة الرحيمة من لدن الرحمن الرحيم: “من استطاع إليه سبيلا”. لو كان كذلك لباع المرء ما فوقه وما تحته أو ربما باع أرضه أو جزءاً منها كي ينفذ ركن الحج.


وبتأمل المبالغ المطلوبة من مزمع الحج دفعها (بالمستويات الثلاثة) أستطيع القول ببساطة متناهية أن هذه المَبالغ مبالغٌ فيها، ولا يمكن الاقتناع أن الحج يكلف هذه الرسوم والتي تصل هذا العام في السياق الفلسطيني 3246 دينارا أردنيا للمستوى الأول العادي، و4066 دينارا أردنيا للمستوى المتوسط (أرقى من الأول) و5413 دينارا للمستوى الأعلى. وهي مبالغ طائلة دون أدنى شك. فالحج قوامه التيسير والتسهيل وليس غير ذلك.


ثم إن الحج وشعائره ومناسكه قائم على المساواة التامة بين العباد وليس بابتكار المستويات. أستطيع أن أستوعب تباينا معقولا في أجور السكن مبنيا على القرب والبعد من البيت الحرام وأماكن أداء مناسك الحج، اما غير ذلك فلا أستوعبه ولتكن الخدمة موحدة ومعقولة ، ولا سيما أننا سمعنا في السابق شكاوي من الحجاج تشي بأمور لا تقبل ولا تتسق بالمستويات المعلن عنها ولا تلبي مواصفاتها المكتوبة.


تخيلوا زوجين يريدان الحج وفق مواصفات المستوى الثالث فسيكون عليهما والحال هذه دفع ما يدنو من الأحد عشر ألف دينار رسوما فقط ناهيك عن باقي الأمور والتبعات.

مقالات ذات صلة

ومسألة أخرى أراها غير مناسبة البتة باختيار الحجيج في موطني ، ألا وهي مسألة القُرعة. منذ متى تكون العبادات محكومة بالقرعة ؟ أتفهم تماما ان كل بلد إسلامي له حصة تتناسب وعدد سكانه بواقع شخص لكل ألف كما تم إقرار ذلك بمؤتمر وزراء خارجية الأقطار الإسلامية سنة 1988.


وهذا امر مُتفهَم ومنطقي لغايات التنظيم واتساع الحيّز في مكة والمدينة. ولكن مسألة اختيار الحجاج هي التي بحاجة لإعادة نظر والتخلي عن نظام القرعة المضحك ناهيك عن انتقادات أخرى تُوجه له كعدم الشفافية مثلا وابتكار التخريجات حال إثارة أي مسألة انتقاد بسبب اختيار زيد بدلا من عمرو مثلا.


والبديل عن نهج القرعة اتباع نهج ” الطابور “. فمثلا يُبدأ هذا العام باختيار كل من كان عمره 75 سنة فأعلى إن كان يرغب بذلك وإن كان يستطيع ذلك.فإن انتهى من كانوا فوق الخامسة والسبعين ولمّا يُستوفى العدد المخصص ، يتم تنزيل السن لأربعة وسبعين وهكذا. وفي العام القادم إن شاء الله يُختار من هم فوق السبعين وهكذا.


اما نظام القرعة فهو لا نظام أصلا وقائم على أسس ليست علمية ومشرع لاختراقات بمسميات شتى.
ونقطة ثالثة مما أسمع وأُعايش تكمن في ضرورة تخفيض البعثات المعفاة من الدفع مهما كان مسماها إن كان الدفع عليها يتم من إجمالي ما يدفعه سائر الحجاج او الخزينة العامة ولو كنت واحدا من هؤلاء لما قبلت ذلك فالحج المطلوب هو الحج المبرور.


ولا إخال ان عددا كبيرا من المرافقين يلزم ولا سيما أنه تَرشح أنباء ممن يحجون تفيد ان من ذهب لمهمة ما لم يقم بها كما ينبغي القيام وبالتالي فحضوره وغيابه سيّان.


ونقطة رابعة وهي مما سمعت ان ثمة ” كوتات” لجهات شتى وبرأيي أن هذا غير مقبول وليدخل الجميع أسس الاختيار سواء أكانت قرعة ( وهي ما أرفضه ) أم كانت بالنهج الذي دعوت إليه ووضحته أعلاه ( نهج الطابور ).


ونقطة خامسة تتعلق بمن يكررون الحج بحكم المنصب فهذا برأيي أمر خاطئ وليتم إيفاد أناس جدد كل عام.


لا ابالغ إن قلت ان الحج صار همّا لا يستطيع المواطن تأمينه بيسر. وعليه صار المرء يتأسى بعبدالله بن المبارك الذي عَدَلَ عن الحج لما تبرع بماله ،الذي أعده للسفر للحج، لجارته وايتامها لمّا علم حاجتهم للمال وقال أأذهب للحج والحج بباب بيتي ؟؟!! وتُروى القصة كيف غُفر للحجيج ذاك العام ببركة ابن المبارك وهو لم يصل مكة والمدينة.


أو قد يتأسى المرء بصلاح الدين الأيوبي محرر القدس وفلسطين وسائر الشام ولم يحج حجة واحدة.
وكم أتمنى تيسير الحج وفق المستطاع والممكن
وكم أتمنى ضبط عملية اختيار الحجاج بغير نهج القرعة
وكم أتمنى تفهيم الناس جوهر ركن الحج وأهمية تحقيق المساواة فيه
وكم أتمنى تقليص المرافقين المبتعثين للحد الأدنى
وكم أتمنى حظر تكرار الحج لأي شخص كائنا من كان ( ضمن المرافقين )
نقاط دارت بخَلَدي وأنا أطالع تعليقاتٍ وهمزاً ولمزاً طال آلية الاختيار للحج وما إلى ذلك ،والله وحده من وراء القصد.


أسأل الله لكم ولي حجاً مبروراً وخالصاً لوجهه الكريم يحقق الحِكَمَ منه إن استطعنا اليه سبيلا والله على كل شيء قدير. فإن استطعنا ماديا وصحيا و” قُرعةً ” فعلى بركة الله وإن لم أستطع فسأعرف ماذا سأقول لرب العزة جل وعلا يوم نلقاه و يوم يقوم الحساب.


اللهم هل بلّغتُ ؟ اللهم فاشهد.
قال تعالى :” لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا او أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا رينا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحما أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين.
صدق الحق تعالى.

فازع دراوشة

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى