سرديات

ذكرى يحيى حقي.. من رواد القصة العربيّة القصيرة

مناسبة الحديث عن يحيى حقي وأدبه هو ذكرى مرور ثلاثين سنة على وفاته، وأيضًا اختياره من قبل معرض القاهرة الدولي للكتاب ليكون شخصية المعرض لعام 2021.


اعتبر النقاد يحيى حقي رائدًا من رواد القصة القصيرة في مصر، وأحد النهضويين الكبار الذي ساهم بأدبه وفنه وسيرته في صناعة القيم الأدبية والفنية والأخلاقية. والاحتفاء بيحيى حقي هو احتفاء بالأنوار، وبمثقف اتسعت همته لآمال أمته. ولم يكن نجيب محفوظ يجانب الصواب حين أجاب ردًا على سؤال حول “نوبل” للآداب بقوله: “والله إن أساتذتي أحق فيها مني، طه حسين ويحيى حقي والعقاد”.


ولد يحيى بن محمد بن إبراهيم حقي في حارة باب الميضة في حي السيدة زينب في القاهرة في 7/1/1905. تعود أصول أسرته إلى جذور تركية- ألبانية. كان والده محمد موظفًا في الأوقاف وعاشقًا للأدب والفن ووالدته تهتم بقراءة السير الدينية والفقهية. نشأ في أسرة تحب الثقافة وتؤمن بالتسامح.

ترعرع حقي في القاهرة ودرس في مدرسة الكتّاب وحفظ القرآن الكريم. ومنها انتقل إلى مدرسة والدة عباس باشا الأولى الإبتدائية ثم المدرسة الإلهامية الثانوية ثم السعيدية والخديوية. ونال شهادة البكالوريا عام 1921. التحق بمدرسة الحقوق السلطانية في جامعة فؤاد الأول وتخرج منها بليسانس في الحقوق عام 1925.

عمل بعد تخرجه في نيابة الخليفة وفي المحاماة في مدينتي البحيرة والإسكندرية، ثم عيّن بعد ذلك معاون إدارة في مركز منفلوط بمديرية أسيوط.

كانت بداية عمله في السلك الدبلوماسي عام 1929 في القنصلية المصرية في جدة. ثم انتقل إلى القنصلية المصرية في إسطنبول عام 1930 ومنها إلى روما. بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية عاد إلى مصر وعيّن في الإدارة الإقتصادية بوزارة الخارجية وترقى إلى منصب مدير مكتب وزير الخارجية عام 1949. عمل في السفارة المصرية في باريس وأنقرة كسكرتير أول. ثم تولى منصب الوزير المفوض في ليبيا 1953.

أقيل حقي من منصبه عقب زواجه الثاني من الرسامة الفرنسية جان ميري ليعين حينها كمدير عام لوزارة التجارة. ثم مديرا لمصلحة الفنون التي تولاها حتى تم إلغاؤها عام 1958. تسلم منصب رئيس تحرير مجلة “المجلة” المصرية واستمر فيها حتى 1970.

وإستطاع أن يحتضن الأدباء والشباب حول المجلة ويشجعهم على الكتابة والتعبير. كتب العديد من المقالات في عدد من الصحف والمجلات في الستينيات والسبعينيات. تنوعت هذه المقالات بين النقد الأدبي والفن والمسرح والسينما، ولكنه عاد وجمعها في كتب مثل “أنشودة البساطة” و”هموم ثقافية” و”في السينما” و”مدرسة المسرح” و”في محراب الفن”.

أما مؤلفاته الروائية فكان أشهرها “قنديل أم هاشم” وتحولت إلى فيلم “تفاصيل” عام 1971، و”البسطجي” وتحولت إلى فيلم عام 1976، و”أم العواجز” و”السرير النحاس” و”الفراش الشاغر” و”قصة في سجن” و”صح النوم” و”عنتر وجولييت” و”إفلاس خاطبة” والكتاب الأدبي الموسيقي “تعال معي إلى الكونسير” ومجموعة المختارات الأدبية بعنوان “فكرة فإبتسامة” و”تراب الميري” و”عطر الحبايب” و”فجر القصة القصيرة” و”دماء وطين”، و”مصيدة الحب والزواج” التي تحولت إلى فيلم عام 1982، و”3 قصص” التي تحولت إلى فيلم عام 1968، وكتاب “رسائل يحيى حقي الى ابنته نهى حقي”، وكتاب تناول بعض الدراسات التاريخية بعنوان “صفحات من تاريخ مصر”، ومجموعة مقالات أدبية بعنوان “الأحباب” والمجموعة القصصية “قصص قصيرة”،  وكتاب السيرة الذاتية “خليها على الله”، وقد ترجمت العديد من هذه المؤلفات إلى عدة لغات كالإنكليزية والفرنسية والألمانية.

نال يحيى حقي العديد من الجوائز والتكريمات عن أعماله وأهمها: جائزة الدولة التقديرية 1969 ووسام الفارس من الطبقة الأولى/ فرنسا 1983 وجائزة الملك فيصل العالمية عن الأدب العربي 1990 والدكتوراه الفخرية من جامعة المنيا في مصر 1983.

كما كرمه مهرجان القاهرة السينمائي الدولي السادس عشر وهو على فراش المرض، فقد كان يحيى حقي وراء معهد السينما العالي ووراء أوبريت “يا ليل يا عين” التي شكلت نواة فرقة رضا للرقص الشعبي. عاش يحيى حقي صراعًا باطنيًا بين انتمائه إلى الأصول التركية وانتمائه المصري وظهر ذلك الصراع في انتقاداته الصريحة والواضحة للمجتمع المصري وقضاياه المختلفة.

عندما بدأ ينشر قصصه القصيرة في المجلات راح يوقع بأسماء مستعارة منها “قيصر ولبيب وعبد الرحمن بن حسن وأبو شنب فضة وأبو نهي” ويقال إنه كان يتعمّد ذلك لأنه كان يحضر مجالس عديدة ومتنوعة في تلك الفترة ولا يفضّل الخوض في نقاش حول قصصه وشخوصها ومجريات أحداثها. كان يكتب قصتين في السنة. وكان يفاخر دائمًا بالقول: “أنا ابن ثورة 1919”. وعندما سئل لماذا تكتب القصة القصيرة أجاب: “نتيجة لميل إلى التأمل، والتأمل مقدمات الوصف”.

عبّرت قصصه عن مفارقات الحياة الذاتية وعن المجتمع المصري في طبيعته في الأحياء الشعبية أو في الريف المصري وكل ذلك في أسلوب ممتع بسيط وجمل رشيقة مشبعة بالإشراق والأمل. كان يحيى حقي لصيقًا بالوجدان المصري ولطالما افتخر بالسنتين اللتين قضاهما في دمنهور متعرفًا على الفلاحين والحصاد وأنواع الزرع ورائحة التربة. وكذلك إنشداده إلى غنى الآفاق التي عاشها من خلال عمله في السلك الدبلوماسي وزيارة بلاد عديدة.

كما تميّزت قصصه بقوة التصوير والتجسيد والحرص على التحليل النفسي وكان يلجأ إلى الدعابة والسخرية مجيدًا استخدام الرمز وتوظيف المثل الشعبي.

ولكن هل عبّرت قصصه عن شخصيته؟ يجيب: “في كل شخصية جزء مني، ولكني لم أصوّر نفسي كاملًا في شخصية واحدة”. أما الرواية الأحب إلى قلبه فهي” قنديل أم هاشم” لأنها “خرجت من قلبي كالرصاصة وربما لهذا السبب نفدت إلى قلوب القراء بالطريقة نفسها”.

في آخر أيامه وهو على فراش المرض كتب هذه العبارة “كل حزن في الدنيا مكتوب عليه النسيان”. ولكن ما لا يُنسى أبدًا هو الآثار الجميلة الصادقة التي تركها لنا يحيى حقي لتقول بصوته معاناة أهله وتوقهم الى التقدم والحرية.

توفي يحيى حقي في كانون الأول/ ديسمبر 1992 في القاهرة ودفن فيها.


ضفة ثالثة

سليمان بختي

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى