الدراسات الأدبيةسرديات

البنيوية وإنتاج المعنى

ترجمة وإعداد: ناطق خلوصي

تُعرف ” البنيوية ” (Structuralism ) كنظرية في الانسانيات او الدراسات الثقافية ، ويمكن وصفها بشكل اكثر دقة ً كمقاربة في فروع المعرفة بصورة عامة ، تستكشف العلاقات بين العناصر الجوهرية او الرئيسية في اللغة والأدب والحقول الاخرى التي تنسحب عليها ” البنى ” و ” الشبكات البنيوية ” العقلية واللغوية والاجتماعية والثقافية العالية . ويقدم المعنى من خلال هذه الشبكات عن طريق شخص معين او نظام معين او ثقافة معينة.

وكانت قد ظهرت اكاديميا ً لأول مرة في القرن التاسع عشرثم عاودت الظهور في النصف الثاني من القرن العشرين حيث بدأت مجددا ً كحقل اهتمام اكاديمي في حدود العام 1958 وبلغت ذروتها في ستينيات هذا القرن وسبعينياته ، وتطورت لتصبح المقاربة الأكثر شيوعا ً في الحقول الأكاديمية المعنية بتحليل اللغة والثقافة والمجتمع . ان اعمال فريناند دي سوسير التي تهتم بعلم اللغة تُعتبر ، بشكل عام ، نقطة البداية لبنيوية القرن العشرين .

فقد كان سوسير اول من بدأ في اعادة ظهور البنيوية ويمكن الاستدلال على ذلك من خلال حلقة دراسية في علم اللغة العام اقامها زملاؤه بعد وفاته ،اعتمدت على ملاحظاته ولم ترتكز على استخدام اللغة وانما على نظام تحتي للغة وكان قد اسمى نظريته بـ ” العلاماتية ” . لقد ركزت هذه المقاربة على تفـحـّص كيفية ارتباط عناصر اللغة ببعضها تزامنيا ً بدلا ً من ارتباطها بالظواهر اللغوية ، وقالت ان علامات اللغة تتكون من دال ومدلول . وكانت هذه المقاربة مختلفة تماما ً عن المقاربة التي سبقتها والتي ركزت على العلاقة بين الكلمات من جانب وما تدل عليه من جانب آخر .

ان دراسة سوسير اثـّرت في العديد من اللغويين بين الحرب العالمية الاولى والحرب العالمية الثانية ،وتم تطوير علم اللغة البنيوي في ضوء ذلك . لقد سار العديد من الباحثين في امريكا والدنيمارك والنرويج وفرنسا على نهج سوسير في علم اللغة البميوي مع إحداث تطوير في هذا النهج . ومما هو اكثر اهمية ً ان اعضاء مدرسة براغ لعلم اللغة من امثال رومان جاكوبسون واصلوا بحوثا ً تركت تاثيرا ً كبيرا ً .

ان اوضح وأهم مثال لبنيوية مدرسة براغ يكمن في التحليل البنيوي للوحدات الصوتية ( الفونيمات ) . فبدلا ً من تصنيف قائمة بالاصوات التي تظهر في اللغة ، سعت مدرسة براغ الى تفحّص الطريقة التي كانت ترتبط بها وقال انصار هذه المدرسة ان قائمة الاصوات في لغة ٍ ما يمكن تحليلها عن طريق سلسلة من التضادات .

ويتيح تحليل الاصوات كظاهرة بنيوية فرصة ً للمقارنة . ان علم اصوات الكلام يمكن ان يصبح القاعدة المثالية بالنسبة للبنيوية في العديد من الاشكال المختلفة . وظهر مصطلح ” البنيوية ” نفسه في اعمال العالم الانثروبولوجي الفرنسي كلود ليفي شتراوس وتسبب في نشوء ” الحركة البنيوية ” في فرنسا ، والتي حفزت اعمال مفكرين من امثال ميشيل فوكو ولويس الثوسير والمحلل النفسي جان لاكان بالاضافة الى اعمال الماركسية البنيوية . غير ان كل اعضاء هذه الحركة انكروا كونهم جزء ً منها .

بموجب النظرية البنيوية في الانثروبولوجيا والانثروبولوجيا الاجتماعية ، يتم تقديم المعنى ويعاد انتاجه ضمن ثقافة ٍ ما من خلال ممارسات وظواهر ونشاطات مختلفة تؤدي عملها كنظام للتعبير . لقد قام كلود ليفي شتراوس في دراساته في خمسينيات القرن العشرين بتحليل ظاهرة ثقافية تشمل الميثولوجيا والنَسَب ( نظرية المصاهرة وتحريم غشيان المحارم ) .

وبالإضافة الى هذه الدراسات قدّم كتابات اكثر تركيزاً لغويا ً حيث استخدم الفارق الذي قال به سوسير بين اللغة والتلاعب بالكلمات في بحثه عن البنى الذهنية الاساسية للعقل البشري قائلا ً ان البنى التي تكوّن القواعد المعقدة والخفية للمجتمع يعود اصلها الى العقل وهي تعمل في دواخلنا بدون وعي منا .

وثمة مفهوم آخر تمت استعارته من مدرسة براغ لعلم اللغة حيث قام رومان جاكوبسون والآخرون بتحليل الاصوات تحليلا ً يقوم على حضور وغياب مظاهر معينة ( مثل الاصوات المهموسة في مقابل الاصوات المجهورة ) .وقد ضمّن شتراوس ذلك في مفاهيمية البنى الكلية او العامة للعقل .

وكان شتراوس قد تعرف على جاكوبسون خلال عملهما سوية ً اثناء الحرب العالمية الثانية وتأثر ببنيويته وبالتراث الانثروبولوجي الامريكي معا ً . وقد تفحّص انظمة النَسَب من وجهة نظر بنيوية ونشر كتاب ” الانثروبولوجيا البنيوية ” في اواخر خمسينيات القرن العشرين .

لقد اصبحت كتابات ليفي شتراوس منتشرة بشكل اوسع في ستينيات القرن العشرين وسبعينياته . لكن الانثروبولوجيا البنيوية اصبحت مهملة في اوائل ثمانينيات القرن المذكور لعدد من الاسباب منها انها وضعت افتراضات لا يمكن اثباتها عن البنى الكلية للعقل البشري .

كما يرى مؤلفون من امثال ايريك وولف ان الاقتصاد السياسي والكولونيالية يجب ان يكونا في طليعة الانثروبولوجيا بشكل اكبر . لا يبتعد بعض المنظّرين الانثروبولوجيين ممن ينتقدون رؤية ليقي شتراوس للبنيوية ، عن الاساس البنيوي الجوهري للثقافة الانسانية . فجماعة البنيوية النشوئية الاحيائية ، على سبيل المثال قالوا ان نوعا ً من المؤسسات البنيوية ينبغي وجوده لأن كل البشر يرثون نظام البنى العقلية نفسه وقد اقترحوا نوعا ً من الانثروبولوجيا حيث يمكن وضع اسس تفسير علمي اكثر تكاملا ً للتماثل والاختلاف الثقافي .

ان البنيوية ترتبط ارتباطا ً حميما ً بالعلاماتية . وحاولت ” ما بعد البنيوية ” ( Post Structuralism ) ان تصبح متميزة عن البنيوية . وكانت ” التفكيكية ” (Deconstruction) محاولةً لاثارة الخلاف مع التفكير البنيوي . وفي رأي جوليا كرستينا ان البنيوية ( والشكلية الروسية ايضا ً ) هي نقطة البداية لما اصبح ” ما بعد البنيوية ” .

– ترجمة وإعداد: ناطق خلوصي

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى