عروة بن الورد
عروة بن الورد العبسي ولد 540م، (توفي 15 ق.هـ/607 م)، شاعر من عبس من شعراء الجاهلية وفارس من فرسانها وصعلوك من صعاليكها المعدودين المقدمين الأجواد. كان يسرق ليطعم الفقراء ويحسن إليهم.
هو عروة بن الورد بن زيد بن عمر بن عبد الله بن ناشب بن هريم بن لديم بن عوذ بن مالك بن غالب بن قطيعة بن عبس بن بغيض بن الريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان. من أثرياء عبس وسفرائها.
وكان يلقب عروة الصعاليك لجمعه إياهم وقيامه بأمرهم إذا أخفقوا في غزواتهم ولم يكن لهم معاش ولا مغزى، وقيل: بل لقب عروة الصعاليك لقوله:
لحي الله صعلوكاً إذا جن ليلـه 000 مصافي المشاش آلفاً كل مجزر
يعد الغنى من دهره كـل لـيلة أ000 صاب قراها من صديق ميسر
ولله صعلوك صفيحة وجـهـه 000 كضوء شهاب القابس المتنـور
قال معاوية بن أبي سفيان: «لو كان لعروة بن الورد ولد لأحببت أن أتزوج إليهم». وقال الحطيئة في جوابه على سؤال عمر بن الخطاب كيف كانت حروبكم؟ قال: «كنا نأتم في الحرب بشعره». قال عبد الملك بن مروان: «من قال إن حاتماً أسمح الناس فقد ظلم عروة بن الورد».
وفي الأغاني من خبره: «كان عروة بن الورد إذا أصابت الناس سني شديدة تركوا في دارهم المريض والكبير والضعيف، وكان عروة بن الورد يجمع أشباه هؤلاء من دون الناس من عشيرته في الشدة ثم يحفر لهم الأسراب ويكنف عليهم الكنف ويكسبهم، ومن قوي منهم-إما مريض يبرأ من مرضه، أو ضعيف تثوب قوته- خرج به معه فأغار، وجعل لأصحابه الباقين في ذلك نصيباً، حتى إذا أخصب الناس وألبنوا وذهبت السنة ألحق كل إنسان بأهله وقسم له نصيبه من غنيمةٍ إن كانوا غنموها، فربما أتى الإنسان منهم أهله وقد استغنى، فلذلك سُمّي عروة الصعاليك».
كان عروة ذا شخصية فريدة تخطت شخصيته كشاعر وفارس، فكانت دعوته إلى الصعلكة سبيله لإقامة نوع من العدالة الاجتماعية، فلم يكن إقباله على الغزو غاية بقدر ما كان وعيا شعوريا واضحا ولده إحساس بالغبن الاجتماعي الذي تتلقاه فئات من الناس تعيش على هامش المجتمع، فكان يسوؤه أن يسكن بعض العرب قصورا من رخام وبعضهم ينام في بيوت متواضعة.
وقد امتاز عروة بأنه أضفى على الصعلكة نوعا من الاحترام والتقدير، فقد كاد يجعل منها تيارا فكريا يترجم رؤية وفلسفة خاصة في الحياة، تحلى بمكارم الأخلاق والسخاء، كما اضطلع بمسؤولية تفريج الكربات وضوائق العيش عن كل محتاج ألمت به الشدائد، وقد سارت بذكر أحاديث كرمه الركبان.
قيل عن عروة بن الورد أن قبيلة «عبس» كان إذا أجدبت أتى أناس منهم ممن أصابهم جوع شديد، فجلسوا أمام بيت «عروة» حتى إذا أبصروه قالوا «أيا أبا الصعاليك أغثنا»، فكان يرق لهم ويخرج معهم ليحصل على ما يُشبع جوعهم ويكفيهم..
وهو يعبر بذلك عن نفس كبيرة، فهو لا يغزو للنهب والسلب كباقي شعراء الصعاليك أمثال «الشنفرى» و «تأبط شرا» وإنما يغزو ليُعين الفقراء والمستضعفين حتى أُطلق عليه «أبو الفقراء» و «أبو المساكين». والطريف أن «عروة» لم يُغِر على كريم يبذل ماله للناس، بل كان يختار لغارته ممن عُرفوا بالبخل، ومن لا يمدون للمحتاج في قبائلهم يد العون، فلا يراعون ضعفاً ولا قرابة ولا حقاً من حقوق قومهم..
وبلغ عروة من ذلك أنه كان لا يُؤْثِر نفسه بشيء على من يرعاهم من صعاليكه، فلهم مثل حظه سواءً شاركوه في الغارات التي يشنها أو قعد بهم المرض أو الضعف، وهو بذلك يضرب مثلا رفيعاً في الرحمة والإيثار. وقد فاق إعجاب الناس بكرمه لدرجة أن عبد الملك بن مروان كان يقول: «من زعم أن حاتما أسمح الناس فقد ظلم عروة بن الورد».