البحث العلمي

الوباء فرصة مهمة لتقييم تقصير الجامعات العربية

تتسابق الجامعات ومراكز البحوث في مختلف أنحاء العالم للقيام باختبارات علمية هدفها إيجاد عقاقير أو أدوية للعلاج من فايروس كورونا.

لا يعد الأمر جديدا بالنسبة للدول الغربية أو غيرها من الدول الكبرى والتي تعودت السبق في كل شيء، لكن هذا الأمر يدعو في المقابل إلى وجوب تنزيل المقاربة على حال الجامعات العربية التي أثبتت قصورها وعدم جدواها وعدم قدرتها عل مواكبة سيرورة التطورات في ما يتعلق بالأبحاث والاكتشافات وهو ما دفع المئات من العلماء إلى اختيار الهجرة إلى الغرب لمواصلة مسيراتهم المهنية والعلمية.

كشفت أزمة فايروس كورونا التي تشغل العالم عن سباق محموم تقوم به الكثير من الجامعات ومراكز البحوث العلمية في الدول المتقدمة لإنقاذ البشرية، غير أنها فضحت غياب هذا الدور في الكثير من الجامعات العربية.

لا توجد جامعة عربية لها باع طويل في الجهود المتسارعة المبذولة للتوصل إلى علاج حاسم لفايروس كوفيد- 19، بينما يوجد علماء وأطباء عرب يعيشون في دول غربية يساهمون في تحقيق هذا الإنجاز، منهم من برعوا في علوم مختلفة وقدموا اكتشافات متقدمة.

قفزت البعثات العلمية من الدول العربية إلى جامعات متقدمة في الشرق والغرب بمعدلات مرتفعة في السنوات الأخيرة، مع ذلك لم تظهر علامات تحسن كبير في الجامعات العربية في مجال الاختراعات العلمية، لأن غالبية المبعوثين تقدم لهم إغراءات مادية ومعنوية كبيرة تجبرهم على عدم العودة إلى بلدانهم التي لن يجدوا فيها البيئة المناسبة لتعظيم دورهم.

ازدهرت عملية المحاكاة للجامعات في عدد من الدول العربية مؤخرا، حيث تركزت في قلب بعض عواصم عربية أشهر الجامعات الأميركية والبريطانية والفرنسية والألمانية والصينية والروسية وغيرها، وهي ظاهرة صحية يمكن أن تفرخ العديد من النماذج المؤهلة علميا،

بالتالي تمد مراكز الأبحاث بالمواهب التي تستطيع مسايرة العلم والتقدم في العالم، وتوفير اكتشافات نافعة للبشرية.

كثرت المحاكاة ولم تقدم غالبيتها أدلة واضحة على قدرتها في التطور العلمي الذي ينعكس في شكل المؤهلات التي يملكها خريجوها، لأن معظمها يغلب عليه الطابع الاستثماري، وحتى لو كان بعضها يقدم خدمة علمية ممتازة، فإن عددا كبيرا من الدول لا تحرص على الاستفادة منهم بالطريقة العلمية الصحيحة، ما يدفع هؤلاء إلى البحث عن فرصة في جامعة خارجية.

يدرس الشاب عمرو بالسنة النهائية في الجامعة الألمانية بالقاهرة، وتخصص في جانب دقيق في علوم الكمبيوتر يتعلق بالقدرة على التنبؤ بمستقبل سلعة أو متجر أو قضية سياسية..، ويبحث منذ فترة عن فرصة للسفر إلى إحدى الدول الأوروبية بعد الانتهاء من دراسته العام الجاري.

عندما سألته “العرب” عن سبب عدم حصوله على فرصة عمل جيدة في مصر انطلاقا من هذا التخصص الواعد، فكان رده أن البيئة لن تساعده على التفوق واستكمال دراسته، مع أن الدراسة لا تحتاج إلى سفر فالكثير من الجامعات تعترف بالدراسة أونلاين، فجاء رده متسقا مع الانطباعات العامة، وهو أنه يريد الحياة وسط أجواء تساعد على التفوق وليس الكسل.

تعكس هذه الرواية جانبا من الهموم التي تعاني منها شريحة من الشباب العربي تنشد الاستمرار في التفوق، ولا تجد هذه الفئة ما يساعدها في بلدانها، وأبعد من ذلك أن الدراسة بحد ذاتها تراجعت في أولويات البعض لحساب الرغبة في بيئة منعشة للتفكير العام.

قد يتعلق الأمر بجانب آخر أبعد من تقزيم دور العلم والعلماء، وهو النظرة العربية ذاتها لمواهبها والتي يؤول مصيرها إلى إدمان شعار “أنا أستهلك إذن أنا موجود”، حيث استدعت إحدى الدول العربية فريقا طبيا متخصصا من الولايات المتحدة قبل سنوات،

واتفقت مع أعضائه على مقابل مادي سخي لكل فرد فيه، عندما وصل الفريق إلى هذه الدولة فوجئ المسؤولون فيها بأن رئيس الفريق عالم مرموق من دولة عربية أخرى، فقررت الدولة المستضيفة تخفيض راتبه إلى النصف لأنه عربي، فصمم أعضاء الفريق على الرحيل فورا أو تنفيذ الاتفاق المسبق بصرف النظر عن الجنسية.

تلخص الحكاية بعدا جديدا في المأساة التي يعاني منها البحث العلمي في بعض الدول العربية، وتجعله مكبلا بقيود بيروقراطية ضد تحقيق أي تقدم، خاص بالنظرة التقليدية الطاردة للعلماء، وأدت إلى العجز الفاضح للكثير من الجامعات العربية، ووضعتها خارج نطاق الزمن.

قالت نادية زخاري، وزيرة البحث العلمي في مصر سابقا لـ”العرب”، إن الأبحاث التي تجري في الدول العربية تكون وفقا للإمكانيات التي تمتلكها كل دولة، في مجال الطب مثلا، وهي لا تقارن بقدرات الدول الغربية، بالتالي لا تلقى التركيز الإعلامي بعكس التجارب التي يعدها باحثون وأكاديميون يملكون خبرات سابقة في اكتشاف أدوية وأمصال مختلفة.

وتقوم مصر بتجارب في ثلاثة أماكن علمية وطبية مختلفة، وهي: المعهد القومي للأورام، ومدينة الأبحاث العلمية بالإسكندرية، وكلية العلوم بجامعة الإسكندرية، لكن التلكؤ وبطء ظهور نتائج الأبحاث العلمية يجعل تلك الجهود تدور في الخفاء من دون تسليط الأضواء عليها، كما أنها لم تحقق معجزات علمية أو حتى تقدم إنجازا لافتا في تخصصها يلفت الأنظار.

  • الرهان على البحوث العلمية

وأشارت زخاري إلى أن أغلب التجارب العربية تعتمد على محاولة الوصول إلى لقاح مركب من مجموعة أدوية من الممكن استخدامها في علاج المصابين بفايروس كورونا المستجد، وتلك التركيبات ما زالت في طور التجربة ولا يمكن الحكم على نجاحها أو فشلها.

وأقرت الوزيرة السابقة بالقصور العربي الواضح، واعتبرت غياب الأبحاث والتجارب عن المشهد العالمي يفتح المجال أمام ضرورة توجيه اهتمام الدول العربية إلى البحث العلمي، وإتاحة المراكز العلمية وتجهيزها بصورة تكنولوجية متقدمة للباحثين، والتعاون بشكل أكبر مع المعاهد والأكاديميات الدولية بما يرفع من قيمة المؤسسات العلمية العربية.

ويبقى النجاح اللافت كامنا في الجهود الفردية أو الرعاية الخاصة التي توليها بعض الدول، على غرار نجاح مركز محمد غنيم في المنصورة بمصر، وجامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا بالسعودية، وهي مفتوحة للعلماء من كافة بلدان العالم، وجامعة الإمارات.

ولفت محمود صقر، رئيس أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا في مصر، إلى أن القدرات العربية تتجه بشكل أكبر نحو التعامل مع أزمة الوباء العالمي من ناحية تطوير قدراتها على إنتاج الأجهزة والمستلزمات الطبية التي توفر رعاية صحية مناسبة للمرضى، في حين أن الأبحاث العالمية المتعلقة بعلاج المرض ترتبط بشركات الأدوية المتخصصة.

وكشف في تصريح لـ”العرب”، أن عددا من الدول العربية تقوم بجهود مضاعفة لتصنيع أجهزة التنفس الصناعي محليا بجانب تصنيع محلي للمعقمات والمواد المطهرة التي لا تعتمد على الكحول الإثيلي، وتطوير المعدات والملابس الطبية ومحاولة الوصول إلى طرق مستحدثة للكشف عن الفايروس، بجانب تطوير تطبيق على الهاتف المحمول يساعد الدول والحكومات في متابعة الأشخاص المخالطين للمرضى أو العائدين من الخارج.

لا توجد جامعة عربية واحدة تبذل جهودا للتوصل إلى علاج حاسم للقضاء على فايروس كوفيد19

وأطلقت جهات مسؤولة عن البحث العلمي في مصر والسعودية ولبنان مثلا، نداءات استثنائية إلى علمائها في الداخل والخارج لتقديم حلول تكنولوجية في مواجهة فايروس كورونا، وأن بعض الدول العربية مثل الإمارات خصصت موارد مالية إضافية للبحث العلمي منذ إعلان منظمة الصحة العالمية تصنيف الفايروس كجائحة عالمية.

وأكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة مصطفى كامل السيد أن تدني مكانة الدول العربية في التقييم العلمي والتصنيف العالمي، رغم وجود نحو 500 جامعة، يعد السبب الرئيسي لتفسير حالة التردي الحالية.

وأن الأمر لا يرتبط بالعلماء العرب الذين لديهم مساهمات فعالة في الجهود الدولية لمكافحة الوباء، غير أن محدودية براءات الاختراع التي تحصل عليها الجامعات العربية مقارنة بالأميركية والصينية والأوروبية، جعلت مبادراتها لا تلقى اهتماما.

وأوضح لـ”العرب”، أن الدول العربية لا تتعامل مع البحث العلمي كصناعة يمكن الاستفادة منها، ما انعكس على نسبة المساهمة وأصبحت محدودة في المجمل النهائي للإنتاج العلمي، بالإضافة إلى الإطار المحيط بالجامعات العربية التي جعلت العديد من أساتذة الجامعات يفضلون اللجوء إلى أنشطة أخرى خارج نطاق تخصصهم العلمي لتحسين دخولهم المادية، أو البحث عن أماكن تقدر قيمة ما ينتجونه من أبحاث علمية.


المصدر

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى