يُعدّ تفسير الكلبي من أوائل كتب تفسير القرآن الكريم، وقد نُسب إلى محمد بن السائب الكلبي، الملقب بـ”أبو النضر”. اشتمل الكتاب على مرويات الكلبي عن عبد الله بن عباس، أحد أبرز مفسري الصحابة.
ومع ذلك، فإن هذا التفسير مفقود في الوقت الحالي، مما يجعل من الصعب التحقق من محتواه الأصلي. بالإضافة إلى ذلك، نُسب إلى الكلبي كتاب آخر بعنوان “تفسير الآي الذي نزل في أقوام بأعيانهم”.
- منهج الكلبي في التفسير
اعتمد الكلبي في تفسيره على سلسلة روايات تتضمنه هو نفسه، حيث نقل عن أبي صالح، الذي نقل بدوره عن ابن عباس. ومع أن هذا النهج قد وفّر تفسيرًا شاملًا، إلا أنه أثار جدلًا واسعًا بين العلماء حول صحة ومصداقية روايات الكلبي.
- موقف العلماء من تفسير الكلبي
اختلف العلماء في قبول تفسير الكلبي، ويمكن تصنيف آرائهم إلى اتجاهين رئيسيين:
- الاتجاه الرافض لروايات الكلبي
يرى هذا الاتجاه أن روايات الكلبي لا يمكن الاعتماد عليها، وذلك بسبب اتهامه بالكذب من قبل العديد من علماء الحديث والتفسير، مثل وكيع بن الجراح وأحمد بن حنبل.- وكيع بن الجراح: قال بعد قراءة التفسير: “خذوه فليس فيه عن الكلبي ولا عن ورقاء شيء”.
- أحمد بن حنبل: عندما سئل عن تفسير الكلبي، أجاب: “كذب”، ولما سُئل عن جواز النظر فيه قال: “لا”.
ويستند هذا الاتجاه إلى أن سلسلة الإسناد التي تضم الكلبي تُعتبر ضعيفة أو موضوعة، ما يجعل الروايات التي ينقلها غير موثوقة.
- الاتجاه المتساهل في قبول روايات الكلبي
يتبنى هذا الاتجاه رؤية أكثر تسامحًا، حيث يعتبر أن روايات الكلبي تُجمع في إطار حفظ المرويات التفسيرية دون الاعتماد عليها كمرجع موثوق.- الثعلبي: في تفسيره “الكشف والبيان“، روى عن الكلبي بإسناده عن أبي صالح عن ابن عباس.
- الفيروز آبادي: أفرد كتابًا بعنوان “تنوير المقباس من تفسير ابن عباس”، واستند فيه إلى سلسلة الكلبي.
ومع ذلك، أشار العديد من العلماء إلى أن سلسلة الإسناد التي تشمل الكلبي وصالح النهدي تُعرف بسلسلة الكذب، حيث أُضيفت أربعة آلاف حديث وُصفت بأنها موضوعة.
تقييم تفسير الكلبي
تفسير الكلبي واجه نقدًا واسعًا بسبب:
- ضعف السند: رواياته جاءت عبر سلسلة من الرواة الموصوفين بالكذب أو الضعف.
- المبالغة في نسبة التفسير لابن عباس: تُشير المصادر إلى أن كثيرًا من الروايات المنسوبة لابن عباس جاءت من طريق الكلبي أو ضعفاء آخرين، ما أدى إلى تناقضات داخل التفسير.
- قال الإمام الشافعي: “لم يثبت عن ابن عباس في التفسير إلا شبيه بمائة حديث”.
- رأى محمد السيد الذهبي أن هذا التفسير، رغم قيمته العلمية، لا يمكن نسبته بثقة إلى ابن عباس.
- الخلاصة
تفسير الكلبي يُعد من المصادر التراثية المثيرة للجدل في تاريخ التفسير الإسلامي. فرغم الجهد المبذول فيه لجمع المرويات، فإن ضعف إسناده وكثرة التناقضات المنسوبة إليه تجعل من الضروري التعامل معه بحذر.
يُبرز هذا الكتاب أهمية التمييز بين الموثوق والضعيف في الروايات التفسيرية، ويدعو الباحثين إلى الاعتماد على مناهج نقدية صارمة عند تحليل النصوص التراثية.