فتنة خلق القرآن
خلق القرآن؛ وعرفها البعض بـ “محنة خلق القرآن” وهو فكر انتشر في عهد الخليفة العباسي المأمون من قبل فرقة المعتزلة والتي تدّع أن القرآن مخلوق وكلام الله مخلوق، وهو ما ابتدع القول به الجهم بن صفوان، واقتنع بهذا الرأي الخليفة المأمون وطالب بنشر هذا الفكر وعزل كلِّ قاضٍ لا يؤمن بهِ.
وهو ما لقي معارضة واستهجاناً كثيراً من الائمة مثل الإمام أحمد بن حنبل والذي تحمل من أجل ذلك الكثير من التعذيب حتى قام الخليفة المتوكل بإنهاء هذه المحنة وأفرج عنه.
وأصل هذهِ المسألة شبهة قديمة أراد أن يثيرها يوحنا الدمشقي الذي قال إذا كان القرآن غير مخلوق فهو أزلي وبالمثل فإن النبي عيسى أزلي لأنهُ كلمة الله وإن كان مخلوقا فهو منفصل عن قدسية الله مثل باقى المخلوقات وشبهات اخرى فاسدة بنيت على علم الكلام الفاسد الماخوذ من فلسفة اليونان.
- تاريخ نشأته
كان ظهور فرقة المعتزلة؛ تأسيسا لما أصبح يسمى بعلم الكلام الذي اختص بدراسة قضايا العقيدة، أما في الواقع فقد مثل المعتزلة بداية التفاعل مع التصور السائد الديني والمعرفي والفكري في البلاد المفتوحة وبداية تعديل تفسير النص المقدس وفق أسس عقلية تحديدا.
لقد كانت مدرستا النقل في الحجاز والعقل في العراق في مقاربة القضايا الفقهية قد تمايزتا لتحددا المقاربتين الأبرز للنص المقدس.
وهكذا إلى جانب القضايا السياسية الساخنة المتعلقة بقضية الإمامة وتبرير ظهور «الملك العضوض» (الحاكم المطلق) برزت قضية هامش ودور العقل في مقاربة النص المقدس وتفسيره.
أراد المعتزلة أن يفسروا النص المقدس بما يحقق انسجامه مع مقتضيات العقل فيما اعتمدت مدرسة أهل الحديث على مبدأ تقديم النقل على العقل.
ومن هذه المقدمة وصل المعتزلة إلى نفي صفات الذات الإلهية فأبطلوا أن تشاركه في القدم ومن هذا النفي كان اعتبارهم القرآن مخلوقاً أي محدثاً.
ومن هنا بدأت المحنة، أو محنة خلق القرآن وهي تعدّ تتابع أحداث في التاريخ الإسلامي بداية من 218 هـ / 833م واستمرت قرابة خمسة عشر عاماً.
- الحدث
إن من أسباب نشوء المحنة كان محاولة من الخليفة العباسي المأمون في عام 218 هـ / 833م لفرض آرائهِ الفلسفية حول عدة مواضيع. وكان يتلخص في سؤال واختبار أشخاص بعينهم، فيما يرونه من وجهة نظرهم، حول ما إذا كان القرآن مخلوقا أم لا.
فكل الطوائف أجابت أن القرآن هو الكلمة التي لم تمسها شائبة منسوبة إلى الله العلي، بما يعنى أن القرآن كلام الله ولم يخلق. وكانت المسألة هل القرآن مخلوق؟ (هذا هو موقف ورأى المأمون)، أم أن القرآن هو كلام الله.
وكان هذا الجواب الأخير لايخلو من العواقب من قبل المحققين واتخذت ذرائع ضد من رفض الزعم بخلق القرآن، بما فيها الفصل من الوظيفة العمومية، والسجن، وحتى الجلد أيضا. واستمرت المحنة بعد وفاة المأمون وفي عهد خلفه المعتصم بالله والواثق بالله وانتهت عام 861م بوصول المتوكل على الله.