دراسات إسلامية

تمثيلات “الصّبر” في النّصّ القرآني: بحث في خطاب الأمر

  • الملخّص:

انطلاقًا من اهتمام (التّداوليّة) بالمتكلّم ومقاصده باعتباره محرّكًا لعمليّة التّخاطب، تسعى الدّراسة إلى قراءة تمثيلات (الصّبر) في النّصّ القرآنيّ، وذلك للتّوصّل إلى معناه ومقصديّته في خطاب الأمر، ساعية نحو التّقاطع مع الجهود الفكريّة التي قدّمها العلماء في التفسير.


وقد تبيّن لنا من خلال ذلك أنّ مفهوم (الصّبر) مصطلح قارّ له دلالته الخاصّة ومميزاته، وله – أيضًا- حضور قويّ متنوّع، فقد ورد بصيغ ثلاث(اصبر، صابر، واصطبر) لكل صيغة مميزات أسلوبيّة، ونكت بلاغية، تمركزت معظمها في قسم القرآن المكّي.


الذي اعتيد أن يصبغ بصبغة أسلوبيّة يكثر فيها حديث العقيدة، وخلق السّماوات والأرض، كما يتحدّث فيها عن العرب وطريقة معاملتهم للنّبي في سنيه الأولى الّتي بعث فيها. 


الكلمات المِفتاحيّة: البنية المعجمية، العملية التّواصليّة، خطاب الأمر، التداوليّة، الآمر، المأمور. 


Summary:  

Based on the interest that (pragmatics) gives to the speaker and his intentions as the motivator of the communication process, the study seeks to explore the representations of (patience) in the Quranic text, so as to understand its meaning and intent in the instruction discourse, seeking to intersect with the intellectual efforts presented by the scholars in the interpretation.

The study has shown that the concept of (patience) is a well- established term that has its own significance and characteristics, and has a strong and varied presence in the Quranic text. The term patience has occurred in three different versions such as (patience, perseverance, endurance). Each version has its characteristics, stylistic and rhetorical connotations, most of which were concentrated in the Makkan Qur’an characterized by a terminological style that focuses on faith and the creation of the heavens and the earth. The Makkan Quran also talks about the Arabs and the way they treated the Prophet (Peace be on him) during the first years of his prophetic mission.

Keywords: lexical structure, communicative process, instruction discourse, pragmatics, the instructor and the instructed


  • المقدّمة: 

تجتهد هذه الدّراسة لترصد تمثيلات (الصّبر) في النّصّ القرآنيّ وتحليل دلالاته في سياق خطاب الأمر، الّذي يعتبر من أهمّ أساليب (الإنشاء الطّلبيّ)؛ لكثرة وروده في القرآن الكريم والحديث وكلام العرب. 

شغلت صيغة الأمر الدّارسين في العديد من المجالات ولا سيّما البلاغيّون، حتّى عدّت أهم مباحث علم المعاني، إضافة إلى منزلتها عند الفقهاء والأصوليين؛ لما بين العلمين من اشتراك في غالبيّة الأبواب.

وهذا ما أكّده (السّبكي) بقوله:” واعلم أنّ علميّ الفقه والمعاني في غاية التّداخل، فإنّ الخبر والإنشاء اللذين يتكلّم فيهما المعاني، هما موضوع غالب الأصول، وإنّ كلّ ما يتكلّم عليه الأصوليّ من كون الأمر للوجوب، والنّهي للتحريم….كلّها ترجع إلى موضوع علم المعاني.

وليس في أصول الفقه ما ينفرد به كلام الشّارع عن غيره إلا الحكم الشّرعيّ والقياس وأشياء يسيرة”(1)، وقد أسهم ذاك العلم إسهامًا كبيرًا في العلوم اللسانيّة، التي تحتلّ اليوم مكانًا بارزًا بين العلوم المعاصرة، ولا سيّما الإنسانيّة منها، وذلك لاعتكافها على دراسة الّلسان، الذي يتخذ الّلغة مادّة له وموضوعًا.


ينطوي تحليل الخطاب- في دراستنا-؛ لتحقق أهدافها تحت اتّجاهات ثلاث هي:

الاتّجاه الأوّل: هو الاتجاه النّصيّ، الذي يقوم على رصد تمثيلات (الصّبر) في النّص القرآني في سياق بنية 

(صيغة) الأمر.

الاتّجاه الثّاني: هو الاتّجاه المعجمي التّداوليّ، الذي يقوم على الكشف عن دلالات (الصّبر) في النّصّ القرآنيّ في السّياقين (المعجميّ والتّداوليّ).

الاتّجاه الثّالث: هو الاتّجاه التأويليّ، المتمثّل بجهود علماء التّفسير، الذين أبانوا وأظهروا ما ترجع إليه دلالات (الصّبر) بعد تحليلهم وتأويلهم لها في سياق خطاب الأمر بمقتضى القواعد والنظر. ويندرج تحت هذا الاتّجاه معالجات علماء الكلام وما أضافوه من رؤى في مدوّناتهم، التي ترعرعت فيها الأنشطة الفقهيّة واللسانيّة. 

مادّة الدّراسة النّصيّة (2):

1.﴿ اصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾. سورة ص، آية 17

 2.﴿ وَاصْبِر نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فرطًا. سورة الكهف، آية 28.

3.﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾. سورة لقمان، آية 17.

4.﴿ وَاصْبِر لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ۖ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُوم﴾.سورة الطّور، آية 48.

  1. 5. ﴿ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا﴾. سورة المزمل، آية 10.
  2. 6. ﴿ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ ۚ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ﴾. سورة النّحل، آية 127.
  3. ﴿ وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾. سورة هود، آية 115.
  4. 8. ﴿وَاتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَاصْبِر حَتَّىٰ يَحْكُمَ اللَّهُ ۚ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ﴾. سورة يونس، آية 109. 
  5. 9. ﴿ تِلْكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ ۖ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلَا قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَٰذَا ۖ فَاصْبِرْ ۖ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ﴾. سورة هود، آية 49.
  6. ﴿ فَاصْبِر كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ ۚ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ ۚ بَلَاغٌ ۚ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُون﴾. سورة الأحقاف، آية 35.  
  7. ﴿ فَاصْبِر صَبْرًا جَمِيلًا ﴾. سورة المعارج، آية 5.

12.﴿ فَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ۖ وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ ﴾. سورة طه، آية 130.

13.﴿ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ﴾. سورة غافر، آية 55. 

14.﴿ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۚ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ﴾.سورة غافر، آية 77. 

15.﴿ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُوم﴾. سورة القلم، آية 48.  

16.﴿ فَاصْبِرْ عَلَىٰ ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ﴾. سورة ق، آية 39.

17.﴿ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا ﴾. سورة الإنسان، آية 24.

 18.﴿ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُون﴾. سورة الرّوم، آية 60. 

19.﴿ وَلِرَبِّكَ فَاصْبِر﴾. سورة المدّثر، آية 6. 

  1. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾. سورة آل عمران، آية 200.

21.﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾. سورة الأنفال، آية 46.

  1. ﴿ وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَىٰ آلِهَتِكُمْ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ ﴾. سورة ص، آية 6.
  2. ﴿ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا ۖ إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِين ﴾. سورة الأعراف، آية 128.

24.﴿ وَإِن كَانَ طَائِفَةٌ مِّنكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَّمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّىٰ يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا ۚ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ﴾.  سورة الأعراف، آية 87.  

25.﴿اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ ۖ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾. سورة الطّور، آية 16.   

26.﴿ رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ ۚ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ﴾. سورة مريم، آية 65.

27.﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِر عَلَيْهَا ۖ لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكَ ۗ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ﴾. سورة طه، آية 132. 

  1. ﴿ إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَّهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِر ﴾ . سورة القمر، آية 27.

القراءة الأوّليّة:

تكشف نظرتنا الأوّليّة لمادّة الدّراسة النّصيّة عن الملحوظات الآتية:

* ورد فعل الأمر المشتق من مادّة (صبر) تسعًا وعشرين مرّة.

* بلغ عدد الآيات المتضمّنة فعل الأمر المشتق من مادّة (صبر) ثمانيًا وعشرين آية في اثنتين وعشرين سورة.

* تكرّر فعل الأمر مرّتين في السّور(ص، غافر، طه، آل عمران، الأعراف، هود، الطّور)، في حين ورد مرة واحدة في (المعارج، القلم، ق، الإنسان، الرّوم، الكهف، المدّثر، الأنفال، مريم، القمر، النحل، يونس).

* صيغة فعل الأمر(اصبر)، التي تنتمي إلى بنيتها الاشتقاقيّة وهي:(الصّبر) تكررت خمسًا وعشرين مرّة، أمّا صيغة فعل الأمر(صابروا)، التي تنتمي إلى بنيتين اشتقاقيّتين هما: (المصابرة) و(الصّبار)، فقد وردت مرّة واحدة، إضافة إلى تكرار ورود صيغة فعل الأمر(اصطبر)، التي تنتمي إلى بنيتها الاشتقاقيّة (الاصطبار) ثلاث مرّات.

* تكررت بنية الضّمير(واو) الجماعة المسند إلى فعل الأمر، والذي يقع فاعلًا سبع مرّات، ستّ منها وردت في صيغة فعل الأمر(اصبر)، ومرّة واحدة في صيغة (صابر). 

* سبق فعل الأمر(اصبر) المشتقّ من بنية (الصّبر) بواو عاطفة خمس مرّات في (الكهف، لقمان، المزّمل، هود، يونس)، وأخرى استئنافيّة في (الطّور، النحل).

* سبق فعل الأمر(اصبر) المشتق من بنية (الصّبر) بأربعة أنواع من الفاءات، الأولى منها: فاء استئنافيّة وردت خمس مرّات في(هود، الأحقاف، طه، غافر، غافر)، والثانية: فاء فصيحة تكرر ورودها ستّ مرّات في (المعارج، القلم، ق، الإنسان، الرّوم، المدّثر)، أمّا الثالثة: فعاطفة وردت مرة واحدة في (الطور)، والرّابعة: جوابية وردت في (الأعراف).  

* سبق فعل الأمر(اصطبر) المشتق من بنية (الاصطبار) بواو عاطفة ثلاث مرّات.

دلالات (الصّبر) بين الأصل المعجمي وانزياح التّداول:

يحتاج الكشف عن تمثيلات الصّبر في خطاب الأمر القرآنيّ إلى النّظر في مفهوم (الصّبر) لمعرفة حقيقته الّلغوية والاصطلاحيّة، ثم التّطرّق إلى مساربه وكيفية تداولها في القرآن؛ إذ تملك الكلمة، من حيث المعنى  بنيتين دلاليّتين حسب تعريف ابن جنّي للكلام بقوله:” أمّا الكلام، فكلّ لفظ مستقلّ بنفسه مفيد لمعناه “(3)، الأولى منهما: بنية الوضع والمعنى، التي تمنحها استقلالًا بنفسها حسبما وضعت في معاجم الّلغة، أمّا الثانية فهي بنية السياق والإسناد، وذلك أنّ المعنى المعجمي للفظة ليس كافيًا لإبراز المعنى؛ لذا نراها بحاجة إلى نوع من التّخصيص تتطلّبه عند دخولها في الاستعمال؛ لتؤدّي وظيفة معيّنة في التّركيب، بعد انخراطها في علاقات إسناديّة قد تكون مخالفة للسلطتين الدّلاليتين السّابقتين(4).

والسياق النحويّ أو ما يسمّى(الدّلالة النّحويّة) أو(السيمانتك النّحوي)(5) يجلّي المعنى من خلال العلاقات البنائيّة (البنيويّة) والتّركيبيّة للكلام، حيث تتوزّع العلاقات الدّلاليّة للألفاظ من أجل إفراز تشكيل(6) يدلّ “بتأليفه على معنى”(7)، حيث يعتبر الإسناد جوهر العمليّة اللسانيّة؛ إذ يعرف أنّه” ضمّ إحدى الكلمتين إلى الأخرى على وجه الإفادة التّامّة: أي على وجه يحسن السّكوت عليه، وفي اللغة: إضافة الشّيء إلى الشيء”(8).

وبالنظر في المدوّنة المعجميّة، تلتقط معانٍ متعدّدة، من خلالها تتلمس المعاني الحقّة للمفهوم المدروس، كما يتعرّف على المعاني الثّانوية التي انشطرت من الجذر الّذي نبت فيه المصطلح، غير أنّ تلك الاشتقاقية لا تعني التواؤم المطلق بين المفاهيم ذات الجذر الواحد، بل تعكس تباينًا يحفّ الكلمات بعد مفارقتها المعنى الأوّل، كما نلحظ ذلك في مفهومي(الصّبر والصّبارة)؛ إذ إنّ المعاني تتصوّر في الأذهان ثم تقذف ألفاظًا لتعبّر عن أفكار قصدها المتكلّم، ومن خلال التّدوال تكتسي الّلفظة معنىً رمزيًا تشير إليه، وتختص به دون غيرها من الألفاظ، وتلك الرّمزية، هي المرجع الأساسيّ في تميّز المفاهيم.

  • أوّلًا: أصل ” الصّبر” وحقيقته

بعد مصاحبة للمعجم استخرجت الدّراسة معان للصّبر متعدّدة، وهنا نذكر المعاني الّتي يحتمل أنّ مفهوم الصّبر الاصطلاحي أخذها منها مجتمعة، أو أخذ من بعضها على الأرجح دون استبعاد للمعاني الأخرى، حيث يقترن دالّ(الصّبر) وحقيقة وضعه بمدلول حبس النّفس. فيرى الأصفهاني(ت502هــ) أنّ الصّبر مرتبط بما يقتضيه العقل والشّرع أو عمّا يقتضيان حبس النفس عنه، ذلك أنّه يعني” الإمساك في ضيق”(9) عن القول والفعل. وورد معناه عند ابن منظور(ت 711هـــــ) أنّه “نقيض الجزع “(10). وفي كتاب الرّوح لابن قيّم الجوزيّة (ت 751 هــ) ورد أنّه “خلق كسبيّ يتخلّق به العبد وهو حبس النّفس عن الجزع”(11)، أمّا الجرجاني (ت 816هـــ) فقد أورده في التعريفات على أنّه “ترك الشّكوى من ألم البلوى لغير الله لا إلى الله”(12). وفي معجم اللغة العربيّة المعاصر ورد بمعنى الرضى “صبر الشّخص: رضي، انتظر في هدوء واطمئنان دون شكوى ولم يتعجّل”(13)، وقد اعتبره المناويّ(ت 1031هــ) أنّه:” قوّة مقاومة الأهوال والآلام الحسّيّة والعقليّة”(14).

 

                                                             حبس النّفس 

                  الصّبر في دلالة الوضع يعني                         

                                                                ترك الشّكوى

ولمّا كانت الأدوار الدّلاليّة أحد عناصر هذا التّفكيك، فإنّ دال (الصّبر) ينقسم إلى مدلولات تختلف عن مدلول (حبس النّفس)؛ لأنّ الّلغة لا تتوقّف عند الافتراض المحوريّ، والعلاقة بين الدّال ومدلولاته لا تبقى ثابتة، بل تتوسّع لإكساب دال(الصّبر) حقولًا دلاليّة أخرى بغية الثّراء الّلغويّ من جهة، وتوليد دلالات أكثر دقّة من جهة أخرى(15).


  • ثانيًا: دلالات الصّبر المجازيّة

الكلمات تُولد لها حمولة بسيطة، ثمّ تكتسي من خلال التّدوال انزياحات نسقيّة، وتلك الانزياحات كثيرًا ما تصرف الألفاظ عن معانيها الأولى. من هنا اصطلح أهل العلم على تسمية  الخروج الّذي يصاحب الألفاظ عن معناه الوضعي بـــ(اسم المجاز)، حيث جعلوه موازيًا للحقيقة وقسيمًا لها ومحرّكًا للطّاقة التّعبيريّة في بنية الكلام العربيّ، وهي الدّلالة الأولى؛ لأنّ الّلفظ العربي” كلّ كلمة منه موضوعة في موضعها الّلائق بها إمّا حقيقة أو على وجه المجاز”(16)، فلا يمكن أن يكون هناك کلام مجازيّ إلّا إذا کان له حقیقة، حتّى أنّه أصبح منتشرًا  في الكلام وقادرًا على مناظرة الحقيقة في الإبلاغ والدّلالة، وذلك بإثارة العلاقة بين الدّال والمدلول، الّتي قد يكون – المجاز فيها – أكثر قدرة على التّعبير عن الدّلالات العميقة(17).  

إذن، لا يخرج استخدام الّلفظ عن هذين الأسلوبين: المجاز والحقيقة، وهذا الحصر شبيه بما ذهب إليه أهل النّحو من أنّ الكلام (اسم وفعل وحرف)، حيث تشي – هذه القسمة- بضرورة تقنين العلوم وحصرها في جداول نظريّة؛ كي تساعد المتلقّي على استلهام مباحث الفنّ واستجماع أطرافه في قواعد معياريّة جاهزة.

والمجاز في الّلغة هو”طريق القول ومأخذه، وهو مصدر جزت مجازًا كما تقول: “قمت مقامًا “، وقلت

 مقالاً “(18)، وعند أهل الاختصاص عرفه السّكاكي(ت 626 هــــ) بقوله: “هو الكلمة المستعملة في غير ما هي موضوعة له بالتحقيق، استعمالًا في غيرها(19)، بالنّسبة إلى نوع حقيقتها، مع قرينة مانعة عن إرادة معناها في ذلك النوع”(20)، أمّا الجرجاني(ت 1340هــ)، فعرّفه على أنّه “اسم لما أريد به غير ما وضع له لمناسبة بينهما…. إمّا من حيث الصّورة أو من حيث المعنى الّلازم المشهور، أو من حيث القرب والمجاورة”(21).

والمناسبة بين الحقيقة والمجاز تنتظم في صور عديدة، وعلاقات متنوّعة، فالمجاز لا يتأتّى  في الّلفظ بطريقة عشوائيّة، بل يحتاج إلى انسيابيّة في التّداول يبرهن من خلالها على دفع الدّعاوي، الّتي قد توجّه إلى الخطاب المتضمّن أسلوب المجاز. فالحاذق هو من يجذب لبّ المتلقّي دون أن يشعره بغرابة في الكلام، وإنّما يتناغم معه بأريحيّة دون تفكير في مرجعيّة التّدوالية ذات الطّابع المجازيّة. 

من الملاحظ أنّ هذه الانسيابيّة في التّعبير وتلوين الأسلوب، أضافت للّغة سمة التوسّع في الخطاب، بيد أنّ خاصية المجاز ينبغي أن تتسم بالمرونة وقسط من الوضوح؛ كي تنشرح لها الصدور، وتنسجم مع رؤية المتلقّي المقصود بالخطاب؛ لأنّ المجاز يستقبح ” إذا أدّى إلى الّلبس والإشكال(22).

وبذا، يكون معيار الفصل بين المجاز والحقيقة بالاستعمال لذلك الكلام وإجرائه في استعمالات المتكلّمين ومدى تحقّق ذلك وتصوّره، وهذا ما ذكره السّيوطي(ت911هـــ) في سياق كلامه “اعلم أنّ الفرق بين الحقيقة والمجاز لا يُعْلم من جهة العقل ولا السمع، ولا يُعلم إلا بالرجوع إلى أهل اللغة؛ والدليل على ذلك أنّ العقلَ متقدّم على وَضْع اللغة”(23).

وإذا كان الصبر مفهومًا عربيًّا أصيلًا، فليس بمستغرب أن تحوطه الاستعمالات التّدوالية، فتتركه على وضعه طورًا، وتحلّق به أطوارًا؛ لتصبغه من معاني جديدة ذات مسحة مجازيّة غير مألوفة، فمن الاستعمالات الّتي خرج فيها مفهوم الصّبر عن معناه المعجميّ؛ ليلتحق بمصافي الاستعمال المجازيّ مقولتين لسانيّتين هما:

أوّلًا: “يمين الصّبر

إنّ تفكيك البنية الّلسانية لمقولة “يمين الصّبر” يستشفّ منها ثلاثة عناصر هي:  

أ.  مضاف، هو اليمين، عنصر لفظيّ.

ب. مضاف إليه، هو الصّبر، عنصر لفظيّ. 

ج. علاقة نسبيّة، عنصر معنويّ.

وبالرجوع إلى نسقيّة المثل، نستشف محذوفًا، هو الّذي حصلت منه اليمين؛ لأنّ اليمين لفظ تمّ إيجاده من طرف متكلّم، هو الّذي يتّصف بالصّبر؛ ” لأنّه إنّما صبر من أجلها، فأضيف الصّبر إلى اليمين مجازًا واتساعًا “(24)، ولعلّ الرّسم البياني الآتي يجلّي حقيقة التّركيب.  


فبعد تحليل صيغة (يمين الصّبر)، والوقوف على جهة المجاز فيها، قد يكون من السّائغ التّعريج على معناها في التّداول؛ إذ جاء في متعة الأنظار أنّ المقصود من يمين الصّبر”هو أن يحبسه السلطان على اليمين حتّى يحلف بها “(25).

  • ثانيًا: قُتِلَ صبرًا

لا يخفى ما تكتنزه هذه العبارة من مجاز مركّب، ذلك أنّ بنيتها العميقة تشي بهيئة مركّبة من أشياء متعدّدة، حيث ” يقال للرجل، إذا شدّت يداه ورجلاه، ورجل يمسكه حتّى يضرب عنقه: قتل صبرًا(26).

هذا، وليس حسن موقع المجاز في الّلغة بخاف؛ إذ هو يزيد اللفظ رونقًا، ويضفي للعبارة بريقًا يأخذ بشغاف المستمع، فيحلّق به في سماء الإبداع؛ لذا كانت ” العرب كثيرًا ما تستعمل المجاز، وتعدّه من مفاخر كلامها؛ فإنّه دليل الفصاحة، ورأس البلاغة، وبه بانت لغتها عن سائر اللغات “(27).

 

 دلالات الصّبر في المدوّنة اللسانيّة:

  1. الصّبر: الحبس

سمّي الصّبرُ صبرًا؛ لما فيه من حبس النّفس عن الطّعام والشّراب والنّكاح، وقد نهى الرّسول عن قتل شئ من الدّواب صبرًا، وهو: أن يمسك الطّائر أوغيره من ذوات الرّوح يصبر حيًّا، ثمّ يرمى بشئ حتّى يقتل. وفي قولهم:

” اقتلوا القاتل، واصبروا الصّابر”؛ يعني احبسوا الذي حبسه للموت حتّى يموت كفعله به، “صبره عن الشّيء يصبره صبرًا حبسه”(28)

2ــ الصّبر: نقيض الجزع 

  قال الخليل: “الصبر نقيض الجزع “(29).

  1. الصّبر: نصب إنسان أو حيوان للقتل

“والصبر: نصب الإنسان للقتل، فهو مصبور، وصبروه، أي نصبه للقتل نَصْبُ الإنسان للقتل(30). وفي الأثر “نهى النبي(صلى الله عليه وسلم)عن صبر الدّابة”(31)

  1. 4. الصبر: أخذ يمين إنسان للحلف 

 ” أخذ يمين إنسان، تقول: صبرت يمينه، أي حلفته بالله جهد القسم”(32)

  1. الصّبر: الّلزوم 

 “صبر الرّجلَ لزمه”،(33) وصَبِيرُ القومِ المُقدَّمُ في أُمورِهم” (34).

6ـ. الصّبر: القصاص

واصطبرت منه: اقتصصت. وفي حديث عثمان “هذه يدي لعمّار فليصطبر”(35)

  1. الصّبر: حمل الآخرين على شيء

 وصبّرته بالتّثقيل، حملته على الصّبر بوعد الأجر، أو قلت له اصبر (36)

تصابر فلانٌ: تصبَّر؛ حمل نفسَه على الصّبر، أظهر الصّبرَ” تصابرتْ الأرملةُ تصابر الجريحُ “(37).

  1. الصّبر: المغالبة والمطل

 ورد في معجم الّلغة أنّ (صابر) لها معنيان فـــ” صابر أخاه: غالبه في الصّبر والتّحمّل”(38)، كما أنّها تدل على المماطلة في الدّين قال: ماطَلَه “صابَر المُدِينُ دائنَه في إعطائه ماله”(39).

  1. الصّبر: ما يقي الجثّة من الفساد 

 ومن معاني الصّبر جعلك في الجثة ما يدفع عنها الفساد والتّغيّر، جاء في معجم الّلغة “صبّر الجثة: حنّطها، وضع بها ما يقيها الفساد إلى وقت ما”(40).

  1. 10. الصّبر: الكفل، الضّمان 

جاء في اللّسان أنّ من معاني الصّبر الضّمان والكفالة، حيث قال صاحبه: “وصبرت به صبرًا من باب قتل، وصبارة بالفتح كفلت به”(41).

  1. 11. الصّبر: الرّضا

ورد في قوله تعالى:” واصبر لحكم ربك(42)، وفي مقامات الحريري:” الصّبر: أن لا يفرق بين حال النعمة وحال المحنة، مع سكون الخاطر فيهما”(43)، والصّبر في قول ذي النّون:” التّباعد عن المخالفات، والسّكون عند تجرّع غصص البليّة، وإظهار الغنى مع حلول الفقر بساحة المعيشة”(44).

  1. 12. الصّبر: عصارة شجر مرّ

قال أبو حنيفة:” نبات الصّبر كنبات السّوسن الأخضر، غير أنّ ورق الصّبر أطول وأعرض وأثخن وهو كثير الماء جدًا”(45).

13.الصّبر: الجراءة

قال تعالى: ” فما أصبرهم على النّار أي: ما أجرأهم على أعمال أهل النّار(46).

14.الصّبر: الخِصاء(الصّبر الشّديد)

 نهى عن صبر الرّوح، وهو الخصاء. والخصاء: صبر(ﷺ) جاء في حديث ابن مسعود: أنّ رسول الله 

شديد(47).

15.الصّبر: الثّبات، المرابطة

قال تعالى :” اصبروا وصابروا أي: اصبروا واثبتوا على دينكم، وصابروا: أي صابروا أعداءكم في الجهاد، وفي قوله –أيضًا-:” استعينوا بالصّبر” أي الثّبات على ما أنتم عليه من الإيمان(48).

  1. 16. الصّبر: التأنّي، التّريّث

يتضمّن دال (الصّبر) في حديث الرّسول أنّ الله تعالى قال:” إنّي أنا الصّبور“، ثلاثة مداليل:

أ. الحليم.            ب. الذي لا يعاجل العصاة بالانتقام.             

ج. التّوّاب.           د. الذي لا تحمله العجلة على المسارعة إلى الفعل قبل أوانه(49).    

17.الصّبر: التّحمّل، التّجلّد، كظم الغيظ

الآية القرآنيّة:” وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ ۗ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ۚ نِّعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّاب”، وقد ورد في مجمع الأمثال: “أصبر من حمار؛ لأنّه يحمل الحمل الثّقيل على الدّبر. وليس في الحيوان أصبر من الجمل والحمار”(50)، والصّبر على المكروه: احتماله دون جزع.

وهناك معان كثيرة تلاقي الصّبر في اشتقاق الجذر(ص، ب، ر)، غير أنّ الانزياح التّداوليّ، جعل بينها بونًا مفهوميًا، لأجل ذلك لم نذكرها، لعدم توقّف استجلاء حقيقة الصّبر عليها. 

 

ولعل هذه الشروح الّلغوية تجعلنا قادرين على ربط خيوط، ورسم حدود بين الاستعمالين للمفهوم:

أ.  استعمال الوضع، أي الذي نبت في الكلمة، وتم تداولها فيه، دون أن تحتفظ بمرجعية تميّز دلالتها المتنوعة.    

ب. استعمال العرف الاصطلاحي، حيث يكتسي المفهوم معنى جديدًا غير الذي عهد في الوضع الأول، إضافة إلى خصائص وميز أخر، يفرضها التّدوال الاصطلاحي. لتنتقل منه إلى استعمال عملي، فتصبح لها دلالتها الخاصة، ورمز المميز لها.

تبيّن لنا من الدّلالات المعجميّة السّابقة أنّ المعنى المعجميّ أساس ينبني عليه استيعاب المعنى التّدواليّ، الذي انزاحت إليه الألفاظ بعد انتقالها من معانيها الوضعيّة، فتلك الدّوال لم تبقَ على حالها، الّذي وضعت له في الأصل المعجميّ، وإنّما تشعبّت وارتحلت؛ “لتعبّر عن مواقف جديدة عبرآليات توليديّة” (51).

خطاب الأمر: المكونات الّلفظية والمعنويّة

يعتبر الأمر خطابًا تواصليًّا، وهو من المصطلحات الّتي نبتت في رحم علم البلاغة، ثمّ ما لبثت أن اتّخذت تمركزًا جوهريًّا في أغلب العلوم الإسلاميّة، وذلك راجع لأهميّته في حياة الإنسان؛ إذ به تقوى العزائم وتنال المطالب مهما كان حجم ضخامتها. وهو عند إطلاقه ينخرط في أحد قسمي الإنشاء الطّلبي الذي” يستدعي مطلوبًا غير حاصل في اعتقاد المتكلم وقت الطّلب”(52).

والأمر الإنشائيّ بدوره المحوريّ يتضمّن ابتكارًا  دالًّا على إيجاد فعل واختراعه؛ لأنّ الآمر(المنشئ) للخطاب  يتوجّه بخطابه، لباعث قد لا تظهر للمأمور مراميه، ورغم غياب دواعي الأمر عن المتلقّي، لكنّ ذا لا يسمح له بالاعتراض على تنفيذ الأمر، أو إمكانية إنجازه؛ لأنّ الإنشاء(خطاب) بصرف النّظر عن الحقيقة والنّسبة الخارجيتين،  فهو كلام ملقىً ليس لنسبته خارج تطابقه أو لا تطابقه(53).

إنّ البنية المعجمية المتضمنة للأمر تشيء بوجود عناصر هي المكوّن الحقيقي لخطاب الأمر، ولكلّ من العناصر إسهامات  تسند إليها في بلورة مفهوم الأمر، وتخطيط أرضيّة له على الواقع الفعليّ، وذلك بعد صدوره من الملقي للخطاب (الآمر).

وسعيًا في توضيح خبايا خطاب الأمر، واستجلاء حقيقته يكون من الّلازم الوقوف على البنية الّلسانية الّتي تمخّض منها مفهوم الأمر، حتّى أصبح مستقلًّا بالمفهوميّة والرّمزية التّداوليّة.

يبدو من خلال تفحّص خطاب الأمر، أنّ هناك عناصر ثلاثة: الأمر، الآمر، المأمور، هي الّتي تنهض بالأمر على دعائم متينة، تتضافر بمجموعها  في نقل الأمر من حاضنة التّصوّر الذّهني للمتكلم إلى أرضية الواقع الفعليّ، حيث يبدو الأمر نسقًا تواصليًّا قائم الذّات، له حيّزه العلمي والجغرافي. 

  • الأمر: الرمز والإطار الزّمنيّ 

ينتظم الأمرضمن المصطلحات السّيارة؛ إذ نجد له صدى في جملة من العلوم الإسلاميّة، وإنّما كانت له المركزيّة؛ لما حفل به في أوج المطارحات الكلاميّة، الّتي كانت حاصلة بين الفرق الإسلاميّة(54) آنذك، فالخطاب الشّرعي جاء بأوامر ونواهي….الخ، ممّا دعا إلى الاجتهاد في استكناه مراد الله بها على الوجه الّذي يليق بكلامه، ونظرًا لتعدّد معاني الألفاظ، بذل كلّ فقيه وسعه في الانتصار لرأيه، وتقوية لمذهبه، أو تأييدًا لمعتقده. 

وإنّما تتعدّد دلالة الأمر، تبعًا للحمولة الدّلالية التي تتجدّد له في كلّ استعمال تداواليّ، فبالتّدوال تروج المتصوّرات، ويكتب لها الانتشار حيث تتّخذ لنفسها حيزًّا مكانيًّا بين المصطلحات العلميّة.

ليس هناك حدّ مجمع عليه حتّى نكتفي به، فنجعله النّموذج الأفضل في استقصاء حيثيّات الأمر، بل هناك حدود كثيرة تتقارب حينًا، وتتباعد أحايين أخرى، ولعل السّبب في ذلك راجع إلى المنطلقات المرجعيّة، التي يمتح منها الحادّ، علاوة إلى الحقل المعرفيّ الّذي يرد فيه سياق الأمر.

إنّ الأمر في اعتقاد نحاة البصرة فرع من فروع الأفعال قائم بذاته، دالّ على معنى مخصوص، بيد أنّه يتقاطع مع المضارع في بعض الحالات، حيث يشتركان في الدّلالة المستقبليّة، التي لا تحدّ بوقت بعينه، وإنّما دالّة على فضاء مفتوح يحصل الفعل في أحد أطرافه، وهو ما أكّده السيرافي بقوله:” هو الفعل الذي يكون زمان الإخبار عن وجوده هو زمان وجوده” (55).

وعليه، فـــــإنّ زمن فعل الأمر مستقبل باعتبار الحدث المأمور به؛ وبذا تكون دلالته الأولى استقباليّة؛ نظرًا لتحققه في المستقبل، أمّا دلالته الثانية  فتتضمّن حال طلب الأمر(56).

أمّا الأمر في التّدوال الأصوليّ فهو” استدعاء إيجاد الفعل بالقول أو ما قام مقامه”(57). وإن شئت قلت هو” قول يطلب به الأعلى من الأدنى فعلًا أو غيره”(58)، وفي هذا الحدّ إضافة جوهريّة، تكمن في معرفة محور الأمر؛ كي تتحقّق له أرضيّة الإيجاد؛ إذ ينبغي أن يكون الآمر المتلفّظ  بالكلام أقوى سلطة وأعلى مرتبة من المأمور بالفعل. إنّ الدّرجة التي اتصف بها الآمر من التفوّق  تنحو نحو الكمال في إنجاز الفعل، ذلك أنّ المأمور إذا أحسّ بالسّلطة  قاده ذلك إلى المراقبة والحذر، ومن ثم سيسعى إلى التنفيذ دونما ريب، وبخاصّة إذا وجد منفعة تجنى ثمارها بعد الفراغ من التّنفيذ. وعليه، فإننا نلحظ عناصر ثلاث ينبغي تحققها في خطاب الأمر هي:

                     عناصر الأمر                         علوّ مرتبة الآمر واستعلائه 

                                                        تنفيذ الفعل وتحقيقه

                                                   طاعة المأمور لأمر الآمر 

  • صيغة الأمر:

والمراد بها البنية الّلسانية، الّتي تشعر المتلقّي أول وهلة لدى سماعه الخطاب، بضرورة إنجاز فعل، طبقًا لما أراده المتحدّث، وتتحصّل صيغة الأمر الصّريحة بلفظيّ(افعل) و(ليفعل)، وهذا ما أكّده ابن فارس بقوله:

 “الأمر بلفظ افعل وليفعل”(59)، وهناك صيغ أخرى يستفاد منها الدّلالة على طلب الأمر(60)، وسنتبيّن تلك الصّيغ لدى حديثنا عن تطبيقات خطاب الأمر في تمثيلات الصّبر في المباحث الآتية. 

المبحث الأوّل: الدّلالة الصّريحة والضمنيّة لصيغة الأمر 

إنّ الدّلالة التي تشير إليها بنية الأمر لها جانبان: جانب ظاهر، يفهم دون ما حاجة إلى تشفير الّلفظ، ومتابعة سايقه، وجانب خفيّ، يحتاج مزيد تأويل وتحليل لتستكشف حقيقة الأمر، يقول الجويني أثناء نظره في دلالة الأمر إنها ” ظاهرة في الوجوب مؤوّلة في الندب والإباحة”(61).

فدلالته – حسب الجويني- صريحة في وجوب تنفيذ الفعل، غير أنّها قد تخرج عن إطار الوجوب بتأويلٍ يمنح المأمور حريّة التّنفيذ، أي أنّه مختار. إن شاءأوجد الفعل، وإن شاء تركه.

إنّ الصّيغ الواردة في خطاب الصّبر ثلاثة تتّخذ(افعل) الحيّز الأكثر تداوليًّا، ثم تليها (افتعلْ)، وفي المحطّة الأخيرة صيغة(فاعل)، ولم ترد إلا مرة واحدة.

فهل هناك مزيد فائدة في تعدّد صيغة خطاب الأمر؟ أم أنّه مجرّد تنويع وتشقيق في الأسلوب، قد يكون من المناسب إرجاء الجواب إلى حين الحديث عن تمثيلات خطاب الأمر في مفهوم الصّبر.

  • المبحث الثّاني: الآمر(المقام والإمكانات)

حدود الآمر في تمثيلات مفهوم (الصبر)، دالّ على السّطلة المطلقة التي يتمتع بها،  فالآمر في مقام علي على المأمور، ذلك أنّ صيغة(الصبر) في أكثر تداولاته صادرة من مدبّر عظيم، هو الذي خلق المأمور، ومنحه القدرة على امتثال الأمر؛ لذا كان على المأمور مراعاة مقام الآمر؛ كي ينفّذ الأمرعلى وجهه الأكمل لأنّ “بنية الأمر تدل على إيجاد شيء لم يكن موجودًا، حيث يستدعي الآمر الفعل”(62)، فلا يجد المأمور حيلة تصدّه عن امتثاله الأمر؛ لأن مقام الآمر أعلى وسلطته أقوى، لكن هذا لا يعني أنّ للآمر إلزام المأمور بما لا طاقة له على تحقيقه، بل عليه أن يراعي إمكانات المأمور، لتتساوق إمكاناته ومسايرة الأمر دون أن يقع تعثّر في الاستجابة لتنفيذ رغبات الآمر؛ لأنّ فحوى الأمر يقتضي “طاعة المأمور بفعل المأمور به”(63). وهذه الطّاعة تجد صدى وتفاعلًا من لدن المأمور، إذا كانت تلائم ظرفه الآني؛ ليتمكّن من إنجاز فعل الأمر في أريحية واشتياق. 

إنّ ممّا يميّز الآمر في خطاب الصّبر في أغلب الأحوال (تفرّد الذّات العليّة به بصفة مطلقة)، ممّا لا يتيح للمأمور سوى الاستسلام وقبول ما أمر به؛ لأنّ الآمر عليم خبير بما يصلح للمأمورين؛  لذا لم يكلّفهم ما لا طاقة لهم به. وهناك حالات قليلة حصلت فيها مساواة بين الآمر والمأمور، ستذكر في ثنايا البحث عند الحديث عن تمثلات خطاب الصّبر.

  • المبحث الثّالث: موقع الآمر من الأمر 

جاء في معرض حديث صاحب المعتمد عن مقتضى الأمر، هل يفيد التّعجيل أو التّأخير قوله:”باب في الآمر هل يدخل تحت الأمر أم لا؟”(64).

وللإحاطة بأغوار العلاقة بين الأمر والآمر، لجأ (البصريّ) إلى طرح استفهامات عدّة؛ لتتم الإجابة من خلالها على السّؤال المركزيّ، الذي يشي بوجود تعالق جذري بين صيغة الأمرباعتبارها قولًا لسانيًّا له مغازيه التّداوليّة ومعانيه التّواصلية، وبين الآمر الّذي له أثره في تكوين الأمرباعتباره الطّرف المبدع لصيغة الأمرالموجد له في الواقع.

ولأبي الحسين استفهامات تلخّصت في أربع هي: 

1 ــ “هل يمكن أن يأمر الإنسان نفسه في المعنى أم لا؟.

2ــ هل يكون هذا القول مسمّى بأنّه أمر على الحقيقة، أم لا؟.

3 ــ هل يحسن أَن يَأمر الإِنسَان نفسه أم لا؟.

4ــ هل إِذا خاطب الإنسان غيره بِالأَمريكون داخلًا فِي جملة المأمورين؟ “(65).

 أمّا الإجابات عليها، فقد انحصر الأوّل منها بنعم، أمّا الثاني فلا يعتبر القول أمرًا على الحقيقة، بل منخرط في المجاز “لأنّ من شرط كونه أمرًا، الرّتبة وَمَا يجري مجْراها، وذلك لَا يتأتَّى إِلَّا بَين ذاتين لتَكون إِحداهما مستعلية ومرتبة على الْأخرَى”(66)، وفي الثّالث لايحسن ذلك؛ لأنّ الفائدة بالأمر أن يكون دليلًا على حال المأمور به أو يؤكّد الدّلالة”(67)، وفي الرّابع إن كان المخاطب ناقلًا للأمر من غيره، نظر في خطابه، فإنْ كان يتناوله  دخل فيهم، وإلا لم يدخل فيهم…، وإن كان المخاطب بالأمر هو الآمر، فإنّه لا يدخل تحت الأمر”(68).

انطلاقًا من الأسئلة الجوهريّة، وأجوبتها العقلانيّة تتضح مركزيّة الموقع المحوريّ، الذي يشغله الآمر داخل بنية الأمر؛ ذلك أنّ الآمر، هو البؤرة الّتي تسببت في إنشاء البنية الّلسانيّة، فلا يمكن عزله في تحليل البنية؛ إذ لولا القول الّلساني الصّادرمن الآمر لبقي الأمر غائبًا في الخارطة الذّهنيّة، غير أنّ محوريّة الآمر في إنتاجيّة الخطاب، لا تقتضي أنّه العنصر الأوحد، بل هو مضطر إلى شركاء يقاسمونه تشكيل بنية الأمر التّداوليّة.

هناك فرق بين الاستفهامين الأوّل والثّاني، ذلك أنّ الأول استفسار عن إمكانيّة أمر المتكلّم نفسه بإيجاد فعل، وبمعنى آخر هو سؤال افتراضيّ. في حين أنّ السؤال الثّالث يتّجه في منحى مغاير، حيث ينتظم في إطار مسألة كلاميّة شكّلت منعرجًا خطيرًا في القضايا العقديّة، وتلك ما اصطلح عليها بمسألة الحسن والقبيح. إنّ أبا الحسين أفاد في الجواب الأوّل أنّ العقل يقتضي إمكانيّة أمر المتكلّم لنفسه، لكن الجواز لا يمنح الأحسنية، فالاستفهام الثالث لا يقدح في الأول، وإنّما هو بحث أسلوبيّ، يتعلّق بنظم الكلام، وطريقة تأديته للمعنى الّذي يتساوق مع الفطرة الّلغوية السّليمة. 

خلال تناول العنصرين السّابقين تتكشف أهميّة المأمور في بلورة الأمروتحقيقه في الخارج. 

المأمور:

  يعتبر المأمور عنصرًا أساسيًّا في بنية الأمر، ذلك أنّه هو الموجّه إليه الأمر من جهة، كما أنّه هو المنفّذ لفعل الأمر. إذًا لا شك أنّ للأمر صورة متوارية عن الأنظار، هي الباعث الحقيقيّ الّذي كلّف الآمر النّطق بصيغة الأمر، ولتتحقّق صورة الأمر على الواقع نجد الحاجة ماسّة إلى وجود المنفذ للصورة الخفية التي تتطلّبها صيغة الأمر. من هنا انبثق الدّور المحوريّ للمأمور. 

إنّ المأمور له جزء كبير في إيجاد مفهوم الأمر، فإذا كانت صيغة الأمر قول لسانيّ أوجده الآمر، فإنّ المتوجَّه إليه بالخطاب الّذي تعنيه صيغة الأمر، هو يسعى إلى تحقيق الأمر لجعله واقعيًا تبصره العين.

ويتميّز الصّابر في القرآن بكونه الفاعل الحقيقيّ لفعل الصّبر، فلا مجال للفعل المجازيّ هنا؛ لأنّ النّداء بالصّبر في القرآن، مقصود به إنجاز فعل الصّبر لتحقيق أمر جليل له أثر في حياة الصّابر.

وفي عنصر المأمور تتجلّى خاصيّة الإرادة؛ إذ من خلالها يكون بوسع المأمور إنتاجيّة الفعل، وإنّما طلبت الإرادة ليتميّز بعض الأفعال عن بعض لـــ” أنّ إرادة المأمور به، لو لم تكن معتبرة في الأمر، لصحّ الأمر بالماضي، والواجب، والممتنع، قياسًا على الخبر”(69). فالإرادة، هي الّتي جعلت الأمر مصطلحًا قائمًا بذاته،

 له شروطه وأركانه، فينماز عن غيره من المصطلحات؛ لذا جعلت علامة للأمر وسمة خاصة به. إنّ المعنى الّذي قصد بصيغة الأمر لا يعدو إرادة المأمور؛ لأنّ” صيغة (افعل) دالّة بالوضع على معنى، وذلك المعنى هو إرادة المأمور”(70).

وبما أنّ الصّبر مشقّة، وجهد للنّفس لم يأمر الله به إلا وفي علمه أنّ المأمور لا يستحيل عليه القيام به، لــ”أنّ الله عزّ وجل لم يعن بالأمر من يعلم أنه يمنع من الفعل”(71). لأجل ذا نرى القرآن يحثّ على الصّبر في مواضع متنوّعة، ويذكر الصّابرين بالقيمة النّفعية، الّتي تعقب حبس النّفس على الشّيء أو عنه، وفي تلك المواقف كان التّخلّق بصفة الصّبر أمرًا ممكنًا للمأمورين.

هكذا يبدو التّفاعل بين عناصر الأمر؛ ليتمخّض من بنيتها الّلسانية والمعنويّة مفهوم خاصّ؛ فتصبح حقيقة جوهريّة تحتفظ بمكانتها بين مصاف العلوم ومصطلحاتها.ذلك أن الأمر في حقيقته هو صيغة، وآمر، ومأمور، فــ”الْأَمر يدل على إِرَادَة الْآمر للْمَأْمُور بِهِ “(72).

إنّ أفق التّلقي لدى المخاطب حاضر في العملية التّواصليّة، ذلك أنّ المتكلم وهو يرسل رسالته أوّل شيء يستحضره هو المرسل؛ لأنّه المعنيّ الأول بالرسالة. بيد أنّ المتلقي قد يكون أفقه ضيقًا في خطاب الأمر، ـــ حيث يبدو الأمر مغايرًا  للخطابات الأخرى ـــ، ذلك أنّه يجد ذاته منزعجة من تنفيذ الأوامر، فليس له سبيل إلى صرف الأمر إلى وجهة تتواءم مع التّصورات، بل لا منجى من إنجاز الأمر حسب ما يريده المتكلّم المرسل. وليس انزعاج وخفض الحريّة التّواصليّة خاصّ بخطاب الأمر، بل يشاركه بعض الخطابات الّتي يرى فيها المتكلّم نفسه في عاجه السّلطوي، حيث يمارس السّلطة المطلقة على متلقي الخطاب، كالنّهي.   

من خلال هذه المكوّنات الثّلاث، يكون بوسعنا تصور شامل لحقيقة خطاب الأمر، تصور رائده تحليل العناصر، وتفكيك شفرات العلائق الرّمزية والمحتملة.

المبحث الرّابع: تمثيلات خطاب الصّبر(من الخطاب إلى الفعل)

 ليست دلالة الأمر حبيسة الخطاب المرسل من الآمر إلى المأمور، بل تتجاوز حدوده إلى الفعل الذي هو أثر الخطاب على أرضيّة الواقع. إنّ الفعل إذًا هو إنجاز أمر بغية رضى الآمر، وقد أكّد ذلك أبو الحسين حينما قال:” فإنّه لما كَان الْأَمر هو بعث من آمر لمأمور على إِيقاع فعل فِي زمان، وجب أَن ننظر في فائدَته في هذه الأشْياء كلّها، فننظر فِي فائدَته في الْفعل الَّذي هو بعث عليه وفيما يتبع ذلك الفعل”(73).

لقد تكرّر أمر خطاب الصّبر في القرآن بأساليب كثيرة، وصيغ متعدّدة، وما الكثرة إلا لمحة دالة على مكانة الصّبر، حيث نلقى في الخطاب القرآنيّ الدّعوة الصّريحة إلى التّمسك بالصّبر، كما نقف على المثوبة الّتي تنتظر الصّابرين، سواء كانت دنيويّة أو أخرويّة.   

إنّ التّمعن في آيات الصّبر يكشف عن وجود عيّنات من المخاطِبين مختلفي الرّتبة، ويمكن الاصطلاح على تصنيف الخطاب إلى: خطاب رب العالمين، حيث يكون الله هو الآمر بالصّبر، وخطاب عاديّ صادر من إنسان إلى من هو مساوٍ له في خاصيّة البشريّة، ثم إنّ كل نوع تحته عينات مختفلة من المتلقّين. ولمزيد من التّوضيح، نذكر أمثلة قرآنيّة تدعم التّصنيف المقترح.

  • أوّلًا: الخطاب الإلهيّ

تشير التّسمية إلى استئثار الله  بالأمر بالصّبر، حيث يأمر الله خلقه بالتّمسك بعرى الصّبر، وهنا نجد الخطاب تتعدّد وجهته، فتارة يتوجّه إلى شخص بعينه، وأخرى يكون الخطاب عامًّا لجمع من المخاطَبين، وقد تعاور أمر المخاطبين سمتان:

  • أمر حقيقيّ يطلب تحصيله                  ب. لفظ أمر يقصد به التّهديد

وانطلاقًا من التّصينف السّابق يكون من المناسب ذكر الأمثلة الآتية:

  1. خطاب الواحد، والمقصود هنا النّبي- صلى الله وسلم -، لقد ورد أمر النّبي بالصّبر سبع عشرة مرة، خمس عشرة منها بصيغة (اصبر)، واثنتين بصيغة (اصطبر). ومنه قوله تعالى:﴿ فَاصْبِر كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ ۚ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ ۚ بَلَاغٌ ۚ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُون﴾. سورة الأحقاف، آية 35
  2. 2. خطاب عامّ لجميع المؤمنين، “وهذا الأسلوب ذكر مرّتين، فمنه قوله :﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾. سورة آل عمران، آية 200
  3. 3. خطاب للمنكرين، وقد خرج الأمرعلى سبيل التّهديد والتّخويف، وذلك في مثال واحد، حيث قال القدير: ﴿اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ ۖ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾. سورة الطّور، آية 16
  • ثانيًا: الخطاب الإنسانيّ

وفي هذا النّمط يكون الآمر فيه مساويًا للمأمور في الصّفة البشرية، رغم اختلافه عنه في بعض الأوصاف والألقاب، والنّاظر في هذا الّلون من الخطاب، يلحظ تفاوتًا بين درجات الآمرين والخطاب فيه كالآتي: 

  1. 1. خطاب صادرمن نبيّ إلى قومه، حيث يحضّهم على الصّبر، ويبيّن لهم خصاله، وذلك في قوله تعالى: ﴿ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا ۖ إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِين﴾. سورة الأعراف، آية 128
  2. 2. خطاب صادر من مساوٍ للمأمور في المنزلة، وذلك في نحو قوله تعالى:﴿وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَىٰ آلِهَتِكُمْ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ﴾. سورة ص، آية 6
  3. 3. خطاب من أب إلى ابنه، وفي هذا الصّدد نرى عطف الأبوّة ورقتها حاضرة في الأمر بالثبات عند المصائب وتصرفات الزمن، وذلك في قوله تعالى:﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾. سورة لقمان، آية 17

المبحث الخامس: آيات الصبر(تحليل الأسلوب ورمزيّة الدّلالة)

تنوّعت السّياقات التي ورد فيها خطاب الأمر بالصّبر، وسنحاول تصوّر المفهوم، وطرق تمثيلات القرآن له؛ إذ يرد – أحيانًا- مقترنًا بأسلوب النّهي، وفي أحايين أخرى يرد مقترنًا بأسلوب التّأكيد، وربّما ورد بأساليب أخرى سنتعرضها في العرض الآتي. 

أوّلًا: اقتران الصّبر بأسلوب النّهي 

لقد ذكر أسلوب النّهي بعد خطاب الأمر بالصّبر في آيات متعدّدة، نذكر منها آيتين:

  1. قال تعالى:﴿ واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾. سورة الكهف، آية 28

مزجت الآية في بنيتها التّركيبية جملة من العناصر النّحوية، ففيها الأسماء والأفعال، والظّروف، والأدوات، فجميع هذه العناصر دالّ على أهمية الخطاب المقامي؛ لذا حثت الآية على ضرورة صبر النّفس على الحق رغم ما تتلقاه من الأذى، لقد قال الله لنبيه، لا تلتفت يامحمد عن أصحابك يمنة ولا يسرة، فهم أخلّاؤك الذين آمنوا بك، وصدقوا بما جئت به، فلتواسهم على محنهم، ولتصبر على رثاثة حالهم، ومسكنتهم، ولا تذهب عينك إلى مجالسة الأقوياء الجبابرة طمعًا في إرشادهم، فلتتركم وغيهم، فعما قريب سينصرك الله، ويعزّ أصحابك الضّعفاء، ويمكّنك رقاب أعدائك الألداء.

نلحظ في الآية عدول بديع، حيث ذكر الله النّفس بدل القلب” لأنّ قلبه كان مع الحقّ، فأمره بصحته جهرًا بجهر، واستخلص قلبه لنفسه سرّا بسرّ”(74)، وإنّما خصّ الغداة والعشيّ لأنّهما ” كِناية عَن الزَّمَان الدَّائِم وَلَا يُرَاد بِهِما خُصُوص زَمَانِهِمَا”(75).

وهناك ملمح أسلوبيّ بديع، يكمن في التّعاقبات الإعرابيّة، حيث نجد أنّ ما كان حقه النصب عدل به إلى الرّفع بغية شدّ الانتباه، وخلق صبغة إبداعيّة تشكل لوحة فنيّة تضيف حركية على النّص. فالجوّ النّحوي كان يقضي بوجود ولا تعد عينينك ” وإنّما عدل إلى الرفع؛ لأنّه أراد صاحب العينين فهو من المجاز”(76). وبما أنّ النّبي (صلى الله عليه وسلم) كان في بداية أمره مفردًا لا أحد يعضده ويشدّ أزره في المعركة التي يخوضها مع صناديد الكفار، حيث نجد خطاب الأمر يتوجّه إليه بصيغة ضمير الواحد، في حين أنّ خطاب الصّبر إذا انصرف إلى غيره ذكر الضمير مجموعًا، وذلك في نحو قوله: “اصبروا وصابروا“.

 فلقد صبر النّبي ثلاث عشرة سنة على العزلة التي لقي من عشيرته الأقربين، فتحمّل أذاهم بنفس محتسبة لا تعرف الانكسار، ولا الهزيمة، وبعد تجرّع غصص الصّبر نجد دعوة المصطفى تجوب القارّات، فلم يكن  أهل مدر ولا وبر إلا دخل عليهم خبر محمد ودين محمد. 

قال تعالى: ﴿ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُوم ﴾. سورة القلم، آية 48.

إنّ السّياق الذي ورد فيه أمر الصّبر هنا سياق له شأن عظيم، ذلك أنّه ذكر قبله حال عناد المشركين الذين يتربصون بدعوة النّبي، ويكيدون لها أخطر المكائد ليغوضوا نورها، فتبقى لهم الكلمة، فهناك سلسلة من الاستفهامات سبقت الأمر بالصبر، فلم يكن المراد الاستفهام الحقيقي، بل تهديد وتخويف، فلا تلفت يامحمد إلى مزاعم قومك، وأباطيلهم، فهم صمّ عن الحق، ولئلّا تضجر نفسه من تمادي المشركين في غيّهم، فيسأم من دعوتهم، أمره الله بتحمّل الأذى ومكابدته؛ لتطمئن نفسه على ما قدر الله. 

فما عليك يامحمد غير الصّبر وتثبيت الجأش، فأنت مرسل من الله، وسينصرك ويعلي كلمتك في الوقت الذي شاء، وهوعليم خبير، ذكر له حال أحد الأنبياء الذين جاؤوا قبله، وكيف عامله قومه، وهذا النّبي هو  يونس- عليه السلام-، وبعد الأمر بالصّبر ذكر الله لنبيه موقفًا حصل لأحد الرّسل، ليأخذ العبرة ممن سبقه، فلا تسلك الطريق التي سلك صاحب الحوت في تصرفه إزاء ما صدر منه تجاه تكذيب قومه دعوته، بل عليك الصّبر، وتحمل المشاق.

وإنّما نهى النّبي عن الاقتداء بيونس في تخلّيه عن قومه عندما أعرضوا عن دعوته؛ مخافة أن تصيرعاقبته إلى مثل ما صار إليه يونس وقت ركوبه البحر(77).

ثم ألمح الله  له إلى نعمه وألطافه بيونس، فلولا رحمته واختياره له لهلك في اليمّ، فلتأخذ يامحمد العبرة من مرسل مثلك، ففي ذلك دافع على تحمّل المشاق؛ لأنّ الله هو متول أمرك وناصر دعوتك، بمشيئته وقدرته.

وفي تعدية فعل الصبر باللام” فَاصْبِرْ لِحُكْمِ مزيد اختصاص وتمليك؛  فالحكم لله لا يشاركه غيره؛ لذا على الإنسان أن يسلّم لأمر ربه وقضائه، ولمّا كان للصّبر مدى ينتهى إليه أمر الله نبيه محمدًا قائلًا : “واصبر حتّى يحكم الله وهو خير الحاكمين” فللصّبر”منتهى، هو حكم اللهْ وإنّ الله تعالى ناصر الحق وهو الهادي المرشد”(78).

  • ثانيًا: الصّبروأسلوب الأمر 

 قال تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾. سورة آل عمران، آية 200

تحيل بنية الضمائر النّحوية المسندة إلى أفعال الأمر في “اصبروا وصابروا” إلى الذّين آمنوا؛ لتبثّ في قلوبهم الطّمأنية، فالنّداء صادر من الله لعباده بأن احبسوا أنفسكم وجاهدوا، ثمّ إنّ البنية النّصية تجمع في آن واحد جملة من الأوامر، الصبر والمصابرة والمرابطة، والتقوى ثم ختمت  بذكر العاقبة التي هي الفوز والفلاح.  ففي الأية أسلوب فريد دالّ على جمالية النّسق القرآني، ذلك أنّ الأمر في الآية بدأ بالتّدريج، حيث تناول الأخصّ، ثم أتبعه بالخاص، وبعبارة أدق بدأ بالأدنى (صبر النّفس)، ثم انتقل منه إلى مغالبة العدو ومصابرته، وإنّما عدل إلى هذا الأسلوب؛ لأنّه أنجع في تحريك المشاعر، فمن وطّد نفسه على المحاسبة، وهيّأها دونما حاجة تدعو إلى ذلك، كانت أقدر على المغالبة لدى الحاجة،  فيسهل عليها تجرّع غصص المكاره. وهذا قد لا تستجيب النّفس معه لو دعيت بغتة إلى المجالدة، ومرارة الصّبر، فالصبر معيار كونيّ ميّز الله به الإنسان عن غيره من سائر المخلوقات، وحث على الالتزام به أوقات المشقّة، وهو ما أكّده المتنبّي بقوله:

                 لولا مشّقة ساد النّاس كلهم                الجود يفقر والإقدام قتال 

فبالصبر تدرك الآمال، وتتحقق المعجزات، ولنا معاشر المسلمين أسوة حسنة في الاقتداء بنبي الهدى محمد، فقد ضرب أروع الأمثلة في الصّبر والتّضحية، فأثمرت جهوده أمة شهد التّاريخ بعظمتها. 

  • ثالثًا: الصّبر وأسلوب التّأكيد بــ”إنّ”

ورد هذا النّسق سبع مرات، وهنا سنكتفي بدراسة أنموذج واحد من خلاله نستشف حقيقة الأسلوب، وما يضفي على خطاب الصبر، وذلك فيي نحو قوله تعالى: ﴿ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُون﴾. سورة الرّوم، آية 60

تبيّن هذه الآية جانبًا مهما في خطاب الأمر بالصّبر، حيث وجه النّبي هنا إلى التّمسك بالصّبر لتثبيت قلبه؛ لئلا تهن قوته أمام استكبار المعاندين ومحادّتهم لدين الإسلام وأهله، فدين الله حق، ونصره قريب، ولن يزيد الكفّار فسوقهم إلا ثبورًا ووهنًا.

واستشرافًا لمزيّة الصّبر وما يترتّب عليه من العواقب الّتي تثلج الصدر، وتنسي كل مكروه، تضافرت البشائر على النّبيّ(صلى الله عليه وسلم) مفصحة عن غدٍ مشرق، تعلو فيه كلمة دين نبيّ الحقّ، وتتضمحلّ فيه قوى الباطل المعتم، الذي غطّى أفئدة قريش عن الدّخول في الدّين، قال الله مؤكّدًا لنبيّه صدق وعده (فاصبر إنّ وعد الله حقّ). 

لقد أردف الصّبر بأسلوب التّأكيد الدالّ على أهمية المؤكّد في النفوس، ذلك أنّ الخطاب المؤكّد ينشر الأمل بعد  اليأس؛ إذ يعطي شحنة دلاليّة للأسلوب، حيث تكون القلوب مطمئنة للخطاب، حالمة بتجسيده (إن وعد الله حق)، أي لا تبال بما يقوله المشركون، فنصر دينك عهد تكفل الله بإنجازه، ولا إخلاف لما عهد الله به.

 وفي سياق هذه التّأكيدات، نهاه الله قائلًا: “وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُون“. قال الزمخشري :”ولا يحملنّك على الخفّة والقلق جزعًا ممّا يقولون ويفعلون فإنّهم قوم شاكون”(79)، إنّ النّهي الذي أتبع الصبر هو أمر في مضامينه؛ لأنّ النّهي عن فعل ما، هو طلب لإنجاز فعل مواز للفعل المخالف لما نهي عنه.

  يستنتج من البنية النّحويّة للآيات أدوات عدّة دالّة على التأكيد هي: 

    أ. إنّ.                ب. الجملة الاسميّة.           ج. نون التّوكيد الدّالّة على استقباليّة الفعل.

فقد اختيرت عناصر الجملة من ألفاظ تبرز فيها خاصيّة التّأكيد، فالأداة (إنّ)، والجملة الاسميّة بعدها، أسلوبان مشعران بأهميّة الخطاب لدى المتكلّم، حيث يسعى من خلالهما إلى حثّ المتلقّي وشدّ انتباهه، ومن ثم إزالة الشّكوك الّتي قد تنسرب إلى فكره تلقاء تصوّره لبعض المفاهيم؛ لذا كان استعمال المؤكّدات(80) دفعًا لتلك الشّبهات، ينضاف إلى المؤكّدين السّابقين اختيار لفظي (الوعد، والحق)؛ ليكونا طرفيّ الإسناد الجملي.

إنّ ذكر الوعد له قوّة رمزيّة تبعث الأمل في النفس، وتمنحها بعدًا زمنيًا يتحقق فيه المطلوب، كما أنّ إضافة الوعد إلى الذّات العلية هو إنجاز قطعيّ، فالله هو الّذي أوجد الكون من عدم، ومتصرّف فيه تصرفًا مطلقًا يفعل ما يشاء لمصلحة هو أعلم بها، ثمّ خصّص الله (الوعد بالحق)، تأكيدًا لتحصيله ووقوعه، فلا تستعجل يامحمد النّصر، وتحمّل مشاق الصّبرواثقًا بنصر مؤزّر، وفتح قريب من لدن ربك الذي اختارك لرسالته. ولا تتربّصك خفّة على إثر ما يقوله الكافرون، فهم عن الحق مبعدون، لا تنفعهم عظة، ولا تزجرهم زاجرة.

لقد ورد خطاب الصّبر بعض الأحايين بصيغة (اصطبر)، وهنا نلمس فرقًا جوهريًا بين الفعل الثّلاثي (صبر)، والفعل الخماسيّ (اصطبر)، حيث يتضمّن الثّاني مزيد تأكيد واختصاص ذلك أنّ (الاصطبار) “أَقْوَى دَلَالَةً مِنَ الصَّبْرِ، أَيِ اصْبِرْ صَبْرًا لَا يَعْتَرِيهِ مَلَلٌ وَلَا ضَجَرٌ”(81). فزيادة حروف في البنية المعجمية يضيف مزايا أسلوبيّة وفنيّة، ينشطر عنها جمال يلقي بظلاله على السّياق التّركيبي الّذي ترد فيها المفاهيم.

  • الخاتمة: 

تبيّن لنا من خلال العرض أنّ مفهوم الصّبر تتعاوره دلالتان: لغويّة، واصطلاحيّة تداوليّة، فالصبر ـــ في اللغة ـــ  تكتنفه معان متنوّعة في الموسوعة الّلسانية، وهذه المعاني تتفاوت درجاتها في الاستعمال التّداولي؛ إذ منها ما  تنشطر عنه علاقة حميمية تشي بتلازم بين المعنى الأول، والمعنى الثّاني الذي استقر عليه المفهوم العلميّ للصبر، بيد أنّ بعض المعاني أخذ منحىً تداوليًا، جعل بينه وبين المعنى الاصطلاحي فجوة لا نلمس من خلالها علاقة جوهريّة بين المعنيين، خلا الاشتقاق الصّرفي للمادّة الخام. 

لقد نقل القرآن لنا جملة مما كان يحصل بين محمد(صلى الله عليه وسلم) وقومه من المنافرات، وما يصدر عن العرب من أذية وتسفيه له ولدينه، ونظرًا لما يحدثه الأذى في النفوس من ضعف العزيمة كان الله مع النّبي في كل لحظة  يأمره أن يتخذ الصّبر مفتاحًا لدى كلّ المواقف الصعبة التي يمر بها. لذا كان الصّبر رائدًا لشحذ العزيمة، وتخطي العقبات، وليعلم الصّابر أنّ حكم الله هو الصّراط المستقيم الذي اقتضت حكمته سبحانه أن يفصل بعدله بين الحقّ والباطل، فيظهر الحق وضّاء لا مرية فيه،  ويضمحل الباطل ويتلاشى.  

إنّ النّص القرآنيّ يحضّ على استفراغ القوى في التّخلق بصفة الصّبر والدّأب عليه في كل  مواطن الحياة، وبخاصة  الصّبر على أن تكون كلمة الله هي العليا في الأرض. وانطلاقًا من أهمية  الصّبر نجد ربنا عزّت قدرته يأمر النّبي بخطاب الأمر بالصّبر فكلّما آذاه قومه، وأشاروا إليه بأيدي التّهم جاء الخطاب من الله داعيًا إلى مزيد من  الصبر على موعوده، فإذا أظهر لك  المشركون العناد والبغي في الأرض، فلا تتحسر نفسك عليهم، فهم في غيبهم تائهون، لكن عليك بالصّبر، وإمهالهم لعلّ الله يحدث رأفة في قلوبهم فيكونوا من طائفتك الّتي تعزّ دين الله وتنشره في أصقاع الأرض.


  • الهوامش:

(1) السّبكيّ: بهاء الدّين(ت773ه)، عروس الأفراح في شرح تلخيص المِفتاح، تحقيق: خليل إبراهيم خليل، دار الكتب العلميّة، بيروت – لبنان، طبعة جديدة مراجعة ومصحّحة، (د. ت)، 1/ 58.

(2) اعتمدت في جمع هذه المادّة العلميّة على: محمّد فؤاد عبد الباقي، المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، دار الفكر، بيروت –لبنان، (د. ط)، (د. ت)، ص 399-400.

(3) ابن جنّي: عثمان بن جنّي(ت 392هـ)، الخصائص، بتحقيق: محمّد عليّ النّجار، المكتبة العلميّة، (د. ب)، (د. ط)، 

(د. ت)، 1/ 17.

(4) انظر: سرحان: هيثم، تمثيلات القتل في النّصّ القرآني: بحث في خطاب الأمر. مجلّة الدراسات القرآنيّة، بريطانيا- أدنبرة، العدد2، السنة 2008، المجلّد 10، ص 203. 

(5) انظر: بخولة، ابن الدين، دلالة اللفظ بين المعجم والسّياق، مجلّة جامعة ابن رشد، هولندا، العدد 8، السنة 2013، ص66.

 (6) انظر: هيثم سرحان، ص 202. [بحث سابق] 

(7) الرّمانيّ: علي بن عيسى (ت 386هــ)، الحدود في النّحو ضمن كتاب “رسائل في النّحو واللغة”، تحقيق: مصطفى جواد، ويوسف مسكوني، دار الجمهوريّة، بغداد – العراق، (د. ط)، 1969، ص 42.

(8) الجرجانيّ: الشّريف عليّ بن محمّد(ت 816ه)، معجم التعريفات” قاموس لمصطلحات وتعريفات في علم الفقه واللغة والفلسفة والمنطق والتّصوّف والعروض”، تحقيق ودراسة: محمّد المنشاوي، دار الفضيلة، القاهرة – مصر، (د. ط)، (د. ت)، ص22.

(9) الحلبي: أحمد بن يوسف (ت 756ه)، عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ “معجم لغويّ لألفاظ القرآن”، تحقيق: محمد باسل عيون السّود، دار الكتب العلميّة، بيروت – لبنان، (د. ط)، (د. ت)، 2/ 316.

(10) ابن منظور: جمال الدّين محمّد بن مكرم (ت 711ه)، لسان العرب، دار الحديث، القاهرة – مصر، (د. ط)، 1423ه/ 2003، 5/ 267.

(11) ابن القيّم الجوزيّة: محمّد بن أبي بكر بن أيّوب(ت 751ه)، الرّوح، حققه: محمّد الإصلاحي، وخرج أحاديثه: كمال قالمي، دار عالم الفوائد، (د. ب)، (د. ط)، (د. ت)، 1/ 676. 

(12) الجرجاني: معجم التّعريفات، 112.

(13) عمر، أحمد مختار، معجم اللغة العربيّة المعاصر، عالم الكتب، القاهرة – مصر، ط1، 2008، 1/ 1263.

(14) المناوي: عبد الرؤوف محمد تاج بن عليّ (ت 1031ه)، التّوقيف على مهمات التّعاريف، حققه وعلّق عليه: جلال الأسيوطي، (د. ن)، (د. ب)، (د. ط)، (د. ت)، ص 282.

(15) انظر: الفهري، عبد القادر، المعجم العربيّ ” نماذج تحليليّة جديدة”، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء – المغرب، ط2، ص 202.[ بحث سابق ]1999، ص 46-48، وهيثم سرحان 

(16) الخفاجي: عبد الله بن محمد بن سعيد بن سنان، (ت 466ه)، سرّ الفصاحة، قدّم له واعتنى به ووضع حواشيه: إبراهيم شمس الدين، كتاب ناشرون، بيروت – لبنان، (د. ط)، (د. ت)، ص 157.

، ص 201.[ بحث سابق ](17) هيثم سرحان

(18) القيرواني: الحسن ين رشيق (ت 456ه)، العمدة في محاسن الشّعر وآدابه، تحقيق: محمّد عطا، دار الكتب العلميّة، بيروت – لبنان، (د. ط)، (د. ت)، 1/ 267.

(19) وردت في الأصل: الغير.

(20) السّكاكي: يوسف بن محمّد بن علي (ت 626ه)، مِفتاح العلوم، دار الكتب العلميّة، بيروت – لبنان، (د. ط)، 1971، ص 468.

(21) عثمان، رياض، المصطلح النحوي وأصل الدلالة (دراسة إيستمولوجية تأصيلية لتسميات المصطلحات النحوية من خلال الزّمخشري)، تقديم: حسن حمزة، (د. ن)، (د. ب)، (د. ط)، (د. ت)، ص 74.

(22) الخفاجي: سرّ الفصاحة،  154.

(23) السيوطي: جلال الدّين عبد الرحمن (ت 911ه)، المزهر في علوم اللغة وأنواعها، ضبطه وصححه ووضع حواشيه: فؤاد علي منصور، دار الكتب العلميّة، بيروت – لبنان، (د. ط)، (د. ت)، 1/ 287. 

(24) الخطابي: حمد بن محمّد (ت 388ه)، معالم السّنن: شرح سنن أبي داود”، خرّج آياته ورقّم كتبه: عبد السلام عبد الشافي، دار الكتب العلميّة، بيروت – لبنان، (د. ط)، (د. ت)، 3/ 41.

(25) العينيين: ماء(ت 1376ه)، متعة الأنظار في شرح مسرح الأفكار بسيرة النبي المختار، تأليف: جعفر أبو القاسم العزاوي، دار الكتب العلمية، (د. ب)، (د. ط)، (د. ت)، 3/ 82.

(26) العينيّ: بدر الدين (ت855ه)، عمدة القاري” شرح صحيح البخاري”، ضبطه وصححه : عبدالله محمود عمر، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، ط1، 1421ه/ 2001، 14/ 401.

(27) القيرواني: العمدة في محاسن الشّعر وآدابه، 1/ 267.

(28) ابن منظور: لسان العرب، مادّة: (ص ب ر). 

(29) الفراهيدي: الخليل بن أحمد(ت 170ه)، كتاب العين “مرتًّا على حروف المعجم”، ترتيب وتحقيق: عبد الحميد هنداوي، درا الكتب العلميّة، بيروت – لبنان، ط1، 1424ه/ 2003، مادّة: (ص ب ر). 

(30) المرجع السّابق، مادّة: (ص ب ر).

(31) الدّارمي: عبدالله بن عبد الرحمن(ت 255ه)، سنن الدّارمي، خرّج آياته: محمّد الخالدي، دار الكتب العلميّة، بيروت – لبنان، (د. ط)، (د. ت)، 2/ 71.  

(32) الفراهيدي: العين، مادّة: (ص ب ر).

(33) ابن سيده: عليّ بن إسماعيل (ت 458ه)، المحكم والمحيط الأعظم، تحقيق: عبد الحميد هنداوي، دار الكتب العلميّة، بيروت – لبنان، ط1، 1421ه/ 2000، 8/ 313. 

(34) المرجع السّابق، مادّة: (ص ب ر).

(35) الخطابي: حمد بن محمد بن إبراهيم (ت 388ه)، غريب الحديث، تحقيق: عبد الكريم العزباوي، خرّج أحاديثه: عبد القيوم عبد رب النّبيّ، جامعة أمّ القرى، مكة المكرّمة- السّعوديّة، (د.ط)، 1422ه/ 2001، 2/ 137.

(36) ابن منظور: لسان العرب، مادّة: (ص ب ر).

(37) إبراهيم أنيس، وعبد الحليم منتصر، وعطية الصوالحي، ومحمد أحمد، المعجم الوسيط، أشرف على الطّبع: حسن عطية، ومحمد أمين، مجمع اللغة العربية، مصر، ط1، 1972، 1/ 506. 

(38) أحمد مختار عمر: معجم الّلغة العربيّة المعاصر، مادّة: (ص ب ر).

(39) المرجع السّابق، مادّة: (ص ب ر).

(40) المرجع السّابق، مادّة: (ص ب ر).

(41) ابن منظور: لسان العرب، مادّة: (ص ب ر).

(42) سورة الطّور، آية 48. 

(43) الزّين، جمانة فاضل، الصّبر في القرآن الكريم وأساليبه، (د. ن)، (د. ب)، (د. ط)، (د. ت)، ص 22.

(44) المرجع السّابق، ص 22.

(45) الجاحظ: عمرو بن بحر(ت 250ه)، الحيوان، وضع حواشيه: محمد عيون السّود، دار الكتب العلميّة، بيروت – لبنان، 

(د. ط)، (د. ت)، 6/ 25. هامش رقم (2).

(46) ابن منظور: لسان العرب، مادّة: (ص ب ر).

(47) المرجع السّابق، مادّة: (ص ب ر).

(48) المرجع السّابق، مادّة: (ص ب ر).

(49) الغزالي: محمّد بن محمّد(ت 505ه)، المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى، ضبطه وخرّج آياته: أحمد قبّاني، دار الكتب العلميّة، بيروت – لبنان، (د. ط)، (د. ت)، ص 185.

(50) العسكري: الحسن بن عبد الله بن سهل(ت395ه)، كتاب جمهرة الأمثال، ضبطه وكتب هوامشه ونسقه: أحمد عبد السّلام، وخرج أحاديثه: محمّد زغلول، دار الكتب العلميّة، بيروت – لبنان، (د. ط)، (د. ت)، 1/ 484.

هيثم سرحان ، ص 199.[ بحث سابق ](51) 

(52) المراغي، أحمد، علوم البلاغة ” البيان والمعاني والبديع”، دار الكتب العلميّة، بيروت – لبنان، (د. ط)، (د. ت)، ص61.

(53) انظر: عكّاوي، إنعام، المعجم المفصّل في علوم البلاغة ” البديع والبان والمعاني”، دار الكتب العلميّة، بيروت – لبنان،

 (د. ط)، (د. ت)، ص 278.

(54) ينظر مثلًا: الفرق الإسلاميّة الكلاميّة، وتفسير أبي علي الجبائي، وشرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبّار.

(55) السّيرافي: الحسن بن عبد الله (ت 368ه)، شرح كتاب سيبويه، تحقيق: أحمد مهدليّ، وعلي علي، دار الكتب العلميّة، بيروت – لبنان، (د. ط)، (د. ت)، 1/ 18.

(56) انظر: عتيق، عبد العزيز، في البلاغة العربية”علم المعاني”، دار النهضة العربية، بيروت –لبنان، ط1، 2009، ص 74-75، العسّاف: تمام، دلالة الأمر المطلق. مجلّة دراسات “علوم الشريعة والقانون”، الجامعة الأردنيّة، العدد2، السنة 2013، المجلّد 40، ص 688. 

(57) ابن اللحام: عليّ بن محمّد بن عبّاس(ت 803ه)، المختصر في أصول الفقه، (د. ن)، (د. ب)، (د. ط)، (د. ت)، ص48.

(58) الحنفي: محمد بن علي(ت 885ه)، مرقاة الوصول إلى علم الأصول في أصول الفقه، اعتنى به وعلّق حواشيه: إلياس قبلان، دار الكتب العلميّة، بيروت – لبنان، (د. ط)، (د. ت)، ص 28.

(59) الزركشي: بدرالدين محمد بن بهادر(ت 794ه)، البحر المحيط في أصول الفقه، قام بتحريره: عمر الأشقر، وزارة الشّؤون الإسلاميّة، الكويت، ط2، 1992، 2/ 352.

(60) هناك صيغ  فرعية تدرج في خطاب الأمر منها: اسم الفعل، والمصدر النائب عن الفعل، المضارع المقرون بلام الأمر.

انظر: عتيق، عبد العزيز، في البلاغة العربية”علم المعاني، ص75-77. 

(61) الديب، عبد العظيم، فقه إمام الحرمين عبد الملك الجويني (خصائصه – أثره – منزلته)، دار الوفاء، المنصورة – مصر، ط2، 1988،  يذكر الغزالي أن صيغة الأمر إذا تجرد من القرائن احتملت معاني جمة أوصلها إلى خمسة عشر معنى. انظر: الغزالي: محمّد بن محمّد(ت 505ه)، المستصفى من علم الأصول ومعه ” فواتح كتاب الرحموت”، تقديم وضبط وتعليق: إبراهيم رمضان، دار الأرقم، بيروت – لبنان، 1/ 204.

(62) ابن يعيش: يعيش بن علي بن يعيش موفق الدين(ت643ه)، شرح المفصّل، دار الكتب العلميّة، بيروت – لبنان، ط1، 2001، 5/ 167.

(63) ابن مفلح: شمس الدين(ت763ه)،أصول الفقه، حققه وعلق عليه وقدم له: فهد السّدحان، مكتبة العبيكان، (د. ب)، ط1، 1999، 2/ 652.

(64) البصري: محمد بن عليّ بن الطّيّب (ت 1044ه)، المعتمد في أصول الفقه، قدّم له وضبطه: خليل الميس،، دار الكتب العلميّة، بيروت – لبنان، (د. ط)، (د. ت)، 1/ 136.

(65) المرجع السّابق، 1/ 137.

(66) المرجع السابق، 1/ 137. 

(67) الشيرازي: إبراهيم بن عليّ (ت 476ه)، التبصرة في أصول الفقه على مذهب الإمام أبي علي عبد الله محمد بن إدريس الشّافعيّ، تحقيق: محمد إسماعيل، دار الكتب العلميّة، بيروت – لبنان، (د. ط)، (د. ت)، ص 42.

(68) البصريّ: المعتمد في أصول الفقه 1/ 137. 

(69) القرافي: شهاب الدين أحمد بن إدريس(ت 684 ه)، نفائس الأصول في شرح المحصول، دراسة وتحقيق: عادل أحمد عبد الموجود، وعلي محمد معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، (د. ب)، ط1، 1995، 3/1136.

(70) القرافي: نفائس الأصول في شرح المحصول 3/ 1136.

(71) البصري: المعتمد في أصول الفقه 1/ 139.

(72) المرجع السّابق 1/ 98.

(73) المرجع السّابق 1 37.

(74) القشيريّ: عبد الكريم بن هوازن (ت 465ه)، تفسير القشيري المسمى لطائف الإشارات، وضع حواشيه وعلق عليه: عبد اللطيف حسن عبد الرحمن، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، 2/ 217.

(75) الأندلسي: أثير الدّين محمد بن يوسف بن عليّ (745ه)، البحر المحيط في التّفسير، إشراف: مكتب البحوث والدّراسات، دار الفكر، بيروت – لبنان، (د. ط)، 2005، 4/521.

(76) الدّرويش، محيي الدّين، إعراب القرآن وبيانه، دار اليمامة، بيروت – لبنان، ودار ابن كثير، بيروت – لبنان، ط7، 1999، 15/ 475.

(77) قيل إنّ يونس عليه السّلام لما يئس من إيمان قومه ضجر منهم، فذهب مغاضبًا؛ لذا قيل للنّبيّ:” لا تكن مثله في العجلة والضّجر والغضب على قومه، فكان من أمره ما كان من ركوبه في البحر والتقام الحوت له وشروده به في البحار وظلمات اليمّ”.

طنطاوي: محمّد سيّد (ت 2010ه)، التفسير الوسيط، دار نهضة مصر، الفجالة – القاهرة، ط1، (د. ت)، 10/ 1544.

(78) أبو زهرة: محمد بن أحمد بن مصطفى (ت 1394ه)، زهرة التفاسير، تحقيق: أبو إبراهين حسانين، دار الفكر العربيّ، (د. ب)، (د. ط)، (د. ت)، 7/ 3648. 

(79) الزّمخشريّ: محمود بن عمر(ت 538ه)، الكشّاف عن حقائق غوامض التّنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، تحقيق وتعليق ودراسة: عادل الموجود، وعليّ معوّض، مكتبة العبيكان، الرّياض – السعوديّة، ط1، 1998، 4/ 589.

(80) جاء السّياق القرآنيّ ليسجّل بالحوار فعلهم حتّى يجسّد الصّورة وكأنّها حاضرة أمام العين مع وجود مؤكّدات بيانيّة على قوّة الموضوع وجدّيته، متمثّلة بأدوات ثلاث. فحين يقتضي المقام تأكيد الكلام، يؤكّد بما يناسبه، فقد يؤكّد بمؤكّد واحدٍ، أو مؤكّدين أو ثلاثة. فالتّأكيد فيه لا يتأتى سدىً.

(81) ابن عاشور: محمد الطاهر بن محمّد (ت 1393ه)، التحرير والتنوير: تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد”، الدار التونسيّة للنشر، تونس، (د. ط)، 1984، 27/ 200.

  • المصادر والمراجع:
  1. إبراهيم أنيس، وعبد الحليم منتصر، وعطية الصوالحي، ومحمد أحمد، المعجم الوسيط، أشرف على الطّبع: حسن عطية، ومحمد أمين، مجمع اللغة العربية، مصر، ط1، 1972. 
  2. أحمد مختار عمر: معجم الّلغة العربيّة المعاصر، مادّة: (ص ب ر).
  3. محمّد فؤاد عبد الباقي، المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، دار الفكر، بيروت –لبنان، (د. ط)، (د. ت).
  4. الأندلسي: أثير الدّين محمد بن يوسف بن عليّ (745ه)، البحر المحيط في التّفسير، إشراف: مكتب البحوث والدّراسات، دار الفكر، بيروت – لبنان، (د. ط)، 2005.
  5. بخولة، ابن الدين، دلالة اللفظ بين المعجم والسّياق، مجلّة جامعة ابن رشد، هولندا، العدد 8، السنة 2013.
  6. البصري: محمد بن عليّ بن الطّيّب (ت 1044ه)، المعتمد في أصول الفقه، قدّم له وضبطه: خليل الميس،، دار الكتب العلميّة، بيروت – لبنان، (د. ط)، (د. ت).
  7. الجاحظ: عمرو بن بحر(ت 250ه)، الحيوان، وضع حواشيه: محمد عيون السّود، دار الكتب العلميّة، بيروت – لبنان.
  8. الجرجانيّ: الشّريف عليّ بن محمّد(ت 816ه)، معجم التعريفات” قاموس لمصطلحات وتعريفات في علم الفقه واللغة والفلسفة والمنطق والتّصوّف والعروض”، تحقيق ودراسة: محمّد المنشاوي، دار الفضيلة، القاهرة – مصر، (د. ط)، (د. ت).
  9. ابن جنّي: عثمان بن جنّي(ت 392هـ)، الخصائص، بتحقيق: محمّد عليّ النّجار، المكتبة العلميّة، (د. ب)، (د. ط)، 
  10. الحلبي: أحمد بن يوسف (ت 756ه)، عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ “معجم لغويّ لألفاظ القرآن”، تحقيق: محمد باسل عيون السّود، دار الكتب العلميّة، بيروت – لبنان، (د. ط)، (د. ت).
  11. الحنفي: محمد بن علي(ت 885ه)، مرقاة الوصول إلى علم الأصول في أصول الفقه، اعتنى به وعلّق حواشيه: إلياس قبلان، دار الكتب العلميّة، بيروت – لبنان، (د. ط)، (د. ت).
  12. الخطابي: حمد بن محمّد (ت 388ه)، معالم السّنن: شرح سنن أبي داود”، خرّج آياته ورقّم كتبه: عبد السلام عبد الشافي، دار الكتب العلميّة، بيروت – لبنان، (د. ط)، (د. ت).
  13. الخطابي: حمد بن محمد بن إبراهيم (ت 388ه)، غريب الحديث، تحقيق: عبد الكريم العزباوي، خرّج أحاديثه: عبد القيوم عبد رب النّبيّ، جامعة أمّ القرى، مكة المكرّمة- السّعوديّة، (د.ط)، 1422ه/ 2001.
  14. الخفاجي: عبد الله بن محمد بن سعيد بن سنان، (ت 466ه)، سرّ الفصاحة، قدّم له واعتنى به ووضع حواشيه: إبراهيم شمس الدين، كتاب ناشرون، بيروت – لبنان، (د. ط)، (د. ت).
  15. الدّارمي: عبدالله بن عبد الرحمن(ت 255ه)، سنن الدّارمي، خرّج آياته: محمّد الخالدي، دار الكتب العلميّة، بيروت – لبنان، (د. ط)، (د. ت).  
  16. الدّرويش، محيي الدّين، إعراب القرآن وبيانه، دار اليمامة، بيروت – لبنان، ودار ابن كثير، بيروت – لبنان، ط7، 1999.
  17. الديب، عبد العظيم، فقه إمام الحرمين عبد الملك الجويني (خصائصه – أثره – منزلته)، دار الوفاء، المنصورة – مصر، ط2، 1988.
  18. الرّمانيّ: علي بن عيسى (ت 386هــ)، الحدود في النّحو ضمن كتاب “رسائل في النّحو واللغة”، تحقيق: مصطفى جواد، ويوسف مسكوني، دار الجمهوريّة، بغداد – العراق، (د. ط)، 1969.
  19. الزركشي: بدرالدين محمد بن بهادر(ت 794ه)، البحر المحيط في أصول الفقه، قام بتحريره: عمر الأشقر، وزارة الشّؤون الإسلاميّة، الكويت، ط2، 1992.
  20. الزّمخشريّ: محمود بن عمر(ت 538ه)، الكشّاف عن حقائق غوامض التّنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، تحقيق وتعليق ودراسة: عادل الموجود، وعليّ معوّض، مكتبة العبيكان، الرّياض – السعوديّة، ط1، 1998.
  21. أبوزهرة: محمد بن أحمد بن مصطفى (ت 1394ه)، زهرة التفاسير، تحقيق: أبو إبراهين حسانين، دار الفكر العربيّ، (د. ب)، (د. ط)، (د. ت). 
  22. الزّين، جمانة فاضل، الصّبر في القرآن الكريم وأساليبه، (د. ن)، (د. ب)، (د. ط)، (د. ت).
  23. السّبكيّ: بهاء الدّين(ت773ه)، عروس الأفراح في شرح تلخيص المِفتاح، تحقيق: خليل إبراهيم خليل، دار الكتب العلميّة، بيروت – لبنان، طبعة جديدة مراجعة ومصحّحة، (د. ت).
  24. سرحان: هيثم، تمثيلات القتل في النّصّ القرآني: بحث في خطاب الأمر. مجلّة الدراسات القرآنيّة، بريطانيا- أدنبرة، العدد2، السنة 2008، المجلّد 10. 
  25. السّكاكي: يوسف بن محمّد بن علي (ت 626ه)، مِفتاح العلوم، دار الكتب العلميّة، بيروت – لبنان، (د. ط)، 1971.
  26. ابن سيده: عليّ بن إسماعيل (ت 458ه)، المحكم والمحيط الأعظم، تحقيق: عبد الحميد هنداوي، دار الكتب العلميّة، بيروت – لبنان، ط1، 1421ه/ 2000. 
  27. السّيرافي: الحسن بن عبد الله (ت 368ه)، شرح كتاب سيبويه، تحقيق: أحمد مهدليّ، وعلي علي، دار الكتب العلميّة، بيروت – لبنان، (د. ط)، (د. ت).
  28. السيوطي: جلال الدّين عبد الرحمن (ت 911ه)، المزهر في علوم اللغة وأنواعها، ضبطه وصححه ووضع حواشيه: فؤاد علي منصور، دار الكتب العلميّة، بيروت – لبنان، (د. ط)، (د. ت). 
  29. الشيرازي: إبراهيم بن عليّ (ت 476ه)، التبصرة في أصول الفقه على مذهب الإمام أبي علي عبد الله محمد بن إدريس الشّافعيّ، تحقيق: محمد إسماعيل، دار الكتب العلميّة، بيروت – لبنان، (د. ط)، (د. ت).
  30. طنطاوي: محمّد سيّد (ت 2010ه)، التفسير الوسيط، دار نهضة مصر، الفجالة – القاهرة، ط1، (د. ت).
  31. ابن عاشور: محمد الطاهر بن محمّد (ت 1393ه)، التحرير والتنوير: تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد”، الدار التونسيّة للنشر، تونس، (د. ط)، 1984.
  32. عتيق، عبد العزيز، في البلاغة العربية”علم المعاني”، دار النهضة العربية، بيروت –لبنان، ط1، 2009.
  33. عثمان، رياض، المصطلح النحوي وأصل الدلالة (دراسة إيستمولوجية تأصيلية لتسميات المصطلحات النحوية من خلال الزّمخشري)، تقديم: حسن حمزة، (د. ن)، (د. ب)، (د. ط)، (د. ت).
  34. العسّاف: تمام، دلالة الأمر المطلق. مجلّة دراسات “علوم الشريعة والقانون”، الجامعة الأردنيّة، العدد2، السنة 2013، المجلّد 40. 
  35. العسكري: الحسن بن عبد الله بن سهل(ت395ه)، كتاب جمهرة الأمثال، ضبطه وكتب هوامشه ونسقه: أحمد عبد السّلام، وخرج أحاديثه: محمّد زغلول، دار الكتب العلميّة، بيروت – لبنان، (د. ط)، (د. ت).
  36. عكّاوي، إنعام، المعجم المفصّل في علوم البلاغة ” البديع والبان والمعاني”، دار الكتب العلميّة، بيروت – لبنان،
  37. عمر، أحمد مختار، معجم اللغة العربيّة المعاصر، عالم الكتب، القاهرة – مصر، ط1، 2008.
  38. العينيّ: بدر الدين (ت855ه)، عمدة القاري” شرح صحيح البخاري”، ضبطه وصححه : عبدالله محمود عمر، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، ط1، 1421ه/ 2001.
  39. العينيين: ماء(ت 1376ه)، متعة الأنظار في شرح مسرح الأفكار بسيرة النبي المختار، تأليف: جعفر أبو القاسم العزاوي، دار الكتب العلمية، (د. ب)، (د. ط)، (د. ت).
  40. الغزالي: محمّد بن محمّد(ت 505ه)، المستصفى من علم الأصول ومعه ” فواتح كتاب الرحموت”، تقديم وضبط وتعليق: إبراهيم رمضان، دار الأرقم، بيروت – لبنان.
  41. الغزالي: محمّد بن محمّد(ت 505ه)، المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى، ضبطه وخرّج آياته: أحمد قبّاني، دار الكتب العلميّة، بيروت – لبنان، (د. ط)، (د. ت).
  42. الفراهيدي: الخليل بن أحمد(ت 170ه)، كتاب العين “مرتًّا على حروف المعجم”، ترتيب وتحقيق: عبد الحميد هنداوي، درا الكتب العلميّة، بيروت – لبنان، ط1، 1424ه/ 2003، مادّة: (ص ب ر). 
  43. الفهري، عبد القادر، المعجم العربيّ ” نماذج تحليليّة جديدة”، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء – المغرب، ط2.
  44. القرافي: شهاب الدين أحمد بن إدريس(ت 684 ه)، نفائس الأصول في شرح المحصول، دراسة وتحقيق: عادل أحمد عبد الموجود، وعلي محمد معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، (د. ب)، ط1، 1995.
  45. القشيريّ: عبد الكريم بن هوازن (ت 465ه)، تفسير القشيري المسمى لطائف الإشارات، وضع حواشيه وعلق عليه: عبد اللطيف حسن عبد الرحمن، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان.
  46. القيرواني: الحسن ين رشيق (ت 456ه)، العمدة في محاسن الشّعر وآدابه، تحقيق: محمّد عطا، دار الكتب العلميّة، بيروت – لبنان، (د. ط)، (د. ت).
  47. ابن القيّم الجوزيّة: محمّد بن أبي بكر بن أيّوب(ت 751ه)، الرّوح، حققه: محمّد الإصلاحي، وخرج أحاديثه: كمال قالمي، دار عالم الفوائد، (د. ب)، (د. ط)، (د. ت). 
  48. ابن اللحام: عليّ بن محمّد بن عبّاس(ت 803ه)، المختصر في أصول الفقه، (د. ن)، (د. ب)، (د. ط)، (د. ت).
  49. المراغي، أحمد، علوم البلاغة ” البيان والمعاني والبديع”، دار الكتب العلميّة، بيروت – لبنان، (د. ط)، (د. ت).
  50. ابن مفلح: شمس الدين(ت763ه)، أصول الفقه، حققه وعلق عليه وقدم له: فهد السّدحان، مكتبة العبيكان، (د. ب)، ط1، 1999.
  51. المناوي: عبد الرؤوف محمد تاج بن عليّ (ت 1031ه)، التّوقيف على مهمات التّعاريف، حققه وعلّق عليه: جلال الأسيوطي، (د. ن)، (د. ب)، (د. ط)، (د. ت).
  52. ابن منظور: جمال الدّين محمّد بن مكرم (ت 711ه)، لسان العرب، دار الحديث، القاهرة – مصر، (د. ط)، 1423ه/ 2003.
  53. ابن يعيش: يعيش بن علي بن يعيش موفق الدين(ت643ه)، شرح المفصّل، دار الكتب العلميّة، بيروت – لبنان، ط1، 2001.

إعداد الباحثان:

د. نهلة زهدي إبراهيم الشّلبي

أستاذة مساعدة في اللغة والنّحو

د. التار ولد عبدالله

أستاذ مساعد في الشّريعة والقانون

جامعة العين / الإمارات- أبو ظبي

كليّة التربية والعلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة – قسم إعداد معلم اللغة العربيّة والتّربية الإسلاميّة

بالعربيّة

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى