دراسات إسلاميةكتب ومؤلفات مفقودة

تفسير ابن مردويه: المنهج والأثر في علوم التفسير

يُعد تفسير ابن مردويه للأصبهاني (المتوفى سنة 410هـ) من الأعمال التفسيرية البارزة في التراث الإسلامي. اشتهر بتنوع رواياته المرفوعة وكثرة الطرق التي اعتمدها لنقل الأحاديث المتعلقة بالآيات القرآنية، ما أكسب تفسيره مكانةً فريدة بين المفسرين.

ومع ذلك، بقي هذا العمل مفقودًا، ولم يُعرف إلا من خلال رواياته الموزعة في كتب التفسير الأخرى. تهدف هذه المقالة إلى استعراض منهج ابن مردويه في التفسير، وتسليط الضوء على أثره الإيجابي والسلبي في مجال علوم التفسير.

  • منهج ابن مردويه في التفسير

اعتمد ابن مردويه على منهج متميز في تفسيره، يمكن تلخيصه في النقاط التالية:

  1. العناية بالتفسير المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: ركز على تفسير القرآن بالسنة، حيث ملأ تفسيره بالروايات المرفوعة إلى النبي، ناقلًا الحديث بطرقه المختلفة. تميز تفسيره بكثرة الأحاديث المتعلقة بآيات الأحكام وفضائل الآيات.
  2. عدم الالتزام بصحة الروايات: لم يشترط ابن مردويه الصحة فيما يرويه، مما أدى إلى إدراج العديد من الأحاديث الغريبة والضعيفة، وأحيانًا الموضوعة.
  3. قلة الاعتماد على أقوال الصحابة والتابعين: قلة الروايات المنقولة عن السلف في تفسيره تعود إلى تركيزه الكبير على الأحاديث المرفوعة.
  4. عنايته بذكر أسباب النزول والقراءات: أبرز الروايات المتعلقة بأسباب نزول الآيات، وركز على ذكر القراءات القرآنية المختلفة.
  5. قلة الإسرائيليات: على الرغم من أن الإسرائيليات كانت شائعة في التفاسير الأخرى، إلا أن ابن مردويه تجنبها إلى حد كبير بسبب اهتمامه بالروايات المرفوعة.

أبرز الملاحظات على تفسير ابن مردويه

  1. الإكثار من الأحاديث الغريبة: نُقد عليه إيراده لعدد كبير من الأحاديث التي لا تصح، وهو ما ذكره ابن كثير في مواضع مختلفة من تفسيره.
  2. قلة الاستفادة من أقوال السلف: عاب عليه المفسرون إهماله أقوال الصحابة والتابعين في تفسير الآيات.
  3. إيراد الروايات غير المتعلقة بالتفسير: أضاف العديد من الأحاديث الوعظية والفضائل التي لا ترتبط مباشرة بتفسير الآيات.

ثناء العلماء على تفسير ابن مردويه

بالرغم من النقد الذي وُجّه لتفسيره، حظي ابن مردويه بتقدير كبير من قبل علماء التفسير. فقد أشاد ابن كثير بمنهجه في تتبع طرق الأحاديث المتعلقة بالآيات، خاصة في تفسير آيات الأحكام.

على سبيل المثال، أشار ابن كثير إلى اجتهاده في رواية حديث تفسير السبيل في قوله تعالى: ِوَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [سورة آل عمران: 97]، بأن السبيل هو الزاد والراحلة.

كما ذكر السيوطي والشوكاني رواياته باستفاضة، وأشاروا إلى القيمة الكبيرة لجهده في جمع الروايات المتعلقة بالآيات القرآنية.

  • جمع روايات ابن مردويه في التفسير

رغم فقدان تفسير ابن مردويه، فقد بذل الباحثون جهودًا لاستعادة رواياته من كتب التفسير الأخرى. ومن أهم الأعمال التي جمعت مروياته:

  1. رسائل جامعية:
    • “مرويات ابن مردويه في التفسير من سورة الفاتحة إلى آخر سورة المائدة”، إعداد شريف جبريل (الجامعة الإسلامية، 1414هـ/1993م).
    • “مرويات ابن مردويه في التفسير من سورة الأنعام إلى آخر سورة النحل”، إعداد أحمد نجيب بن عبد الله (الجامعة الإسلامية، 1414هـ/1993م).
    • “مرويات ابن مردويه في التفسير من سورة الإسراء إلى آخر سورة فاطر”، إعداد عبد المجيد الشيخ عبد الباري (الجامعة الإسلامية، 1414هـ/1993م).
  2. دراسات أكاديمية:
    • بحث بعنوان: “ابن مردويه ومنهجه في التفسير”، للباحث محمد الخضيري، نُشر في مجلة الدراسات القرآنية (عدد 3).

يبقى تفسير ابن مردويه للأصبهاني شاهدًا على أحد المناهج المتميزة في تفسير القرآن الكريم. ورغم النقد الذي وُجه إليه بسبب كثرة الروايات غير الصحيحة، إلا أن جهوده في جمع الأحاديث المرفوعة وإبراز طرقها المختلفة تُعد إضافةً مهمة لتراث التفسير الإسلامي.

إن البحث في تفسيره وجمع رواياته يمثلان خطوة ضرورية لفهم أعمق لمنهجه وتأثيره على المفسرين الذين جاءوا بعده.

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى