البداية والنهاية، هو عمل موسوعي تاريخي ضخم ألَّفه المؤرخ والمفسر الكبير ابن كثير إسماعيل بن عمر الدمشقي (المتوفى سنة 774هـ). يُعَدّ الكتاب واحدا من أبرز المراجع التاريخية الإسلامية التي تناولت مسيرة البشرية منذ بدء الخلق وحتى يوم القيامة، وهو مؤسَّس على معتقدات ورؤية الديانة الإسلامية، ويُقدَّر مكانه كمرجع موسوعي شامل في التاريخ، السيرة، والقصص القرآني.
- موضوع الكتاب وأسلوبه
يعرض الكتاب التاريخ منذ لحظة خلق السماوات والأرض والملائكة وخلق آدم عليه السلام، ثم ينتقل إلى قصص الأنبياء بإيجاز، قبل أن يُفصّل في الأحداث التاريخية بدءا من مبعث النبي محمد ﷺ وحتى سنة 768هـ، معتمدا أسلوب التبويب السنوي.
ويفتتح كل عام بصيغة: «ثم دخلت سنة…»، ثم يسرد أبرز أحداث تلك السنة، متبوعا بذكر وفيات الأعيان والعلماء وغيرهم من الشخصيات البارزة.
أما الجزء الأخير من الكتاب، فيتناول علامات الساعة، وأشراطها، والملاحم الكبرى، وصولا إلى مشاهد يوم القيامة، وما يليه من البعث والنشور والجنة والنار.
- شهادة المؤلف عن كتابه
يقول ابن كثير في مقدمة مؤلفه:
«فهذا الكتاب أذكر فيه بعون الله وحسن توفيقه ما يسره الله تعالى بحوله وقوته من ذكر مبدأ المخلوقات: من خلق العرش والكرسي والسماوات، والأرضين …، وقصص النبيين … ، حتى تنتهي النبوة إلى أيام نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه. ثم نذكر ما بعد ذلك إلى زماننا، ونذكر الفتن والملاحم وأشراط الساعة، ثم البعث والنشور وأهوال القيامة… وما ورد في ذلك من الكتاب والسنة والآثار والأخبار المنقولة المقبولة عند العلماء وورثة الأنبياء».
وهذا النص يُبيّن المنهجية الدقيقة التي اعتمدها ابن كثير، إذ أسّس كتابه على القرآن الكريم والسنة النبوية، واستند أحيانا إلى الأخبار والآثار التاريخية، دون اعتماد مطلق على الإسرائيليات إلا بما لا يتعارض مع العقيدة.
- مقدمة الكتاب:
افتتح ابن كثير مؤلفه بحمد الله والثناء عليه، وبيان صفاته العليا الدالة على عظمته وأزليته، ثم تناول قصة الخلق الأول للعرش والكرسي والسماوات والأرض، وما تخللها من إبداع إلهي في الخلق والتقدير. ثم انتقل إلى قصة خلق آدم وحواء، وإهباطهما إلى الأرض، وبدء تعمير البشرية لها، وما تبع ذلك من إرسال الرسل وإنزال الكتب السماوية هداية للبشرية، حتى ختمت الرسالات ببعثة النبي محمد ﷺ.
المقدمة جاءت بأسلوب عقدي وعلمي يجمع بين بلاغة اللغة، وغزارة العلم، وتوثيق الرواية، لتكون مدخلا موسوعيا شاملا للقارئ.
بنية الكتاب وأجزاؤه:
يتكوّن الكتاب من واحد وعشرين جزءا، رتّبها ابن كثير بعناية لتغطي مختلف المراحل التاريخية والموضوعات العقائدية:
- الجزء الأول: من بدء الخلق إلى قصة ذي الكفل.
- الجزء الثاني: ذكر أمم أهلكوا بالعذاب – مثل أصحاب الأيكة.
- الجزء الثالث: من قصة لقمان حتى بدء السيرة النبوية.
- الجزء الرابع: بدء الوحي – إلى السنة الأولى للهجرة.
- الجزء الخامس: من السنة الثانية للهجرة حتى السنة الرابعة.
- الجزء السادس: من السنة الخامسة إلى السنة الثامنة للهجرة.
- الجزء السابع: من السنة الثامنة إلى السنة العاشرة للهجرة.
- الجزء الثامن: السنة الحادية عشرة – شمائل النبي ﷺ ودلائل نبوته.
- الجزء التاسع: من السنة الحادية عشرة إلى السنة الخامسة عشرة للهجرة.
- الجزء العاشر: من السنة السادسة عشرة إلى السنة الأربعين للهجرة.
- الجزء الحادي عشر: من السنة الأربعين إلى الخامسة والستين للهجرة.
- الجزء الثاني عشر: من السنة السادسة والستين إلى السنة 102هـ.
- الجزء الثالث عشر: من 103هـ إلى 191هـ.
- الجزء الرابع عشر: من 191هـ إلى 310هـ.
- الجزء الخامس عشر: من 311هـ إلى 456هـ.
- الجزء السادس عشر: من 456هـ إلى 605هـ.
- الجزء السابع عشر: من 606هـ إلى 700هـ.
- الجزء الثامن عشر: من 701هـ إلى 768هـ.
- الجزء التاسع عشر: الفتن والملاحم، خبر الأبلة، علامات الساعة، ويوم القيامة.
- الجزء العشرون: مشاهد العرض على الله تعالى، وأهوال المحشر.
- الجزء الحادي والعشرون: فهارس شاملة (الأحاديث القدسية، الأعلام، البلدان، المياه…).
القيمة العلمية للكتاب:
يُعَدّ البداية والنهاية بحق مرجعا موسوعيا واسع النطاق، جمع بين التاريخ الإسلامي والقصص القرآني والعقيدة وأشراط الساعة. وقد أصبح مرجعا أصيلا يعتمد عليه العلماء والباحثون في دراسة:
- السيرة النبوية.
- تواريخ الدول الإسلامية.
- تراجم الأعلام والوفيات.
- دراسة الفتن والملاحم وأحاديث آخر الزمان.
ويمتاز الكتاب أيضا بصرامة منهجية ابن كثير في نقد الأخبار، والتفريق بين الصحيح والضعيف، والاعتماد الأساس على الوحيين الشريفين (القرآن والسنة).
- خلاصة
إن البداية والنهاية ليس مجرد كتاب تاريخ، بل هو موسوعة جامعة بين التاريخ والعقيدة، وبين العلم والوعظ، وبين التوثيق والنقد. إنه مرآة صادقة لروح الحضارة الإسلامية في نظرتها إلى الكون والإنسان والحياة والمصير. ولا يزال هذا المرجع الخالد حاضرا في مكتبات العالم الإسلامي والغربي، وموضع دراسة عميقة لدى الباحثين في التاريخ الإسلامي والدراسات الدينية.
