في نقد طرابيشي لـ”علم الرجال”
“فعلمُ الرجال ليس علماً بالرجال وبتصنيفهم إلى ثقات أو ضعفاء أو كذابين بما هم كذلك، بل هو بمعنى من المعاني علم إسقاطي: فهو ينسبهم إلى الصدق أو الكذب ليس تبعاً لصدقهم أو كذبهم في ما يروونه من روايات، بل تبعاً لمطابقة مضمون هذه الروايات أو عدم مطابقتها للمذهب الذي ينتمي إليه مصنف طبقاتهم. وتبعاً لدرجات هذه المطابقة، تطلق عليهم صفات (ثقات) أو(ضعفاء) أو (وضَاعين).
فإذا كان مصنف الرجال من أهل السنة، فإنه سيرمي كل من قد يروي حديثا في الانتصار لعلي دون أبي بكر أو عمر بأنه (شيعي) أو (كوفي) وضّاع. وإذا كان المصنف إياه من أتباع أهل البيت، فإنه سيرمي بالتهمة نفسها كل من يروي حديثا في الانتصار لأبي بكر أو عمر أو معاوية.
وتسري هذه القاعدة نفسها على كل من يُستشم في حديثه انتماؤه إلى (أهل الأهواء) من معتزلة ومرجئة وخوارج. بل قد يمتد مفعول هذه القاعدة إلى المنتمين إلى المذاهب الفقهية الأخرى غير ذاك الذي ينتمي إليه مصنف الرجال، كما رأينا مثال ذلك في تكذيب الجوزقاني الشافعي المنزع لأصحاب أبي حنيفة، والعكس بالعكس.
وبكلمة واحدة، إن علم الرجال هو مثال ناجز لعلم إيديولوجي بقدر ما يصحّ تعريف الإيديولوجيا بأنها وعي غير مطابق لواقعه.”
- جورج طرابيشي / من كتاب: من إسلام القرآن إلى إسلام الحديث: النشأة المستأنفة.
إليك هذه الكتب المختارة لطرابيشي: