الدراسات الأدبية

مبدأ “العُدول الحِجاجي” في الخطاب القرآني

 

ارتبط مفهوم العدول Écart[1] في حقل الأسلوبية؛ بمقولة الجمال و”أدبية النثر”، وقد تجاذبت المفهوم  في اللغة عربية عدة ترجمات، فمن مقابلاته نجد؛ الانزياح، التجاوز، الانحراف، خرق السنن، اللحن، الانتهاك، الاختلال ..الكسر. وقد تذبذب الباحثون في استعمالهم للمصطلح بين هذه الترجمات العديدة، فمثلا نجد د.المسدي يستعمل في تقديمه لكتاب ريفاتير (محاولات في الأسلوبية الهيكلية) مصطلح “التجاوز” للدلالة عل مفهوم العدول، رغم أنه  استعمل قَبلا مصطلح “الانزياح” في كتابه الأول (الأسلوب والأسلوبية). أما في قاموس اللسانيات فإنه  يترجم الكلمة بـ”العدول”، بينما يضع مفهوم الانزياح في مصطلحٍ مركب هوdecalage semantique، ويقصدُ به  “الانزياح الدلالي”.  في حين نجد البعض الآخر يُؤْثر استعمال  مصطلح “العدول” على اعتبار أنه أحسن وأكثر تعبيرا عن المصطلح الفرنسي، وقد اعتمده كلٌّ من “تمام حسّان” و”حمادي صمود” و”عبد الله صولة” وآخرين .

 نجدنا نميل أكثر لتعريف مصطلح “العدول Ecart” بالإبدال والاختيار  أو الانزياح بحسب اصطلاح “علم الأسلوبية”، التي خصته بتعريفات كثيرة ومختلفة من بينها: “.. ما يُحدثه المنشئ بكلامِه من خرقٍ لسنن اللغة”، وهو لا يختلف كثيرا عن مصطلح الاختيار الذي يتبناه اللسانيون خاصة، من قبيل: “ما يُنشئه المتكلِّم بأن يختار تباعاً عناصر كلامِه من المواد الجدولية المتاحة له في كل نقطة من نقاط خطابه”. وسنسعى في هذه الورقة إلى إثبات  أن مفهوم العدول الذي نحن بصدده؛ يختلف كثيرا من حيث وظيفتِه في حقل الأسلوبية من مقولة الجمال و”أدبية النثر” إلى مقولة “الحجاجية”، وذلك من خلال تسليط الضوء على الدراسة التي قام بها الدكتور “صولة عبد الله” للكشف عن حجاجية الخطاب القرآني من خلال أهم خصائصه الأسلوبية. 

لقد شكل مفهوم العدول محورَ العملية الحجاجية في الخطاب القرآني، من خلال الدراسة التطبيقية التي قام بها الباحث تحت عنوان: “الحجاج في القرآن من خلال أهم خصائصه الأسلوبية[2]، ويظهر ذلك من خلال اختباره لهذا المفهوم في طيات خصائص النص الأسلوبية؛ للكشف عن الآليات الظاهرة والخفية الباعثة على التأثير والإقناع. فالعدول في نظره وكما اتضح له من خلال دراسته التطبيقية؛ يُعْمَدُ إليه ليس لغاية أن يكون الكلام جميلا وإنما لغاية أن يكون الكلام حجاجيا ومقنعا بوجه من الوجوه.

فكيف استثمر الباحث مفهوم العدول لبيان حجاجية هذه الخصائص؟ وكيف شكل مقياسا لحركتها الحجاجية ؟وما هي حدوده وضوابطه ؟

1- ضوابط العدول الحجاجي في الخطاب القرآني

لقد تتبع الباحثُ الفعل الحجاجي الذي ينتج عن مفهوم العدول في طيات الخصائص الأسلوبية التي ميزت الكلام القرآني، انطلاقا من أبسط  وحدة ممثلة لمُعجمه إلى أعقدها؛ مستدلا على مشروعية تطبيقه لهذه المقاربة الحجاجية على الخطاب القرآني، على اعتبار أنه رسالة  موجهة إلى جمهور كوني يهدف إلى تغيير وضع قائم وإلى التأثير والإقناع، وأن حجاجيته تكمن في خصائصه الأسلوبية المحملة بطاقات حجاجية في حاجة إلى  الكشف والبيان، فأولى بذلك العناية في دراسته لظاهرة الكم والنوع في الحدث الأسلوبي المفضية إلى تغير نوع الكلام من طريقة إلى أخرى .

ومن تم تكون الطريقة المخصوصة في القول أو الحدث الأسلوبي[3] سواء كان نوعيا أو كميا [4] في ظل هذه المقاربة التفاعلية لغاية تخاطبية؛ يسعى  للإقناع ولتوجيه الملفوظ وجهة معينة، حيث ينتقل الكلام بواسطته من طريقة “الإبلاغية L’informativité” إلى طريقة أخرى هي “الحجاجية L’argumentivité”.

فالمتكلم أو الباث عندما يختار التعبير بأسلوب دون آخر لا يكون ذلك اعتباطا أو طلبا للجمالية التعبيرية فحسب، وإنما يكون غرضه الأساس هو توجيه المتلقي نحو الاقتناع وتمهيد السبيل لحصول التأثير، هذا الاقتناع الذي تنصاع له قوى العقل والهوى بكامل إرادتها واختيارها، والذي لا يتأتى إلا بتطبيق مبدأ”العدول”[5] في الكلام؛ وبذلك؛ فإن  الكلام القرآني  لا يعمد إلى العدول إلا ليكون كلاما حواريا قائما على تعدد الأصوات، وما كان ليتصف بهذه الحوارية ذات الدور الحجاجي الكبير؛ لولا قيامُه الجوهري على العدول في جميع مستوياته انطلاقا من المعجم إلى التركيب والصورة.

1-1- العدول على مستوى الكلمة:

يرى الدكتور عبد الله صولة أن الخطاب عندما يَعمَد إلى مبدأ العدول أو الاختيار في  استعمال  البدائل اللغوية ،إنما يرمي إلى إضفاء وقع معنوي خاص وبعد حجاجي أعمق في علاقته بمتلقيه. على أساس أن الكلمة المختارة أعلق بعالم خطابهم وأمضى أثرا فيه بما لها من زوائد معنوية؛ جاءتها من اللغة والاستعمال .فعملية الاختيار هذه تبنى انطلاقا من فعل حركي داخل الخطاب  تقوم فيه الكلمة بإقصاء أختها وتعويضها انطلاقا من خصوصية تميزها عن غيرها وتعزز طاقتها الحجاجية،  وهذه الحركة هي ما سماه الباحث “حركة الكلمة الحجاجية”.

 والمقصود بحركة الكلمة الحجاجية؛ مزاحمتُها غيرَها من الكلمات اللاتي هن من جدولها المعجمي. لكن شاءت لعبة المجاورة بواسطة المجاز المرسل خاصة ،ولعبة المشابهة بواسطة التشبيه والاستعارة؛ أن تجعلاهن جميعا من جدول واحد، فينشأ بينهن تنافس وتدب في صفوفهن حركة من أجل أن تظفر إحداهن بمكان لها في الملفوظ عوضا عن سائرهن تتحقق فيه وتستبد به وتقصيهن عنه. وإنما يساعدها على الظفر بمكان لها في الملفوظ أن المقام يستدعيها أكثر مما يستدعي غيرها ،وأن هدف إقناع المتكلم مخاطبه يقتضيها أكثر مما يقتضي غيرها.[6]

وقد شكلت هذه الحركة  على مستوى اللفظ؛ ظاهرة  أسلوبية بارزة في القرآن. هذه الحركة التي تتم بناءً على خصائص مميزة لهذه  الكلمة إما اقتضائية أو تقويمية أو تداولية، والتي تكون عموما إما بـ:

  • العدول عن “الاسم” إلى الصفة: (تعويض اسم العلم “محمد” بالصفة “النبي” أو “الرسول” أو “الأمي”…).
  •  العدول عن “الصفة” إلى “الصفة “(من الأقل تقويما إلى الأقوى،”الرحمان” بـ “العليم ” أو “القوي” أو “القادر”….)
  •  العدول عن الخاص إلى العام (التعبير عن السبب الخاص بلفظ العام / التعبير بالجمع عن المفرد / العدول عن اسم العلم إلى العنصر الإشاري).

فالعدول على المستوى اللفظي شكلَ النواة التي يدور حولها الحجاج بما يقتضيه السياق القولي والمقامي، والذي تستطيع تحقيقه كلمة دون أخرى لخصوصية ذاتية كامنة فيها، هذه الخصوصية التي تستمدها من رافديْ اللغة والتداول،  والتي تمنحها حركة حجاجية داخل الخطاب ذات قدرة على الإقناع والتأثير.

1-2- العدول على مستوى التركيب

يرى الباحث أن  العدول قد شكل على المستوى التركيبي في الكلام القرآني؛ ظاهرة أسلوبية مميزة له، والتركيب الذي يقصده  هو: (الجملة في ذاتها من ناحية والجملة مع أختها من ناحية أخرى). فالأساليب القرآنية  قد وردت على طريقة مخصوصة في القول تمثل عدولا عن مقياس”متعارف الأوساط”[7] إطنابا وإيجازا حتى تكون مطابقة لمقتضى الحال؛ كما رأى ذلك علماء البلاغة . والذي جعله باحثنا عدولا يتم بطريقة مخصوصة (أ) عن طريقة أخرى (ب) تطبيقا لقانون الأنفع في الخطاب [8] عوض مقياس “متعارف الأوساط” العرفي الذي يرى أن شأنَه شأنُ مقياس “كوهين”[9] معيب ولا يصلح لتحديد بلاغة الخطاب. لأنه قائم على “ترك التحقيق” كما صرح بذلك السكاكي نفسه، على اعتبار منه أن الإيجاز والإطناب مما يمكن أن يوجد في كل خطاب مهما كان منشؤه، بما يمليه ويحتمه مقام الخطاب وخطته وغاياته[10].

وقد قسّم هذا العدول إلى قسمين: عدول نوعي وعدول كمي.

  • أما النوعي؛ فيكون بتغيير نوع الكلام قياسا على معيار معين .
  • وأما الكمي؛ فيكون بتغير كم الكلام بأن تضاف إلى الصورة المعيارية (الجملة المجردة المتكونة من مسند إليه ومسند) [11] التي ضبطها السكاكي ضمنيا؛ عناصرُ لغوية أخرى تؤكد أو تُخصص.

بحيث يمثل الأسلوب في هذه المقاربة؛ فعلا لغويّا “كميّا” و “نوعيا” معا، حين يكون قائما على العدول. و طبيعة هذا العدول كميّة بالأساس، فهو إمّا عدول بالزيادة ويكون ذلك داخل الجملة الواحدة، كما يكون بين الجمل، و إما عدول كمي بالنقصان ويحدث النقصان على صعيد الجملة الواحدة وبين الجمل أيضا. على أن العدول الكمي الذي يسِمُ الحدث الأسلوبي؛ إنما يكون بالقياس إلى الجملة في مظهرها الخبري الابتدائي البسيط، فهده الجملة تُمثل “القاعدة”. وإنما يضاف إليها أو ينقص منها بعض الكلام بفعل المقامات التلفظية والمواقف التفاعلية التي يقفها المتخاطبون بعضهم عن بعض .

ومن تم  يبدو الفعل الأسلوبي لغاية تخاطبية وليس جمالية . فهو للاقتناع و لتوجيه الملفوظ وجهة حجاجية  معينة، فهو إذن عدول كمي مفض إلى عدول نوعي في طبيعة الكلام نفسها من مجرد الإبلاغية إلى الحجاجية.

2- العدول على مستوى الصورة

ينطلق الباحث في تحديده للبعد الحجاجي للصورة (L’image) القرآنية من مفهومها العام عند فيتجنشتاين (Wittgenstin) الذي يحدها  عامة بقوله: “هي أن تشاهد الشيء على هيئة شيء آخر”، وتعريفُها في الكلام عند  الولي محمد[12] الذي يجعلها بتعبيره: “الشيء الملموس معبرا عنه في اللغة”، ليصل إلى  أن المفهوم الذي يتبناه؛ هو تدقيق للتعبير الذي تحدث عنه  الولي.

فتكون بذلك الصورة المراد  بحثها؛ هي ذلك: “التعبير الاستبدالي الذي يقوم فيه “الشيء المشاهد “أو “الملموس” أي الصورة بديلا عن الفكرة أو المعنى أو المفهوم (Concept)، سواء جاء هذا التعبير بالصورة للكشف عن كوامن نفس المتكلم أو لمجرد الإمتاع، أو للتأثير و المحاجّة والإقناع “[13].

ويرى الباحث؛ أن علماءنا العرب القدماء قد استوفوا في دراستهم للصورة القرآنية خاصة؛ والأدبية بشكل عام؛ جميع الجوانب، وكأنه بـ “الكلام في هذا الموضوع؛ قد استنفذ”[14]، فقد كانت لهم آراء مهمة في هذا الموضوع. حتى أنهم درسوا الصورة في علاقتها بالمتلقي وعلاقة المتلقي بها، أي أنهم اهتموا ببعدها الحجاجي من حيث التأثير في الوجدان و إقناع الفكر مما لا يكاد يختلف كثيرا عن حديث علماء الحجاج المحدثين في الغرب. إلا أنه يبقى هناك جانب من الموضوع لم يتطرق إليه بشكل منهجي ومنظم  نظرا لكون  قولهم بتأثير الصورة؛ يظل  قولا عاما ومجملا ومرتبطا بالقدرة على التحسين والتقبيح، فقد حصروا بنية الصورة في مفهوم الاستبدال، وجعلوا للاستبدال وظيفة الاستدلال والتجسيد والتمثيل والتأثير، وهذا في نظره غير كاف لاعتبار الصورة الفنية إجمالا والصورة القرآنية خصوصا، تقنع بالفكرة وتؤدي إلى التسليم بها. فطبيعة هذا التأثير غير معروف علتُها.

ولذلك؛ فالتدقيق في نقطة التأثير هذه، كان واجبا حتى تتحدد كيفية حصوله. ومن تم فهو يرى أن الحجاج بواسطة الصورة، يكون مدارُه  على مادة هذه الصورة من ناحية، وعلى شكلها من ناحية أخرى. إن الصورة القرآنية باستنادها في بناء مادتها على عالم المخاطبين واعتمادها أشكالا تصويرية فنية مختلفة، عدولا عن المفهوم  في  صياغات سواء كانت قائمة على (التشبيه/الاستعارة/الكناية/التمثيل)،قد جمعت بين البعد الجمالي والبعد الحجاجي، بل إنها سخرت الجمالي للإقناع، فهي تترك دائما  في صياغاتها الفنية كلها محلا شاغرا في دورة الكلام،  والذي عليه معقد الحجاج، الذي يكون مطلوبا من المتلقي ملء فراغه واستكشاف كنهه، عن طريق مسار حجاجي موجه نحو نتيجة مستنتجة بواسطة الأداة “إذن”.

فتكون بذلك الصورة القرآنية أكثر حجاجية فيهم، نظرا لقربها منهم وعدم قدرتهم على الاعتراض عليها، لأنها تبني مفاهيمها الجديدة انطلاقا مما هو معروف لديهم ومتداول عندهم.

خلاصة

إن الحديث عن المتغيرات الأسلوبية في ضوء هذه المقاربة التفاعلية؛ أدى إلى الكشف  أن الكلام القرآني كلام مبني على مبدأ العدول الحجاجي أو من أجل الحجاج ،وحجاج يتوسل العدول. فالكلام القرآني  لا يعمد إلى العدول إلا ليكون كلاما حواريا قائما على تعدد الأصوات. وما كان ليتصف بهذه الحوارية ذات الدور الحجاجي الكبير، لولا قيامه الجوهري على العدول في جميع مستوياته، انطلاقا من المعجم وصولا إلى التركيب والصورة، خصوصا بعد أن تبين لنا من خلال ما قدمه الباحث من حجج واستدلالات وبراهين داعمة، تؤكد أن هذه الخصائص التي تميزه  تتحكم فيها غايات حجاجية وليست جمالية،وإن كانت إلى الجمالية بسبيل، والتي  ساهم في إنشائها  اختيارات شخصية للمتكلم، وقع عليها الاختيار عدولا عن الكلام العادي، حتى يقع التنبيه إلى مقصد المتكلم الحجاجي [15]، وكذلك موقفه من المخاطب الذي يسعى إلى حثه على تأويل هذه الخصوصيات الأسلوبية. معتبرا إياها مؤشرات توجيهية نحو معنى دلالي مخصوص قصد التأثير فيه، وحمله على الاقتناع والتسليم بما يطرحه من أفكار وأطروحات.

 ومن تم يمكن القول إن الكلام القرآني:

  • لا يعمد إلى العدول إلا ليكون كلاما حواريا قائما على تعدد الأصوات.
  • أسلوب العدول في القرآن بجميع أنواعه (على مستوى المعجم أو التركيب أوالصورة) وسيلة حجاجية فعالة .
  • وظيفته توجيهية حاملة على الإقناع -أي وظيفة حجاجية  -وليست لغاية جمالية. (أي حصول ما يسمى في العمل الناجم عن القول (L’acte perlocutoire) هو الضامن لتحقق أعمال القرآن اللاقولية أو أعماله التي تتضمنها أقواله (Actes illocutoires)، سواء أكانت هذه الأعمال أولية (Primitifs) مثل الأمر والنهي والطلب وغير ذلك مما هو صريح في لفظه الإنشائي ،أو كانت أعمالا مشتقة) (Dérivés أي إنشاءات مستفادة من السياق ومن المقام من قبيل المفاهيم اللاقولية أو المضمنة في القول .)[16]

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] -.ويس محمد أحمد،الانزياح وتعدد المصطلح،مجلة عالم الفكر،عدد3،مجلد25،مارس1997،ص ص(57-78).

[2] – صولة عبد الله،الحجاج في القرآن من خلال أهم خصائصه الأسلوبية،دار الفارابي،ط 2،سنة2007.

[3] – الحدث الأسلوبي حسب بيرو هو الاستخدام اللغوي المهيمن Bureeu ;Linguistique fonctionnelle…p24.

[4]الحدث الأسلوبي النوعي :يهتم فيه أصحابه بتغير نوع الدلالة في الكلام،من العادي إلى الجميل ومن المعتاد المتداول إلى المخصوص الفردي المعبر عن روح صاحبه .ومن كلام همه الإبلاغ إلى كلام وظيفته الحجاج كما رأينا .

الحدث الأسلوبي الكمي يهتم فيه أصحابه بالكثرة والوفرة في تعداد الظواهر اللغوية وإحصاء تواترها في النص دونما كثير اهتمام في معظم الأحيان بتغير نوع الكلام.

[5] -العدول أو الاختار أو الانزياح كلها مصطلحات تعبر عن نفس المفهوم الذي يراد به الاستبدال أي إحلال كلمة مكان أخرى

[6] -صولة ،الحجاج في القرآن ،ص 169.

يضيف صولة في هذه النقطة التي سماها حركة الكلمة الحجاجية ،أن القدماء سموا ظاهرة الإحلال هذه” تنكيتا “يقول ابن الأصمع: ( هو أن يقصد المتكلم إلى شيء بالذكر دون غيره مما يسد مسده لأجل نكتة في المذكور ترجح مجيئه على سواه)،في حين خصت الأسلوبية المعاصرة هذه الحركة  بمصطلحي “العدول “و”الاختيار”.

[7] – إن “متعارف الاوساط”  استخدم كمقياس حسب السكاكي في تحديد درجات الكلام البليغ الذي سمته  المميزة الاطناب والإيجاز،وهو يعني كلام “الأوساط” أوساط الناس على مجرى متعارفهم في التأدية للمعاني فيما بينهم .وعلى هذا يكون مناط البلاغة عند السكاكي على الإيجاز والإطناب عدولا عن متعارف الأوساط.ويعتبر صولة هذا المقياس غير دقيق لأنه لا يراعي التحقيق لكونه مقياسا عرفيا لا وجود للمساواة فيه. والذي  ارتأى أن يصوغ له مقياسا آخر أكثر دقة -من المقياس السابق -وأقرب إلى الضبط هو الجملة في مظهرها الخبري الابتدائي البسيط المجرد باعتبارها ،من الناحية النحوية ،مفيدة معنى في ذاتها وبصرف النظر عن استخداماتها القولية المختلفة المرتبطة بالمقامات المختلفة لم تتوخ فيها زيادة ولا نقصان بالنسبة إلى صورتها الخبرية الابتدائية المذكورة.فإذا زيدت بتأثير المقام أو لخلق مقام لفظا لإفادة معنى زائد على معناها الأصلي الذي لها في صورتها الخبرية الابتدائية تلك سمي ذلك عندنا عدولا كميا بالزيادة وإذا أنقص منها بفعل المقام أو لصنع مقام أيضا لفائدة معنوية ما سمينا ذلك عدولا كميا بالنقصان.وعلى هذا فالتركيب ،متأثر بالمقام مؤثر فيه أو يرمي إلى التأثير فيه.صولة،الحجاج في القرآن ،ص 240-241-242

[8]– يقول صولة في معرض كتابه في نظرية الحجاج :(“:قانون الأنفع”:هذا المصطلح من وضعنا أسوة بديكرو في حديثه عن قانون النفع أو الجدوى Loi d’utilité بتطبيقه نفهم ما يقال لنا ونحسب دلالة هذا الذي يقال لنا في ضوء المقام )،ص78.

[9]– وضع جون كوهين ( رائد بلاغة الأسلوب أو الشعرية ) مقياسا لتحديد بلاغة الخطاب الشعري ومدار هذا المقياس عنده على الخطاب اليومي والخطاب العلمي العاريين عن المظاهر “البلاغية ” في مستوى الدال والمدلول معا.(لمزيد من التدقيق الرجوع إلى عبد الله صولة ،فكرة العدول في الدراسات الأسلوبية المعاصرة ،مجلة دراسات سيميائية ،العدد1فاس ،خريف 1987 ص ص 73-101.

[10] -صولة،الحجاج في القرآن،ص242.

[11] -الصورة المعيارية عند السكاكي التي تقاس عليها الصورة المخصوصة أي العدول هي الجملة المجردة وقد اشتملت على مسند إليه ومسند،لكن قد يحدث أن يعدل عن هذه الصورة بأن يحذف أحد طرفيها أو بأن تضاف إليهما مؤكدات ومخصصات بحيث يكون مدار البلاغة في نهاية الأمر على الإطناب والإيجاز مراعاة لمقتضى الحال الذي يجري على مقتضى الظاهر كما اعتبرها الكثير من البلاغيين.

[12] -الولي محمد،الصورة الشعرية في الخطاب البلاغي والنقدي،المركز الثقافي العربي،بيروت،الدار البيضاء ،ط 1،1990.

[13] -صولة،الحجاج في القرآن ،ص481.

[14] -نفس المرجع ،نفس الصفحة.

[15] -صولة،في نظرية الحجاج،ص 79.

سميرة مصلوحي

سميرة مصلوحي؛ أستاذة باحثة في اللسانيات التطبيقية، حاصلة على شهادة الدكتوراه في اللسانيات بجامعة محمد الخامس الرباط. نَشرت العديد من الأوراق العلمية في مجلاَّت عِلمية مُحكمة، كما تَنشُر باستمرار في عددٍ من المواقع العربية الإلكترونية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى