الدراسات الثقافية

التنجيم – Astrology

التنجيم (Astrology)؛‏ هو مجموعة من التقاليد، والاعتقادات حول الأوضاع النسبية للأجرام السماوية، والتفاصيل التي يمكن أن توفر معلومات عن الشخصية، والشؤون الإنسانية، وغيرها من الأمور الدنيوية. ويسمى من يعمل فيه بالمنجم ويعتبر العلماء التنجيم من العلوم الزائفة أو الخرافات.


وظهرت العديد من التقاليد والتطبيقات التي تستخدم المفاهيم الفلكية منذ البدايات الأولى للتنجيم خلال الألفية الثالثة قبل الميلاد. ولعب التنجيم دورًا هامًا في تشكيل الثقافة وعلم الفلك الأول، والفيدا، والعديد من التخصصات المختلفة على مر التاريخ.


وفي الواقع، لم يكن من السهل التمييز بين التنجيم وعلم الفلك قبل العصر الحديث، بالإضافة إلى وجود الرغبة للمعرفة التنبؤية، والتي تعد واحدة من العوامل الرئيسية الدافعة للرصد الفلكي، وبدأ علم الفلك يتباعد عن التنجيم بعد فترة من الانفصال التدريجي تبدأ في عصر النهضة وحتى القرن الثامن عشر، وفي النهاية، ميز علم الفلك نفسهِ باعتباره دراسة الأجرام الفلكية والظواهر دون اعتبار للمفاهيم الفلكية لتلك الظواهر.


ويعتقد المنجمون أن تحركات ومواقف الأجرام السماوية تؤثر مباشرة على الحياة فوق كوكب الأرض، أو أنها قد تتطابق مع الأحداث الإنسانية. ويعرف المنجمون المعاصرون مايسمونه بعلم التنجيم بأنه لغة رمزية، أو شكل فني، أو نوع من أنواع التنبؤ بالمستقبل.


وعلى الرغم من اختلاف التعريفات، هناك افتراض سائد بين المنجمين بأن موضع النجوم في السماء قد يساعد في تفسير أحداث الماضي والحاضر، والتنبؤ بأحداث مستقبلية وهو شيء لا يوجد دليل علمي عليه حتى الآن.


التنجيم أو علم النجوم لهُ مرادفات أخرى منها: النجامة والتبريج والتفلك، وأشهرها عند العرب الأحكام النجومية، ويعرف عند الغربيين باسم الأسطرولوجيا، ويصنف كـنوع من العلوم الزائفة، والأسطرولوجيا هي كلمة مكونة من كلمتين: أسطرون وتعني النجم، ولوجس وتعني الخطاب أو العلم، أي خطاب أو حديث النجوم.


والعراف الذي يمتهن هذا العلم يسمى منجماً أو أحكامياً. والأحكام النجومية هي صناعة الإخبار بالحوادث من النظر في الكواكب والحوادث العلوية. وكان العلماء لا يفرقون بين علم الهيئة والأحكام النجومية، فكان المتكلم في حركات النجوم وعلاقاتها بعضها ببعض هو نفسه الذي ينبئ بالحوادث المقبلة من النظر لتلك الحركات، ولم يميز بين هذين العلمين إلا حوالي القرن 18 الميلادي.


وكان حكماء العرب يصنفون علم الهيئة أي علم الفلك في المرتبة الرابعة من العلوم العقلية، وكان من فروعه الأزياج والأحكام النجومية. أما الآن فعلم التنجيم علم مستقل بذاته؛ وإن كان يعتمد على علم الفلك في حساب الهيئة الفلكية إلا أنه يصنف مع العلوم الروحانية وفنون العرافة.


ومهما تعمقنا في التاريخ فإننا نجد بقايا لعلم الأحكام النجومية، فقد عمل به الرومان والإغريق وقدماء المصريين في عهد الفراعنة، ومن قبلهم كانت طائفة الكهان عند البابليين والسومريين يحفظونه وكانت مهمتهم تقتضي مراقبة النجوم وإخبار الملوك بكل ظاهرة غير عادية.


وكان التنبؤ بوقت الكسوف والخسوف كذلك ذا أهمية كبرى. وفي تلك الفترة كان التنجيم يسخر للملوك والكهان أساساً، واستعمل بالخصوص لإدارة شؤون الحاضرة أو الدولة، وخلدت لنا الحضارات القديمة التي شيدت الأنصاب الحجرية ستونهينج في سهل ساليبوري بإنجلترا كشاهد قوي على معرفتها بالتنجيم.


وتعد ستونهينج نوعاً من التقويمات تسجل فيها حركات فصول السنة. وفي أمريكا الجنوبية والوسطى بلغت شعوب الأزتيك والمايا درجة عالية من الدقة في حساب سير الكواكب والنجوم، وكانوا يعتبرونه عملاً ضرورياً لتحديد تواريخ الأعياد والمناسك الدينية،


ورغم التخريب الذي ألحقه المعمرون الأوروبيون بهذه الحضارات، بقيت بعض الآثار من علومها مسجلة في الحجر المعروف بأنصاب الزمن. وفي الصين يبدأ التقويم الصيني القديم في سنة 2637 قبل الميلاد، ولم يكن يتم الجزم في أمر من أمور البلاط الإمبراطوري إلا بعد استشارة النجوم.


غير أن حضارات المايا والأزتيك والصينيين استعملوا أحكاماً نجومية تختلف كثيراً في دلالاتها عن التنجيم الذي نعمل به والذي ترعرع في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط.


ولقد لعب العرب دوراً كبيراً في ازدهار علم التنجيم فهم من أحيى التراث التنجيمي اليوناني ومزجوه بتراث الحضارات الأخرى التي كانت تحت سيادة إمبراطوريتهم خصوصا التنجيم الفارسي والهندي، فظهر إلى الوجود الأحكام النجومية العربية، وذاع صيت المنجمين العرب وترجمت مصنفاتهم إلى اللغة اللاتينية وعمل بأحكامهم منجمو الغرب فترة طويلة.


وأشهر الأحكاميين العرب أبو معشر جعفر بن محمد بن عمر البلخي المتوفى عام 886 م كأعظم علماء العرب في علم الأحكام النجومية، وأشهر كتبه كتاب (المدخل إلى علم أحكام النجوم)، وكذلك الفيلسوف الكندي وبالمغرب الأقصى اشتهر ابن البناء وابن قنفذ، وبالأندلس لا يزال ذكر مسلمة المجريطي كأحد كبار الحكماء وكتابه (غاية الحكيم في السحر مقدس) لدى الغربيين ويطبع ليومنا هذا باسم بيكاتريكس.


ولم يعرف التمييز بين علم التنجيم وعلم الفلك إلا حديثاً خلال الثورة العلمية في القرن الثامن عشر الميلادي في أوروبا. وعلم التنجيم كما نعرفه نقل إلينا عن طريق اليونان الذين أخذوه عن قدماء المصريين والكلدانيين.


وأشهر كتاب في علم التنجيم هو التيترابيبلوس الذي اشتهر عند العرب باسم المقالات الأربع، وكان مؤلفه كلود بطليموس صاحب كتاب المجسطي الغني عن الذكر وكتاب الجغرافيا وكتاب الثمرة، وكان يعيش بالإسكندرية في القرن الثاني الميلادي وأصبح كتاب المقالات الأربع المرجع الرئيسي في أصول علم التنجيم عند المنجمين المعاصرين، مع العلم أنه ترجم عن اللغة العربية.


وبعدما عرف علم التنجيم انتشاراً كبيراً، في العصور الوسطى تعرض هذا العلم للضمور ابتداء من القرن 17 و18 م، فبعد إبعاده عن الجامعات، أصبح يصنف ضمن العلوم الروحانية وفنون العرافة، وظل منتشراً في العالم الإسلامي إلى أن اندثر وانمحت آثاره مع قدوم الإمبريالية الأوروبية.


وجاء عصر النهضة التنجيمية في أوروبا في نهاية القرن 19 م تحت زخم بول شوازنارد بفرنسا وفون كلوكلر بألمانيا، ومنذ ذلك الوقت أصبح علم التنجيم يسترد ما انتزع من حقوقه، ورغم أنه لم يستعد بعد مكانته القديمة فإنه مستمر في تطوره.


وفي الوقت الراهن يتوافق علم التنجيم القديم مع علم التنجيم العلمي العصري أو ما يسمى بالخطأ الغربي، فالأبحاث كثيرة وأصبحت تعتمد على الإحصائيات بكثرة من لدن مجددي هذا العلم، والنتائج تتطابق بشكل عام مع الأصول القديمة، ويبقى هناك مجال واسع يجب تغطيته لوضع هذا العلم في زمن العالم المعاصر، لكن في كثير من أرجاء العلم ينكب على ذلك عدد من الأحكاميين.


ولا يزال قسم كبير من تراثنا التنجيمي العربي الكبير يحتاج لمن يرفع النقاب عنه ويدرسه ويجدده، وينفض عنه غبار المكتبات الخاصة وينشره ليطلع عليه كل الناس.

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى