سجال فكري .. حول القضية الأمازيغية
إن تاريخ الفكر الإنساني مبني بشكل كبير على المساجلة الفكرية والإيديولوجية فمن تقاطع الأفكار تولد وتتطور الأفكار السلمية والجيدة ، وفي هذا الإطار وفي جواب الأستاذ عبد عباسي عن القضية الأمازيغية بالمغرب بجريدة المساء في عددها السادس والسبعون، وهو رأي الأستاذ والكثيرون أن المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية المحدث بظهير شريف يعتبر هبة ملكية للشعب الأمازيغي بالمغرب.
لكن الاعتراف الملكي الضمني بالأمازيغية لم يكن إلا اعترافا بتأثير الحركة الأمازيغية بالمغرب منذ الاستقلال إلى اليوم فقد قدمت الحركة شهداءا لنيل مشروعيتها واعتراف المخزن بمطالبها فاستشهد عباس المسعدي واختطف بوجمعة الهباز وسجن صدقي ازايكو واغتيل القاضي قدور، واعتقل أعضاء جمعية تايلي وتعرض إبراهيم أخياط وأحمد الدغرني لمحاولتي اغتيال كما تعرضت الجمعيات الثقافية الأمازيغية للتعسفات والمضايقات، ولم يكن تأسيس المعهد إلا محاولة من المخزن لاحتواء الأصوات الأمازيغية وهو ما لم يتحقق.
أما عن ما يسمى بـ” الظهير البربري ” فهو لم يكن ظهيرا للتفريق بين من يسمون إجحافا بالعرب أي المدرجين بين الأمازيغ بل جاء كظهير لإعادة الاعتبار للأعراف الأمازيغية التي حافظت عليها القبائل هذه الأعراف التي أثبتت حداثتها وعصريتها من بعض الاجتهادات الفقهية المتآكلة التي كانت تحكم بها ما يسمى بالمحاكم الشرعية أو المخزنية.
لقد استغل هذا الظهير من طرف مجموعة من الشبان أطلقوا على أنفسهم اسم “الحركة الوطنية” لتحقيق مكاسب وامتيازات من الحماية الفرنسية، فليكن في علم الاستاذ أن المقاومة المغربية المسلحة الحقيقية بدأت منذ سنة 1912،
أما ظهور “الحركة الوطنية” فلم يكن إلا في بداية الأربعينات فقد قدم المغاربة دماؤهم في الريف والأطلس والشرقـ وسوس وآيت بعمران وبرز مقاومون أشاوس كمحمد الخطابي وموحا اوحمو الزياني، وعسو ابسلام وأمغار سعيد، وأحمد الهيبة وعبد الله ازاكور أما عبد اللطيف الصبيحي وأقرانه فلم يكونوا سوى متعاملين مع الاستعمار الفرنسيو هدا ما تتبته وثائق رسمية .
إن العرب لم يدخلوا المغرب مع مجيء الإسلام كما يحاول البعض فرضه، فهجرات بعض المجموعات من القبائل العربية لم تحصل إلا في القرن الخامس عشر الميلادي، هذه الهجرة وصف فيها ابن خلدون هؤلاء المهاجرون في مقدمته بالجراد والمخربين حيث قال : “أينما حل العرب حل الخراب” وهذه القبائل ذابت مع القبائل الأمازيغية وتطبعت بعادتها وتقاليدها الأمازيغية وهذا ما يثبته الواقع وبالتالي فهي قبائل مغربية أمازيغية بحكم الأرض .
تم إن الثقافة الأمازيغية ليست ملكا للمغاربة فقط بل ملكا للانسانية جمعاء فقد ساهمت هذه الثقافة في بناء الحضارات الإغريقية والرومانية والفينيقية والفرعونية، أما القوميون العرب فحاولوا طمسها بكل ما أوتوا من قوة أفلا تنص أدبيات القومية العربية ووليدها غير الشرعي “الجامعة العربية” على إماتة ما تسميه باللهجات المحلية بالوطن العربي لفرض النموذج العربي الوحيد والأوحد.
إن استخدام النشطاء الأمازيغيين للغة الأمازيغية في الملتقيات والندوات ما هو إلا رد فعل طبيعي على إقصاء هم ولغتهم في الإعلام المسمى بـ “الوطني” وإقصاء الأمازيغية في المحاكم وفي الإدارات العمومية وفي الوثائق الرسمية للدولة وبالتالي فليس في يدهم سوى تلك الملتقيات والنداوت التي يريد البعض تعريبها أيضا.
إن مفاهيم الوحدة والاتحاد والإجماع التي يحاول البعض ترويجها حاليا بالمغرب على أن، الشعب وحدة لا تتجزأ ما هي إلا مفاهيم قبلية عربية قديمة فهذه المفاهيم تنبذ قيم التعدد والاختلاف والحرية والديموقراطية التي وصلت إليها الإنسانية جمعاء فالشعب المغربي متحد باعترافه بتعدده وتنوع أبعاده الثقافية الأمازيغية والعربية والإسلامية واليهودية والإفريقية والأندلسية، والغربية.