مُجيرُ أمِّ عامرٍٍ
وهي القصة التي كانت وراء هذا البيت الشعري:
ومن يَصنع المعروف في غير أهله *** يُلاقي ما لاقى مُجير أم عامر
(أم عامر كنية للضبع).
تحكي القصة أن قوماً خرجوا للصيد، وبينما هم في كبد الصحراء إذ خرجت عليهم ضبعٌ ، فطاردوها فهربت منهم، وآوت إلى خباءِ (خيمة) أعرابي، فطلبوها منه، ورجوه أن يخلي بينهم وبينها، فخرج إليهم وقال:
ما شأنكم؟
فقالوا: صيدُنا وطريدَتُنا،
فقال: كلا، والذي نفسي بيده لا تصلون إليها ما ثبت سيفي بيدي.
وكان من أخلاق العرب أنهم إذا استجارَ بهم أحد لا يخذلونَه ولا يُسْلِمونَه أبدا، فرجع الصيادون وتركوه.
فقام الأعرابي إلى شاةٍ عندَه فحلبَها، و قربَ الحليب إلى الضبع، وقرب إليها إناءَ به ماءٌ، فأقبلت تشرب مرة من هذا ومرة من ذاك؛ حتى إذا ارتوت واستراحت، عادت لها الحياة، وكفّت عن اللهاث ونامت.
وبينما الأعرابي نائم في جوف الليل، إذ وثبتْ عليه أم عامر (الضبعـة) فبقَرَت بطنه (أخرجت أحشاءَه) وشربت من دمِه وأكلت من لحمِه ثم تركتْه.
فجاء ابن عم له يزورُه في الصباح، وإذ به مُجندلاً، قد بُقر بطنه وأُكِل قلبُه فالتفت إلى موضع الضبع فلم يرها فقال: هي والله التي أجارها بالأمس، فأخذ قوسَه وكِنانتَه وخرج يطلبها في الشعاب والوديان، فلم يزل يبحث عنها حتى أدركَها فقتَلَها، ثم بكى على ابن عمه عند جثتِها وأنشأ يقول:
ومن يصنع المعروف في غير أهله *** يُلاقي ما لاقى مُجيرُ أمِّ عامرِ