منبرُنا

“عريس الموت” .. رواية لـ”عبد الحميد البجوقي”

  • الرواية والتاريخ

غالبا ما يلجأ الروائي للتاريخ وهو يحكي، والتاريخ ليس وقائع فقط، بل هو أمكنة وشخوص، وأنت تسأل عن أيهما الأهم في رواية عريس الموت؟

تجدك نفسك هائما في تاريخ كان فيه المتخيل أكثر تاريخية من الموثق والمكتوب، وهي دلالة على احتواء الشفاهي على حقائق لا يصرح بها المكتوب، فما بالك إن كانت الرواية تمتح من سيرة بطل، متعدد الأسماء، لكن الهوية واحدة، مناضل اسمه عبد الرحمان، وهو تاريخ البداية، حيث ضللوه مع الكثير ليتجند في صفوف ميلشيات فرانكو.

وقد غرر بهم باسم الإسلام ومجاهدة الشيوعيين والكفار، لكن عبد الرحمان سيكتب اسما جديدا، أليخاندرو وبعد، وبعد تمرد سوف يكتسب بالأحمر اسما آخر، وفي خضم صراعاته التي دونها في إطار تشابك الملتبسات في تاريخ المقاومة السياسية المغربية برهانات شخصية، متعددة كما تعددت أوجه المستعمر، الإسباني شمالا وجنوبا والفرنسي في الوسط،

وقد لعبا معا، لعبة التخفي والمواجهة لبعضهما من خلال المحتلين أو الأهالي، ومن يمثلهم من خلال سلطة خليفية حالمة بتملك سلطة واستقلال بعد انتصار الفاشية على الجمهوريين الوطنيين، وهنا تداخلت الأدوار في غرابتها كما تحدث عندما تشهر الأسلحة وتفوح رائحة الدماء تحت نيران البنادق،

فتتنوع مظاهر الحياة، حبا وكرها، خيانة ووطنية، وضوحا وغموضا، لتعبر بشخصيات عن هذه التعارضات، دونا اليهودية، تساعد المقاومة رغم انتمائها المفترض لرجالات الأعيان وأهل السلطة،

مقالات ذات صلة

وكريمو المتعاون مع المستعمر يكتشف جذوره الأسرية المقاومة بعد إنقاذه لابن عمه من الاعتقال وهو جريح، وعبد القادر الخضار، يخفي يمهنته فعاليته المقاومة من خلال تسهيل مهمة الوطنيين ومساعدتهم على الهروب من ملاحقة المخبرين والجنود الذين يتعقبونهم.

  • الحب والمقاومة:

بالحب تحول عبد الرحمان من مرتزق مضلل إلى مقاوم، فما أن تعرف على روصاريو حتى أدرك الحقيقة، وتعرف على ذاته المخدوعة، فكره من خدعوه وجندوه للقتل باسم المعتقد، وهم يصورون الأسرى كسبايا يحق قتل الرجال منهم واغتصاب النساء بعنف همجي تعج به الحروب،

سواء كانت أهلية أو بين دول مهما كان مستواها الحضاري، فالغرائز تتقوى بالجهل والكره، وثبت ذلك حتى في أيامنا وتاريخنا المعاصر، ولذلك كان الحب موقظا لضمير القتلة، ومؤنبا لهم، فبه يدركون إنسانيتهم المغتالة كما حدث لعبد الرحمان والكثير ممن شابهوه في الجبهتين معا،

فأدركوا عبثية أفعالهم عندما يواجهون مقاومين يعملون على تحرير أوطانهم والدفاع عنها بما يستطيعون حمله، أفكارا وأسلحة وعواطف، لذلك كانت الرواية حكيا حواريا وتصريحا، اتخذ فيه التاريخي شكل سيرة، كشفت ويلات الحرب الأهلية الإسبانية وحضور المغاربة فيها،

ليس كما اعتقد كأنصار لافرانكو، الذي وعد كبارهم في السلطة والمجتمع باستقلال البلد بعد انتصاره على الجمهوريين، بل كانوا حاضرين أيضا في مواجهة أنصاره، كما حدث تاريخيا للذين حاربت بهم فرنسا في الفيتنام، فانضم بعضهم للمقاومة الفيتنامية الشيوعية، ومنهم من بقي هناك ومنهم من عاد أيام أوفقير أو بعد وفاته.

  • حكايات في الرواية:

تتخذ الحكاية في الرواية وقائع متخيلة لكن تدشن خيالاتها بوثائق، تجعل صدقها الخفي مهمة صعب التصريح بها، لكنها تؤكد أن المتخيل قد يصدق بعضه أو كله، فالإبداع له حدسه الخاص حتى وهو يستبق القادم بالذي مضى، أو يستحضر المنقضي بما بدأ، فكرا ووقائع،

ولذلك يعتمد الروائي في استنطاقه للماضي على حاضره، وقد يقلب الأدوار، وكان هذا هو سر تأثير الرواية الفني بتلك اللغات المتعدد رغم وحدتها، إنها تقودك لما قيل بلغة أخرى بدون أن يتغير المدلول، فالإسباني خدع في تصوره للمغربي كما المغربي في حكمه على دينية الإسباني أو لا دينيته،

بينما الإنسانية في الحضارتين، أثبت أن الأصيل في عمقه يكون صادقا مهما اختلفت الأعراق والأديان والتواريخ وحتى الشخوص، فالزاوية منها التي قاومت وإن فيها من خان، ومنها التي تآمرت وإن فيها من صدق، كما الكنيسة تماما، وحتى القرى والتجمعات، بل والأحزاب والوطنيين أنفسهم.

  • خلاصات:

رواية عريس الموت رواية تاريخ أدبي وأدب تاريخي بغنى متخيله الذي متح من محكي كتب، أو مكتوب حكي، شخوصه ماتوا راضين أو غاضبين على أنفسهم أو غيرهم وربما على أوطانهم، فهناك من ودعوه شاكرين ومفتخرين، وآخرين ساخطين وضاجين بأصوات تحتاج لمن يعيد التعبير عنها.

حميد المصباحي – كاتب روائي

حميد المصباحي

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى