حدثنا صابر بن حيران. قال : رأيت من أعاجيب الزمان. وأنا أتجول في ولايات الأمريكان. آثار مجازر الغربان. وضحايا الطغيان. إذ ساقتني الأقدار. حين أبان النّوار. واستبان النهار. إلى داكوتا الجنوبية. حيث تقطن القبائل الهندية. فتوغلت في الأحراش. والتقيت بزعيم قبيلة الأوباش.
وكنت أحسبها من القبائل الهمجية. بسبب ما دأبت عليه بعض الأقلام العربية. في توصيف الأقوام الوحشية. فرغبت في محادثته لكلمة تستفاد. أو معرفة تستزاد. فسعيت إلية سعي المتطفل عليه.
وقلت له: أتقبلوني ضيفا يطلب جني العلم. ويبعد عنكم الهم والغم. ويمكث عندكم وبينكم. وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم. فقال: welcome . وتعني حبا إذا أحببت. ومرحبا بك إذا رغبت. فسألته بعد أن تحققت من واقعهم المعاش. عن سر كلمة (أوباش).
فقال زعيم القبيلة : نحن من قبيلة هندية أصيلة. ولكن ما باليد حيلة. فقد تعرضنا إلى الإبادة والقهر. وابتلينا بتصاريف الدهر. وتسربت إليكم هذه المفردة من أفلام رعاة البقر. التي شوهت صورة الشعب المقهور. ابتداء من فلم السهم المكسور.
لجيمس ستيوارت المغرور. ونجحت افلام هوليود. في تشويه صورة الهنود. وما أدراك ما هوليود. فهي معروفة بسوء أخبارها. وما ينتجه فجّارها. بتمويل من أحبارها. وتشجيع من أشرارها. .
قال صابر بن حيران : ثم تطرق لجيرانمو وبطولاته. وكوتشيز وحملاته. وكان يشكي ويبكي. لانقراض قبائل الشروكي. واستبداد الجيش الأمريكي. وتعذيبهم مخلب الباز. وآخر رجال الموهيكانز. فهو المناضل المكافح. والنسر الجارح.
وتحدث عن حضارة المايا وأهراماتها. وحضارة الأنكا وانجازاتها. وتفوقها بالطب والزراعة. والهندسة والصناعة. وقال : لقد اغتصبوا أرضنا. واستولوا على ثروتنا. فقاتلناهم قتال الأشداء. وحاربناهم حروب البؤساء. حتى ضاقت عليهم الأرض والسماء.
فهجمت علينا الحكومة الأمريكية بجيشها الغفير. وسلاحها الخطير. وشرها المستطير. واسلوبها الفضيع. وفعلها الشنيع. فقتلت الشيوخ والنساء. وذبحت الأطفال الأبرياء. وكنا نظن إنها جار مكاسر. فبان إنها ذئب كاسر. فحاورناها بلسان خاضع. وصوت خاشع. فحسرت ردنها عن ساعد شديد الأسر.
قد شدّت عليه جبائر المكر لا الكسر. متعرضة للسماحة. في معرض الوقاحة. وليس مثلها في طلاوة علانيتها. وخبث نيتها. فمزقتنا. وفرقتنا. وشتتنا. ذات اليمين. وذات الشمال. وبعثرتنا في الوديان والجبال. ولذنا بالفرار تلفظنا أرض إلى أرض. ويجذبنا رفع من خفض. وانتقلنا من الديار. إلى الأوكار.
وليس لنا إلا كآبة الأسفار. ومعاقرة السّفار. نعاني الفقر. ونعاشر القفر. فراشنا المدر. ووسادتنا الحجر. فخرجنا من اريزونا خروج الشارد. ونفرنا من الباهاما نفور الآبد. ومازالت أمريكا تتبجح بمجازرها الدموية. وتعدها من مفاخرها الحضارية. وتتباهى بتهورها.
وتكبرها. وخستها. وعنجهيتها. وابتذالها. ونذالتها. وسفالتها. فصبرنا على كيد الزمان وكدّه. فعسى الله أن يأتي بالفرج أو أمر من عنده. فوالله ما نطقت ببهتان. ولا أخبرتك إلا عن عيان. .
قال صابر بن حيران : وثبت عند العلماء الأعلام. وولاة الأحكام. انقراض تلك الأقوام. وميل الأيام إلى اللئام. وأني لإخال زعيم القبيلة صدوقا في الكلام. بريّا من الملام. فقد انتصر الهنود الحمر في معارك عديدة. على الحكومة الأمريكية الرعديدة.
ورفضوا التوقيع. على معاهدات التطبيع. ونبذوا أساليب التخضيع. وكانوا ندا عنيدا للعدو الغاصب. على الرغم من كثرة المصائب. وشدة الظروف والمصاعب. فجابهوا الإذلال والإضطهاد. بالقتال والجهاد. وسطروا بطولات خالدة. ومواقف رائدة. وجمعتهم كلمة واحدة. في الصمود والتصدي. والنضال والتحدي. وكانوا متعاونين. متحابين. متعاضدين. متفاهمين. .
قال صابر بن حيران : ويحز في نفسي. وأنا اراجع السجل التاريخي لقبائل الأباتشي. أن أرى التصرف الوحشي. لبعض قبائلنا وهي تمتهن التخريب. والقتل والترهيب. والغش والتهريب. والخطف والتسليب. وقبائل أخرى تمارس الفوضى العارمة.
والتصرفات الغاشمة. ويتسابقون في إطلاق العيارات النارية. وانتهاك الحقوق المدنية. فقبائل الأباتشي. لا تسلك هذا السلوك الوحشي. وتستحي من القيام بهذا الاجرام.
لقد فرّط بعض أفراد قبائلنا بالحقوق. وأمعنوا بالعقوق. وخربوا الاقتصاد. ودمروا البلاد. وتمادوا بالعناد. وانتهكوا كرامة العباد. وغرقوا في مستنقع الفساد. فلطخوا سمعتهم بالسواد. وعفّروها بالرماد. وتبجحوا بالتخلف والبلاهة. والجهل والسفاهة. ولسان حالهم يقول:
ولي فرس للحلم بالحلم ملجم
وآخر للجهل بالجهل مســرج
فمـن رام تقويمي فإني مقـوم
ومن رام تعويجي فإني أعوج
قال صابر بن حيران : وعلى الرغم من مسيرة التراجعات. وتفاقم العثرات. في هذه الفترات. فان رحمة الله اقتضت أن لا ينقطع دابرنا. وأن نمضي في دربنا. نحو طاعة ربنا. فالعمر قصير. وإلى الله المصير. اللهم جنبنا التقصير. يا جابر العظم الكسير.
ويا محيي الرفات. ويا دافع الآفات. ويا واقي المخافات. ويا كريم المكافاة. ويا ولي العفو والمعافاة. صل على محمد خاتم أنبيائك. ومبلغ أنبائك. وعلى مصابيح أسرته. ومفاتيح نصرته. وأعذنا من نزعات الشياطين. ونزوات السلاطين. وإعنات الباغين.
ومعاناة الطاغين. ومعاداة العادين. وعدوان المعادين. وسلب السالبين. وحيل المحتالين. وغيل المغتالين. وأجرنا اللهم من جور المجاورين. ومجاورة الجائرين. وكف عنا أكف الضائمين. وأخرجنا من ظلمات الظالمين. وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين. اللهم آمين.