شعر

صدى قصيدة..”لا تصالح” للشاعر أّمل دنقل

  • أولا: لمحة عن الشاعر أمل دنقل وكتابته الشعرية

أمل دنقل(1940-1983)، شاعر مصري، يلقب بشاعر الرفض، ويعد من أبرز الشعراء العرب الذين تأثروا بالأحداث السياسية التي انتكس فيها العالم العربي وعلى رأسها النكسة. هذه الأخيرة؛ مصطلح يستخدم في الحقل السياسي العربي، والذي يعبر عن واقعة العدوان الإسرائيلي على مصر وسوريا والأردن، واحتلال ما تبقى من فلسطين التاريخية خلال أواخر الستينيات من القرن الماضي ( 5 يونيو/ حزيران 1967).


لأمل دنقل مجموعة من الدواوين، خطتها قريحته الشعرية خلال ستينات وسبعينات وثمانينات القرن الماضي، من بينها: البكاء بين يدي زرقاء اليمامة – بيروت 1969؛ تعليق على ما حدث – بيروت 1971؛ مقتل القمر – بيروت 1974؛ العهد الآتي – بيروت 1975؛ أقوال جديدة عن حرب بسوس – القاهرة 1983؛ أوراق الغرفة 8 – القاهرة 1983…إلخ. 


من الجدير بالإشارة، يعد ديوان “بكاء بين يدي زرقاء اليمامة” الصادر سنة 1969، الديوان الأول، الذي رفع أمل دنقل إلى مصافي الشعراء في الساحة الأدبية العربية وقتئذ. وجعل كتاباته الشعرية اللاحقة في مكانة سامقة. ففي هذا الديوان توجد زمردة شعرية تحت عنوان “زرقاء اليمامة”، تلك القصيدة التي اختطها الشاعر بعد النكسة مباشرة، واستدعى فيها الشاعر رمز “زرقاء اليمامة” من التراث العربي القديم. ولقد كان استدعاء الرموز والاساطير في الشعر العربي الحديث من بين ملامح التحدث والتجديد في القصيدة العربية.


تلك القصيدة التي حاصرها واقع سياسي واقتصادي وثقافي جد معقد عاشه المجتمع العربي من المحيط إلى الخليج. تجلى في الأساس في النكسة التي خلفت جروحا غائرة في كيان ووجدان الانسان العربي. ويعبر الشاعر أمل دنقل عن هذه الحالة التي كانت باعث من بواعث قصيدة “لا تصالح”() القصيدة التي ذاع صيتها في المجال العربي، ودارت على لسان الجماهير العربية. وما تزال لها مكانتها، كقصيدة تعبر عن الضمير الجمعي العربي.


  • ثانيا: مقاطع من قصيدة “لا تصالح”

لا تصالحْ!

ولو منحوك الذهب

أترى حين أفقأ عينيك

ثم أثبت جوهرتين مكانهما..

هل ترى..؟

هي أشياء لا تشترى..:

ذكريات الطفولة بين أخيك وبينك،

حسُّكما فجأةً بالرجولةِ،

هذا الحياء الذي يكبت الشوق.. حين تعانقُهُ،

الصمتُ مبتسمين لتأنيب أمكما.. وكأنكما

ما تزالان طفلين!

تلك الطمأنينة الأبدية بينكما:

أنَّ سيفانِ سيفَكَ..

صوتانِ صوتَكَ

أنك إن متَّ:

للبيت ربٌّ

وللطفل أبْ

هل يصير دمي بين عينيك ماءً؟

أتنسى ردائي الملطَّخَ بالدماء..

تلبس فوق دمائي ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟

إنها الحربُ!

قد تثقل القلبَ..

لكن خلفك عار العرب

لا تصالحْ..

ولا تتوخَّ الهرب!

… … ….

لا تصالح على الدم.. حتى بدم!

لا تصالح! ولو قيل رأس برأسٍ

أكلُّ الرؤوس سواءٌ؟

أقلب الغريب كقلب أخيك؟!

أعيناه عينا أخيك؟!

وهل تتساوى يدٌ.. سيفها كان لك

بيدٍ سيفها أثْكَلك؟

سيقولون:

جئناك كي تحقن الدم..

جئناك. كن -يا أمير- الحكم

سيقولون:

ها نحن أبناء عم.

قل لهم: إنهم لم يراعوا العمومة فيمن هلك

واغرس السيفَ في جبهة الصحراء

إلى أن يجيب العدم

إنني كنت لك

فارسًا،

وأخًا،

وأبًا،

ومَلِك!


  • ثالثا: تصنيف قصيدة “لا تصالح” واضاءات عن المحطة التاريخية التي كتبت فيها

تندرج قصيدة أمل دنقل، ضمن مجرة الشعر الحديث، الذي جاء نتاجا، لعوامل ثقافية وفكرية عدة كان أبرزها، الاحتكاك الثقافي مع الثقافة الغربية التي دخلت مبكرا في الزمن الثقافي الحداثي على غرار الحداثة السياسية والاقتصادية وغيرها من أنواع الحداثات التي وصل إليها الغرب. 


كما هو معلوم، يتميز الشعر العربي الحديث؛ بما طرقه ونهجه من أساليب جديدة لم تكن من قبل في الشعر العربي القديم، لا من حيث الشكل ولا من حيث المضمون. وكان لهذا التحول من شعر الوزن، القافية، نظام الشطرين، والأغراض المعروفة(الهجاء، الغزل…)…إلى شكل ومضمون الشعر الحديث، بكافة أشكاله، ومسمياته، ومدارسه؛ أسبابا سوسيوسياسية، ألمت بالأمة العربية خلال النصف الأول من القرن20، إذ شكل الاحتلال خلال الحقبة الكولونيالية الحدث الأبرز في المجال العربي، وما تبع هذا الاحتلال من تبيعات وخيمة على المجتمع والثقافة والاقتصاد..إلخ.


خاضت الشعوب العربية معركة التحرير بكل بسالة، وكان مثقفو الأمة العربية والشعراء من بين طلائع الجماهير التي كان عليها المواجهة، والمقاومة، فالوطن العربي جريج من المحيط إلى الخليج. وقد غذى في هذه الحقبة التاريخية، الثقافة العربية ومعها الشعوب في وضعية لا يحسدها عليها أحد..لدى دعت الضرورة إلى النهضة والتجديد والمقاومة في كافة مشاريب الحياة والوجود الاجتماعي.

فبعد معركة النضال، حققت جل الاقطار العربية الاستقلال والانعتاق من ربقة الاستعمار خلال منتصف القرن العشرين، سجل خلالها العرب انتصارات تغنى بها الشعراء في الوطن العربي.


 في خضم معركة التحرر بالوطن العربي ودول العالم الثالث، زرع الغرب كل سمومه في الوطن العربي، ويمثل زراعة الكيان الصهيوني في قلب الأمة العربية على أرض فلسطين، الحدث الثاني_بعد الاحتلال_ في القرن 20، الذي سيدخل الأمة العربية في واقع جيوسياسي، أطلق عليه في أدبيات القومية العربية “الصراع العربي الصهيوني” كان وما يزال هذا الحدث يعتمل في كل شيء في الوطن العربي، منذ نكبة 1948 لليوم.


من نكبة فلسطين إلى نكسة 1967؛ تلك الأخرى هي الهزيمة المدوية في تاريخ الحديث للأمة العربية التي عاصرها الشاعر أمل دنقل، حيث كان عمره في حدود 27 عاما. كان لها واقع على حياته كانسان يأبى الظلم، وكمواطن له وجدانه وارتباطاته بأرضه ومجاله، والشاعر ابن بيئته من منظور المنهج السوسيولوجي؛ يتأثر بمجريات الأحداث التي تحدث في وقته الراهن. 


انخرط أمل دنقل في المعركة الثقافية أثناء مسيرته الطلابية والعملية، وعسكر في خندق القومية العربية؛ ذلك المد العربي، والتيار الجامح الذي عرف مدا قويا خلال الحقبة الناصرية بمصر والعالم العربي.

لقي شعر دنقل كبقية جيله من الشعراء الذين انخرطوا في الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي العربي، أدان صاغية برغم من مرارة ما تتضمن قصائدهم من صور شعرية، تصف حالة الحضارية للأمة، فالوجع والضر ينخر في كل شيء بالمجتمع من المحيط إلى الخليج؛ بفعل الهزائم بالمجال التي لحقت العار بالوجود الاجتماعي في الحضارة الحديثة. ومن مفارقات التاريخ في الوطن العربي ماضيهم أقوى من حاضرهم على أكثر من صعيد.


في سيرورة الاحدث السياسية بالوطن العربي، وما ترتب عنه من واقع جيوسياسي معقد، وكذا من تحولات في الاختيارات السياسية ونحوها من أمور قواعد الاشتباك، ومجريات المعارك الميدانية والديبلوماسية في اطار العلاقات الدولية. انتهت حرب أكتوبر1973 التي تعد خامس الحروب في الابيات التاريخية المهتمة بدراسة الصراع العربي الإسرائيلي.


بمسار اتفاقات كامب ديفيد التي وقعها الرئيس المصري أنور السادات، ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن سنة1978. كان هذا الحدث الديبلوماسي من بين أهم الاحداث التاريخية في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي؛ حدثا مدويا في الوطن العربي؛ مصر زعيمة الوطن العربي توقع اتفاق سلام مع اسرائيل بينما الأراضي الفلسطينية، وجزء من الأراضي السورية واللبنانية تحت احتلال الاسرائيلي ! 


أمام مشهد الصدمة، صرخ دنقل بقصيدة “لا تصالح”، تردد صداها في الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، لتعبر تلك القصيدة عن الضمير السياسي الجمعي للشعوب العربية والحرة.


  • رابعا: قراءة مقتضبة في “لا تصالح”

جاءت قصيدة لا تصالح في عشرة مقاطع، على نمط الأسطر؛ حيث بناء الكلمات في السطر، ما بين كلمة واحدة في السطر إلى ثماني كلمات_مثلا المقطع الثاني_.

يعد عنوان القصيدة مدخلا أساسيا للعبور إلى مضامين القصيدة، فمن خلال العنوان، الذي جاء على منوال، حرف نهي “لا”، وفعل صلح، مع تصريفه في المضارع “تصالح”.

فمن خلال العنوان وقراءة القصيدة. يتبن أن العنوان هو قول مأثور من سيرة “حرب البسوس”، التي تتحدث عنها كتب التراث العربية القديمة، وهذه القصة التي تم إخراجها في عمل درامي رائع؛ تحت عنوان مسلسل “زير سالم” لمخرجه حاتم علي؛ هذا العمل الذي نقل لأجيال المعاصرة شطرا من حياة عيش العرب قبل الإسلام في شبه الجزيرة العربية، وقدم دراما محبوكة عن “حرب البسوس”، التي يروى أنها دامت أربعين سنة بين أبناء عمومة (تغلب، وبكر) سببها ناقة! ومن هذه المأساة ولد مثل “لا ناقة ولا جمل”، يضرب في حال كل من أراد أن ينئ بنفسه عن ما لا يهمه.


 لقد عاد دنقل إلى هذه السيرة وما تتضمن من أحداث جسام ومعاني، وعبر، ومشاعر…، لكي يسقطها على أبناء “العمومة” الشعب العربي، والشعب اليهودي_ولد اسماعيل عليه السلام في مقابل ولد اسحاق عليه السلام، نجلا خليل الله ابراهيم عليه السلام. 


ومن المعلوم، أن دنقل، سبق في قصائد أخرى أن استدعى الرموز التاريخية في التراث العربي، لكي يعبر عن الواقع “المر”، وهذا نهج مستحدث في القصيدة العربية-الرمز، لتعبير عن قضاياها الراهنة. وان كان هناك زمن طويل بين حدث وحدث وواقع وواقع اجتماعي. السؤال الذي يفرض نفسه علينا هل سيفي استدعاء الشاعر لرموز من التراث في التعبير وايصال مضمون الرسالة؟ 


بادئ ذي بدء، الشاعر يبدأ القصيدة في المقطع الأول بدعوة عدم الصلح حيث قال: 

لا تصالحْ! 

ولو منحوك الذهب..

فمن يصالح من؟ إن المتتبع للأحداث ومجريات قضية الصراع العربي الإسرائيلي، ينسجم مباشرة مع القصيدة، فهي بيان_ شبيه بالبيان الشيوعي_، يعبر عن موقف من الموقف العربي الرسمي-المصري بالخصوص؛ اتجاه الصراع مع اسرائيل.


أي أن طرفي القضية في القصيدة هم العرب من جهة: تمثلهم مصر-في حاكمها أنوار السادات الذي ألمعنا له؛ في مقابل الطرف الصهيوني: يمثلهم زعماء اسرائيل. ويمثل العرب الطرف المعتدى عليه، والضحية فلسطين_رمز الأرض العربية_، والمعتدي الكيان الصهيوني وداعميه من الغرب، والجلاد احتلال الاسرائيلي. 


دخل الشاعر مباشرة في مضمون الرسالة، المتجلية في رفض أي مساومة على قضية الأمة العربية_ احتلال الأراضي العربية_، وبأي ثمن كان، ولو كان مثقال بالذهب. في سياق موقف الرفض الذي عبره عنه الشاعر في مطلع القصيدة_لا تصالح_، اتجاه الذي اتجه له الموقف العربي الرسمي –المصري، يباغت الشاعر، الكيان العربي، الذاهب إلى المصالحة المزعومة بسؤال وجيه، ذكر من خلاله الوعي العربي بهول الجريمة(أفقأ عينيك)، طرق به الشاعر مفارقة بين الشيء كمعدن، وملكة ومعجزة الخلق كنعمة. وفي ذلك قال: 


أترى حين أفقأ عينيك

ثم أثبت جوهرتين مكانهما..

هل ترى..؟

سؤال بلاغي، محفوف بالمعاني، وفيه يؤكد الشاعر على الجرم الشنيع الذي فعله الجلاد، و استدعاء رمز العين _ نعمة البصر _  في مقابل رمز المعدن_الجوهر_ شاهد على المعاني الثاوية والحقيقية في السؤال، وإن كان السؤال في شكله العام يطرح قضية النظر.

تلك قضية عرضية، بل القضية الأساسية هي الفعل الشنيع، وفقدان نعمة البصر. التي هي من نعم عدة لا تشترى: “هي أشياء لا تشترى..”يقول دنقل.


وفي المقطع الثاني، الذي جاء مبنيا على عشرين سطرا؛ من المحتمل أن يكون موضوع المقطع الثاني ينسجم مع موضوع القصيدة الذي عبر عليه عنوان القصيدة ومقطعها الأول المشار إليه. 

في مطلع المقطع الثاني يقول الشاعر:  

لا تصالح على الدم.. حتى بدم!

لا تصالح! ولو قيل رأس برأسٍ

لقد حافظ الشاعر على دعوته، بعدم الصلح، التي يعبر عنها قوله: لا تصالح كما هو ماثل في السطر الأول والثاني، والمضاف في هذين السطرين، شرط الدم بالدم، رأس برأس أي النفس بالنفس وهي بعض الشروط التي تعد عند القبائل العربية وفي أعرافها قانون الاشتباك والصراع القبلي. كالثأر، والدّية. وهذا المنطق هو ما رفضه أطراف الحرب في حرب البسوس.


يستشف من اشارة الشاعر بجانب الرفض، أن هناك أعراف للصلح، وما الرفض لتلك الأعراف، إلا دليل على انتهاك حق الضحية في ارجاع كامل حقوقه المسلوبة(الأرض). ويسترسل الشاعر دنقل في الاسطر الموالية، على وتر دعواه ورفضه “مبادرة الصلح” المزعومة التي تسمى واقعيا “مبادرة السلام” وتراثيا حقن دم، بطرح جمل استفهامية تقدم مفارقات في صلة والدم:


أكلُّ الرؤوس سواءٌ؟

أقلب الغريب كقلب أخيك؟!

أعيناه عينا أخيك؟!

وهل تتساوى يدٌ.. سيفها كان لك

بيدٍ سيفها أثْكَلك؟

وهنا يبرز الشاعر مجموعة من المفارقات: من بينها: استحضار المنطق القبلي العربي ذائع الصيت: أنا وأخي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب؛ استحضار السيف(الحسام) وما يحمله من دلالات في الثقافة العربية القديمة، كرمز للتحالف، والدفاع، والاتحاد…والسيف الذي يكون معك، سيف الأخ، لا سيف العدو الذي يكون عليك، يميل عليك كلما وهنت وسنحت له الفرصة.


ومن الأمور الثاوية في قصيدة لا تصالح، حالة اليقظة والحيطة والحذر من تسمم بالرواية المضادة، أو البربوغندا الإعلامية(الحرب الإعلامية) التي تسير في خط التطبيع مع أمر الواقع؛ فالشاعر دنقل في متن قصيدته يحطم مسبقا كل مسوغات التي قد يسوقها، الخطاب الرسمي ومن يجاريه من أصحاب التطبيع(=مصطلح سياسي له دلالة السياسية في الصراع العربي الاسرائيلي). وهو ما عبره عنه الشاعر في القصيدة في الأسطر التالية:


سيقولون:

جئناك كي تحقن الدم..

جئناك. كن -يا أمير- الحكم

سيقولون:

ها نحن أبناء عم.

هي إدن ثلاثة مبررات يمكن أن يسوقها الطرف المعتدي، على المعتدى عليه، اثنان منها تحددهما طبيعة الإنسانية؛ العاطفة(حقن الدم)، وصلة الرحم(القرابة الدموية)، أم المبرر الثالث، سياسي يعبر عن مناورة سياسية، ويخصص الشاعر جوابا صريحا على مبرر ودعوى العمومة(القرابة التاريخية):


قل لهم: إنهم لم يراعوا العمومة فيمن هلك

وتخصيص دنقل الجواب على بعد أو قل شماعة القرابة الدموية، اشارة واضحة على خطورة هذا الأمر_ وصدق الشاعر؛ فأصبح هذا القول في عصر التطبيع شعار المطبعين. وينتقل بنا الشاعر في السطر المولي، للتأكيد على رفض، وخوض المعركة حتى يجيب العدم!


واغرس السيفَ في جبهة الصحراء

إلى أن يجيب العدم

وفي ختام المقطع الثاني من القصيدة يؤكد الشاعر على أوشاج التي تربطه بأخيه، إذ كان هو من يذود عنه، وأخا، وأبا، وملك….أي مدافعا عن حوزة الوطن ونحوه.


قصارى القول، إن قصيدة “لا تصالح” رصاصة من الشعر إلى عقل وجسد الاحتلال وتاريخه، لا ينتهي مفعول هذه الرصاصة مادام هناك احتلال على الأرض. فلقد استطاع الشاعر استنطاق الواقع ورسم خطوطه العريضة والدقيقة، من خلال استحضار سيرة من التراث نفض الغبار عنها…ساعدت اللغة الموظفة_البسيطة_ والتي كانت من عوامل قوة القصيدة؛ إذ تلقاها المتلقي بكل سلاسة، برغم ما تتضمن القصيدة من رموز تاريخية استدعاها الشاعر من التراث العربي.


ومن الجدير بالإشارة، نسج الشاعر القصيدة على عشرة مقاطع، على منوال عشرة وصايا التي جاءت في سيرة حرب البسوس. لم يستدع الشاعر كل شخصيات الحدث التاريخي في تاريخ العرب “حرب البسوس”، بل اقتصر الأمر على “كليب” المغدور، وأخاه سالم من حمله مسؤولية الثأر لمقتله على يد أحد أبناء عمومته.


وختاما، لم ينجح الشاعر أمل دنقل في إيصال رسالة القصيدة وفقط، من خلال قصيدة لا تصالح. بل الشاعر رفع القضية العربية _الأرض_ من الحس المشترك السياسي المعاصر، إلى التراث الثقافي العربي ككل. ولقد تحولت القصيدة من موقف شاعر إلى صوت وضمير شعوب المنطقة. وتلك ضربة من ضربات الشعر القوية، ونوعية من أنواع القصائد الخالدة.

إسماعيل الراجي

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى