نقد

قائمة البوكر الدولية 2022: خمس كاتبات وكاتب وحيد

بعد قراءة 135 عملًا مترجمًا إلى الإنكليزية، اختارت اللجنة المانحة لجائزة البوكر الدولية ستة عناوين من ست لغات مختلفة، تقدم لمحات من الأدب من جميع أنحاء العالم، وتشترك في ما بينها في استكشاف آفاق التجربة الإنسانية وحدودها، وأصالتها المذهلة التي هي في الأساس بمثابة شهادة على أن معين الرواية لم ينفد بعد، وربما لن ينفد مطلقًا.


يقول رئيس لجنة التحكيم، فرانك وين: “بصفتنا هيئة تحكيم، كان من دواعي سرورنا قراءة العديد من الكتب الرائعة، وهو ما جعل تكوين قائمة قصيرة منها أمرًا صعبًا، وأحيانًا مثيرا للحزن”.


  • هل تفوز توكارتشوك للمرة الثانية
أولغا توكارتشوك وروايتها “أسفار يعقوب”

 

احتلت الكاتبات غالبية القائمة القصيرة هذا العام، فمن بين الكتب الستة المتنافسة على الجائزة المرموقة، خمسة كتبتها نساء، وثلاثة ترجمتها نساء أيضًا. ولعل أشهرهن أولغا توكارتشوك، الروائية البولندية الحائزة على جائزة نوبل، والتي سبق أن فازت بالبوكر هي ومترجمتها جنيفر كروفت عام 2018 عن روايتها “رحلات الطيران”.

وها هي الفرصة تتاح لهما مرة أخرى لتقاسم مبلغ الجائزة البالغة قيمتها 50 ألف جنيه إسترليني مع “أسفار يعقوب/ The Books of Jacob”؛ الملحمة الواقعة في 900 صفحة، وتقوم على حادثة حقيقية من القرن الثامن عشر (عصر التنوير في أوروبا)، حين بدأت الأفكار الجديدة تكتسح القارة، وظهرت حركة دينية على الحدود بين أوكرانيا وبولندا الحالية؛ حيث يصل شاب يهودي من أصول غامضة يدعى يعقوب فرانك إلى قرية في بولندا، يُلقي تعويذة تجذب إليه متابعين متحمسين على نحو متزايد.

في عقد آخر، يجتاز فرانك الإمبراطوريتين، هابسبورغ، والعثمانية، حيث يعيد تجديد نفسه مرارًا وتكرارًا؛ لقد اعتنق الإسلام، ثم الكاثوليكية، وتم التشهير به باعتباره زنديقًا ومقدسًا باعتباره المسيح.

عندما منحت الأكاديمية السويدية توكارتشوك جائزة نوبل في الأدب عام 2019، أطلقوا على “أسفار يعقوب” أعظم ما أُبدع، وذهب النقد إلى مقارنتها بـ”فردوس” ميلتون المفقود، و”الحرب والسلام” لتولستوي، بينما قارنتها لجنة التحكيم في روعتها بنسيج بايو، وهو أثر نفيس صنع من الكتان بطول 231 قدمًا، ولكن وين يعلق بطرافة “ربما تكون أطول بحوالي ميل ونصف الميل”، مضيفًا أنها “رواية جامحة وغريبة إلى حد كبير”، وهي أيضًا “معقدة وفاحشة ومليئة بالفكاهة الشعبية”.


أولغا ناووجا توكارتشوك كاتبة وناشطة بولندية، وواحدة من أكثر الكتاب شهرة ونجاحًا في جيلها في بولندا، استغرق الأمر منها سبع سنوات لتشييد عمل بحثي خالص من حيث الأصوات المتعددة والأساليب والمناظر الطبيعية والعوالم النابضة بالحياة، وهو ما مثل تحديًا كبيرًا لمترجمتها الأميركية، جينيفر كروفت، التي نقلته بحرفية منقطعة النظير.


  • أول كتاب هندي يدرج في البوكر
جيتانجالي شري وكتابها “ضريح من الرمل”

 

من ملحمة توكارتشوك، ننتقل إلى قصة جيتانجالي شري “ضريح من الرمل/ Tomb of Sand”، أول كتاب هندي في تاريخ الجائزة الممتد على 17 عامًا يرشح في القائمة القصيرة. صدرت لمؤلفته ثلاث روايات، ومجموعات قصصية عديدة، وتُرجمت أعمالها إلى الإنكليزية، والفرنسية، والألمانية، والصربية، والكورية. أما ديزي روكويل المترجمة، فهي رسامة وكاتبة أيضًا تعيش في فيرمونت في بالولايات المتحدة.

تدور أحداث الرواية عن أرملة تبلغ من العمر 80 عامًا تقع فريسة اكتئاب عميق بعد وفاة زوجها. تبحث الأرملة عن فرصة جديدة للحياة ضاربة عرض الحائط بكل التقاليد، وهو ما يربك ابنتها البوهيمية، التي اعتادت على التفكير في نفسها بأنها الأكثر “حداثة”. وعلى الرغم من جدية الموضوعات التي تعالجها شري، ثمة لمسة خفيفة، وتلاعب بالألفاظ، يصل بروايتها إلى حد الطرافة.


  • مجموعة قصصية تتحدّى النوع
بورا تشونغ وكتابها “الأرنب الملعون”

تتنافس المجموعة القصصية القصيرة “الأرنب الملعون/ Cursed Bunny”، للكاتبة الكورية، بورا تشونغ، مع “أسفار يعقوب”، و”ضريح من الرمل”. ولدت تشونغ في سول عام 1976. كتبت ثلاث روايات، وثلاث مجموعات من القصص القصيرة. وهي تستخدم عناصر رائعة وسوريالية لمعالجة أهوال ووحشية النظام الأبوي، والرأسمالية، في المجتمع الحديث، في مجموعة من القصص القصيرة وصفت بأنها تتحدى النوع، وتطمس الخطوط الفاصلة بين الواقعية السحرية، والرعب، والخيال العلمي.

قال وين، في مؤتمر صحافي عبر الإنترنت، إن المجموعة كانت “في مكان ما بين ديفيد لينش، والرعب البدني المبكر لديفيد كروننبرج”. وتلتقط ترجمة أنطون هور بمهارة الطريقة التي ينزلق بها نثر تشونغ، من دون عناء، من المرعب إلى المضحك الساخر.


  • مصير الودعاء في العالم
ميكو كاواكامي وروايتها “الفردوس”

 

اشتهرت الكاتبة اليابانية ميكو كاواكامي بروايتها “الصدور والبيض”، التي قُوبلت باستحسان نقدي واسع، لما تتميز به من طابع نسوي، وتركيزها الجريء على أجساد النساء. وتروي كاواكامي “الفردوس/ Heaven” من خلال عيني طفل يبلغ من العمر 14 عامًا يتعرض للتنمر المستمر. هي رواية مؤرقة عن التهديد بالعنف الذي يمكن أن يطارد سنوات مراهقتنا. وبدلًا من المقاومة، يعاني الصبي من الاستسلام التام.

حليفته الوحيدة هي زميلة في الفصل، منبوذة بالمثل، وتقع في دورها فريسة للمتنمرين. يلتقيان سرًا ليواسي كلاهما الآخر، غير مدركين أن علاقتهما لن تمر مرور الكرام على جلاديهم. وعلى الرغم من بساطة الرواية المخادعة، فهي بمثابة دليل على موهبة كاواكامي الرائعة. تحفزنا الرواية أن نتساءل عن مصير الودعاء في مجتمع يحبذ الأقوياء، وإلى المدى الذي سيذهب إليه حتى الأطفال في قسوتهم المكتسبة.

قالت ناديا شبيجلمان، في مراجعة لصحيفة “نيويورك تايمز”، إن مشاهد التنمر في الكتاب “واضحة للغاية، لدرجة أنك تكاد تشعر بالألم بنفسك”. ووصفها الحكام بأنها “رواية مكثفة تشعرك برهاب الأماكن المغلقة”، وتستخدم التنمر في المدرسة لتفعيل نقد نيتشه للأخلاق. كما وصفوا كل من مترجميها: سام بيت، وديفيد بويد، بقدرتهما على إيصال أفكار كاواكامي المجردة والفلسفية، ودراماها الإنسانية المروعة.

صدر أول ديوان لميكو كاواكامي في عام 2006، ونشرت روايتها الأولى “ذاتي وأسناني والعالم” بعده بعام.


  • ما الذي لا نعرفه وتعرفه إيلينا
كلوديا بينيرو وروايتها “إيلينا تعرف”

 

أدرجت الكاتبة الأرجنتينية كلوديا بينيرو في قائمة البوكر عن روايتها “إيلينا تعرف”، وهي من كتاب الجريمة والإثارة الأكثر مبيعًا في الأرجنتين وأميركا اللاتينية وحول العالم، تمت معالجة العديد من رواياتها لتجسيدها على الشاشة الكبيرة.

في “إيلينا تعرف” تمزج بينيرو بين الجريمة، والقصص العاطفية، والبحث عن الحرية، من خلال حادثة مروعة، حيث يتم العثور على ريتا ميتة في برج الجرس بالكنيسة، ويُغلق التحقيق في الحادث بسرعة باعتباره انتحارًا واضحًا، لكن والدتها المريضة لا تقر بذلك، وتصمم على العثور على الجاني، فتخوض رحلة صعبة عبر ضواحي المدينة، كاشفة عن الجوانب الخفية للاستبداد والنفاق في مجتمعنا.

قالت الناقدة كاثلين روني، في مراجعة لصحيفة “نيويورك تايمز”، إن الرواية تبدو للوهلة الأولى “لغزًا محكمًا ومقتضبًا”، لكنها أيضًا تعليق ثاقب على العلاقات بين الأم وابنتها، وإهانة البيروقراطية، وأعباء تقديم الرعاية، وفرض العقيدة الدينية على المرأة.

وقامت مترجمتها فرانسيس ريدل بترجمة أعمال العديد من الكاتبات من الإسبانية، بما في ذلك إيزابيل ألليندي، وكلوديا بينيرو، وليلى غويرييرو، وماريا فرناندا أمبويرو، وسارا غالاردو.


  • الرجل الوحيد في القائمة
جون فوسي وكتابه “اسم جديد: سبتولوجي السادس والسابع”

يقدم الكاتب والمسرحي النرويجي، جون فوسي، في “اسم جديد: سبتولوجي السادس والسابع”، استكشافًا فائقًا للحالة البشرية، وتجربة قراءة مختلفة جذريًا، قيل عنها تعويذية ومنومة وفريدة من نوعها تمامًا. وهي الجزء الأخير من سلسلة فوس “سبتولوجي” المفترض أن تصدر في سبعة أجزاء، إلا أن الجزء الأخير يبدو أنه يشمل الجزأين معًا. ترجمه عن النرويجية، داميون سيرلز، وقال عنه المحكمون إنه “يجمع بين الفن، والموت، وفكرة نعم الله الواسعة والجميلة”.

تتبع “اسم جديد” فنانًا شديد التدين في اللحظات التي تسبق وفاته؛ آسل رسام مسن يعيش بمفرده على ساحل النرويج. أصدقاؤه الوحيدون هم جاره، سليك، وهو صياد ومزارع تقليدي، وبايير، صانع معارض يعيش في المدينة. هناك، في بيورجفين، يعيش آسل آخر، وهو أيضًا رسام، ولكنه وحيد يستنفد الكحول طاقاته. آسل وآسل شبيهان، نسختان من الشخص نفسه، نسختان من الحياة نفسها، كلاهما يتصارع مع الأسئلة الوجودية.
*****

هذه هي المرة الأولى التي يترأس فيها مترجم لجنة التحكيم، ويصف وين مشاعره: “الترجمة رقصة حميمة ومعقدة تعبر الحدود والثقافات واللغات. لا يوجد ما يمكن مقارنته بالرهبة والبهجة في اكتشاف الاقتران المثالي بين الكاتب والمترجم”. وعلى الرغم من إقراره بأن عملية التحكيم كانت في بعض الأحيان “مروعة”، إلا أنه قال إن الإعلان عن القائمة المختصرة في يوم عيد ميلاده الستين كان أفضل هدية حصل عليها.

انضم إلى وين في تحكيم الجائزة التي يمكن القول إنها أهم جائزة في العالم لترجمة الأدب إلى الإنكليزية، كل من الكاتبة التركية، ميرفي إمري/ Merve Emre، والزيمباوية پيتينا جاپاه، والصحافية البريطانية ڤيڤ جروسكوپ، والكاتب والمترجم جيريمي تيانج من سنغافورة.


وسيتم الإعلان عن الفائز النهائي في 26 أيار/ مايو المقبل.


بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى