من أجل بيبليوغرافيا عربية
يعاني الكتاب العربي من مشاكل لا حصر لها. فإلى جانب مشكلة التسويق والتوزيع التي لم يتم التفكير فيهما بجدية لجعل الكتاب العربي متوفرا في الوقت نفسه في أي مكان في الوطن العربي، هناك مشكل التعريف به، ويتحمل الإعلام السمعي ـ البصري والورقي والإلكتروني قسطا كبيرا من المسؤولية في ذلك. وفي خضم تزايد أعداد الناشرين والكتب المطبوعة سنويا نسبيا بالمقارنة مع سنوات خلت، لا يكاد هذا الكتاب يصل إلى القارئ العربي إلا بعد مرور زمن طويل على صدوره. أفاجأ في أحيان كثيرة حين أزور بعض المكتبات المغربية أو العربية أن هناك عناوين جيدة، مترجمة أو مؤلفة، وأتأسف على أنني لم أتمكن من الاطلاع عليها في حينها. ولا يمكن لهذا التأخر في الاطلاع على ما ينشر إلا من مضاعفة عدم المواكبة، وإلغاء فتح النقاش حول الكتب التي يمكن أن تسهم تطوير الإبداع والدراسة، وتسهم في خلق نقاش حول القضايا التي تهم القارئ العربي. ولهذا السبب لا نجد الحوار حول الكتاب العربي يثير ما يثيره في البلدان المتطورة من اهتمام وجدل، والتي نجد الإعلام البصري وغيره يكرس لها حيزا مهما في برامج خاصة ودائمة لتقديم الكتب وفتح الحوارات حولها مع المهتمين من الباحثين والمتخصصين إلى جانب حضور المؤلفين وجمهور من القراء.
أرجع جزءا من مسؤولية هذا الوضع إلى غياب تقاليد صناعة البيبليوغرافيات في الثقافة العربية المعاصرة. وأتذكر حين كنت أعد دراسة حول الرواية المغاربية في القرن العشرين لكتارا المعاناة التي لمستها في الرجوع إلى هذه مؤلفات في هذه الصناعة. فباستثناء المجهود الخاص الذي بذله المغربي محمد قاسمي فيما يتعلق بالرواية المغربية، ومجهود أجنبية حول الرواية الموريتانية، إلى جانب عمل بوجمعة بوشويشة حول الرواية الليبية لم أجد ما يساعدني على العثور على بيبليوغرافيا شاملة للرواية التونسية والجزائرية.
إن الدراسات الأدبية العربية تراجعت كثيرا في معالجتها لموضوعات كانت شائعة حتى أواسط القرن الماضي. وأعزي ذلك إلى غياب الوعي العلمي التجريبي في المجال الأدبي العربي. لقد تراجع علم التحقيق رغم أهميته القصوى في تقديم النصوص المخطوطة، كما تراجعت الدراسات الاجتماعية للأدب في شقها الذي وضع أسسه العالم الفرنسي روبير إسكاربيت، فكان أن ضاع الاهتمام بالكتاب العربي في جانب التعريف به، وتنظيم وترتيب ما صدر منه وجعل كل ما يتصل به متوفرا بدون معاناة. كما أن لغياب الاهتمام بالأجناس الأدبية وأنواعها العامة والفرعية أثره في ذلك.
اهتم الباحثون العرب القدامى بالكتاب فصدرت كتب كثيرة تستجمع ما تفرق منه في أبواب، وتقدم فذلكات تعريفية به، وبمختلف الاختصاصات التي تدور في نطاقه.
اهتم الباحثون العرب القدامى بالكتاب فصدرت كتب كثيرة تستجمع ما تفرق منه في أبواب، وتقدم فذلكات تعريفية به، وبمختلف الاختصاصات التي تدور في نطاقه. فمن فهرست ابن النديم إلى أبجد العلوم للقنوجي مرورا بكشف الظنون لحاجي خليفة نجد تراثا غنيا يمكّن من تكوين صورة عامة عن الكتاب العربي القديم. ولقد أكمل بروكلمان هذا التقليد في صورة جديدة وهو يقدم ذلك في كتابه تاريخ الأدب العربي. في الثقافة الأجنبية نجد هذا التقليد قد تطور في “الموسوعات” الجديدة التي تعنى بالمؤلفات في جنس معين، أو بالمؤلفين حسب اختصاصات معينة، أو بالإنتاج الأدبي في أقطار خاصة.
لا يستدعي إحياء هذا التقليد المتصل بالعمل المكتبي سوى الإرادة والتطوير. ويمكن للمكتبات الوطنية العربية، وهي التي تعطي الإيداع الخاص بالكتاب أن تقدم سنويا مصنفات تستجمع ما صدر خلال كل سنة من عناوين، وتجعلها في خدمة القارئ العربي، وتوزع على المكتبات الوطنية العربية. كما يمكن للناشرين تقديم حصيلة ما ينشرونه إلى جانب الكراسات التي يوزعونها في المعارض، في مواقعهم الخاصة بهم، ويتم ترهينها باستمرار. بهذا المجهود الذي لا يتطلب سوى إرادة بسيطة، يمكن أن تقدم خدمة خاصة للكتاب العربي.
هذه المجهودات الخاصة التي يمكن أن تضطلع بها المكتبات الوطنية العربية، وبعضهم يقوم بذلك، إلى جانب ما تقوم به دور النشر، يمكن لبعض الشباب العرب الذين باتوا يهتمون بما هو رقمي، أو يمكن لجهة رسمية عربية أن تفتح موقعا عربيا شاملا يكون على صلة بالمكتبات الوطنية ودور النشر العربية، ويقدم باستمرار كل ما يصدر في أي قطر عربي من أي كتاب كيفما كان نوعه أو اختصاصه. ويمكن لهذا الموقع العربي بامتياز أن يكون بوابة عربية بامتياز تمنح القارئ فرصة التعرف على جديد ما يصدر في زمن قياسي. وبذلك يمكن أيضا فتح المجال للتعريف بالكتاب، وفتح حوار حوله. بهذا المجهود الذي لا يتطلب سوى الريادة والمبادرة يمكن تجاوز واحدة من كبريات المشاكل التي تحول دون التعرف على جديد من يصدر في أي قطر عربي من مؤلفات.
يزخر الفضاء الشبكي بالصفحات الخاصة بالكتب، كما أن العديد من المكتبات الإلكترونية العربية تتيح للقارئ العربي تحميل الكتب. لكننا نجدها كلها معنية بالكتاب حسب صدوره.
تطور الكتاب العربي، وتزايد الاهتمام به رهين بوابة إلكترونية عربية شاملة ومتطورة. وفي غياب ذلك سنظل متأخرين عن التعرف عليه بله الاطلاع عليه.