القصة القصيرة بأقلامهِم – “الحياة في ظل الوباء”
في دورتها الرابعة، أعلنت مؤسّسة الفكر العربي عن أسماء الفائزين بمسابقة القصة القصيرة بأقلامِهم، الموجّهة لتلامذة المرحلة الثانوية لكتابة نصوص باللّغة العربية، وذلك في إطار مشروعها الإسهام في تطوير تعليم اللّغة العربية وتعلّمها “عربي21”.
وقد تمحورت المسابقة هذا العام حول الحياة في ظلّ الوباء، والتجارب التي خاضها التلامذة، والمواقف التي عاشوها، فضلاً عن آرائهم بالحاسوب والهاتف، اللّذان شكّلا بدائل مؤقّتة عن التواصل الطبيعي خلال فترة الجائحة.
أمّا الفائزون فهم:
- المرتبة الأولى: مايا بكري (لبنان) “وماذا بَعْد؟”
استقبلتنا جدّتي بتعجُّبٍ: لماذا تركتُمْ بيروتَ؟ لأنَّ الوباءَ تفَشّى بشكلٍ مخيفٍ في المدينةِ، وكانَ أنِ انتقلنا إلى ضيعتِنا. بدأنا بدروسِ التعلُّم مِنْ بُعْدٍ. كُنّا نتعرّضُ نحن الأولاد لإحراجاتٍ ومضايقاتٍ. الأمُّ تتركُ عملَها، والوالدُ يُسافر للعملِ في الخارِجِ، والأختُ الممرِّضةُ تُصابُ وتجلبُ الوباءَ لجدَّتها فتذهبُ ضحيّته. وتتساءل: هل أنا أنقِذُ أرواحًا أم أنا أتلقّى الوَباءَ.
- المرتبة الثانية: بان العريبي (العراق) “مَنِ المُذنِب”
أطلبُ بإلحاحٍ، ولا أحدَ من محامي الدِّفاع يقبلُ بالدِّفاعِ عنّي، هرعتُ إلى قاعةِ المحكمة. يتقدّمُ المدَّعون ويُدلون بشكاويهِم ويطلبون الحكمَ عليّ. وأتولّى أنا الوباءُ الدِّفاعَ عن نفسي، فأرُدُّ كلَّ الاتِّهاماتِ، وأسأل القاضي: هل أنا المسؤولُ عن المجاعات، والأوزون، والحُروبِ…وتناديني أمّي: لقد طال نومُك فانهَضْ لكي تتابعَ حصصَ التعلُّمِ من بُعدٍ.
- المرتبة الثالثة: زينة جنبلاط (لبنان) “قِصّةُ فيروس”
أنا الّذي سجنكُم في البيتِ وحوّلَ حياتَكُمْ إلى خوفٍ وقلقٍ… أنا الفيروس كورونا! لقد منعتُكُمْ من لِقاءِ الأحِبّةِ. أنا الَّذي أقفلَ المدارسَ وجعلكُمْ تتعلَّمونَ مِنْ بُعْدٍ. أنتم تتَّهمونني بكُلَّ السّيِّئاتِ، ونسيتم أنّكم قد تجبَّرْتم كثيراً. أنا خطيرٌ جدّاً فتلقّحوا ضِدّي وحافظوا على الإجراءاتِ الوقائيّة.
- المرتبة الرابعة: يارا سليقة (لبنان) “عندما زارَ حيَّنا قوسُ قُزَح”
صارَ حيُّنا حزيناً بعد أن كان يضُجُّ بالنشاطِ والحركةِ، وغابَ الفرَحُ مِن أرجائِهِ. إنّهُ الوباءُ اللّعينُ الَّذي اجتاحَ البلادَ والعِبادَ. أقفلتِ المطاراتُ والمحالُّ والمدارسُ وصارَ التعلُّمُ من بُعدٍ. الحياةُ الرّوتينيّةُ استُبدِلَتْ بالاِنغماسِ في القراءة والفنون. صمتَ الحيُّ وكأنَّ طيفاً جديداً يُشبه قوسَ قُزَحٍ قد زار الحيَّ وقضى على كلِّ لونٍ رمادِيٍّ فيه.
- المرتبة الخامسة: شمس الخطيب (سوريا) “خطأ بسيط”
التّعليمُ مِنْ بُعدٍ لا يعني لها إلّا الشيءَ المقيتَ. كان همُّها ألّا يبقى هاتِفُها مفتوحاً، كي لا يدخلَ وَحدتَها غريبٌ. والوَحدةُ تربُضُ على ذاتِها العميقةِ بمرارةٍ وشجَنٍ… وفي إحدى المرّات وهي في الصفِّ الافتِراضِيِّ نادتْها المعلِّمةُ: يا شمسُ…. أغلِقي الكاميرا أرجوكِ! كان ذلك خطأً بسيطًاً، لكنّه بالفِعلِ كبيرٌ.
- المرتبة السادسة: علي عسّاف (لبنان) “قبضة القدر”.
يا للقدَرِ الغاشم، لقد نقلتُ الفيروسَ من دونِ أنْ أدرِيَ إلى جدّتي وأشعرُ بالنّدم والحزن الشديدَيْن. مسكينةٌ تعاني الأمرَّيْن في المستشفى، سعالٌ وأوجاع، وجدّي قربها يذوب قلقًا عليها. كنتُ أزورُها بشكلٍ دائمٍ فأحدِّثها عن التعليم عن بُعْدٍ الذي نُمارسه في البيت. وتكتملُ المأساة بِمَوتِ جدّي بعد يأسٍ مرير.
- المرتبة السابعة: تالين سري الدّين (لبنان) “سِجنٌ طوْعِيٌّ”.
هذا السِّجنُ كان بسببِ الوباءِ، كان لنا في بادِئ الأمر فرحةً وابتهاجاً، ثُمَّ ما لبِثَ أن صارَ يأساً وقد تبدَّلتْ حياتُنا وصُرتُ أسيرةَ عالمٍ افتِراضِيٍّ. وصارَ الاشتياقُ إلى المدرسة رغبةً ملحَّةً، المدرسةُ نعيمٌ والعائلةُ كنزٌ والصِّحةُ تاجٌ، ولا تهتمَّ لكلِّ ما كانَ إفتراضِيّاًّ ولو على قربِهِ، فهو في الواقعِ بعيدٌ.
- المرتبة الثامنة: سامر بركات (لبنان) “سيناريو من وراء الكواليس”
وباءٌ لعينٌ قدِمَ إلينا على متنِ إحدى الطائِراتِ، وشكّل عِصابةً راحت تفتكُ بالنّاسِ، فأقفلتِ المحالُّ والمدارسُ وصارَ التعلُّم مِن بُعدٍ بالحاسوبِ أو الهاتفِ، هذا الحاسوبُ صار عبئاً بعد أن كان وسيلةً لنيلِ المعارفِ وللتّسلِيَةِ. للحَجْرِ منافِعُ ومساوِئُ، فقد جعلَ العائلةَ تجتمعُ بعد تفرُّقٍ، ولكنّه حَرَمَنا رؤيةَ أصدقائِنا وأحبّائِنا.
- المرتبة التاسعة: تاليتا كيوان (لبنان) “بينَ الأمسِ واليومِ”
هكذا صارتِ الشّاشةُ ملخَّصَ حياتي، لم أعُدْ أعرِفُ قلمي ولا ورقتي، لقد صارتْ أمورُ الحياةِ كلُّها متشابهةً لديَّ، وأنا مسمَّرةٌ أمام شاشةِ الحاسوبِ أتابعُ دروسي مِنْ بُعدٍ. يبقى الأملُ موجوداً فتحملني الذِّكرياتُ إلى الحياةِ العاديّةِ الّتي لا شيءَ يحلُّ مكانَها، فأحِنُّ كثيراً للعودةِ إليها.
- المرتبة العاشرة: تقوى الرواحيّة (سلطنة عُمان) “مِنْ أينَ آتي بالشُّعلةِ؟”
تِكْ تِكْ تِكْ، السّاعةُ لا تهدأُ أبدًا، وتمرُّ الأوقاتُ وليس لدَيَّ شَغَفٌ بإنجازِ أيِّ عملٍ. الحياةُ في البيتِ صارتْ مملّةً، والأيّامُ تمرُّ هدراً، ولا حافِزَ لديّ للعملِ أو للدِّراسة. نصحو لننامَ وننامُ لِنصحى في سِلسِلةٍ من الأيّام الرّوتينيّة الباهتة. علينا أن نتحكّمَ بوقتِنا قبلَ أن يتحكّمَ الوقتُ بنا.
- المرتبة الحادية عشرة: وردة البناني (المغرب) “كتجربة…”
لمْ أكنْ أتوقّعُ أنّي سأصابُ بالكورونا. إلى أن ظهرتِ التحاليلُ، فكان ذلك بداية العذاباتِ حيثُ عزلتُ نفسي في غرفةٍ منفردةٍ. عانيتُ الآلامَ وضيقَ التَّنفُّسِ والصِّداعَ والشّهيقَ المؤلِمَ. صُرتُ أتمنّى الغيبوبةَ ولا أستفيقُ منها. كنتُ مجبرةً على متابعةِ دروسي من بُعدٍ. زارني أصدقائي مِنْ خلالِ الشرفةِ فزادوني ثِقةً بالنّفْسِ، في عُزلتي مارستُ القراءة والعزفَ على العودِ.
- المرتبة الثانية عشرة: زينة الصّايغ (لبنان) “سِجنٌ… والحارسُ فيروس”
هكذا سَجَننا هذا الفيروسُ اللَّعينُ في البيتِ. أُقفِلتِ المدارسُ وصارَ التعلُّمُ مِنْ بُعدٍ بوساطة الحاسوبِ أو بالهاتِفِ. نعم نحنُ ندرسُ مِن بُعْدٍ، ولكنْ نشعرُ بألمِ السِّجنِ ومرارتِهِ، نحنُ في الإقامةِ الجبريّةِ، لقد شِخْنا قبل أوانِنا. نتوقُ لِلرُّجوع إلى المدرسةِ ونشتاقُ لها كثيراً جدّاً.
- المرتبة الثالثة عشرة: روان ناصرالدين (لبنان) “جولة عبر الأزمنة”
هي رِحلةٌ عبرَ التاريخِ، ذكّرتني بالحربِ العالميّةِ الأولى ومآسيها. وقد انهار لبنانُ، ثمَّ عاد باسماً. ويُهاجمنا الوباءُ على غفلةٍ فنقبعُ في بيوتِنا خائفينَ، وتُقفِلُ المدارِسُ، ويصيرُ التعلُّمُ مِنْ بُعدٍ. ونرحلُ نحو المستقبلِ حيث يبسمُ لنا الزّمانُ. علّمنا الماضي عدمَ الاستِسلام، والمستقبلُ يحثُّنا على التفاؤلِ والصّبرِ.
- المرتبة الرابعة عشرة: علي خواجة (لبنان) “صباح الحياة”
اِتَّصَلَ بي صديقي حازم: لقد أُقفِلَتِ المدارسُ…كم كنتُ أتمنّى عطلةً طويلةً لأمارسَ فيها هواية التّصوير. هذا الفرحُ اصطدمَ بفيروسٍ لا يرحَمُ راحَ يحصدُ الناسَ بلا شفقةٍ. بعد حينٍ تملّكَني اليأسُ والكسلُ وصُرتُ أسيرَ الهاتِفِ وعبدَ الحاسوبِ.
بدأ التعلُّمُ من بُعدٍ وهو بنظرِ الطلّاب البُعدُ عن التعلُّمِ. وكانتِ المعاناةُ إلى أنْ كانَ الفرجُ وعُدنا بسلامٍ إلى المدرسةِ.
- المرتبة الخامسة عشرة: زينب الخبّاز (السعوديّة) “شبابيك أمل”
يمضي قِطارُ الدِّراسةِ بنا ولم يتوقّفْ أبداً لسنينَ خلتْ، إلى أنْ جاءَ وباءٌ جارفٌ أوقَفَ القطارَ، وأَقفَلَ المدارسَ، وقبَعْنا في البيتِ نتعلّمُ مِنْ بُعدٍ بوساطةِ الحاسوبِ أو الهاتِفِ.
هذا الحَجْرُ الصِّحِّيُّ جعلنا نعيشُ في أسرارٍ اتّسعت معها آفاقُنا… ولكنَّ الحنينَ إلى المدرسةِ استيقظَ في أعماقِنا من جديدٍ وألحَّ علينا بالعودةِ إلى المدرسة التي لا يُعوِّضُ عنها شيءٌ.
- المرتبة السادسة عشرة: رنيم الجوهري (لبنان) “حاضرةٌ غائبة”
أيقظتني أمّي، فأسرعتُ إلى المغسلةِ، آهٍ! ما لي أرى نفسي في المرآةِ فتاةً أخرى؟! هذا التعلُّمُ مِن بُعدٍ لم يعدْ يجذبني أبداً، فالمعلوماتُ تأتينا من بعيدٍ جافّةً ولا تُثيرُ فينا شغفَ الاستِزادةِ مِنَ المعرفةِ. أنا مشتاقةٌ كثيراً إلى المدرسةِ وإلى زملائي والمعلِّمين. المدرسةُ حياةٌ، والتعلّمُ على مقاعدِ الدّراسةِ يُحاكي أرواحَنا بفرَحٍ وسعادةٍ.
- المرتبة السابعة عشرة: أميمة قباب (المغرب) “بين يوم وليلة”
المطرُ ينهمرُ وأنا جالسةٌ في الشُّرفةِ، ويَنقلني خيالي نحو بلادِ فيروسيا حيث حكمَ كوفيد التاسعَ عشرَ، الحاكِمُ الجائِرُ، الّذي في عهدِه ارتعدَ الناسُ هلعاً واختبأوا في منازلِهِمْ. يا لَهولِ ما أتانا به مِنْ ويلاتٍ. وتبسمُ الحياة أَخيراً فأعودُ إلى المدرسةِ تاركةً التعلُّمَ مِنْ بعدٍ، أسيرُ بغبطةٍ في طريقي نحو المدرسةِ.
- المرتبة الثامنة عشرة: أنيس ناصرالدّين (لبنان) “يومَ أتى العالمُ إليَّ”
نعم، في أثناءِ أزمةِ كورونا أتى العالمُ إليَّ وأنا قابعٌ في البيتِ في السّرير، زارَني أصدقائي من خلال الحاسوب أو الهاتِفِ، نُمازح بعضَنا، ونزورُ شوارعَ المدنِ في الخارجِ ونحنُ جالسون على السّرير. لكنّني اشتقتُ إلى المدرسةِ إلى حميميَّة لقاءِ الرُّفقاءِ، وأبقى أذكرُ أنّ العالمَ أتى إليّ في يومٍ من الأيّامِ.
- المرتبة التاسعة عشرة: محمَّد الشقرة (لبنان) “مدرسةٌ بلا حياة”
ما أجملَها كانتْ حياتُنا في مدرسةِ ضَيْعَتي، نذهبُ إليها مشياً، أحببتُها كثيراً، وإذا بالوباءِ يحُلُّ ضيفًا خطِراً ويقلبُ حياتَنا رأساً على عقبِ، فنُصبحُ أسرى الشّاشاتِ والهواتِفِ. وكمْ مِنَ المقالِبِ كانت تحدثُ معنا، أيّامٌ فيها فوضى ولا تٌغني عن المدرسةِ الَّتي هي النِّظامُ والثباتُ فالشّاشةُ الجميلةُ لن تكونَ بديلاً أبداً.
- المرتبة العشرين: رحمة الحدّاد (السعوديّة) “رُبَّانَة”
أذكرُ كيف جاءَ حسن وقالَ لي: خالة رحمة مَنْ هو هذا الكورونا؟ لقد حَبَسنا هذا الوباءُ في البيتِ، وأصبحْنا نتعلّمُ من بُعدٍ. وشعرنا بالمرارة، ولكن اعتدنا إلى حدٍّ ما، فالسجنُ في البيتِ له حسناتُهُ أيضاً إذ تعرّفنا أكثرَ إلى ذواتنا وإلى إخوتنا وإلى أمّي، ماذا تحبّ وماذا تكرهُ… ولمْ يٌبارحِ الشوقُ الجامحُ نفوسَنا بالعودةِ إلى المدرسة، وَعُدْنا بفرحٍ.