الدراسات الثقافية

الأثلة.. شجرة في ذاكرة أهل الكويت

بيئة الكويت صحراوية، شديدة الحرارة، قليلة المطر، تحتاج إلى الزرع بصورة ملحة، خصوصا في فصل الصيف، ويتطلب الأمر المحافظة على النباتات والأشجار التي تتواءم مع هذه الطبيعة القاسية.


وقد شكلت الأشجار الأربع: الأثل، والسدر، والنخيل، والصفصاف، تآلفاً وتجانساً، لذا أدرك قدماء أهل الكويت أهميتها، فأولوها عناية ورعاية. ومن الأشجار التي لا تنسى في ذاكرة أهل الكويت قديماً «الأثلة»، فهي تلائم مناخ الكويت، وأثبتت على مر السنين قدرتها على التكيف، فهي دائمة الخضرة، سريعة النمو، زرعوها في كل مكان.


واستظلوا بظلها عند اشتداد حرارة القيظ، واستفادوا من حطبها في التدفئة والطبخ. شجرة الأثل تحط الطيور أعشاشها عليها، وتملأها صفيراً، خصوصاً قبيل الغروب، وبُعيد الشروق.


وتمثل في تمايل أغصانها عند هبوب النسيم جمالاً، وعند عصف الرياح شموخاً، وعندما تبتل بزخات المطر يخرج عبقها العتيق، وحين يخالطها البدر بضوئه مبتلة، تتلألأ سيقانها وأوراقها كحبات الجمان. كَثُرَتْ في مناطق عدة من أراضي الكويت كالجهراء، وأبو حليفة، والفنطاس، والفنيطيس، والراس، والصبيحية، وحولي، وفيلكا، وغيرها.


بل عرفت بها بعض الأماكن، فقيل: أثل الخالد، ليدل على أنهم قاموا بزراعته قرب مساكنهم، ويقال إنه الأثل الأشهر في الكويت قديماً.


وأخشاب الأثل تستخدم أيضاً في أسقف المباني، وأوتاد الخيام، وفي التوكؤ، وعصيا لرعيان الغنم والإبل لاستقامتها ونعومة ملمسها، وفي صنع «النباطة» لصيد الطيور. وكبار السن يستخدمونها لتأديب الصبيان، وإذا ما استطالت سيقانها اتخذت كمشعاب للضرب وغيره.


وحتى أوراقها إن جفت صارت وقوداً لأول إشعال النار، وإذا ما وضعت لاحقاً زادتها اشتعالاً ووهجاً.

وفي كويت الماضي لعبت أشجار الأثل كمصدات للرياح المحملة بالأتربة، فقام أهل الكويت بزرعها على جوانب الطرق، وجهات هبوب الرياح، فعملت على ترسيب الأتربة خلفها، وشكلت سياجاً مانعاً يحول دون انتقالها.


وتدخل شجرة الأثل عند أهل طب الأعشاب في علاج بعض الأمراض المرتبطة بالكبد، والأسنان، والحمى، والحروق، والأمعاء.. وغيرها، ولكن لا غنى عن استشارة الطب الحديث حول ذلك، نفعاً أو ضراً.


تبقى الأثلة في عيون الأجداد والآباء شجرة باسقة، ماثلة في فوائدها، تحكي أجمل الذكريات، وتحمل في شموخها تحدياً صارخاً لصعوبة العيش في ذاك الزمان.


المصدر

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى