المهدي المنجرة – مفهوم الديمقراطية
أنا أتساءل كيف يمكن لدول ديمقراطية أن تأخذ حكوماتها عكس ما تريده شعوبها، لننظر إلى إيطاليا أو إسبانيا أو إنجلترا أو أمريكا نفسها، أنا لا أقصد بلداننا، فلا ديمقراطية لدينا ولا حكومات مستقلة.
فنحن نوجد في فراغ تام، كيف سنتحدث عن مفهوم الديمقراطية في القرن ال 21 ولم يعد هناك حد أدنى من الاحترام لكل هذا البشر الذي يقول صباح مساء: “أنا ضد سياستك”، ورغم كل شيء تذهب هذه الحكومات وراء أمريكا.
إن مفهوم الديمقراطية انتهى حتى عند الدول التي تعتبر نفسها مصدر هذه الديمقراطية، أما إذا تحدثنا عن الأمم المتحدة فلم تبق لديها أية مصداقية، وأنا كتبت قبل سنوات عدة أنها تحولت إلى آلة للهيمنة الاستعمارية الجديدة، يشتغل بها موظفون انتهازيون، جاء عدد منهم من العالم الثالث.
(())
تَخَلُّفُنَا أساسه الثقافي والاقتصادي والسياسي هو أننا لم نجد رؤية في بلدان الجنوب، والرؤيا لا تأتي من شخص واحد بل من مجتمع عائم في الخلق والإبداع، في الحرية والجماليات، لما ندرس كيف نمت الدول، انطلاق اليابان في أواخر القرن التاسع عشر ليس فقط في الاقتصاد.
لنر المدرسة التشكيلية اليابانية في نفس الفترة.. إذن يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أننا حين نتكلم عن التشكيل نتحدث عن وضعية، عن خلق وإبداع، وإذا توفرت الشروط للخلق والإبداع في أي مجال في النحت أو الرسم أو الطرب أو الشعر البقية تأتي.
(())
الانفتاح على العالم شيء، والمساعدة من الخارج شيء آخر، وأظن أنه ليس هناك أية تنمية ممكنة في العالم العربي أو في أي جزء من العالم الثالث بدون الاعتماد على النفس، وكل يوم نعيشه بمساعدة يؤخرنا يومين أو ثلاثة فيما يخص استقلالنا الاقتصادي الحقيقي على الأمد الطويل.
لهذا أقول أن الاعتماد على النفس هو شيء ضروري، ولا يجب أن نعتبره كانكماش على أنفسنا، ذلك أنه بإمكاننا أن نحقق الاعتماد على النفس وفي الوقت ذاته نظل منفتحين على بقية العالم والتيارات التي يموج بها في ميدان التكنولوجيا أو العلوم، وكذلك في ميدان التعاون الحقيقي والذي يتم داخل إطار علاقات متساوية بين الأطراف الداخلة فيه.
أما المساعدات الفنية الثنائية، بل والمساعدات من المنظمات الدولية فلا تدخل في هذا الإطار، لأن التنمية اليوم ليست مسألة تمويل وإنما هي مسألة تفكير واستغلال لموارد بشرية قبل كل شيء، وثانوية بالنسبة إلى الموارد الطبيعية. وأظن أن أكبر غلط في العالم الثالث حتى الآن.
وفي العالم العربي بالخصوص هو عدم استغلال واستعمال هذه الموارد البشرية الموجودة في العالم العربي، فمن المعروف أن الأمية في العالم العربي ما زالت عند مستوى مرتفع جدا، فهو آخر منطقة في العالم.. في أفريقيا على سبيل المثال تشكل الأمية 53 % من عدد السكان، أما في العالم العربي فهي تشكل 54.60 % من عدد السكان.
إن معدلات الأمية في آسيا أكثر انخفاضا بكثير وكذلك في أمريكا اللاتينية، ولم يتم حتى الآن استغلال هذا الكنز الحقيقي في أي بلد عربي استغلالا فعليا، بل تشهد المنطقة العربية منذ سنوات ظاهرة نزيف العقول أو نزح العقول، وذلك نتيجة لعدم وجود سياسة تهتم بالموارد البشرية، وبعض الدول تتبع سياسة تضطهد وتُبعد وتُحارب الكفاءة.
وهذه السياسة في محاربة الكفاءة توجد بالفعل في العالم العربي، وذلك بدلا من الاستفادة منها بالرغم من أن التنمية الحقيقية هي في تنمية هذه الموارد البشرية وليس الاعتماد على الأموال الخارجية.
(())
هناك دائما علاقة بين استغلال كفاءة الموارد البشرية والبحث العلمي، لأن البحث العلمي أو الاستراتيجية السياسية للبحث العلمي تتطلب أولا أن يكون المجتمع المعين له رؤية مستقبلية على أمد طويل عن “إلى أين؟” يريد هذا المجتمع الوصول، ثانيا أن تكون من بين قيم هذا المجتمع الاهتمام بالبحث، وأن تكون قيم الاهتمام بالبحث في مكانة أعلى.
وهذا ما كان في كل حضارة كبرى، ونجده في تاريخ العرب وتاريخ المسلمين وتاريخ جميع الحضارات الأخرى الهندية أو الصينية إلى آخره. في كل هذه الحضارات كان هناك اهتمام كبير بالعلم وبالفكر وبالبحث، وكل هذا كان يتم على أساس رؤية، وفي العالم العربي الآن لا توجد رؤية فيما يخص مستقبلنا.
فنحن تابعون وهي تبعية بدون اختيار رؤية لمجتمع معين هذا من جهة، ومن جهة أخرى القيم التي كانت سائدة في الماضي والخاصة بالاهتمام بالبحث العلمي وبالكفاءة ليست موجودة الآن، وهذا وَاقِعُ أَيِّ عَالِمٍ في العالم العربي أو أي إنسان في العمل الجامعي أو البحث العلمي.
فالصعوبات التي يواجهها أَيٌّ منهم هي صعوبات كبرى، أولا من ناحية البيئة، فالبحث العلمي لا يكفيه التمويل فقط بل يتطلب حرية وبيئة يستطيع الإنسان أن يعبر فيها عن كل شيء في فكره أو في بحثه، ولكن عندما توجد شروط مباشرة أو غير مباشرة فيما يخص عمل البحث ينتهي البحث العلمي.