موسوعة: نهاية الأرب في فنون الأدب – شهاب الدين النويري

تُعَدُّ موسوعة نهاية الأرب في فنون الأدب، واحدة من أضخم المشاريع المعرفية التي أنجزها الفكر العربي الإسلامي في العصور الوسطى. ألَّفها المؤرخ والأديب المصري شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب النويري (ت 733هـ/1333م) قبل عام 721 هـ، فجاء عمله مرجعا موسوعيا جامعا لخلاصة التراث العربي في مجالي الأدب والتاريخ.
تقع الموسوعة في 33 مجلدا تضم ما يزيد عن 4400 صفحة، وقد أشار ابن كثير إلى أن النويري كان ينسخها بخط يده ويبيع النسخة الواحدة بألف درهم، وهو ما يعكس قيمة العمل وأصالته في عصره.
- اكتشاف الموسوعة وإعادة نشرها
ظلت نهاية الأرب مفقودة لقرون، إلى أن اكتشفها أحمد زكي باشا في إحدى مكتبات الآستانة، فنقل نسخة مصورة إلى القاهرة. وقد تشكلت لجنة علمية لتحقيقها وطباعتها، فصدر المجلد الأول سنة 1920، فيما اكتملت طباعة الجزء قبل الأخير عام 1992.
- البناء المعرفي للموسوعة
قسم النويري موسوعته إلى خمسة فنون رئيسية:
- السماء والآثار العلوية والأرض والآثار السفلية: ويتناول الجغرافيا والفلك.
- الإنسان: في جوانبه الجسدية والاجتماعية والثقافية.
- الحيوان: دراسة واسعة لعالم الحيوان.
- النبات: معرفة شاملة بالنباتات وفوائدها.
- التاريخ: وهو أوسع الأقسام، ويمتد عبر 21 مجلدا.
تشغل الفنون الأربعة الأولى 12 مجلدا، بينما يحتل التاريخ ما تبقى من الأجزاء. ويبدأ هذا القسم بسرد تاريخ الإنسانية من آدم والأنبياء حتى الرسول محمد ﷺ، مرورا بمراحل متعددة من التاريخ الإسلامي.
- مصادر النويري وأهميته
اعتمد النويري في تأليفه على ما يقارب 76 كتابا بين مخطوط ومطبوع، فاختصر وأعاد صياغة نصوص من أمهات كتب الأدب والتاريخ، مثل: الأغاني، فقه اللغة، مجمع الأمثال، مباهج الفكر، وذم الهوى. كما لخص كتبا تاريخية مثل بهجة الزمن في تاريخ اليمن لعبد الباقي اليمني.
ومن أبرز أمثلة ذلك:
- ملخص كتاب الأغاني كاملا في الجزأين الرابع والخامس.
- ملخص مباهج الفكر في الجزء الثاني عشر.
- مادة من بهجة الزمن في الجزء 31.
بهذا جمع النويري بين منهج الانتقاء والترتيب، فحوّل موسوعته إلى أرشيف معرفي متكامل يتيح للباحثين الاطلاع على خلاصة تراث القرون السبعة التي سبقته.
- القيمة العلمية للموسوعة
تتمثل أهمية نهاية الأرب في جانبين رئيسيين:
- المادة التاريخية في الأجزاء الأخيرة، التي اعتمد عليها مؤرخون كبار مثل ابن تغري بردي.
- منهجه في ترتيب التراث الأدبي وصياغته في بناء موسوعي منظم يجمع بين التبويب والتصنيف.
وقد لخّص النويري فلسفته في التصنيف بقوله:
«فامتطيت جواد المطالعة وركضتُ في ميدان المراجعة، وحيثُ ذلَّ لي مركبها، وصفا لي مشربها، آثرتُ أن أجرِّد كتابا أستأنس به وأرجع إليه وأعول فيما يعرض لي من المهمات عليه، فاستخرت الله -سبحانه وتعالى- وأثبتُ منها خمسة فنون حسنة الترتيب، بيّنة التقسيم والتبويب، كل فن منها يحتوي على خمسة أقسام».