Heurs et malheurs de l’étymologie, François Muller, « Linx » Revue des linguistes de l’université Paris Nanterre, 1 décembre 2006 .
- ما فائدة فقهاء اللغة في أوقات البؤس هاته ؟
كان مهد التأثيل مع أفلاطون الذي جعل اللغويات التاريخية في أوجها لأكثر من قرن ، ونظرا للجانب التقني للتأثيل ، فإنه لم يلق استحسانا في أغلب الأحيان ، ولا يمكن لأي كان الارتجال كفيلولوجي ، وحتى لو حدث ، يظل التساؤل قائما بشأن مكانة التأثيل في اكتساب اللغتين الأولى والثانية .
ننشد طريقا وسطا بين المطالبة بكل ما هو تأثيلي ونبذه الصِرف والسلس ، بحيث يكون فعالا وواقعيا .
- 1 تعريفات التأثيل وتاريخه .
فإن التأثيل : “علم انتساب الكلمات، أي حسب تصور القدماء البحث (Jules Marouzeau)حسب جيل مازورو عن معانيها الأصلية، ووفقا لتصور العلم الحديث إعادة بناء أصل الكلمة ، عن طريق الصعود من الحالة الراهنة إلى أقدم حالة : “العلم الذي يهدف إلى البحث عن (Henri Bonnard) متاحة”، بعد أربعين سنة لم يختلف تعريف التأثيل عند هنري بونار (Dictionnaire de linguistique) أصول الكلمات في لغة معينة، فهو إعادة بناء أصول هذه الكلمات”.
بينما في (1973) مقالا مستفيضا عن التأثيل في صفحتين، ولا يوجد في المقابل أي مدخل “تأثيل” في (Dubois)يخصص دوبوا، وكوسط دانيال (Robert Galisson) لروبيركاليصون (Dictionnaire de didactique des langues) قاموس، لا يوجد سوى مدخل واحد لصفة “تأثيلي” متعلق ب “ترتيب تأثيلي” نجده في بعض الأنواع (1976)(Coste Daniel) من القواميس .
في قاموسه للسانيات :” علم أصل المعنى الأساسي (H.Bussmann) هناك تعريف أكثر تفصيلا (مقبولية) لدى بيسمان
والمعنى التطوري (دلاليا وصوريا) لكلمات مأخوذة بشكل فردي، وعلاقتها بكلمات منحدرة من نفس الأصل في لغات مختلفة” .
(1)
أول لساني اهتم بالتأثيل(نهاية القرن الخامس وبداية القرن السادس قبل الميلاد)، فقد ميز في (Panini)يعد تاريخيا الهندي بانيني
ما بين الجذور والزوائد، وحلل الكلمات بناء على قاعدة من المعايير التأثيلية.(Ashtad Hyayi)عمله المعنون بـ
نقلا عن سقراط، يعرض مفهومه عن التأثيل، يبقى التساؤل الملح :« Cratyle »وفي اليونان نجد أفلاطون في كتابه
لماذا يهتم أفلاطون بعلم الكلمات ؟
ببساطة لأن التأثيل ضروري لمعرفة الطبيعة الحقيقية للأشياء، وهو ما تمثله الفلسفة بالضبط مثلما يرد في كتابه سالف الذكر:
“عندما نعرف الأسماء، نعرف الاشياء” (يحمل الحوار كعنوان فرعي:”بغاية ضبط الكلمات”).
إن ما يثير اهتمام أفلاطون هو أن يعرض مصطلحات الحجاج على خاصية اتفاقية أو طبيعية للكلمات، وعليه فإن عناية أفلاطون بشأن لساني، ليس لها صلة باللسانيات نفسها (لم يكن لها وجود في تلك الحقبة)، وعندما نبحث عبثا في هذا النص الشهير عن أثر تحليل علمي ما ، فإننا نعثر في حالات لا تخلو من طرافة على الكثير من التأثيل المتوهم لأفلاطون، لنلاحظ هذه الأمثلة :
لأن الأبطال « éros »تأتي من « Hésiode »بالإحالة على الشاعر اليوناني « héros »يوضح سقراط أن كلمة
الذي يعني “تكلم”، ليخلص إلى أن الأبطال « eiréin »يولدون من محبة الآلهة، ويميل أيضا إلى تقريبها بينها وبين الفعل
هم أعظم الخطباء…
سوى كتبه من 5 إلى 10: (Varron) الخمسة وعشرون لفارون « De lingua latina »ما ظل من كتب
يعالج أصول أسماء عامة في كتبه من 5 إلى 7 ، وكذلك أسماء الزمان والمكان، وفي الكتب الثلاثة المتبقية (من 8إلى 10) يدرس بإسهاب قضايا الاشتقاق، إذ يدعو إلى التوليف بين القياس والشذوذ في تكوين الكلمات، حيث صاغ مصطلح “الصرف
.(declinatio voluntaris)الذي يعارض الاشتقاق (declinatio naturalis)الإعراب”
يظهر مصطلح “التأثيل” في بداية القرن الرابع مرة أخرى في عنوان المصنف الواسع لمعارف العصور القديمة، الذي يُعزى إلى الكاهن
. « Origine »بسيلفيا (560-636)، حيث قدمه كمرادف ل”أصل” « Isidore »
(2)
يبين الكاتب من خلال تأثيلات خيالية في غالب الأحيان أسماء الكلمات المفاتيح لموسوعته، كما يولي إيزيدور سيلفيا أهمية بالغة لتحليل الكلمة، لأنه مقتنع تماما بأن معرفة الكلمة هي المدخل الأنسب للوصول إلى جوهر الشيء:
في اليونانية “أصلي” ؟ « etymon »ألا تعني
الذين نقلوا بإيمان وموهبة (Cassiodore)أو كاسيودور (Boèce)إيزيدور سيلفيا هو واحد من زمرة المثقفين أمثال بويس
التراث القديم إلى عالم حديث سليل غزوات كبرى؛ فقد كان له تأثير كبير على الفكر في العصور الوسطى، ما يفسر امتداد هذا:
تتوارى حقيقة الأشياء خلف الكلمة، وبالتالي في الحروف التي « Kabbale »التيار الفكري في الغرب والذي نجده أيضا في
تتشكل منها هذه الكلمة.
أكثر من ذلك أنه من خلال تعيين رقم محدد لكل حرف، نقوم بإرساء علم الأرقام الذي يعد قياسا للتأثيل؛ إذ تتأسس عراقة
.(décryptage) ، وهو مصطلح تشير إحدى سماته إلى طابع تأويلي لتفكيك السنن(chiffre)الحرف نظيرتها للرقم
“تصوف اللغة” الذي(Andreas Gardt)في ألمانيا تحديدا تطور تاريخيا ما يسميه مؤرخ اللسانيات الألمانية أندرياس جارت
.(Jakob Boehme)ويعقوب بوهمه (Johannes Reuchlin)كان أبرز ممثليه جوهان غوشلان
بالنسبة لغوشلان (1455-1522) ليست الأسماء رموزا تم التواضع عليها واكتسابها ذاتيا، وإنما هي استحداث موضوعي لجوهر الأشياء، وبذلك ستمكن من فهم تام لطبيعة الإله بتجميع المصطلحات التي تعنيه.
وليست الكابالا سوى مجرد رمزية لاهوتية، حيث […] الحروف والأسماء هي علامات الأشياء، وحاصل هذا الغموض الذي يلف “عن أصل وتسمية جميع الكائنات”.« De Signatura rerum » العلامة هو عمل بوهمه (1575-1624)
بإسهاب أن هذا الإنسان الذي أُنشئ على صورة إله، هو « Philosophus teutonicus »يوضح بوهمه أو كما يسمى
نفسه قادر على إعادة خلق العالم بواسطة اللغة، وذلك من خلال إقامة علاقة مباشرة بين الكلمة والشيء.
(3)
لا يحتاج الإنسان إذا إلى تعلم اللغات البشرية، ولكن يجدر به فِكاك سر الطبيعة الغائرة لأسماء الأشياء، لأن الإله قد أودع فيها
.(signatura)بصماته
إلى جانب هذا الاشتقاق الغير عقلاني والبلا نتيجة (كان بوهمه عصاميا)، فقد واصلت الجامعة تدريس الفنون الليبرالية، التي تضمنت التخصصات التقليدية للثلاثي (منطق، بلاغة، نحو) والرباعي (حساب، هندسة، علم الفلك، وموسيقى).
من الطبيعي أن يكون للتأثيل مكانه في النحو، وقد شكل جزءا منه إلى جانب الإملاء والعروض والتركيب، بحيث انقسم إلى ثلاثة: أجزاء الخطاب-الإعراب-دراسة تشكيل الكلمة (اشتقاق وتركيب).
لم تكن هناك قطيعة مع أواخر القرون الوسطى في هذا الميدان أو في غيره (كالمنطق مثلا) في القرنين السادس عشر والسابع عشر، وإنما تندرج جل الميادين تماشيا مع المفاهيم السابقة.
ويظل الكتاب المقدس مرجعا لكل تنظير في علم الأنساب اللغوية، ومواصلة التعقب إلى حدود العبرية لتفسير أصل اللغات.
(1510-1581) وهو متخصص في اللغات السامية (من الذين كتبوا عن نحو(Guillaume Postel)نشر جيوم بوستيل
عربي) سنة 1538 “أصل أو عتاقة اللغة والشعب العبري، وكذلك الائتلاف الموجود بين مختلف اللغات”، ونرصد المقارنة وعلم الأنساب مقترنان منذ عصر النهضة في التصنيف اللغوي، حيث لا يتوانى فقهاء اللغة عن استخدام العبرية لتعزيز لغتهم الخاصة.
لإثبات أن الفلورنسية أصلها من الأتورية التي (Pier Francesco Giambullari)سعى (Florence)وفي فلورنسا
جاءت بدورها من العبرية …
(1569) أن لغة الكتاب المقدس هي .. « Origines Antwerpianae » في كتابه(Van Gorp)يدعي الفلمنكي
التوتونية (نسبة إلى سكان جرمانيا الشمالية) أي الفلمنكية.
هناك قضيتان مترابطتان فيما بينهما سيسهمان في ارتقاء الانعكاس اللغوي، ولو لم تفض في ذلك الوقت إلى أي نتائج ملموسة.
تنضم المساءلة حول اللغة الآدمية “وهذا يعني اللغة الأصلية التي من المفترض أن تعكس الأسماء فيها طبيعة الأشياء بالضبط”
؛ في كلتا الحالتين يتعلق الأمر بمعالجة لعنة « Lingua universalis »(على غير منأى من غوشلان وبوهمه) إلى موضوع
التباس اللغات، من خلال التساؤل حول ما قبل الكتاب المقدس، أو بالانتقال صوب خلق لغة اصطناعية وبالتالي مثالية.
(4)
يعتمد كلا المسعيان على بعضهما البعض؛ فهما في الواقع يرتبطان “بإشكال تقنيات مؤهلة لإعادة بناء تأثيل الاسماء، وتحديد إلى أي مدى تعكس المعنى الخاص للكلمة، تمت موضوع آخر للنقاش بشأن فلسفة القرن السابع عشر […] والذي سيُتناول من قبل لسانيات الأنوار، في إطار بحث تاريخي أنثروبولوجي فضفاض وذي أهمية بالغة، والذي سينضم على غرار سابقه في بداية القرن التاسع عشر إلى اللسانيات التاريخية والمقارنة”.
بعد عدة قرون من التجريب والتقلبات المتعثرة نوعا ما، فإن التأثيل العلمي بصيغته التي نعهدها اليوم، تأسس أخيرا مطلع القرن التاسع عشر عندما أن اللغة السنسكريتية التي عرفتها أوروبا منذ القرن السادس عشر، لم تكن أما لجميع اللغات، بل أختا للاتينية .(Arthur Jones)ولليونانية، مثلما اعتمدت منذ سنة 1786 في الهند من طرف قاضي إنجليزي اسمه أرتور جونس
بيد أنه لم يكن الإنجليز بل الألمان هم الذين جابهوا هذه المهمة الشاقة والجبارة، المتمثلة في استصلاح وترجمة النصوص القديمة،
(Friedrich et Auguste Schlegel)فكانت ديباجة ملحمة عذبة، لمعت فيها عقول عظيمة مثل الأخوان شليجل
(Wilhelm Von Humboldt)وفيلهلم فون همبولت (Jacob-Wilhelm Gimm) الأخوان غريم
(Rasmus Rask)والدانماركي راموس رسك (Franz Bopp)وفرانز بوب (August Schleicher)أوجست شليشر
وهما: “أبحاث تأثيلية في مجال اللغات (August Friedrich Pott)أبرز عملين خصصا للتأثيل هما لأوجست بوت
الهندوأوروبية” و “معجم الجذور”.
الدنمركي،(Karl Verner)ما كان الجيل الثاني من فقهاء اللغة والنحاة المحدثون خير خلف، اشتهر من بينهم كارل فيرني
، مددوا استقصاءهم إلى لغات (Hermann Paul-Delbruck-Karl Brugmann)في حين كان معظمهم ألمان
أخرى، ورسخوا طابع العلمية في التأثيل.
، وهو كاتب الصيغة الشهيرة:”القوانين (Leipzig)سلافي درس بجامعة ليبزج (August Leskien)أوجست ليسكيان
الصوتية لا تعرف الاستثناء”.
(1820-1885) نشر من سنة 1858 إلى سنة 1862 “أسس علم التأثيل اليوناني”(Georg Curtius)جورج كيرتيس
قضى سوسير أربع سنوات بليبزج (1876-1880) حيث تابع محاضرات بروجمان وكيرتيس، فنشر:
(5)
“مذكرة عن النظام الأولي لحروف العلة في اللغات الهندوأوروبية” (1878).
(Michel Bréal)وميشيل بريال (Eugène Burnouf) سيظهر لاحقا بعض الفرنسيين أمثال: أوجين بيرنوف
،(Antoine Meillet)وأنطوان ميلي (Arsène,James Darmesteter)الأخوان دارمستيتير
الذي شغل كرسي النحو المقارن(Emile Benveniste) ثم إميل بنفينيست(Joseph Vendryes)وجوزيف فنريس
إلى غاية عام 1969.(Collège de France)للغات بكوليج دوفرنس
قد نغفل عن الدور البارز الذي أداه النحاة المحدثون في تطوير اللسانيات الحديثة، إلى جانب ماسبق ذكره، ففي الولايات المتحدة
(Leonard Bloomfield)وبلومفيلد (Edward Sapir)إدوارد سابير (Franz Boas)الأمريكية كان فرانز بوهاس
ألمانا في الأصل ومتمرسين على أعمال علماء اللغة الألمان، وقد تابع بلومفيلد دروس بروجمان وليسكيان بليبزج، تمام مثل
، إذ ارتكزت البنيوية الأمريكية على الموارد المالية المعتمدة من قبل النحاة (Nicolas Troubetzkoy)نيقولا تروبتسكوي
المحدثين الأمريكيين، الذين خضعوا للتكوين بالمدرسة الألمانية.
(1993) أبرز النحاة الالمانيين وسيرهم الذاتية، إذ تمكن روبير هال« Language »يورد بلومفيلد في الفصل الأول من كتاب
من الكتابة عن هذا الموضوع فقال:”من المرجح اعتبار بلومفيلد آخر تلميذ لليسكيان وبروجمان، وبالتالي (Robert Hall)
كحلقة وصل بين النحاة المحدثين لسنوات 1870 واللسانيات الأمريكية لأواسط القرن 20.
ومما لا شك فيه أن هذا الاتصال قد عزز التزام بلومفيلد ب “فرضية النحاة المحدثين” (كما اعتاد أن يقول) عن أحكام التغيرات
.(Maurice Bloomfield)الصوتية التي دافع عنها سابقا عمه موريس بلومفيلد
(6)
- 2 هل التأثيل علم دقيق؟
لماذا عرف فقه اللغة فيما مضى ازدهارا عارما؟ ولماذا يتعرض اليوم للإهمال والانتقاص من قيمته؟
الجواب يسير: إن سبب نجاحه هو نفس السبب وراء تهميشه.
“واحد من (Henri Bonnard)بوسعنا الإقرار بأن التاثيل هو أكثر علمية من “العلوم الإنسانية” فهو حسب هنري بونار”
أعرق العلوم الإنسانية”، على أي أساس يقوم مثل هذا الحكم؟
في النصف الثاني من القرن التاسع عشر تطلع فقه اللغة إلى نظام أساسي للعلم، أي تشريع لمجال تحكمه قوانين كما في الفيزياء أو الكيمياء، وتحديدا فإن النحاة المحدثين هم الذين عملوا على هذا النهج.
(1840-« la déclinaison en slavo-lituanien et en germanique »صاغ ليسكيان في كتابه الألمع
1916) المبدأ الذي لا تحيد عنه القوانين الصوتية:”إذا تغاضينا عن الفجوات العرضية وعجزنا عن إقامة علاقات بينها، فذلك لأننا على استعداد أن نُجوز موضوع البحث، وفي هذا الصدد لا يكون في مقدورنا أن نلم علميا باللغة”.
(1847-1909) أكثر حزما إذ يقول:”بعد كل ما استند إليه البحث الحالي من منهجية صارمة، ليس بوسعنا(Osthoff)نجد سوى معاينة أن القوانين الصوتية للغات تعمل بعشوائية، مع الضرورة الطبيعية للعشوائية، وأنها لا تعترف لا باستثناءات ولا بتعديلات”.
(Charles Darwin)إن علم الأحياء هو النموذج الأمثل لعلم اللغة،وسوف لن نؤكد على التأثير العميق الذي أحدثه داروين
الذي ترجم منذ سنة 1860، كما نشر شليشر كتابه « The Origine or Species »في ألمانيا، إذ نشر سنة 1859
.« Lettre à Haeckel sur la théorie darwinienne et la linguistique »الشهير
وفي فرنسا، كانت الداروينية أكثر حظوة، لأن فكرة التطور نفسها كانت محط دفاع من طرف جون بابتيست دولامارك
، وكتب أرسين دارمستتر(Georges Cuvier) ضد جورج كيفيي (Jean-Baptiste de Lamarck)
(1886) :« La vie des mots »في مقدمة (وفي عنوان) عمله (Arsène Darmesteter)
(7)
“إن تحديد حياة دلالة ما، ليس هو العودة إلى الأصل الأول للكلمة، بل إلى المعنى السابق الذي يفسرها، كما هو الحال في “التاريخ الطبيعي” للرجوع إلى أصل الفرد، وليس أصل الفصيلة، وإنما الأفراد التي يشتق منها ذكورا وإناثا، وسنجد في هذا العمل عددا من المقارنات مع “التاريخ الطبيعي” التي لم يتم البحث عنها للتحيز، وإنما التقت تحت قلم المؤلف. تعاقبت أبحاث طويلة الأمد عن تاريخ اللغات ذات الأصل اللاتيني خاصة الفرنسية، أدت إلى استنتاج مفاده […] أن التحولية هي قانون تطور اللغة.
إن معرفته بالتاريخ الطبيعي لا تخول له الإقرار بان نظريات داروين هي الحقيقة، ولكن ما أُفسح المجال لنظريات جديدة، فإن التحولية في اللغة هي حقيقة. اللغة هي مادة صوتية قام الفكر الإنساني بتغييرها إلى ما لا نهاية، وبشكل غير محسوس، في غمرة الفعل اللاواعي للتيار الحيوي والتشكيلة الطبيعية”.(ص26-27)
يمكن أن نرجئ التجاهل المستفحل تجاه فقه اللغة وكذلك التأثيل، إلى الثورة الهائلة التي بدأت مع نشر “محاضرات اللسانيات العامة” لسوسير سنة 1916 الذي يعارض التعاقبية كلية الوجود عند النحاة المحدثون، مقابل الدراسة التزامنية للغة.
سببا آخر:”بلغت نظرية النحو المقارن والتاريخي في مرحلة معينة صعيدا مقبولا في نظر النحاة المحدثين”.(Robins)يذكر روبين
بعبارة أخرى: لقد تم إنجاز معظم العمل وكانت النتائج ناجعة، لأنها تستند إلى قوانين شبه علمية؛ وعليه فإنه لم يعد فقه اللغة مجالا للتحديات الكبرى بالنسبة للسانيات العامة.
- 3 أي مكانة للتأثيل ضمن ديداكتيك اللغات؟
بالنظر إلى تهميشه في مناهج اللسانيات (باستثناء الفرنسية قديما)، قد يصبح التأثيل وسيلة فعالة للغاية في تعلم اللغات، سواء اللغة الأم أو اللغات الأجنبية، وكذلك من الضروري المضي فيه قدما وبحذر.
بغرض الوصول سريعا إلى نتائج مقبولة في اكتساب الأدوات اللازمة لتعلم اللغات، ينبغي الحد من تطلعاته، لذا فإنه من بين المهارات الأربع المعترف بها في اكتساب اللغات التي هي الفهم والتعبير الكتابي والشفوي، قد نقتصر على واحدة وهي القراءة.
قبل استقراء الاستخدام الذي يمكن أن نوظف فيه التأثيل في عملية اكتساب اللغة الأم أو الأجنبية، فإنه يتعين تدارس الطرائق التقليدية.
(8)
الأولى يمكن أن نطلق عليها “عشوائية”، تتمثل في استنباط جميع الكلمات الجديدة من النصوص، بغض النظر عن أصولها، وتحميلها على سند آخر مع الحد الأدنى من المعلومات النحوية (بالنسبة للألمانية مثلا: النوع والجمع بالنسبة للأسماء-الأشكال الموجزة للماضي والصيغ الثانية بالنسبة للأفعال القوية)، يتم تمييز هذه الكلمات أحيانا بشكل مطبعي، ما يتيح إحصائها بدقة، وكذلك بتشكيل معجم مزدوج (للترجمة والموضوع) يقع في آخر الكتاب المدرسي، وقد يرفق أحيانا بنظام مرجعي للنصوص.
أعيد استخدام هذا المعجم منهجيا في تمارين الترجمة (خاصة في النقل وأقل منه في الترجمة) بهدف تيسير الحفظ وفقا للمبدأ القديم:
…« repetitio mater studiorum »
أما الاتجاه الثاني فهو أونومازيولوجي محض، أعدت الحقيقة ووزعت على عشرات الفقرات.
الذي قام بنشره سنة 1892« Mots grecs »يبدو النموذج الأصلي في فرنسا كعمل صغير، سمي بتواضع
ميشيل بريال، فتضمن قسمين: الأول حول نماذج الإعراب « Essai de Sémantique »بالتزامن مع كتابه الشهير
والتصريف، وعنون القسم الثاني ب “الكلمات المتراصة حسب المعنى”، وهو عبارة عن تقديم أونومازيولوجي مبتكر يناشد لمستقبل عظيم في تدريس اللغات الحية، وليس في تدريس اللغات الميتة.
كيف قدمت هذه الأعمال؟ يتضمن كل فصل ثبت كلمات (أسماء-نعوت-أفعال) ويتعداها إلى تركيبية الجمل (مسكوكات(تعابير اصطلاحية)-عبارات- وحدات جملية- أمثال)، إضافة إلى تطبيقات، وغالبا ما سميت هذه المجموعات “مسردا”، واستخدمت بكثرة وشكلت مع النحو والكتاب المدرسي الذي تحدثنا عنه سابقا، المواد الثلاث التي لا غنى عنها في تعليم اللغات الأجنبية الحية أو الميتة، خلافا للكتاب المدرسي فإن النحو يرافق الطالب طوال فترة دراسته.
يرتكز الاتجاه الثالث على التأثيل، إذ تم توظيفه خاصة في تعليمية اللغات الميتة، وهو تقليد قديم جدا في فرنسا، وقد تصاعد مع
سنة 1657« Jardin des racines grecques » (Claude Lancelot)العمل الشهير لكلود لانصلو
المسمى “عن بورويال”1660« Grammaire » كتابه الشهير(AntoineArnauld)الذي كتب مع العظيم أنطوان أرنو
يبرر لانصو في مقدمة هذا الكتاب مسوغ الاستعانة بالتأثيل بهذه العبارات:”من المُجدي معرفة الأصول في جميع اللغات، فهي حقيقة يتفق عليها الجميع، وهو النهج الذي اتبعه العبريون دائما في معاجمهم للغة العبرية، وأبقى عليه هنري إستيان
كونه أول من أدخله إلى هذه اللغة”.« Trésor de la langue grecque »في (Henri Estienne)
(9)
وقد عرف هذا الكتاب (في حوالي 400 صفحة) إصدار العديد من الطبعات إلى غاية نهاية القرن 19، وقد أنابت عنه الطبعة “
تدريجيا، بحيث تخلت بشكل قاطع عن المقاطع المقفاة، وذلك حفاظا على كنهه، (Pierre Larousse)الرشيدة” لبيير لاغوس
أي المادة نفسه.
نُلفي أن تعليم اللاتينية منتشر على نطاق أوسع من نظيره اليوناني، في حين أن التطور في كليهما هو نفسه.
من حجم 380« Racines Latines » سنة 1779 كتابا بعنوان(Joseph villier) نشر الخطيب جوزيف فيليي
صفحة، يستنسخ في منهجه وتخطيطه وطبعه النموذج الذي يشير إليه صراحة فيما يلي:”فعلت بالنسبة للغة اللاتينية ما فعلوه
بنجاح باهر بالنسبة للغة اليونانية”.« MM.de Port-Royal »
، أحد أبرز المحررين لمقالات اللسانيات المنشورة ب(Dumarsais)أما عن نهجه، فإن فيليي يخضع لديمارسي
، يرى ديمارسي أنه “تعمل « Traité de Rhétorique » ، وصاحب الكتاب الشهير« Encyclopédie »
التأثيلات على جعل قوة الكلمات مسموعة، وعلى الحفاظ عليها عبر الصلة التي توجد بين الكلمات الأولية والكلمات المشتقة، علاوة على ذلك فهي تمنح الدقة في اختيار التعبير”(مقدمة).
لشرح هذه الفكرة الأخيرة والقوية، بوسعنا أن نقتبس هنا المناجاة العذبة التي ألقاها جاك بينيت بوسيي
« Henriette Angleterre » على الحضور في جنازة هنريت أنجلوتير« Jacques-Bénigne Bossuet »
“تأملوا أيها السادة، هذه القوى العظمى التي ننظر إليها من الأسفل”، هؤلاء السادة تحدوهم اللاتينية، إذ يعتزمون في فعل
« Les étoiles d’une constellation » اللاتيني الذي يعني« sidera »تأييدا ل « considérer »
لبيير لاغوس.« Jardin des racines latines »عرف عمل فيليي ثورة نموذجه في نهاية القرن 19، واستبدل ب
(10)
استخدم النهج التأثيلي طويلا في فرنسا في تدريس اللغات القديمة، وكذلك في تدريس اللغة الفرنسية، ومن غير المذهل أن يكون للألمانية اهتمام به أيضا فيما يخص اللغات الأجنبية.
إن اللسانيات التاريخية التي تشكلت خلال القرن التاسع عشر في ألمانيا، منحت الحياة لثقافة التأثيل التي أثرت في الجامعة والمدرسة الألمانية، وبالتالي بشكل غير مباشر في الألمان الفرنسيين، لأنه في تأليف الكلمات في الألمانية لا حاجة للجوء إلى جذر أجنبي كما مبهمة لأي « Vocabulaire »هو الحال في الفرنسية؛ فهي تعتمد على مفرداتها الخاصة، لذلك فإنه على سبيل المثال كلمة
واضحة؛ فهي« Wortschatz » هو الصوت وأيضا الكلمة)، في حين أنه في الألمانية « vox »شخص لم يدرس اللاتينية، (
، من المؤكد أن هناك أيضا في الفرنسية كلمات مركبة انطلاقا من كلمات « Wort »والكلمات « Schatz »حرفيا :كنز
لكن عددها أقل بكثير من الألمانية، إذ تكون هذه التوليفة غير محدودة تقريبا.« Lave-vaiselle »فرنسية أخرى
: الحرية.« Freedom » أو ألماني« Liberty »أما في الإنجليزية فيختلف الأمر، لأن لمفرداتها أصل مزدوج: لاتيني/فرنسي
لا يجدي نفعا تعلم لغة لها صلة باللغة الأم دون أن يكون متمكنا منها بما يكفي، وذلك للأسباب الثلاثة التالية:
أولا لسبب منهجي: يبدو جليا أن المتعلم في لغته الأم يمكنه أن يعي التركيب وكذلك تفكيك الكلمات، وأن يميز مثلا بين الجذر والزوائد، فهي تؤخذ كعادة أكثر من كونها قاعدة للتعلم، وبعبارة أخرى فإنا بالكاد نفكر في دراسة شكل الكلمة التي بين أيدينا،
« Callipyge » خاصة عندما تكون هذه الكلمة مألوفة بالنسبة إلينا، وعليه فإننا سنقوم بسهولة بفتح القاموس للبحث عن
ثم« la vicomtesse »ولكن ستغيب عنا فكرة تفكيك اسم (الشخصيات الخيالية للكوميديا الإنسانية لبلزاك)
.« Omen »هو « Nomen » « Marquise de Beauséant »
ما يسري على أسماء الأعلام ينطبق أيضا على الأسماء المشتركة؛ كم من متحدثي الفرنسية يعرفون أن:
“نبيذ+حامض”؟« vin+aigre » “الخل” هو:« Vinaigre »
السبب الثاني هو حفظ الزوائد، وهو أمر أساسي لإتقان اللغة الأم، بحيث توجد مجموعات هائلة من الجذور اليونانية واللاتينية، لكن لا يمكن أن نحفظ قوائم الكلمات عن ظهر قلب، وعليه فيستحسن إيجاد طرائق أخرى لحفظ خمسينية السوابق واللواحق التي تشكل “النواة الصلبة” لزوائد الفرنسية.
(11)
تتيح للمتعلم تفادي « Prévoir »في « Pré »أبسط الأمور هو استعمال كلمات لها مرجعية مختارة بعناية، وبالتالي فإن
في اللغات« prevedere-prever » “خطط مسبقا”، وكذلك لإيجاد السابقة« Prévoir à l’avance »الحشو في
الرومانية الأخرى، وكذلك في اللغات الألمانية.
Voorzienفي الهولندية: to foresseفي الإنجليزية: vor-seben في الألمانية:
السبب الثالث هو حفظ الجذور، إن “منفعة” تعلم جذور اللغة الأم تعد إشكالية يمككنا تجاهلها، لكن بأي تكلفة؟
بما أنه ليس لدينا حاليا دليلا لأكثر الجذور شيوعا في اللغة الفرنسية، فمن الصعب الإحاطة ب “النواة الصلبة” للجذور اللاتينية واليونانية التي هي أساس المعجم الفرنسي.
تطرح الجذور قضية أخرى وهي الحدود بين الجذور والزوائد، وبذلك صارت أسماء معينة في اللاتينية أو اليونانية زوائد في الفرنسية،
التي تعتبر خطأ أو صوابا بأنها شبه-لاحقة (على الأقل يتم فك تشفيرها على هذا النحو) في عدد معين من« Logos »مثلا
الكلمات في اللغات الرومانية كما في اللغات الجرمانية.
“لا غنى عنه” لتعلم لغة أجنبية، يبقى « sine qua non »بمجرد أن يصبح المرء مقتنعا بأن إتقان اللغة الأم هو شرط
السؤال مطروحا: كيف يتم المضي قدما؟
“Connaissanceالذي يقسم ” « Claudel »الحرص على تجنب كل من مثالب التأثيل الشعبي/الشعري(راجع كلوديل
” “ولادة”)، كما يمكننا العثور على اتجاه وسيط يرتكز على عمادين:naissance” ” “مشاركة” وcoإلى “
، لن يواجه أي إشكال في « pré+voir » هناك« prévoir »استخدام النقل، بمجرد أن يفهم المتحدث الفرنسي أنه في
ترجمة اللفظ إلى اللغة الجرمانية؛ إن وارى مهارته فسوف تتحقق لديه لذة توظيف ذاكرته بسرعة أكبر، في حال لم يستحضر الكلمة تلقائيا في ذهنه، أو صنع الكلمة مع مجابهة خلق مولد.
هذه أمثلة لبعض نماذج النقل التي يسهل تذكرها:
12)
français |
anglais |
allemand |
ex-clure | to ex-clude to shut out | aus-schlieBen |
é-jecter | To e-ject to throw out | (r-) aus-werfen |
é-laborer | to e-laborate to
work out |
aus-arbeiten |
é-mettre | to e-mit to send out | aus-senden |
se mé-fier | to mis-trust | miB-trauen |
més-entente | mis-understanding | MiB-verstandnis |
mé-prise | mis-take | MiB-griff |
mé-fait | mis-deed | Misse-tat |
mal-traiter | to mis-handle | miB-handeln |
mal interpréter | to mis-interprete | miB-deuten |
in-scrire | to in-scribe | ein-schreiben |
ex-cepter | to ex-cept | aus-nehmen |
اكتساب مجموعة من الأمثلة النموذجية للمعادلات الصوتية، التي تكون بسيطة ومحدودة العدد، ومقدمة في نفس الوقت بطريقة تعين على التذكر، ولأسباب عملية يفضل البدء بالمعادلات الفرنسية.
نعالج هنا مقاربة تزامنية، فهي تحيد بالتالي عن تقليد فقه اللغة، لكنها دقيقة كونها تستند إلى أشهر القوانين “الصوتية” التي أعدها النحاة المحدثون.
هذه بعض الأمثلة:
(13)
l au | Cheval=chevaux ; chapelier=chapeau ; bordelais=Bordeaux ;
sel=saupoudrer ; cervelle=cerveau ; castel=château donc aussi : Mantel/mantelpiece=manteau /manteau de cheminée |
c ch | Canin,canicule=chien ; camisole=chemise ; castrer=châtrer
Castelnau=Châteauneuf donc aussi : car=char ; Newcastel=Neufchâteau |
w g | Warrant=garant
donc aussi : Wilhelm /William=Guillaume ; Wales=(pays de) Galles |
st ét | Studieux=étude ; stellaire=étoile ;strict=étroit ;
Stagner=étang ; stable=étable donc aussi : student=étudiant ; staat=Etat ; star/Stern/stella=étoile |
sp ép | Spinal=épine
donc aussi : to spare/sparen=épargner ; to spell=épeler ; spinach/spinat=épinard ; spaniel=épagneul |
sp esp | Spacieux=espace ; spécial/spécifique=espèce
donc aussi : Spain=Espagne ; species=espèce |
esc sc | Esclandre=scandale ; escalier=scalaire
Donc aussi : scalla= escalier |
v b | hiver=hiberner ; fiévreux=fébrile
donc aussi : vasco=basque ; haben/haber=avoir ; love=lubie/libido/lieben aventure=Abenteuer(le mot allemand vient du mot français) |
سنلاحظ أن هذه المعادلات ليست حصرا على اللغات التي تنتمي إلى نفس الأسرة، وإنما صالحة أيضا بين أسر اللغات الجرمانية واللاتينية.
لا وجود لحل سحري ولا لأداة مجلوبة من عصر آخر، للتأثيل مستقبل مشرق.
من أجل التوغل في اللغة، فإن التأثيل مفتاح يشرّع العديد من الأبواب، شريطة أن يفهم الفيلولوجيون العمل المنوط بهم، وأن يقبلوا وضع مهاراتهم الواسعة في خدمة الديداكتيك الذي لم يبتكر بعد.
الاستاذة الكاتبة لا تحسن التعبير بالعربية ولذا جاء ما خطته اشبه بالاحاجي