“السرقات العلمية” .. عندما يستولي المشرفون على بحوث الطلبة
في تقرير نشرته صحيفة “لوموند” (Le Monde) الفرنسية، قالت الكاتبة أليس ريبو إن الطالبة بولين (اسم مستعار) حين كشفت عن سرقة أطروحة الدكتوراه التي عملت عليها، جعلها الكثيرون تفهم أن ذلك جزء من اللعبة، وأحد الأساتذة أجابها قائلا “الكبار يأكلون الأصغر، هكذا هو الوضع”.
في ذلك الوقت، كانت بولين تجري بحثا عن الأداء الديمقراطي وفقا لمنهجية دقيقة، وهي قياس عواقب كشف إعلامي كبير على السكان.
تقول الطالبة “كانت هذه الفكرة الأساسية بالتعاون مع زميل دكتوراه كنت أعمل معه، وقد نجح التعاون بشكل جيد”.
وبعد العرض التقديمي، طلب رئيس المختبر من بولين أن ترسل له “البحث” والبيانات المرتبطة به، واتصل بها مرة أخرى للحصول على المزيد من التفاصيل.
وفي حديثها عن ذلك، تقول بولين “كنت ساذجةً لاعتقادي أنه كان يفعل ذلك لمساعدتنا”. لاحقًا اكتشفت بولين أنه يعمل على مقال حول جزء من عملها. لقد “تبنى نفس المنهجية ونسخ العناصر التي أرسلتها له بالبريد الإلكتروني، والتي لم تُنشر بعد”.
تأسفت بولين التي تركت البحث العلمي بعد هذه الأطروحة، قائلة “لقد نُشر ذلك المقال في أشهر 5 مجلات، لذلك من المستحيل نشر ما لدينا الآن، لم نعد مبتكرين في موضوعنا”.
ووفقا لمسح نُشر في يناير/كانون الثاني في كتاب “كيف تطحن الجامعة الباحثين الشباب”، أجري عبر الإنترنت وشمل 1800 من طلاب الدكتوراه والحاصلين حديثا على درجة الدكتوراه، أكّد 21% من المشاركين تعرّض بحوث الطلبة للسرقة الفكرية.
وبحسب كولين ليمي اختصاصي علم النفس ورئيس جمعية “دكتوبوس” (Doctopus) الذي مرّ بدوره بنفس التجربة، فإن الشخص الذي يستولي على بحوث طلاب الدكتوراه غالبا ما يكون الأستاذ المشرف على البحث.
وهو يقول إنه “عندما تتوتر العلاقة مع الأستاذ المشرف على البحث، تظهر سرقة العمل في الشهادات: يتم استرداد المسودات ونشرها من دون اسم صاحبها، مع الاستحواذ على جزء من الأطروحة”.
- المنافسة المفرطة
وأفادت خلود -وهي طالبة دكتوراه في الكيمياء- بأن جزءا من هذه الانتهاكات يعود إلى “المنافسة المفرطة” في ظل النقص المزمن في الوظائف في الجامعة، والحاجة إلى وجود أساتذة مشرفين للتأكد من أن كل طالب دكتوراه توصل إلى نتائج لتقديمها، حتى لو كان ذلك يعني نهب ما توصل إليه باحثون شباب آخرون.
وخلال عملها على أطروحة الدكتوراه، سرق الأستاذ المشرف وطالبا دكتوراه تابعين له جزءا من بيانات بحثها، حين كانت منشغلة في التدريب.
وأضافت طالبة الدكتوراه السابقة التي سُرقت عدة عينات من بحثها في الأشهر التالية، “لقد عرضوا نتائج البحث في مؤتمر دون ذكر اسمي أو حتى إخباري”. وبعد عام من بدء العمل على أطروحة الدكتوراه، طلبت تغيير اتجاه أطروحتها، وكان عليها أن تبدأ مشروعا جديدا.
وفي بداية العام الدراسي 2021، نظرت الشبكة الوطنية لباحثي الدكتوراه (RNCD) في هذه المسألة، مشيرةً إلى أن هذا الموضوع ظهر بانتظام في النزاعات التي بتّت فيها.
وفي دراسة استقصائية لتجربة الدكتوراه شملت أكثر من 11 ألفا و500 طالب دكتوراه، أفاد 15% ممن تم استجوابهم بأنهم غير راضين أو غير راضين تماما عن الطريقة التي يضمن بها الأساتذة المشرفون حصول بحوثهم على التقدير الذي تستحقه.
وأوردت سيلفي بومير، رئيسة الشبكة الوطنية لباحثي الدكتوراه ونائبة رئيس قسم دراسات الدكتوراه في جامعة باريس ساكلاي، أن “السرقة الفكرية تحدث في بعض الأحيان.
ولكن هناك أيضا سوء فهم لما هو طبيعي وما ليس كذلك في هذه العلاقة التعاونية. فعلى سبيل المثال، حين يتحدث الأستاذ المشرف بشأن عمل فريقه، لا يمثل ذلك مشكلة طالما أنه يقتبس من كل عضو”.
- عقوبات قليلة
بالنسبة لأديلايد (تم تغيير اسمها) التي سرق الأستاذ المشرف بحثها، تكشف هذه الممارسات “ازدراء” عمل الباحثين الشباب.
وعلى حد تعبيرها، “يدخل ذلك ضمن نظام ضغط على الباحثين الذين لم يعد لديهم الوقت لإجراء البحوث، لذلك يتعمقون في أعمال من لا يزالون قادرين على القيام بذلك، أي طلاب الدكتوراه والحاصلين حديثا على الدكتوراه”.
وفي عام 2018، علمت الأستاذة المحاضرة في الجغرافيا من خلال إشعار رسمي من محامي باحثة ابة أخرى، أن كتاباتها قد سُرقت من قبل الأستاذة المشرفة السابقة على أطروحة الدكتوراه، وهي مديرة بحوث في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي (CNRS)، وهي متهمة بالسرقة الفكرية لأطروحات باحثتين شابتين.
تقول أديلايد: “لقد صُدمت عندما رأيت أنها استخدمت وثائق حصلت عليها بصفتها في منصب مرموق”، مشيرة إلى أنها لم ترغب في الشروع في إجراء قانوني “طويل ومعقّد ومكلف”.
وخوفا من تداعيات ذلك على حياتهم المهنية، يختار العديد من طلاب الدكتوراه إبقاء هذه التجاوزات طي الكتمان. ويعتقد كولان ليمي أن “هناك عددا قليلا جدا من الإجراءات الردعية،
بما في ذلك في المجلات العلمية. وعندما نطرح أسئلة حول السرقات الفكرية، نلاحظ أن من النادر تطبيق عقوبات تأديبية”.