أخبار ومتابعاتالدراسات الأدبية

جوائز “كوستا” للكتب الأكثر إمتاعا

المراهنة على الكتابة تحديدًا، بكل ما يكتنفها من مخاطر، فكرة طالما راودت الكتاب على مر العصور، ولم يجرؤ الكثيرون – رغم إلحاحها- على تنفيذها، بينما القلة القليلة تمكنت بالفعل من المجازفة.

منهم كاليب أزوماه نيلسون Caleb Azumah Nelson كاتب القصة القصيرة والمصور الغاني البريطاني الذي كان يعمل بدوام جزئي في أحد متاجر آبل حين قرر فجأة الاستقالة من وظيفته، ليقضي صيف 2019 في المكتبة البريطانية يكتب طوال اليوم.

وما إن فرغ نيلسون من مخطوطه “المياه المفتوحة” Open Water حتى اشتعلت حرب عطاءات من تسع جهات تغلبت عليها دار النشر بنجوين.

وحين صدرت، حازت على إعجاب القراء والنقاد وصنفت كأفضل رواية في عام 2021، وفي مساء 4 يناير/ كانون الثاني، فازت بجائزة “كوستاالقصة وراء تسمية “جمهورية الموز”” الأولى للرواية، كدليل وبرهان على أن الرهان على الكتابة لم يكن أبدًا ضربًا من الشطط.

  • الكتابة بالفوتوغرافيا

القصة هي عن علاقة حب بين مصوّر شاب وراقصة، من ذوي البشرة الداكنة، التقيا ذات يوم في حانة في جنوب شرقي لندن، يحاول كلاهما التكيف، أو بالأحرى الانتماء إلى مدارس خاصة تمكنا من الالتحاق بها بمنحة دراسية، كما يحاولان، بشق الأنفس، ترك بصمة على المدينة التي بقدر ما تحتفي بهما، ترفضهما في الآن ذاته.

يقول نيلسون: “إن الشيء الرئيسي الذي كنت أحاول صقله هو العلاقة الحميمة بين الأشخاص الذين قد يشعرون بعاطفة تجاه بعضهم – هذه اللحظات التي غالبًا ما تمرّ دون أن يلاحظها أحد وغير موثقة ولكنها في الحقيقة تشكل نسيج حياتنا. أعتقد أن خلفيتي كمصور تجعلني منجذبًا فحسب لهذه اللحظات القصيرة جدًا في حياة الناس والتي تأخذ في التمدّد”.

مع العاشقين، نستطيع أن نختبر مواطن الضعف التي بوسعها أن تخترق نسيج الحب الهش في بريطانيا الحديثة. أشياء صغيرة جدا، يمسها نيلسون بمشاعره القوية والمدمرة فتتضخم على الفور وتتخذ حجمها الطبيعي. 

أشاد الحكام برواية نيلسون المليئة بصور شتى من الفن والثقافة السوداء، ووصفوها بأنها “مؤثرة جدًا، وحميمية وراهنة”، فضلًا عن كونها “صورة معاصرة للرجولة، لا تشبه أيًا مما قرأوه من قبل”.

أما هو فيقول عن روايته الفائزة: “’المياه المفتوحة’ هي قصة حب ولكنها أيضًا قصيدة عن كل ما شغفت به: جنوب شرقي لندن والكتب والموسيقى والتصوير الفوتوغرافي والأفلام والفنون الجميلة. أردت أن أكتب كتابًا يُقرأ كما ألبوم.

كما قطعة موسيقية، لأجل هذا كان للموسيقيين مثل كندريك لامار وسولانج وجي ديلا دور أساسي في هذا الكتاب. التصوير الفوتوغرافي أيضًا – كثيرًا ما أشعر وأنا أكتب، أنني أدوّن لقطات للحظات يمكنني رؤيتها”.

ويصف فوزه بالجائزة بأنه “سريالي للغاية”. ويضيف: “أعتقد أنني بصراحة ما زلت أحاول التأقلم مع حقيقة أنني لم أقم بنشر كتاب فحسب، بل استقبل أيضًا بحفاوة بالغة. كل الكتاب يحدث لهم ذلك – تواتيك الجرأة في وضع الكلمات على الصفحة البيضاء، ثم تغمض عينيك حين تفعلها وتأمل أن يقرأها شخص ما”.

الفائزون الخمسة: كاليب أزوماه نيلسون، جون بريستون، كلير فولر، مانجيت مان، وهانا لوي
  • الأرض ليست مستقرة

لم يصدر للبريطانية كلير فولر Claire Fuller عمل إلا وفاز أو ترشح لجائزة. روايتها الأولى “أيامنا التي لا تنتهي / Our Endless Numbered Days” فازت بجائزة إليوت لعام 2015، ورشحت الثانية “دروس السباحة / Swimming Lessons” لجائزة الجمعية الملكية للأدب لعام 2018.

كما رشحت الثالثة “البرتقال المُرّ Bitter Orange” لجائزة دبلن الدولية للأدب. أما روايتها الرابعة “أرض غير مستقرة Unsettled Ground”، فقد أدرجت في القائمة المختصرة لجائزة المرأة للرواية لعام 2021 وفازت بجائزة “كوستا” للكتاب هذا العام.  

في “أرض غير مستقرة” تحكي فولر قصة التوأمين جيني وجوليوس البالغين من العمر 51 عامًا، ويعيشان في فقر وعزلة مع والدتهما دوت في الريف. حياة كانت جدّ مستقرة لولا وفاة الأم التي تعرض كل ما حولهما لخطر الفقد الدائم. وصفتها لجنة التحكيم بأنها “تحفة في سرد القصص وحبكتها”.

بينما قالت فولر، التي تغلبت على العديد من الأسماء، من بينهم ناديفا محمد وإليف شفق: “ما زلت عاجزة عن العثور على كلمات لأصف ما يمثله لي فوزي. يا له من شرفٍ عظيم أن يتم التعرف عليك بهذه الطريقة”.

كتبت “الغارديان” البريطانية أن الأساس الذي قامت عليه هذه الرواية يعود إلى اكتشاف ابن فولر لكرفان مهجور في الغابة. “كان مهجورًا وفارغًا، وابني يعرف كم أحب الأماكن الغريبة. لذلك خرجت لرؤيته، وكان الجو رائعا حقًا.

فكرت: من كان يعيش هنا؟ وكيف تمكنوا من ذلك؟، وفي التو تخلقت جيني، الشخصية الرئيسية، في رأسي، بدون أن أعرف ما ستكون عليه قصتها أو من أين أتت، أو حتى أن لديها شقيقًا توأمًا. لم يكن لدي أي فكرة حتى شرعت في كتابتها”.


  • الولوج إلى فخ المنافسة

ذهبت جائزة “كوستا” للسيرة الذاتية هذا العام إلى كتاب جون بريستون John Preston “سقوط: لغز روبرت ماكسويل Fall: The Mystery of Robert Maxwell”، الذي وصفته لجنة التحكيم بأنه “رواية ملحمية وغامرة وسينمائية” عن حياة قطب الإعلام الراحل وعضو البرلمان روبرت ماكسويل.

أبحر ماكسويل في شباط/ فبراير 1991، إلى ميناء مانهاتن على متن يخته لشراء صحيفة “نيويورك ديلي نيوز”.

أوقف سائقو الأجرة عرباتهم لمصافحته، وطلب الأطفال توقيعه، ورُحب به أيما ترحيب في المطعم الذي تناول فيه عشاءه. بعد عشرة أشهر، اختفى من اليخت نفسه في منتصف الليل وعثر على جثته لاحقًا في الماء. يكشف جون بريستون في هذه السيرة الذاتية الممتعة والكاشفة، الغموض الذي يكتنف موت ماكسويل مثلما كانت حياته.

ويروي قصة صعوده وسقوطه، وصعوده وسقوطه مرة أخرى، في ملحمة متقنة عن الطموح والغطرسة والنرجسية والجشع والسلطة والمكائد. يذبذب بريستون عدسة الكاميرا إلى الوراء وإلى الأمام في الوقت المناسب لاستكشاف القوى التي شكلت ماكسويل.

بما في ذلك طفولته كيهودي في أوروبا الشرقية المحتلة من خلال طموحاته السياسية الفاشلة في الستينيات التي انتهت باتهامات بالمعاملة المالية المزدوجة، وإحيائه كقطب إعلامي، وإلى إرث العائلة الذي تركه وراءه، بما في ذلك ابنته غيسلين ماكسويل.

كما يؤرخ لتنافسه مع روبرت مردوخ؛ المعركة التي دمرت ماكسويل ماليًا، وهددت سلامته العقلية وأدت، بشكل غير مباشر، إلى موته.

هل أصيب ماكسويل بنوبة قلبية وسقط في البحر؟ هل كان انتحارًا؟ أم أنه قُتل – ربما على يد الموساد أو المخابرات السوفييتية؟ قلة في القرن العشرين سافروا بعيدًا عن جذورهم مثل روبرت ماكسويل. ومع ذلك، كما يكشف الكتاب، لا أحد، مهما كان ثريًا وقويًا، تمكن من الهروب تمامًا من ماضيه.


  • حين يجعلك الفن تلكم الهواء

منحت جائزة الشعر لمعلمة لندن هانا لوي Hannah Lowe عن ديوانها “الأطفال” The Kids، وتعتمد فيه على عشر سنوات من التدريس للمستوى السادس داخل مدينة لندن. في مجموعة من السوناتات الرحيمة والحيوية حشدت لوي صورًا خيالية للطلاب الذين علمتهم.

غير أنها تذهب إلى أبعد من ذلك، حيث تلتقي بطفلتها وهي في سن الرشد في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، وترى فيما بعد عن ابنها الصغير الذي تعلم كيف يتفاوض مع لندن المعاصرة.

عبر هذه القصائد العميقة، تستجوب لوي مهام التدريس والتعلم بتعاطف وروح مرحة. وتستكشف الطبقة والجنس والعرق – وتقاطعهم الأساسي مع التعليم – بعين ناقدة واستبطانية.

فازت أيضًا مانجيت مان في فئة كتب الأطفال عن كتابها “الممر The Crossing”، وهو عبارة عن رواية شعرية مستوحاة من أزمة اللاجئين، حول اثنين من المراهقين من عالمين مختلفين كليًا.

تُمنح جوائز “كوستا” للكتاب الذين يكتبون باللغة الإنكليزية ويقيمون في بريطانيا وإيرلندا. وتتوخى في اختيارها الكتب “الأكثر إمتاعًا” الصادرة هذا العام. وترى هيئة التحكيم هذا العام، نقلًا عن “الغارديان” البريطانية، أن رواية “الممر” ستضيف لكل من يقرأها.

لقد أحسوا بالمتعة وهم يقرأونها، وعندما انتهوا من قراءة “الأطفال” لهانا لوي، أرادوا أن يلكموا الهواء بمنتهى السعادة.

في العام الماضي، حصلت رواية مونيك روفي “حورية بحر جزيرة كونش” The Mermaid of Black Conch على الجائزة النهائية البالغ قيمتها 30000 جنيه إسترليني.

وفي هذا العام ستختار اللجنة برئاسة الصحافية والمذيعة ريتا تشاكرابارتي كتاب “كوستا” لهذا العام من بين الفائزين الخمسة في كل الفئات، ويعلن عن الفائز النهائي في 1 فبراير/ شباط المقبل.

المصدر

سناء عبد العزيز

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى