صدر العدد السابع عشر من “قلمون: المجلة السورية للعلوم الإنسانية” بالتعاون مع الجمعية السورية للعلوم الاجتماعية، وفي ملفه الرئيس “المسرح السوري منذ الاستقلال وحتى عام 2020” نافذة على صورة المسرح السوري بعد الاستقلال، وأنواعه وأدواره.
من ثم تغير هذه الأدوار خلال حكم البعث، وما أتاحته الثورة السورية من ميادين لتخطي ذلك كله باتجاه أنواع مسرحية جديدة تسعى لتجاوز الأيديولوجيا إلى فضاءات أخرى أكثر اتساعًا وحرية.
ومن هنا، فقد قسم ملف العدد إلى محورين اثنين: “من بناء المؤسسات إلى تعطيلها بالأدلجة“، وعني هذا المحور بالتجربة المسرحية السورية منذ الاستقلال وحتى عام 2011، ويصف يوسف سلامة رئيس تحرير مجلة قلمون هذه المرحلة قائلًا: “ولضبط المسرح، والسيطرة على طاقاته النقدية، وذلك بأدلجته، بادر حافظ أسد إلى تخويل الحزب ما يلزم من صلاحيات بتكوين فرق مسرحية لكل منظمة شعبية في كل مدينة سورية، صغيرة أو كبيرة.
وما هي إلا أيام حتى أصبح لكل فرقة مهرجانها السنوي أيضًا. وبذا لم يعد من وظيفة للمسرح العمالي والشبيبة والطلائع والمدرسي والجامعي وغيرها سوى وظيفة إيديولوجية واحدة تتمثل في ترسيخ الدكتاتورية والاستبداد في نفوس الشبيبة والناشئة السوريين. وبذا تم الانحراف بالمسرح السوري عن غايته ووظيفته الطبيعية، ألا وهي التعبير الفني الحر عن هموم الإنسان وطموحه وتطلعاته”.
كتب في هذا المحور عبد الناصر حسو، عمر بقبوق، حمدان العلكه، علي سفر، وذلك عن مهرجان دمشق للفنون المسرحية، وآليات الهزل وصورة السلطة وملامح الخطاب السياسي في المسرح السوري، إضافة إلى شهادتين كتبهما جمال سليمان وبدر زكريا عن المعهد العالي للفنون المسرحية وتجربة المسرح في سجن صيدنايا.
أما المحور الثاني من ملف العدد “من تخطي الأيديولوجيا إلى أنطولوجيا الذات الحرة”، فقد عني بتحولات المشهد المسرحي السوري، ولا سيما في المهجر، حيث تحرر المسرح من القيود المفروضة، مفيدًا من مناخ الحرية خارج سورية من جهة، ومن قيم الثورة ومعانيها من جهة أخرى، فكانت -بحسب تعبير سلامة- “هذه العلاقة للفنان السوري مع فنه وعالمه وماضيه وحاضره ومستقبله، والُمنطَلِقِ من وعي نقدي متين؛ هي التعبير الأعمق عن ماهية الثورة.
والفضّ الأشمل لكثير من الصور الإنسانية التي تمظهرت التغريبة والثورة من خلالها. ولو شئنا تكثيف الدلالات التي تكاد تكون لامتناهية بالثورة والتغريبة، لقلنا إنهما يتكثفان في (الفعل السالب) الذي يتمثل في تخطي الأيديولوجيا، ويسمح بإنتاج فضاء حر للحياة الإنسانية يتجلى في فعل وجودي خلاق يستهدف استكمال (فعل الحرية)، وبناء أنطولوجيا جديدة للذات الحرة”.
عني هذا المحور بأنواع التلقي المسرحي بعد عام 2011، وجماليات فن الأداء في الاحتجاجات العلنية في سورية، مرورًا بعلاقة الموسيقي بالمسرحي في المسرح، وأدوار صانعات المسرح السوريات من الدراماتورجات والمخرجات والتقنيات، وغيرهن، وانتهاء بمسرح الشهادات وصورة المسرح السوري في أوروبا. وقد كتب في هذا المحور علاء الرشيدي، عمار المأمون، علي موره لي، هبة محرز، وائل سالم خوري، علاء الدين العالم.
وغير خاف عوز المصادر البحثية عن المسرح سواء قبل الثورة السورية أم بعدها، ما جعل من الشهادات والمقابلات مع العاملين في هذا المضمار وذوي الخبرة فيه مادة أساسًا استند إليها الملف في أحايين كثيرة، وما ملف هذا العدد إلا محاولة لسد فراغ البحث في أدوار المسرح السوري وتحولاته بعد عام 2011.
ويمكن القول إن المسرح السوري اليوم “يسير في اتجاهات إيجابية قد تمكّنه يومًا بناءَ سردية سورية متماسكة تنطلق من حقوق الإنسان والمساواة الجندرية، وبناء هوية سورية وطنية جامعة منفتحة على السوريين جميعهم، ومتفاعلة – إيجابيًا – مع أحدث التيارات الفكرية والفنية والإنسانية…”.
يختتم العدد السابع عشر من قلمون” المجلة السورية للعلوم الإنسانية” بالأبواب الثابتة في “الدراسات” و”مراجعات الكتب”، و”الأكاديميون السوريون في جامعات العالم”.
يذكر أن “قلمون: المجلة السورية للعلوم الإنسانية” ما زالت تستقبل مشاركات الباحثين الراغبين بالكتابة في ملف العدد الثامن عشر “السوريون السريان: دورهم الوطني ونشاطهم في الجزيرة السورية 1920-2020” أو في أبواب المجلة الأخرى.