بورتريه قديم .. مهداة إلى الروائي السوريّ “جان دوست”
أدخلُ إلى كهف شعري
كخبرٍ مفجع أو كقبيلةٍ جائعة، كمذبحة بلا دماء
أتقدم وأنا في شهري التاسع من الجنون
أسألُ صديقي: جان دوست عن الخلاص
فيقود ظلّي بـ “ثلاث خطوات إلى المشنقة“
ويقول لي: يا “ميرنامة” هناك “ممرّ آمن” لكن
لا تنسَيْ أن تمسحي “الدم على المئذنة“
أينَ سأضع جنيني لأرتاح؟
أبحثُ عن الأيام غير المألوفة
عن جسدٍ نقي بلا أصابع زرقاء
عن الأقدام العالقة في وحل الهزيمة بعدما انسحب الأنبياء
عن الزمن غير المعجون بالدم
عن الفرح العميق في اللاوعي
عن قصة مدينةٍ مدفونة تحت الرماد تدعى “كوباني“
أبحثُ عن شاب ادّعى أنه المسيح ثم صلبَ نفسه
عن مقصلة دحرجت رؤوس الرجال ثمّ قتلت إله الشر
هناك بورتريه قديم معلق على جدار؛ رُسِمَت عليه
قصة الكون ورأسٌ مقطوع تفيض عيناه من الحزن كل يوم
صرختُ فجأة يا عليّ…
انتفضَ الرأس واهتزت الشفاه
لطخت وجهي بدماء ظلّه الذي كان يحوم حولي
الموت هو مرآتنا السوداء التي نرى فيها وجه الشيطان المغرور
هل كان من القداسة المُلحّة أن تنثال كل هذه الدموع والدماء؟
أن يكبكبُ العدم كل هذه الأشلاء؟
هل كان من المجدي أن أخلع ثوبي وأركض كغجريةٍ فوق الرمال وأندب؟
من يبتلع جرح الأرض المفتوح ويهجع إلى النوم الأبدي؟
كان عليّ أن أوقف الأرضَ عن الدوران ليرتاح قلبه
وأن أقنعَ البحار والأنهار لتتوقف عن البكاء
أن تغسل جسد النساء العاهرات في زمن الحرب والفجيعة بماء الغفران
هو شيءٌ مستحسنٌ جداً ومن حسن التصرف واللياقة
الخبز الحافي الذي تبحث عنه النسوة لا يباع إلا بثديٍ يانع وجميل
سأستدعي الملائكة ليحملوا الأقلام ويتركوا الألواح ويركعوا للوجع الدفين
سأستدعي الشياطين ليوصدوا الأبواب التي لم تُغلق
ينظفوا الأقفال الصدئة التي على أفواه البشر
أريد ورقة بيضاء من أجل قصيدةٍ واحدة
سأستعير لغة الأقوام المختلفة لأكتب شيئاً واضحاً وحقيقياً
سأترجى السماء من أجل فكرة واحدة
لأصعدَ إلى سدرة المنتهى لأمحو كل هذا الخراب، وأعودُ كغيمةٍ متلهّفة حبلى بالمطر
تشرين الثاني 2020
____________________
* كل ما ورد في النص بين علامتي التنصيص هي أسماء روايات جان دوست، و”كوباني” اسم مدينته.
** كاتبة وشاعرة سورية مقيمة في الولايات المتحدة الأمريكية، صدرت لها ثلاث روايات: “إيلينا”، و”بوح النساء”، و”أنثى بطعم النبيذ”.