تطورت الرواية الكندية على المستويين: الفني، والموضوعي، بالتزامن مع تغير مفاهيم الهوية الكندية. انتقالاً من الرومانس الشعبية (المكتوبة باللغة الإنجليزية، أواسط القرن الثامن عشر وحتى بدايات القرن التاسع عشر الميلادي، والتي هيمنت بسطوتها على الساحة الأدبية، منتصف القرن الثامن عشر وحتى بدايات القرن التاسع عشر الميلادي) ومرورًا بالأنواع الأدبية المتعددة الأخرى، مثل: الرومانس الأدبية والواقعية (التي تشعبت وانتشرت أواخر القرن التاسع عشر إلى القرن العشرين). بدأت موضوعات وتقنيات الرواية الكندية الجديدة، تبرز المفاهيم المختلفة، لكل من: الاستعمارية، والثنائية الثقافية والإقليمية والاتحادية، التي شكلت الحياة السياسية والثقافية المعقدة في كندا؛ منذ نشر أول رواية كندية، للكاتبة فرانسيس بروك، بعنوان: تاريخ إيملي مونتيجيو (1769).
وهناك عديد من الروائيين الكنديين المشهورين، من أمثال: مارغريت أتود، ومايكل أنداتشي، وأنطوناين ماليت، وأخيرًا: آن هيربرت. لقد لفت هؤلاء الكتاب المعاصرين، أنظار القراء العالميين والمحليين (على نطاق واسع) إلى الأدب الكندي؛ وكذلك الروائيون الأوائل، من أمثال: جون ريتشاردسون، وفيليبي أوبرت دي جاسبيي، وسوزانا مودي، وهيو ماكلينن، وجبرايل روي، وآخرون ممن نالوا إعجاب النقاد والقراء؛ بسبب أعمالهم التي تناقش (بطرق مختلفة وغائرة) العلاقات التقويمية الفعالة بين الأفراد والمجتمعات، في اللحظات الحرجة، أثناء تطور كندا على الصعيدين: السياسي، والاجتماعي.
إن المقدمة الآنفة، لترمي إلى إلقاء الضوء النقدي، على الأصول الرومانتيكية للرواية الكندية، المكتوبة باللغتين الفرنسية والإنجليزية (أواخر القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر الميلادي). وتتسع بؤرة المقدمة السابقة، لتشمل الرومانس والواقعية (تسمى: الرومانس التاريخية، والواقعية النفسية، والإقليمية الأدبية) التي تغيرت أنماطها الفنية وموضوعاتها الرئيسية، مع بداية ظهور النزعة القومية الكندية. وتؤكد المقدمة السابقة (فيما تؤكد) الارتباط الوثيق، بين: حركة التطور الروائي، والتغيرات السياسية والاجتماعية في اللحظات التاريخية الفارقة، في تاريخ كندا، مثل: اتحاد الشمال والجنوب (1841)، والكونفيدرالية (1867)، والحربين العالميتين الأولى والثانية، وثورة كيبك الناعمة/ الهادئة(*11) (1960-70)، وأخيرًا إصدار قانون تعدد الثقافات(*12) (1988).
وتعد روايات الرومانس الشعبية والقوطية (روايات الرعب) البذور الأولى للرواية الكندية، مثل: رواية فرانسيس بروك (إيملي مونتيجيو)، ورواية جوليا بيكوث هارت (دير القديسة إيرشولا) (1824)، ورواية فيليبي دي جاسبي (تأثير كتاب) (1837).
ويعود تطور الرومانس الكندية؛ إلى تأثير الروائيين: الأمريكي جيمس فينيمور كوبر (1789 – 1851)، والإسكتلندي وولتر سكوت (1771-1832)، أوائل القرن التاسع عشر الميلادي (فترة الرومانتيكية). كانت أولى الروايات الكندية تأثرا بهما: رواية ريتشاردسون (واكوستا أو النبوءة: حكاية كندا) 1832، ورواية أوبريت دي جاسبي (كنديون من الزمن القديم) 1863. تناقش الروايتان المذكورتان، النتائج النفسية والثقافية، وآثارهما في السكان الكنديين الأوائل؛ نتيجة للتضامن بين: الإمبراطوريات الإنجليزية والمؤسسات الكندية (الأنجلو- استعماري)، والكنديين الفرنسيين، والقدماء (السكان الأوائل لكندا). ويرى (موريس ليمير) أن الرواية التاريخية، ظلت محببة ومفضلة في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين؛ لأنها أكثر الأنواع الأدبية، التي تساعدنا في تتبع ظهور وتطور مفهوم (القومية الأدبية). ولقد بعث الروائيون التاريخيون، الحياة في هذا النوع الأدبي، أواخر القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين الميلادي؛ عن طريق دمج بعض الأنواع الأدبية ببعض، مثل: الرواية المصورة.
إن التغيرات التي طرأت على أشكال وموضوعات هذا النمط الأدبي (الرواية التاريخية)، تشير إلى رغبة الكنديين المتصاعدة، في محاولة فهم تطورهم التاريخي المعقد من منظور جديد.
إن جذور الواقعية الأدبية في كندا، تعود إلى كل من: الرواية النفسية النسائية، للكاتبة الكندية الفرنسية لورا كونن Angeline de Montbrun)1884)، ورواية المهاجر الألماني فردريك فيليب جروف (1879 –1948) المستقرون على الحدود (1925). وفي منتصف ونهاية القرن العشرين، ساعد إحياء القومية الثقافية، التي خرجت من رحم كل من: (مئوية كندا) 1967، و(ثورة كيبك الناعمة)؛ على ظهور الرواية الواقعية، بوصفها أداة مهمة وفعّالة، لمعالجة القضايا الآتية: المدنية، والغزو الثقافي الأمريكي، والعلاقات بين الجنسين (الجيندر)، وأخيرًا ميراث الإمبراطورية الاستعمارية.
فإن رواية مارغريت أتود (السطح) 1972، تجسد (على سبيل المثال لا الحصر) رفضًا قويًا للغزو الثقافي الأمريكي (والذي تصوره الكاتبة تصويرًا مجازيًا بالعدواني والمذكر) على الشخصية القومية الكندية [تصورها بالانطوائية والأنثوية/المترجم]. وتعد رواية كل من: روتش كارير (إلى المحطة سيدي) 1968، ورواية هوبرت أكوين (الحلقة القادمة) 1965، خير شاهد على الاتجاهات المختلفة لأهالي كيبك، تجاه جيرانهم الكنديين الإنجليزيين.
إن ظهور ما بعد الحداثة الأدبية في كندا؛ مكن الروائيين من استخدام أنماط سردية ولغوية مبتكرة، لدراسة العلاقات بين: الثقافات، والجيندر، والمناطق الجغرافية، من منظورات مختلفة ودقيقة. ويبدو ذلك جليًّا في الأعمال الآتية: رواية روبرت كروتش (راعي الخيول) 1969، و(الأرض الشريرة) 1975، وكذا رواية رودي ويب (إغراءات الدب الأكبر) 1973، ورواية أنداتشيي (في هيئة أسد) 1983، ورواية راجين روبن (المتجولون في كيبك) 1983، وغيرها كثير. ويلاحظ (شيري سيمون) أن هذا التغير النوعي، يتزامن مع التغيرات الديموغرافية الاجتماعية في كيبك، كما هو الحال في بقية أنحاء كندا، وهو ما يمكن تسميته (تنوع الثقافة القومية الكندية في أواخر القرن العشرين).
ويلقي الجزء الثاني من المقدمة المذكورة، الضوء البؤري على الأنواع الأدبية المهجنة، مثل: الرواية التاريخية المصورة (الجرافيك)، وروايات الشعراء (نمط من الرواية، يجمع ما بين ملامح القصيدة الغنائية الطويلة، وملامح الرواية الواقعية) التي تعكس مدى تنوع الاتجاهات الجديدة المهمة، في ملامح الرواية الكندية، وذلك في بدايات القرن العشرين. ولقد أضافت (شيري سيمون) قائلة إن التراكيب المهجنة للرواية التاريخية المصورة للكاتبة: تشستر برون (لويس ريل: سيرة ذاتية مصورة) 2003، ورواية القصيدة للشاعرة: آن كارسون، لتوحيان (إيحاءً متصلاً) بأن تاريخ كندا المعقد، وترابطها الثقافي، وهويتها الإقليمية الفريدة، مستمر في تحدي الكتاب، في البحث عن أشكال وموضوعات روائية جديدة، تناسب ذائقة الجمهور الجديد.
- ظهور الرواية الكندية باللغتين الإنجليزية والفرنسية: 1769 – 1860.
قدم الجزء السابق، نظرة عامة على تطور الرواية الكندية، ويركز هذا الجزء على الفترات الحاسمة في تاريخ كندا الأدبي، لكل من: كندا الإنجليزية، وكيبك الفرنسية، كل منهما على حدة؛ بغية تسليط الضوء على الدور الأساسي والمحوري، الذي تلعبه الرواية في تشكيل وفهم الهوية الكندية الثقافية، والتي تبدأ بسقوط فرنسا الجديدة، ودراسة أثر انعكاساتها في منتصف القرن الثامن عشر وامتدادات القرن التاسع عشر. فإنه في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، تطورت الرواية الكندية؛ عبر آليات المحاكاة (التقاليد الروائية الموروثة)، والابتكار (البحث عن أنماط روائية جديدة تناسب احتياجاتهم).
فأعطت رواية فرانسيس بروك (تاريخ إيملي مونتجيو)، والتي كتبتها روائية وشاعرة إنجليزية ذات مكانة أدبية متميزة؛ عقب زيارتها مقاطعة كيبك مباشرة، بعد انهيار نفوذ فرنسا (فرنسا الجديدة) في كندا، وأعطت لهذه المقاطعة شكلاً ذا صبغة اجتماعية، يناسب قراء القرن الثامن عشر الميلادي. ولقد حققت الرواية المذكورة ذلك؛ عن طريق الجمع بين الأنماط الأدبية الآتية: شكل مألوف (الرواية الرسائلية/ المكتوبة على شكل خطابات)، وأسلوب سردي مألوف (الأسلوب العاطفي للروائي ريتشاردسون)، إضافة إلى الملامح الغريبة لمقاطعة كيبك؛ وذلك لتحقيق هدفين اثنين، هما: الارتقاء بكندا بوصفها مستعمرة إنجليزية نموذجية، والاشتراك في مناقشة القضايا المعاصرة مثل: الحكومة الاستعمارية، وعلاقات التمييز بين الجنسين.
ومع انتصاف القرن التاسع عشر الميلادي، بدأ الكنديون يشعرون بمدى تأثير الروايات التاريخية الرومانسية لكل من: سكوت، وكوبر. وخير مثال على ذلك (الروايات القومية)، مثل روايتي: (واكوستا) و(الكنديون القدامى)، اللتين تصوران مدى التفاعل الثقافي، الحادث بين الطوائف والأعراق الكندية جميعها، إضافة إلى قدرة كندا (باعتبارها مستعمرة إنجليزية فريدة) على حل المشكلات، التي تنجم (عادة) عن تلك العداءات الثقافية المختلفة، والموجودة في كندا.
لقد عالجت الرواية الكندية، المكتوبة باللغة الإنجليزية في القرن التاسع عشر الميلادي، موضوعين مهمين، الأول: علاقة كندا الإنجليزية ببريطانيا، والثاني: قلق الكنديين بشأن التأثير الثقافي والاقتصادي الأمريكي المتزايد. فإن الروايات التي تنتمي إلى الموضوع الأول، تشتمل على أول روايتين نشرتا في المستعمرات الكندية: (دير القديسة يورسولا)، ورواية جيمس رسل (ماتلدا: الأسير الهندي) 1833، وتنتهي حبكة الروايتين المذكورتين؛ عندما تنتقل الشخصيات الرئيسية إلى إنجلترا؛ تاركين كندا، وعلى وجوههم غبر ورهق من آثار الندم والتحسر.
وتعد رواية توماس تشندلر هاليبرتون (الساعاتي/أقوال وأفعال صامويل سليك) 1836، والتي ساهمت بشكل فعال، في تطوير السخرية الاجتماعية (كانت خير نموذج للاتجاه الثاني المعادي لأمريكا)؛ إذ إنها تنتقد المادية الأمريكية الخشنة والمتزايدة. ومازالت هناك روايات عديدة، تسجل وتوثق الحياة الإمبريالية في كندا، وتستخدم (أيضًا) دليلاً للمهاجرين البريطانيين، ورواية سوزانا مودي (العيش في الغابة) خير مثال على ذلك. وعلى غرار رواية كاثرين بار تريل (الغابات الخلفية لكندا)، والتي تقدم تسجيلاً إنسانيًا واقعيًا، لحياة المقيمين في كندا. كما أن الرواية المذكورة، تحكي (أيضًا) السيرة الذاتية للكاتبة، وما تعرضت له من تجارب مأساوية؛ عقب انتقالها من إنجلترا، إلى ما يسمى الآن (أونتاريو الشرقية).
ومع بدايات العقود الأولى من القرن التاسع عشر، بدأت الرواية الكندية (المكتوبة باللغة الفرنسية) تطورًا ملحوظًا؛ خوفًا من الهيمنة الثقافية والسياسية الإنجليزية. وهناك عامل محفز في تطور الرواية الكندية الفرنسية، فيما يختص بازدهار القومية الثقافية الرومانتيكية، وهو فحوى الوثيقة السياسية، للكاتب لورد درهام، والمعنون: (تقرير بشأن الشئون الخارجية في أمريكا الشمالية الإنجليزية) 1839. ولقد نادت الرواية السابقة، بحق الكنديين الفرنسيين، في الاندماج والتعايش الآمن في سياق كندا الإنجليزية. وكما يلاحظ (إي. دي. بلودجيت) أن تقرير درهام الآنف، كان له تأثير ثابت ونهائي وحاسم، في كندا الفرنسية؛ لأن كندا الفرنسية (والتي كانت مستعمرة مستقلة للمقيمين) قد تم (فعلاً) احتلالها من قبل الإنجليز، وأن محاولات تعريف الذات، التي شغلت الكتابة الفرانكوفونية قد بدأت بالفعل.
وتحتوي الروايات الكندية الفرنسية (المنشورة قبل هذا التقرير)، مثل روايات: (تأثير كتاب)، و(اكتشاف الجريمة) 1837، للكاتب فرنسوا ريل أونجيه (1812 – 1860)، و (الكتيبة الكندية)، على تعبيرات محورية، توحي (إيحاء عميقًا) بالقلق الثقافي، ولكنها لم تتسم بالطابع القومي العميق. فإنه بعد نشر تقرير درهام؛ تميزت الرواية الكندية الفرنسية، بالطابع القومي في الموضوع والنبرة. وقد استدعت الرواية الفرنسية التاريخية (بطريقة مباشرة وجلية): الأدب الشعبي، والتاريخ، وفنون الطباعة؛ من أجل أن تصور بفعالية أن الكنديين الفرنسيين، أبناء أصليون في هذه الدولة. وترفض روايات القرية، استيراد شخصيات وأماكن وحلولاً أوروبية. وخير مثال على ذلك، رواية (الطريد) 1846، للكاتب باترس لاكومب؛ وتدور أحداث الرواية المشار إليها، حول رجل عاد من منفاه، ليجد أرضه قد اغتصبها الغريب الإنجليزي.
- الرواية الكندية في فترة الكونفدرالية وبداية القرن العشرين: 1860-1914
يرصد هذا الجزء التغيرات التي طرأت على موضوعات وتقنيات الرواية، التي حدثت في فترة الكونفدرالية الكندية (1867) وبداية القرن العشرين. ومع أن الرواية التاريخية ظلت محافظة على شعبيتها (أواخر القرن التاسع عشر الميلادي) فقد شهدت بداية القرن العشرين، ظهور عديد من الأنواع الروائية الجديدة، مثل روايات: الخيال، والواقعية النفسية، والنقد الاجتماعي. لقد لاقت الرواية الكندية (بعد الكونفدرالية مباشرة) قبولاً مشهودًا، من قبل المسئولين؛ من أجل خلق هوية كندية متميزة، تختلف (تمامًا) عن الشخصية الأمريكية والبريطانية. ولقد ظلت الرواية التاريخية (لفترات وجيزة) مفضلة؛ للتعبير عن هموم القومية.
وعالجت روايات تلك الفترة، وخاصة المكتوبة باللغة الإنجليزية، العلاقة بين الفرنسيين والإنجليزيين، ولكن الروائيين الآخرين، وظفوا تلك التيمة لغايات مختلفة؛ فإن الروائيين المهتمين بتشجيع التعددية الثقافية، صوروا كندا الفرنسية، بطريقة تثير شفقة القراء الإنجليز، الذين مازالوا (بشكل عام) غير منسجمين مع جيرانهم الفرانكوفونيين. ومن أمثال هؤلاء الكتاب: الروائية روزانا لبيروهورن (Antoinette de Mirecourt, 1864)، والروائي ويليام كيربي (الكلب الذهبي، 1877)، والروائي الأمريكي المولد تالن ليسبرنس (The Bastonnais, 1877).
ولقد وظف الروائيون الكنديون الإنجليزيون هذه التيمة، وخاصة الذين نشروا أعمالهم أواخر القرن، من أمثال جلبرت باركر في روايته (مقاعد السلطان) 1896، في الارتقاء بالنسخة الكندية للتفوق (الأنجلو- سكسوني). وقد لاحظ جون روبرت سورفليت أن هذا التفوق، للقومية الكندية الإنجليزية؛ قد ألهب حماس عديد من الروائيين، بداية القرن العشرين حيث ألقى الضوء على علاقة كيبك ببقية مناطق كندا (244).
عالجت الروايات الكندية، المكتوبة باللغة الفرنسية في فترة الكونفدرالية الموضوع نفسه (العلاقة بين الفرنسيين والإنجليز)، ولكن بطرق مختلفة عن نظرائهم الكنديين الإنجليزيين، ومنها: رواية جوزيف مارميت (المتعصب المنتظر) 1873؛ ويرجع السبب في ذلك إلى عنصرين اثنين، أولاً: لأن الكنديين الفرنسيين نظروا إلى أنفسهم بوصفهم محتلين، وبالتالي فإن تقديمهم لهذه العلاقات الثقافية في رواياتهم، قد تحفزه أيديولوجية أنهم يريدون أن يتحروا أولاً من ثقافة المنهزم.
وثانيًا: ظهور شكل جديد من القومية (المعروفة بالقومية اليسوعية)، التي غيرت في شكل وموضوعات الرواية الكندية الفرنسية. وقد نادت هذه الروايات، كما يرى (إيف دوستلر) بالدفاع عن حق الفرنسيين في ملكية الأرض، إضافة إلى تأكيد حقيقة أن الفرنسيين، هم الذين طوروا حضارة أمريكا الشمالية (47). وبوصفه رد فعل لهذا الشكل من أشكال القومية (القومية اليسوعية)؛ أعلن رجال الكنيسة الكندية الفرنسية، أنها العاصم الوحيد، الذي يعصم الناس من الهلاك والتشتت. ولقد سعت (بكل الوسائل الممكنة) إلى إحكام قبضتها على أنظمة التعليم والنشر والصحافة؛ من أجل حماية تكامل ووحدة الثقافة الفرنسية الكندية. وخير مثال لهذه الروايات: رواية (الكنديون القدامى)، ورواية نابليون بوراسا (جاك وميري) 1865، ورواية الروائي والمؤرخ جوزيف مارميت (الحاكم المتعصب) 1872. وقد كانت هذه الروايات تعويضًا مبررًا، عن الخسارة التاريخية للمستعمرات الفرنسية في كندا، لصالح القوات البريطانية؛ حيث عددت تلك الأعمال مزايا: المجتمع الفرنسي التقليدي، والعادات الزراعية، والكاثوليكية الدينية.
وفي الفترة ما بين 1890م والحرب العالمية الأولى، تغير فهم وإدراك الروائيين الكنديين لمجتمعهم، وأدوارهم الاجتماعية المنوطة بهم؛ من خلال أعمالهم الروائية. فإنه في عام 1890م، عززت روايات كلا الكاتبين الإنجليزيين الكنديين: تشارلز روبرتس، ورالف كونر نسخة جديدة من الهوية الكندية، التي نجحت في بناء جسر قوي بين: الاستعمارية (الأنجلو- سكسونية)، والمسيحية.
وأصبح (رالف كونر) العمود الفقري في تطور المسيحية العضلية، التي احتفلت بقوة نشاط العقيدة المسيحية، واعتنق هذه الفلسفة (أيضًا) عديد من القراء المعاصرين. ولقد حققت الثلاث روايات الأولى، التي نشرها رالف كونر: (الصخر الأسود) 1898، و(الطيار) 1899، و(رجل من جلن جاري) 1901، نسبة مبيعات عالية (تجاوزت مليون نسخة). ومع ذلك فليست كل الروايات المنشورة (في الفترة المشار إليها) قد اهتمت (اهتمامًا صريحًا) بالإمبراطورية. وإنما هناك عديد من الروايات، التي صدرت في فترة ما بعد الكونفدرالية، قد اهتمت (على نطاق واسع) بتسليط الضوء على المناطق الإقليمية الكندية.
ومن جملة الروايات، التي اهتمت بالإقليمية الأدبية: رواية مونتجمري (آن وجرين جيبول) 1908، وقد اتخذت من جزيرة الأمير إدوارد مسرحا لأحداثها، ورواية ميرين كيث (دنكن المؤدب) 1905، في أونتاريو الجنوبية، ورواية جودردش (الريش الأحمر) 1907، و(رئيس المرفأ) 1913 في نيوفوندلاند وليبرادور. ومما تجدر الإشارة إليه (إضافة إلى ما سبق) رواية مارغريت مارشال سوندرز (1861- 1947) جو الجميل (1893)، وتحكي قصة كلب يسيء صاحبه معاملته. وقد شاركت هذه الرواية (والتي حققت نسبة مبيعات كبيرة، تخطت حاجز العشر ملايين نسخة) باعتبارها أول رواية يكتبها كندي، في مسابقة الجمعية الإنسانية الأمريكية.
وفي كندا الفرنسية (وخاصة مع بداية القرن العشرين) استمرت الرواية في تأثرها بالقيود التي فرضتها الكنيسة. ولقد قدمت بعض الأنواع الروائية (مثل: الفانتازيا، والواقعية النفسية) الأفكار والتقاليد المحافظة، خاصة الكاثوليكية، المؤيدة لسلطة البابا المطلقة، والتي استمرت في السيطرة والهيمنة على الساحة الثقافية. وتعد روايات كل من: ليونل جرولكس (الخازوق الحديدي) 1922، وفيلكس أنطوان (سيد النهر) 1937، وجوليه- بول تاردايفل (من أجلك يا بلادي) 1895، خير شاهد على هذه الفترة: إقامة دولة دينية كندية فرنسية، فيما بين عامي: (1945-46).
وقد بدأت جذور الواقعية النفسية النسائية في الظهور، مع حلول منتصف القرن العشرين (حتى نهايته)، في أعمال الروائية ميري كلير بليس (5 أكتوبر 1939م)، مثل: (فصل في حياة إيمانويل) 1965، والروائية آن هيربرت (كاموراسكا) 1970، إضافة إلى روايات كونن. ومع أن كونن، قد حقق شهرة عالمية؛ بوصفه كاتبا للرواية التاريخية، فإنه قد اشتهر أكثر؛ بسبب روايته (أنجيلين دو مونتبرن) 1884، والتي تعد إنجازا غير مسبوق، في مضمار الواقعية النفسية، التي تعطي اهتماما للمسكوت عنه في حيوات الفتيات، والإناث المعارضات لسطوة آبائهن.
وفي السنوات السابقة للحرب العالمية الأولى، نشر الروائيان: ستيفن لكوك، وسارة جانيت دنكن أعمالهما الروائية، وصنفا (من قبل النقاد) أنهما أول روائيين واقعيين. ودفاعا عن فضائل الحضارة البروتستانتية الإنجليزية؛ اعتبر لكوك (الاقتصادي السياسي الساخر) المتحدث الرسمي لحركة الفيدرالية الاستعمارية. وتظل رواية (شروق الشمس على مدينة صغيرة) 1912، ورواية (مغامرات أركيدي مع ثري كسول) 1914، أفضل أعماله. وتحفل هاتان الروايتان بكندا؛ بوصفها جزءًا من الإمبراطورية البريطانية، بينما تنتقدان المناطق الريفية الكندية الأخرى. وتعالج روايات سارة دنكن عددًا من القضايا الشائكة، مثل: استقلال المرأة، والطبقية البريطانية الإنجليزية. ومثلما كانت سخرية لكوك عميقة الأثر، فإن تهكمات دنكن، تمثل السخرية من الاحتجاجات (وليس من أفعال التمرد)، ضد إعادة نشر القيم البريطانية في المستعمرات (دبليو. ايتش. نيو 105).
- الحرب العالمية الأولى والثانية وفترة الكساد العام: الرواية الكندية 1914-1960
لقد تعددت وتشعبت الأنواع الأدبية، لكل من: الواقعية النفسية، والإقليمية الأدبية، إضافة إلى إعادة بعث الرومانس الأدبية؛ نتيجة التغيرات الاجتماعية الجذرية، في فترة الحربين العالميتين، والكساد العام (1929-1939). وتطورت الرواية الكندية؛ نتيجة الاهتمام بـ: التصنيع، والمدنية، وظهور بعض القوميات فيما بعد الحرب، مثل العوامل الفعالة التي سعت (سعيا حثيثا) في تحديث كندا على المستويات جميعها. تغيرت الرواية الكندية تغيرًا دراماتيكيًا جذريًا، في السنوات التابعة للحرب العالمية الأولى (1914-18)؛ فلقد قادت الروائيين رغبة شاملة، في توضيح تأثير التغيرات الاجتماعية السريعة، في هوية الأفراد.
ولذا اتجهت الرواية الكندية إلى أحد اتجاهين: أولاً إحياء النموذج الرومانسي من أجل الدفاع عن شرعية القيم التقليدية، خاصة في أوقات الاضطرابات. وثانيًا نبذ الرومانس من أجل الواقعية؛ بغية اكتشاف اهتمامات جديدة فيما يخص الأسباب الاجتماعية والاقتصادية، التي ساعدت في اغتراب الأفراد عن أسرهم ومجتمعاتهم وأرضهم. وخير مثال على الاتجاه الأول سلسلة روايات روتشي (جلناJalna)، السلسلة الروائية التي بدأت في الظهور عام 1927م. وتتكون هذه السلسلة من ست عشرة رواية، ولقد حققت نسبة مبيعات عالية (أكثر من الروايات التي كانت تعضد وتمجد وتداهن الاستعمار “روايات المخلصين والموالين لبريطانيا”). وتعد روايات الكاتب الهندي الساخر والمحافظ: جراي أول (1888 – 1938) (حجاج من الغابة) 1934، و(مغامرات ساجو وأهلها الصيادون) 1935، آخر روايات الشطار (روايات البيكارسك التي حظيت باهتمام خاص في فترة الكساد)، التي تصور الحياة البرية والبدائية؛ خاصة بعد خشونة وشظف واقع الحياة اليومية.
لقد تطورت الواقعية الأدبية؛ نتيجة ظهور مجلتين أدبيتين بارعتين، هما: (بائع الكتب الكندي) 1919، و(المنبر الكندي) 1920. ونادت هاتان المجلتان، بضرورة وجود واقعية جديدة، قادرة على تمثيل وتقديم كندا المستقلة الحديثة، التي بزغ نجمها عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى. ونتيجة لهذين المطلبين؛ ظهر عديد من أنواع الرواية الواقعية الأدبية، مثل: واقعية البراري، وواقعية المدينة، التي سجلت الآثار النفسية للتغيرات الاجتماعية بدقة متناهية. وفي خلال عشر سنوات، ظهرت روايات عديدة، مثل: رواية دوجلاس ديركن (غراب العقعق) 1923، ورواية مارثا أوستينسو (الإوز البري) 1925، ورواية فريدريك جروف (المقيمون على الحدود)، وأخيرًا رواية مورلي كالاغان (الغريب الهارب) 1928.
وتقدم تلك الروايات، إرهاصات مهمة لروايات جديرة بالذكر، نشرت فعلا (عقب الفترة المشار إليها). فعلى سبيل المثال، تصور الرواية الإقليمية للكاتب أرنست بكلر (الجبل والوادي) 1952، النواحي المحبطة للحياة في وادي أنابوليس، في ولاية نوفا سكوتشيا، بصورة أكثر رومانسية. وتجمع رواية شيلا واطسون (1909 – 1999) (الخطاف المزدوج) 1959، ما بين: الميثولوجيا المسيحية، والأساطير البدائية؛ من أجل سرد السيرة الذاتية لجيمس بوتر. وتعد الرواية آنفة الذكر، أنموذجًا جيدًا للرواية الواقعية النفسية، فقتل بوتر لوالدته في المشهد الافتتاحي للرواية؛ يعطي للمؤلفة الفرصة الكافية، لمعالجة كثير من القضايا، مثل: الاغتراب، والمجتمع، والخلاص.
ومع نهاية الحرب العالمية الأولى، تغير المجتمع الكندي الفرنسي، وبالتالي تغيرت (أيضًا) التيمات التي عالجتها الرواية. ولقد أصبح المجتمع مدنيًا وصناعيًا، بدلاً من كونه زراعيًا هرميًا. فأصبحت البطالة مشكلة عصيبة، يعاني منها الكنديون الفرنسيون، وبدأوا يبكون على ماض قد أجبروا فيه على المشاركة في حرب عالمية، لا ناقة لهم فيها ولا جمل مساندة للإنجليز. وبدأت الرواية المعاصرة في إعادة استخدام موتيفات تقليدية (الأرض والمواطن)، تسجل إحساسهم المتزايد بالاغتراب.
ولقد تبنت رواية لويس هيمون (ماريا تشابديلين) 1913، موتيفا تقليديا هو الرعوية؛ كي تشارك في المجادلات المعاصرة، فيما يخص الهجرة بأعداد ضخمة إلى أمريكا، وإعادة تأكيد القيم التقليدية، بوصفها وسائل مؤثرة لضمان المحافظة على الحياة الأسرية، والنهوض بالمجتمع. وتسجل رواية رينجو (ثلاثون فدانًا) 1938، تأثير الثورة الصناعية في المجتمع الكندي الفرنسي. ولقد خرجت هذه الرواية من رحم الرواية الريفية؛ لتؤكد فكرة أن الطبيعة والمجتمع أصبحا غير مباليين بمعاناة الإنسان الكندي الفرنسي، الذي تحول بالفعل إلى شخص تراجيدي. وبسبب التغيرات الصارخة، التي أحدثتها الحرب العالمية الثانية (1939-45)؛ ناقشت الروايات، التي صدرت في هذه الفترة (1960-1940)، تيمات الاستبطان.
وفي الوقت ذاته، عالجت روايات المهاجرين بعد الحرب (على نطاق واسع) التجارب الشخصية لهم، ولقد تملك الفشل والنجاح (خلاصة ما تواضع عليه المهاجرون إلى كندا) كثيرًا من الروائيين، مثل: الكاتب اليهودي الأسترالي المولد هنري كريسل في روايته (الرجل الثري) 1948، ورواية براين مور (نصيب جينجر كوفي) 1960، وروايات الكنديين اليهوديين، مثل رواية ريتشلر (ولد لبطل صغير) 1955، ورواية الكاتبة ويزمان (القرابين) 1959، ورواية كلين (اللفة الثانية) 1951. وقد عالج الروائيون الكنديون الفرنسيون، وعلى رأسهم جابريل روي (1909-1983) في روايته (الكأس المعدني) 1945، موضوع الاغتراب النفسي، الذي ميز فترة الانتقال من المجتمع الزراعي (فترة ما قبل الحرب)، إلى المجتمع الصناعي (فترة ما بعد الحرب).
ولقد بدأت الرواية الكندية، في اللحاق بركب الرواية العالمية، قبل أن تصل إلى المئوية. فإن الروائيين الذين حققوا نسبة مبيعات عالية، هم: هج ماكلينن في روايته (ارتفاع الضغط) 1941، ورواية (عزلتان) 1945، وثلاثية روبرتسون ديفيز (زوبعة توست) 1951، ورواية (خميرة الشر) 1954، ورواية (خليط من الهشاشة) 1958، ورواية آن هيربرت (الغرف الصامتة) 1958، ورواية ميري كلير بليس (الأشباح المجانين) 1959. وفي عام 1948م، نشر مجموعة من الرسامين والناشطين المعروفين باسم (العفويون) بيانهم الرسمي (الرفض الشامل) 1986، الذي تحدوا فيه سلطة الكنيسة الكاثوليكية، ودافعوا عن تحديث وعولمة كيبك. ولم يعكس هذا البيان (فقط) روح هذه العقود، التي شهدت تغيرات اجتماعية وتحولات جمالية غير مسبوقة، ولكنه شجع (في الوقت نفسه) التغيرات الأيدولوجية والثقافية الجبارة، التي تصاعدت منذ ثورة كيبك القومية، التي أطلق عليها (الثورة الهادئة) عام 1960.
- ما بعد الحداثة والتعددية، الرواية الكندية: من 1960 حتى الوقت الحاضر
إن شعبية تقنيات ما بعد الحداثة (إضافة إلى تنوع الروايات التي كتبها المهاجرون والأقليات العرقية) قد ساعدت (مساعدة كبيرة) في تغيير إدراك الكتاب وذائقة القراء، فيما يتعلق بـــــــ: الموضوعات، والأشكال، والأماكن الروائية الكندية (بوصفه رد فعل لموجة الثقافة القومية، التي صاحبت رواية “مئوية كندا” 1967). إضافة إلى التأثير الأدبي المتزايد، لمرحلة ما بعد الحداثة، التي وضعت تعريفات للنصوص الأدبية، على أساس قدرتها على التوجيه والإرشاد، بدلاً من مجرد نقل الأحداث من حولها؛ اعتنق كثير من الروائيين الكنديين، منذ عام 1960 فصاعدًا، التجارب الشكلية واللغوية (الشكلانية الروسية).
وفعلوا ذلك في محاولة منهم لتحدي التعريفات التقليدية للهوية الكندية، في الوقت الذي تحرروا فيه من تقاليد الواقعية الكلاسيكية. فإن تقديم كل من ثنائية اللغة الكندية الرسمية (1969)، وتعدد الثقافية (1988)؛ ساعدا في تأكيد مكانة كندا العالمية، بوصفها دولة ثنائية اللغة، ومتعددة الثقافات. وفي الوقت نفسه، أكد عدد من الروائيين، بعض النواحي الثقافية الكندية الفريدة، مثل: رواية فيندلي(]48) (الحروب) 1977، ورواية مارلات (أنا التاريخية) 1977، ورواية جورج بورنج (الماء المغلي) 1980.
ولقد اقتبس هؤلاء الروائيون ومعاصروهم، عديدا من العناصر من: الثقافات الشفهية البدائية، والتاريخ المحلي، والصحافة، وفن التصوير، والجامعة، ووسائل الإعلام الأخرى؛ للدفاع عن عدد من المنظورات الثقافية والإقليمية والجيندر (خاصة المسكوت عنها) المخالفة، في أثناء دفاعهم عن التكامل المعرفي لرواياتهم. ولقد حققت رواية ما بعد الحداثة، عمقًا فريدا للاستبطان النفسي، كما هو الحال في أعمال: كارول شيلدز، وقد تضمنت أعماله: (سوان) 1987، و(المذكرات الصخرية) 1993، و(إذا لم) 2002، حيوات: النساء، والأصوات، والمنظور، في محاولة اكتشاف أوسع للغرض من الحياة.
ومنذ عام 1980م (حتى الوقت الحاضر) ظهرت بعض الروايات المتميزة، التي ضيقت الفجوة بين: الثقافة الراقية، والثقافة الشعبية. ومن بين هذه الأعمال أولاً: روايات تكنولوجيا النضج، كما في رواية دوجلاس كوبلاند (الجيل x) وثانيًا: روايات الخيال العلمي على طريقة (سايبربنك) [قصص عن أحداث خيالية، متعلقة بعلم الحاسوب، وغالبا ما تدور أحداثها في المستقبل]، كما في رواية ويليام جبسون (نيرومانسر) 1984، وأخيرًا: الروايات التاريخية التصويرية، كما في رواية تشستر براون، وبرنس أينشتاين: (أنا كنت طفلاً من الأحياء من مذبحة الهولوكوست) 2006.
- المصدر:
Cabajsky, Andrea (2011). “Canada,” The Encyclopedia of the Novel (Edited by Peter Melville Logan, Volume I). Oxford: Wiley & Blackwell: pp. 134- 144.
د. أشرف إبراهيم محمد زيدان
جامعة بور سعيد – كلية الآداب / مصر