الأدب النسوي

شرقية في الغرب

 

” لَم أُعجَب لِشَيء في إنجلترا، عَجَبِي للحُرِّيَّة الشَّخصيَّة الَّتي تَحِسُّ أَنَّكَ تَتَنَفَّسَهَا مَعَ الهَواء، وَالمَمنوحة بأوسع مَعَنِيها لِكُلِّ إنسان، ما دامَ لا يَخِلُّ بالنِّظام، ولا بالآداب العامَّة، ولا بالأدب العام، هذهِ الحُرِّيَّة الَّتي تجعل منهم أسياداً طليقي القول والرأي والفعل، لكُلٍّ منهم مبدأ خاص لا يخشى إعلانه، وشخصيَّة مُحتَرمة لا تستعبدها القيود. وَلَكَم كُنتُ أطرب إذ أراهم يسيرون في حياتهم بصراحة لا تشوبها مواربات؛ لأنَّها تأتي لهم الإتيان بصغارات قَد يلجأهم إليها السير في الخفاء.

انطلِق كَما تشاء، وَتحدَّث بما تشاء، فأنتَ مُتمتِع بِنِعَم البلاد، والحُرِّية مَعبودة الجمع، ولكنِّها حُرِّيَّة تُهذِّبها المَدَنية فلا تظهر خَشنة، ولا طائشة.

وَبأدب راقٍ خالٍ مِنَ الإدعاء الفارغ، وباحترام لا تشوبه مُبالغة، تُعامَلُ المرأة كيفما اتَّجهَت، وَإنَّنِي أقُول ولا أكادُ أُصدِّقُ ذلك، بأنَّني أَقَمْتُ في إنجلترا سنتين، لم أسمع فيهما كلمة تخدش الأذهان، وَلَم أرَ نظرة تُوجَّه إلى امرأة بفضول، وَقد بقيتُ أشهراً أذهب صباح كُلّ يوم مقدار ساعة بالقطار؛ لآخذَ دُرُوساً في الإنجليزية، والازدحام يكون على أشدِّهِ في ذلك الوقت، والقطارات ملأى بالفتيان والفتيات، كُنتُ أقصد دائماً مُلاحظة آدابهم. فَمَا كُنتُ أرى رَجُلاً إلّا معه جريدته يستغرق في قرائتها، وكُلّ فتاة تتلهى بجريدة مُصوَّرة، أو تفتح كتاباً، أو تخرج من حقيبتها شُغلاً تُتابع حياكته بالصنارتين، حتّى اضطَرَرْتُ أن أفعلَ مثلهم، وَأُهيء كُلَّ يوم شيئاً أقرأه في القطار.

وَقَد نالت الإنجليزية من الحُقوق العامّة، ما يمكنها أن ترفع رأسها به تيهاً، أمامَ الأُمم حتّى نالت مُؤخراً حقّ الانتخاب على إطلاقه.

وكنت كلّما رأيت الفتاة الإنجليزية تتمتَّع بِنِعَم الحياة الوافرة، أتمَّثل الجهود التي بذلتها في أجيال مُتطاولة؛ لبلوغ هذهِ المرتبة الرَّفيعة، ولكن رُؤيتها كانت تُثير في نفسي عاطفتين:
• كُنتُ أُعجَبُ بها وَأغبطها، مأخوذة اللُّبّ بهذه القدوة الحَسِنة.
• ثُمَّ كُنتُ أَتألَّم وَأشكو الإجحاف من دُنيا تحسبُ عليَّ هذهِ الأيَّام الَّتي أحياها من العُمر، حياةً.”


عنبرة سلام: أديبة لُبنانية مِنَ الأديبات العربيات الناشطات في مجال تحرير المرأة العربية، فضلاً عن عملها في حقل تحرير المرأة، فهي كاتبة وروائية وَمُترجمة، من أهم إنجازاتها الأدبية أنَّها قامت بترجمة – الإلياذة-* إلى اللُّغة العربية، وقامت فيما بعد بترجمة – الإلياذة-* و- الأوديسة-* إلى اللغة العربية.

 

بالعربيّـة

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى